الفصل العشرون

6K 151 2
                                    

يجلس متراس المائدة وهو يشعر بسعادة غير طبيعية فأحب اثنين على قلبه يجلسان بجواره ، هي على شماله ووالدته الغالية على يمينه ثم تأتي ابنة خاله " مديحة " تجلس بجانب والدته ،ابتسم بخبث وهو ينظر بطرف عينه إلى هنادي وكيف تحاول أن تخفي انزعاجها منها ، وخاصة بعد تأنق الاخرى واظهارها لجمالها بشكل ظاهر وملفت للنظر اتسعت ابتسامته ليلتفت إليها ويتأملها مليًا ، مهما حدث منها ومهما مرت السنوات لازال قلبه يخفق بشده عندما ينظر إليها ، وقع نظره على يدها التي ترتجف بتوتر ، يعلم جيدًا ان والدته السبب فيه ، ذلك التوتر الذي ينغص عليها حياتها ويجعلها قلقة وغير طبيعية في تصرفاتها ، فالأسبوعين الماضيين كانت طبيعية جدًا ، مرحة ومتألقة كما اعتادها وضع يده بهدوء على يدها ليبث لها بعضًا من الطمأنينة
أجفلت في بادئ الامر ثم ابتسمت له بامتنان وشدت بأصابعها على يده غرقا في نظراتهما وغفلا عن الاثنتين اللتين تراقبان الوضع بتفحص زمت فوزية هانم شفتيها بعدم رضى وشعرت بالغضب يملأها لتقول بصوت خرج حاد : هشام .
انتبه على صوت أمه الحاد ، رفع حاجبيه بدهشه فصوتها بتلك الطريقة جعلته يتذكر تأنيبها له عندما كان صغيرها 
نظر لها باستفهام فابتسمت ابتسامة لم تصعد إلي عينيها وقالت بمهادنة :
كنت أفكر أن تصحب ابنة خالك إلي أحد الأماكن الليلة ، فهي منذ يومين هنا لم تخرج من باب البيت .
توترت الأخرى بشكل لفت انتباهه ، ابتسم بمجاملة ونظر إلي ساعة يده وقال بتساؤل مندهش : الآن أمي ؟! أنها تجاوزت العاشرة !
أشارت بيدها بلا مبالاة : لا يهم ستكون معها .
أتبعت في هدوء : ثم نحن بالصيف والقاهرة مستيقظة حتى الفجر .
تنفس بعمق ثم رفع وجهه ونظر إلي هنادي وقال : حسنا اختاري مكانا نذهب إليه نودا
تتابع ما يحدث أمامها وهي تشعر بالغضب يغلي بأوردتها ، تعلم ما تفعله تلك السيدة جيدًا فهي ترسل لها رسائلها بقوة واقتدار فأتت بابنة أخيها لتزوجها من زوجها ، تنهدت وهي تفكر كيف لتلك السيدة التي تتمتع بطيبة تسكن ملامحها أن تحتوي على كمية من الجبروت والقوة تفوق ما يتمتع به أعتى الرجال توترت وهي تسمع ذلك الحديث الدائر بينهما وشعرت بأن فوزية هانم  تخبرها "أنا سأفعل ما أريد وأنت لن تعترضي ، فدورك محدد في تلك المسرحية الهزلية وهو أن تشجعي هشام على الزواج من أخرى كي ينجب أطفال اصحاء " شعرت بغصة كبيرة تسيطر عليها لتنتبه إليه يكلمها ، لم تسمع ما قاله فنظرت إليه وهي تحاول أن تتحكم بمشاعرها جيدًا وقالت بهدوء : عفوًا ، لم أسمعك
ابتسم ونظر إليها بحب وقال ثانية : اقترحي مكانًا نذهب إليه ثلاثتنا
لا تعلم لم شعرت بأنها على وشك البكاء ولكنها جاهدت ألا تظهر ما بداخلها قالت بصوت حاولت أن يخرج طبيعيا : لا أعلم .
هم بالرد لتقاطعه والدته : أعتقد أنها متعبة هشام من السفر وليس لها رغبة في الخروج  ثم لمن ستترك كريم إذا خرجت معكم .
لف إلي والدته في حدة ظاهره وقال بصوت قوي : ستتركه إلي المربية أمي .
نقل نظره إليها : هيا نودا اقترحي ، وإذا لم يكن لديك رغبة بالفعل في الخروج لن نخرج .
احمر وجهها بقوة وشعرت بسعادة كبيرة تملئ روحها ليتبع هو برجاء فخم : هيا حبيبتي ، تدللي .
لمعت عيناها بدلال وقالت بصوت حماسي : ما رأيك في امسّية شعرية .
قهقه ضاحكًا وغمز بعينه وهو ينهض من على المائدة : كما تريدي ، هيا اجهزي لنخرج
ابتسمت بثقة لتكف عن الابتسام وهي ترى نظرات فوزية هانم ، شعرت بالتوتر من نظراتها الغاضبة ولكنها لا تعلم ما الجنون الذي لبسها فتعود
وتبتسم من جديد وهي تخبرها بعينيها أنها ستظل تملك قلب ولدها الحبيب
ظهر الغضب بوضوح على وجه الأخرى وهمت بأن تتكلم معها ليأتي صوته من خلفها : هيا هنادي حتى لا نتأخر أكثر من ذلك .
اتسعت ابتسامتها وقالت بدلال قصدته تلك المرة لإغاظة والدته: حسنًا حبيبي سأجهز حالاً .
اتبعته لتقف عند باب الغرفة وتلتفت إلي الأخرى وتقول باستخفاف : ألن تأتي ديدي ؟ هشام لا يحب أن ينتظر !
قالتها ببرود مغيظ فاشتعلت عيني الأخرى بغضب واضح وتمتمت بشيء لم تتبينه ابتسمت وقالت وهي تختفي من أمام نظراتهم : على راحتك .
تبادلا النظرات لتقول السيدة فوزية بصوت قوي : حسنًا هنادي ، جرؤت على أن تتحديني ، سنرى .
نظرت لابنة اخيها وقالت : لا تهتمي بها ديدي وهيا حتى لا تتأخري ففعلاً هشام لا يحب الانتظار .
تمتمت بصوت منخفض : وأنا سأتصرف معها لا تشغلي رأسك بها .
***
التفت في حدة إلي الصوت وراؤه لتتسع عيناه بدهشة ويحاول أن ينهض واقفا قال الاخر وهو يتقدم منه : استرح يا سيادة الرائد .
مد يده مصافحًا وهو يبتسم  : مرحبًا سيدي .
صافحة الآخر بقوة وجلس أمامه : كيف حالك الآن ؟
__بخير الحمد لله .
نظر له أمير بتساؤل فقال الآخر : أنا أعلم بحالتك الصحية جيدًا وعلى أقل
تمتم بقهر : شهر .
زفر الآخر بقوة : نعم أمير ، أريدك أن تخرج من هنا سليم معافي ، إن شاء الله .
قال بتوتر : ولكن سيدي أنا أريد الخروج الآن .
رفع الآخر حاجبية وقال بدهشة : كيف وأنت لم تستطيع أن تقف لترحب بي ؟
فرك كفية بغضب ليقول الآخر بلهجة آمرة وملامح صارمة : أخبرني لما تريد الخروج من هنا؟
أشاح أمير بوجهه وقال من بين أسنانه : أشعر بأني مقيد ، لا أستطيع التنفس .
انفرجت ملامح الآخر عن ابتسامة خفيفة وقال : اهدئ واعلم أنك لابد أن تستكمل علاجك .
نظر له بتفحص وقال في حدة خرجت رغمًا عنه : هل يوجد سبب أخر لحبسي هنا ؟
لم تتغير ملامح قائده ليقول بصوت هادئ : ليس الآن أمير ، ستعلم كل شيء بوقته .
قال سريعًا بغضب : لماذا ؟ أريد أن أفهم ما يدور من حولي .
قال الآخر بنبرة محذرة : أمير .
زفر بضيق وظهر القهر على وجهه ،ربت الآخر على ركبته : لا تقلق واعلم جيًدا أني أفعل هذا لأمنك
نظر بدهشة : ممن ؟ وأتبع صائحا : من الذي يهددني ؟
اتسعت ابتسامته قليلاً : تخلى عن فضولك يا سيادة الرائد.
ظهر الغضب والتساؤل على ملامحة فاتبع الآخر : مؤقتًا .
هز رأسه في ضيق وهو يشعر بالتمرد يملأه على تلك الأوامر الحمقاء ، نهض الآخر وتقدم باتجاه الباب ثم وقف وقال له بابتسامة : ما أخبار شقتك الجديدة ؟
نظر له مندهشًا وقال بتشتت : استلمتها .
ابتسم الآخر بهدوء وهز راسه قائلا : أعلم .
أتبع بأمر ودود  : اتفق مع أحد مهندسي الديكور ليأثثها لك ، حتى تكون جاهزة لاستقبالك عندما تخرج من هنا ، وأنا سأتكفل بنقل اشيائك من الشقة القديمة إليها .
نظر لرئيسه بتشكك ليومئ الآخر إليه بالإيجاب  ، هز رأسه بفهم وقال : لا تشغل رأسك سيدي ، سأترك الشقة القديمة حتى قبل أن اخرج من هنا .
ابتسم الآخر برضى وقال : أراك على خير ، سلام .
زفر بقوة بعد أن خرج الآخر من الغرفة وجز على أسنانه قويا وهو يشعر بأنه سينفجر من القهر ، تمتم بغضب طغى على عينيه : شهرًا أخر هنا .
هز رأسه بعصبية وهو يفكر في تلك الزيارة الرسمية ، تلك الزيارة التي كرهها من أعماقه فالآن سيضطر للمكوث هنا إلي أن يأمروه بالخروج .
خبط بقبضته السلمية ذراع الكرسي الجالس عليه بقوة عدة مرات لعله يستطيع أن يخرج بعضًا من ضيقه
فكر " لم يحبسونه هنا ؟ ويمنعونه من الخروج الآن ، ثم يريدونه أن يغير عنوان سكنه ، من الذي يهدده ؟ أهو شخص خطير لدرجة أن يحاول الوصول إليه ،خطير لدرجة أن يتتبع ضابطًا ويهدده أيضًا ،خطيرًا لدرجة انهم يريدون منه تغيير عنوانه وسكنه ، ابتسم بسخرية " ثم إذا كان بتلك الخطورة يستطيع أن يصل لي وأنا هنا "
تمتم بقهر : ما هذا الغباء ؟
تنفس بعمق وهو يعاود التفكير في تلك الأوامر الحمقاء بالنسبة إليه ، تمردت عيناه وهو يكرر بعقله لن يستمع لتلك الخرافات ، لن يمكث هنا كل هذا الوقت لمعت عيناه وهو يفكر " هو الوحيد الذي يستطيع مساعدتي لأخرج من هنا"
همس بخفوت : ليس أمامي غيره !
***
وقف أمامها بثبات وهو ينظر إليها برجاء أن تستمع إليه ، كاد أن يجن من قلقه عليها رغم أنه يهاتف بلال يوميًا ويطمئن على أخبارها رغمًا عن الأخير ، فبلال أعلن له رفضه لمحادثته ورفضه لتدخله في حياة ليلى بعد الآن ولكنه رغم ذلك ظل يتصل به كل يوم ، وبكل مرة يزداد إعجابه بالآخر فهو يجيب اتصالاته واسئلته الكثيرة بأدب جم ، تنهد بقوة وهو يفكر بأنه  شاب مهذب وماجدة أجادت تربيته رمش بقوة وهو يفكر بأنه تمنى مرارًا ولدًا كهذا يكون له سندًا وظهرًا وامتدادًا  ،زفر بقوة واستغفر ربه نظر إلي ليلى وشعر براحة عمت انحاء جسده ، كم يطمئن عليها الآن وهي مع ذلك الشاب الرائع ، تأملها بشوق ، ابنته الحبيبة الغالية ، مهما حدث منها سيغفر لها كل ما ستتفوه به. نعم هي ابنة أخيه ولكنها الغالية ابنة الغالي ، ابنته العاقلة ، كم يحبها ويحب وجودها حوله ، يتمنى أن تستجيب إليه وتغفر له ما حدث بالماضي وتفهم جيدًا أنه لم يفعل ذلك نكاية في ماجدة بل فعله لأنه لم يستطع أن يتركها تذهب بعيدًا عنه .
زفر بضيق وهو يرى دموعها تنهمر بقوة على خديها تقدم إليها سريعًا وهو يتألم على نشيجها المكتوم  ضمها بين ذراعيه بحنو وهو يتمتم : لا تبكي ليلى ، أرجوك .

اتسعت عيناها بقوة وحاولت أن تتحكم بارتجاف شفتيها ، وهي تراه شعرت بأنها كانت تائهة وعادت إلي  بيتها ، رغم كل شيء هو أباها الذي لا تستطيع ان تتبرأ منه ، نعم تشعر بألّم عميق داخلها بسببه ، تحمله ألّم ليالي طويلة قضتها في بكاء صامت نتيجة اشتياقها لأمها ، ليالي كثيرة قضتها تحاول أن تعالج شعورها بعدم الانتماء لذلك البيت ولا لذاك العالم ، أيام كثيرة تبتلع فيها اهانة زوجته وهي لا تنفك أن تشعرها بأنها دخيلة على حياتهم ،  كم انطوت على نفسها بسبب تلك السيدة التي طالما عاملتها بأنها أقل منها اجتماعيًا وأنها لابد أن تشكر الله أن عمها انتشلها من الضياع ، لم تشعر وسط دوامة أفكارها وهي تتذكر كل ما مضى من حياتها   بدموعها التي هطلت بغزارة مغرقة خديها وأن جسدها يرتجف بقوة
بل لم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، بل بكت بنشيج مؤلم حاد وهي تنتفض بشدة من آلام قلبها وروحها الشديد ،حاولت أن تسيطر على دموعها وتكبت اناتها بداخلها ولكنها لم تستطع ، شعرت به يضمها بحنان أبوي كما كان يفعل دائمًا
تمتم برجاء ظهر جليا في صوته : لا تبكي ليلى ، أرجوك .
لتزيد دموعها تلقائيًا كأنه أمرها بالبكاء ، ولكن ما تعجبت منه أنها لم تكن تبكي غضبًا منه بل احتياجا إليه ، نعم هي تحتاج إلي وجوده بجوارها تحتاج أباها ، رغم أنها لم تناديه بها يوما ولكنه كان أباها دائمًا وأبدًا ، فعل معها كل ما يفعله الاباء مع بناتهم ، كان أبًا ورفيقا وصديقًا وحبيبًا أيضًا ، نست كل ما فعله معها وكل آلامها الماضية لتشعر بألم اشتياقها إليه وبدلاً أن تغضب وتدفعه بعيدًا عنها وتسمعه كل ما أرادت أن تقوله إليه ضمت نفسها إلي صدره أكثر لتشعر بذلك الدفء الرائع دفء البيت ورائحة الأمان التي تنبعث منه
أحاطها أكثر بيديه وضمها إلي صدره وهو يسألها عن أحوالها ويخبرها أنه كان يطمئن عليها دائمًا من بلال ولكنه لم يستطع الصبر أكثر من ذلك وأراد أن يأتي ليراها ويطمئن عليها بنفسه .
هدأت قليلاً تحت وقع كلماته الحنون وتربيته الأبوي ،نظرت إليه بعيون باكيه ودون أن تسأله قال بهدوء : لم أريد أن اؤذيك أبدًا ليلى ، كل ما فعلته كان من أجلك ومن أجل صالحك .
نظرت له بتشكك فأتبع بتروي : لابد أن تفهمي جيدًا ليلى أني لم اؤخذك من ماجدة لأنتقم منها لأنها رفضت الزواج مني ، كما هي تظن أو كما ظنت إحسان ، لا
نعم عرضت الزواج على والدتك ،ولكن عند مغادرتي البيت واسترجعت ما قلته غضبت من نفسي ونهرتها بقسوة ليس لأني عرضت على والدتك الزواج بل لأن نفسي سولت لي ذلك الأمر ، فكرت  كيف عرضت الزواج على زوجة أخي ، كيف رغبت بها وترجم لساني تلك الرغبة إلي فعل ، كيف ارتضيت أن أشعرها بذلك الحرج وكيف سأضع عيناي بعيني عادل فيما بعد وأخبره أني تزوجت من حب حياته ، لا أستطيع أن أفعلها أبدًا ليلى ، حتى لو كنت أعشقها ، فهي بالأول والآخر زوجة أخي الغالي ،
تنفس بقوة وقال بصوت هادئ إلي حد ما : لم  اؤخذك منها للانتقام ليلى بل  فعلتها من أجل حمايتك من ذلك المدعو سليم الذي تزوجته بعدها
اتسعت عيناها بقوة ليكمل ببطء :نعم هددتها بالأمر حتى لا تتزوج ولكني بالفعل بدأت في مضايقتها حتى تتركك لي بعد أن جلست مع سليم ذلك وتكلمت معه ، كان انسان غيور وعصبي وعندما ذكرت والدك أمامه غضب بشكل لم أستطع تصديقه ، كان يكره سيرة والدك ويغار من شخص لم يعد موجودًا ، ارتعبت يومها من فكرة أن يكرهك لأنك ابنة الآخر ، ولأني أيضًا رأيت في عينيه أنه يريد أن يتخلص من مسؤوليتك ومن ذكراك في حياته فأنت تذكريه بعادل.
أخذتك ليلى حتى يكون أخي مطمئنًا وأنت معي ، حتى اريحه وهو في قبره ، ليس لأي أمر أخر .
غامت عينيها مرة أخرى وانهمرت دموعها ليضمها إليه ويقول : آسف ابنتي لم أستطع أن أتركك تبعدين عن عيناي وأن تأخذك والدتك لتهرب بك إلي بلد أخرى فلا أستطيع أن أراك واطمئن عليك ، كيف أتركها تأخذك بعيدًا وعادل أوصاني عليك ، أوصاني أن أهتم بك وارعاك كياسمين ، وأنت بالفعل عندي كياسمين إن لم تكوني أغلى منها .
لم أستطع أن أتركك لذلك الآخر وأنا أشعر بأنه سيؤذيك فعلت كل ما فعلته من أجلك ليلى .
انتبها الاثنين على صوت بلال وهو يقول : وأخفيت عنها أمر أمي أيضًا من أجل مصلحتها يا سيادة المستشار .
نظر إليه مطولاً وهو مدهوشًا من حدته الظاهرة مليًا على وجهه والتحدي الذي يطل من عينيه ، من الواضح أنه لم يعجب بما أخبره لابنة أخيه
رد بهدوء أخيرًا : مرحبًا بني .
اتسعت عينا الآخر بغضب وقال كأنه لم يسمع تحيته : لماذا لا تجيب يا سيادة المستشار هل أخفيت عنها أمر مرض أمي من أجل مصلحتها ؟
هل من العدل أن تخبرني أنك ستخبرها وتحاول التقريب بيننا وأنت توغر صدرها علينا وعلى أمي تحديدًا ، هل من الطبيعي أن لا تخبرها باتصالاتي المستمرة منذ أن عرفت بأمرها ؟ وهل ما فعلته حينما كنت لديك بمنزلك عندما وافقت ليلى على زيارة أمي والحديث معها وأنك تخبرها بأن أمي تبحث عنها الآن فقط لتنقذ حياتها كان من أجل مصلحتها أيضًا ؟ أم من أجل أن تنتقم من أمي لأنها رفضت الزواج منك ؟
زفر بقوة وقال له بهدوء : اهدئ بني لنتحدث وراعي أننا بالمشفى .
قبض بلال كفيه بقوة لينظر إليه بصبر أعجب الآخر ورسم على شفتيه ابتسامة هادئة وأتبع : اسمع بلال ، بأول الأمر كنت أرغب في طردك من بيتي ، كنت ناقم على والدتك وعليك بالتبعية ، نعم أنا أجبرت ماجدة على ترك ليلى لي ولكني لم أجبرها أن تبقى بعيدة عنها وألا تسأل عليها ، لم أخبرها وأنا أؤخذ ليلى منها أن لا تأتي أو أن زيارة لها مرفوضة ولكن من الواضح أن والدك العزيز هو من فعل ذلك لم أكن أعلم ذلك حينها ولكني قضيت سنوات طويلة تترسخ في ذهني أن والدتك رمت بليلى حتى تستطيع الاعتناء بكما وبوالدك ، كنت غاضب منها ومنك أنت أيضًا فلم انخيل يوما واحدًا أن رجل شرقي يترك أخته ولا يسأل عنها إطلاقًا كما فعلت أنت حتى أتيت إلي وأخبرتني بالوضع الذي كان قائمًا عندما كان والدك حيًا لن أنكر أني لم أصدقك في بادئ الأمر ولكنك صدقك وندمك الذي ظهرا بعينيك جعلاني أصدق ما قصصته لي ، فوافقت مبدئيًا على رؤية ليلى لكم ، وعندما أخبرتني بحالة ماجدة أشفقت عليها وأخذت ليلى لتراها في المشفى ، فأنت ابلغتني في أول الأمر أن حالتها مستعصية وأن احتمال وفاتها قريب خفت أن تتوفى والدتك دون أن ترى ليلى أو تراها ليلى فأتيت بها وحاولت أن أقنع ليلى أن تدخل لتراها وأن تعفو عما سلف وليلى تستطيع أن تخبرك بذلك .
نظر إلي ابنة أخيه فهزت رأسها بالموافقة على ما قاله ، أكمل بهدوء : لم تخبرني حينها أن والدتك تحتاج إلي اجراء عملية لزرع الكبد وأن ليلى تستطيع أن تنقذ حياتها
رد بلال سريعًا : نعم كان هذ الاحتمال غير قائمًا لأننا لم نكن على علم بوجود ليلى ، وجاء بالصدفة وأنا أتحدث مع الطبيب وعندما علم بوجود أخت ثالثة لنا أخبرني أن من الممكن أنها تستطيع مساعدة ماما .
اومئ برأسه موافقًا : وأنا أصدقك ولا أتهمك بالتلاعب معي ولكني أرد على أسئلتك ، وعندما أخبرتني أنت بهذا الحل حاولت مرارًا أن أتكلم مع ليلى ولكنها كانت ترفض التحدث معي بشأنكم ، حاولت أن أخبرها باتصالاتك ولكنها رفضت ذلك أيضًا ، بل أني سجلت رقم هاتفك بهاتفها وقلت لها اجعليه للضرورة معك ، فمن الممكن أن تحتاجيه في يوم من الأيام ، ووافقت حينها على مضض .
تنهد بحرقة وهو يتبع : وما جعلني أعود في طريقة تفكيري اصرارك على أنها ستأتي وتمضي بقية حياتها معكم ، وكأن ليس وجود لي .
نظر له بقوة : قررت الأمر دون أن تشاورني بالأمر أو حتى تتأكد من موافقة ليلى عليه ،أخبرتني به مرتين وكأنه أمر واقع علي أن أتقبله واعتاد عليه اغضبني ذلك جدًا وقررت أن ليلى لن تذهب إليكم ولن تفعل ما تريده منها كيف أن أترك لك ابنتي هكذا و بعد كل تلك السنوات ، حلفت حينها في وقت غضبي أن ليلى لن يكون لها أي علاقة بكم ، ولذا فعلت ما فعلته، لن أنكر أني مخطئ ولكني لم أستطع تقبل فكرة أن تتركني ليلى .
صاح بلال بغضب : لا يحق لك أن تفعل ما فعلته ، ليس عليها أي حق لك ، ولن تعود معك مهما فعلت
اتسعت عينا سيادة المستشار بغضب وهم بأن يرد عليه لتصيح هي بقوة : كفى .
قالتها قاطعة قوية التفتا إليها الاثنان لتقول بغضب وصوت قوي : كفوا عن تقرير اشياء تخصني وحدي .
ظهر التصميم على وجهها : أنا لست صغيرة الآن وأستطيع تقرير ما أريده وأن أفعل ما أريد ، لما تتعاملون معي على أساس أني حقيبة سفر ستحملونها مكان ما تريدون أنتم .
نظرت إلي عمها وقالت بثورة : وأنت عمي لما تكرر أخطائك الماضية ألم يكفيك ما تألمت بسبب أنك لم تستطع الابتعاد عني ؟ لم تفكر في شعوري أنا وأنا أشعر بأمي تتخلى عني ، ألم تفكر في شعوري الدائم بأني دخيلة على بيتك وأسرتك ، ألم ترى كيف كانت تعاملني زوجتك ؟ ألا يكفيك ما تحملته في الماضي ؟
نظرت له والألم يتجسد بعينيها : أنا أخبرك أنه يكفي عمي .
شعرت بغصة قوية وهي تتبع : بل يكفي ويزيد .
هم بالاقتراب منها لتصيح قائلة : لا بلال ، لا أريد أحدًا هنا الآن ، اتركوني بمفردي قليلاً .
***                  
وقف بثبات ينظر إليها ونظراته يكسيها البرود ، يردد لنفسه أن لا يتراجع عن موقفه ، أن لا يهتم بشحوب وجهها الظاهر بقوة ، ألا يهتم بمظهرها المبعثر ، ألا يهتم بدموع عينيها المتساقطة ، ردد بقوة "لا تهتم بها لتذوق بعضًا مما ذقت أنت "
نهر قلبه بعنف وأجبره ألا يخفق إليها ، تغاضى عن ما أخبروه به الطفلين وأنها كانت متعبة ، وأكدته فاطمة بأن الطبيب أتى اليها اليوم .
أغمض عيون قلبه عن كل شيء وتذكر فقط صراخها مرارًا في وجهه بأنها لا تريده في حياتها ، تذكر صوتها الباكي وهي تخبره مرارًا أنه من قتل باسم شعر بغصة قوية تسيطر عليه ، ليترجم شعوره بطريقة مناقضة  فينظر لها ببرود أشد وهو يخبر قلبه أنها بخير ترتدي الأسود وتستمع إلي الأغاني ، ودموعها جزء من شخصيتها فهي أغلب الاوقات تبكي !!
نهضت واقفة عندما أكدت لها عينيها أنه هنا ، هو بحضوره الطاغي وجاذبيته الآسرة ، حبيبها هنا ، تأملت ملامحه بنهم قوي وشوق أطل من عينيها ، تساقطت دموعها غير مصدقه لوجوده والتمعت في نفس الوقت شفتيها بابتسامة أنه أتى بعد أن اتصلت به
نعم أكدت لقلبها ولعقلها أنه اتى من أجلها ، أتى لأنها طلبت منه الحضور أتى لأنه يحبها ، أسرعت إليه تريد أن تقفز إلي أحضانه وتشعر ببعض مما تتوق إليه
تقدم بخطوات ثابته إلي داخل الغرفة لينظر إليها بجبروت طل جليًا من عينيه وقال بصوت قوي بعد أن رأى ابتسامتها الواثقة  : لا تتخيلي أني أتيت من أجلك أو من أجل طلبك لي ، فأنت وما تريدين لم يعد يهمني .
وقفت مبهوتة بشكل مفاجئ كادت أن يختل توازنها بسببه ولمت ذراعيها بجانبها وكأنها تحمي نفسها من نظراته الباردة ، نعم هي أخيرًا رأت نظراته الباردة ، أجفلت بقوة من برودة نظراته واقشعر بدنها منها ، شعرت بأن قلبها يسحق تحت جبروته اللامحدود ، وازهقت روحها بعد أن نطق بتلك الكلمات الجامدة .
سحبت نفس عميق لتهدئ من شعور الخنقة التي استحكم رئتيها لتعقد حاجبيها وهي تتساءل "لم لا تتنفس ؟" حاولت مرة أخرى  ولكنها لا تستطيع ، شهقت بعنف حتى تأخذ كمية كافية من الهواء وتحاول أن تتخلص من تلك الآلام المبرحة التي تنتهك روحها
شعرت بعدم اتزان وأن الارض تميد تحت قدميها لتهوى ساقطة أرضًا
أنّ قلبه بقوة وصرخ بسبب صدمتها التي سطعت على وجهها بعد كلماته ولكنه نهر نفسه والتزم بمظهره القوي ونظراته الباردة ليفاجئ بأنها تسقط أرضًا أمامه
التقطها بين ذراعيه بسهولة وهو يحول بينها وبين السقوط وقبل أن يشعر بدفء جسدها الذي يفتقده  ،صرخت به وهي تحاول أن تبتعد عنه : ابتعد عني .
قالتها بكبرياء قوي وتحدي سافر ، فجز على أسنانه بقوة وهو يشدها إليه : لا تجرؤِ على أن تتحديني منال ولا تعتقدي أنني نسيت أنك أغلقت الهاتف بوجهي .
أكمل بتسلط وهو يسيطر على حركتها الدافعة إليه : ثم أنك زوجتي ومن حقي أن أضمك إلي وقتما أريد .
دفعته بعيدًا عنها بقوة وهي تصرخ : ابتعد عني ، فأنا لا أريد الاقتراب منك .
ضمها بقوة إليه وهو يجبرها أن تنظر إليه ،ابتسم بسخرية : كفي عن الكذب فأنا أستطيع الشعور بك جيدًا
نظرت له بغضب وقالت بتحدي ممزوجًا بانتصار وضح في صوتها : وأنا الأخرى خالد ، فإن كنت اشتقت إليك مرة أنت اشتقت الي عشرات المرات والآن تبحث عن سبب قوي لتضمني إلي صدرك .
جز على أسنانه بقوة لينظر إليها بغضب حول مقلتيه إلي سواد حالك ، ولم يستطع أن يرى نظرة الانتصار التي ملئت عيناها بسبب صدق ما تفوهت به ، فدفع بها بعيدًا عنه وهو يرفع رأسه بكبرياء ويقول : أنت واهمه منال، فأنا لم أعد متيم بحبك كالسابق .
شعرت بالغصة تسيطر عليها  وتخنقها فرفعت يدها تلقائيا لتمسد حلقها وأشاحت بنظرها بعيدًا عنه ، لا تستطيع الوقوف أكثر من ذلك فأعصابها على المحك ، جلست على حافة الفراش بتعب لم يخف عن عينيه
سأل بهدوء وهو يحاول أن لا يبدو متلهفًا : أنت متعبة ، أليس كذلك ؟
نظرت له باستفهام فأتبع : فاطمة أخبرتني أن الطبيب كان هنا من أجلك .
هزت راسها بالإيجاب فقال بصوت حيادي : ماذا قال ؟
ازدردت لعابها بقوة وهي ترتجف خائفة من ردة فعله ، شعر بأنها تتلكأ بالإجابة لسبب لا يعرفه ،فقال بصوت قوي : ها منال ماذا قال الطبيب ؟
بللت شفتيها بتوتر وحاولت أن تبحث عن صوتها فلم تجده ، لتتنحنح
شعر بأنها ستلقي قنبلة عليه فتوترها وصل إليه جيدًا انتظر إجابتها وهو يسيطر على شعوره بالخوف عليها
قالت بصوت ابح : أنا حامل !
اتسعت عيناه بحبور وقال بصوت سعيد : حقًا ؟!
هزت رأسها بنعم ، ليقطع المسافة بينهما سريعًا ويجلس على ركبتيه أمامها ، وينظر إليها بمقلتين تتألقان فرحًا ،
شعرت بسعادته تنتقل إليها بقوة نظرت إلي عينيه والأزرق يطغي عليهما
عيناه الباردة منذ قليل أصبحت تتقد من السعادة وتنظر إليها بحب لم يستطع أن يتحكم به قال بصوت دافئ اشتاقت إلي سماعه : مبروك 
سأطير فرحًا بذلك الخبر الجميل .
أتبع وهو يلامس خصلات شعرها برقه : بماذا أوصى الطبيب ؟
زال التوتر منها قليلاً وقالت بضعف : لا شيء قال أن على الاهتمام بتغذيتي .
قال وهو يعدل من جلستها ودفعها إلي الاستلقاء على الفراش : والراحة أيضًا،
أتبع وهو يعدل من وضع الوسادات خلف ظهرها : فأنت تبدين متعبة للغاية.
نظرت إلي عينيه وقالت بهمس : خالد ... أنا ....
وضع أصابعه على شفتيها وقال بحنو : هششش ، لن نتكلم الآن في أي شيء مضى ،
تنهد بقوة وهو يكمل : ليس الآن على الأقل ، هيا اخلدي إلي النوم .
نظرت اليه وهو يتجه الي باب الغرفة وقالت في هلع : وأنت .
ابتسم بألم : لدي أمور علي انهائها ، سآتي في الصباح لنذهب إلي الطبيب لأطمئن عليك جيدًا وليوصي الطبيب بنظام غذائيًا جيدًا لك .
أعطاها ظهره وقال وهو يهم بالخروج : تصبحين على خير .
ظلت تنظر إلي الباب المغلق وهي مدهوشة من رحيله الذي لم تتوقعه واسكتت صوت داخلي يخبرها أنه على الرغم من وجوده هنا إلا أنه لن يبق معها ، وأنه لم يأت من أجلها ،
صاحت بعنف " لماذا جاء إذًا ؟!! "
دمعت عيناها وهي تعلم أنه اتى من أجل الطفلين ، وأنه الآن سيبقى من أجل الطفل القادم ، ليس من أجلها
هزت رأسها بعدم تصديق وهي تفكر "لا أنه يحبها ، يعشقها ، رددها مرارًا وتكرارًا على مسامعها من قبل ، أخبرها بها في كل يوم كانت ترمي بكراهيتها له في وجهه ، كل يوم كانت تخبره أنه سبب في تدمير حياتها ، كان يخبرها أنه يحبها وسيظل معها حتى إن لم تقبل هي بذلك "
رددت بألم : لا أنه هنا من أجلي ، من أجلي .

خرج يجر خطواته بعيدًا عنها ، يريد أن يتخلص من تأثيرها عليه ، ويريح عقله وقلبه من ضغط أفكاره ،
اسند جسده لباب الغرفة وتنفس بعمق حتى يمحو رائحتها من رئتيه ،رفع كفيه لينظر إليهما ، يقبضهما ليبسطهما مرة تلو الأخرى وهو يشعر بملمسها عالق بيديه ، حرك رقبته وهو يشعر بخصلات شعرها الناعمة عالقة فيها ، وعينيه لا يستطيع محو صورتها منهما ،
تنهد بقوة وهو لا يستطيع محو كم السعادة التي تملأه بسبب خبر حملها
فكر بسعادة  " طفل سيأتي بملامحها الجميلة ، ويحمل جنونها أيضًا "
تمتم بحبور " يا الله ، كم أريد طفلا يقربني منها أكثر ويمحو كل ما فات "
ابتسم ساخرًا وهو يعرف أن أمامه طريق طويل ليستطيع محو أخيه المتوفى من رأسها وعقلها وربما قلبها أيضًا
انتفض بقوة عندما اخذه عقله لتلك الأفكار وهو يخبره أنها لا زالت تحب باسم وتتذكره
احمر وجهه بقوة وهز رأسه بعنف وكأنه بتلك الطريقة يطرد تلك الأفكار المؤلمة من رأسه
انتفض بقوة على فاطمة وهي تحدثه بهدوء : خالد ، ما بك ؟
ابتسم بتوتر وقال : لا شيء يا صغيرتي .
تقدم منها ليأخذها تحت ذراعه ويسألها باهتمام : تعالي لنتحدث أريد أن أعلم كل شيء حدث في غيابي .
ابتسمت وقالت بمكر طفولي : أنت تعلم كل شيء حدث وأنت لست هنا
لتزداد عينيها شقاوة وتقول بابتسامة خبيثة : إلا لو تسأل عن أخبار شقيقتي الغالية على قلبك .
ابتسم وهز رأسه بالإيجاب ، فأتبعت وهي تسير بجانبه : لا تزال مجنونة كما هي خالد لم تتغير .
ضحك بقوة تلك المرة وخبطها على مؤخرة رأسها بخفة : لا تتحدثي عنها بطريقة لا تليق .
هزت كتفيها وقالت : لم آتي بشيء جديد ثم أن الحمل أزادها جنونًا .
نظر لها وقال بسكون : هي من أخبرتك عن الطفل ؟
هزت رأسها نافية بسرعة تعجب منها وقالت بارتباك حاولت أن تخفيه : لا الطبيب من أخبرنا جميعًا .
عقد حاجبيه ونظر لها بتفحص " يشعر بأن تلك الصغيرة تخفي شيء ولكنه غير مهتم بذاك الآن ، ولا يريد أن يفكر في ذاك الإتجاه يريد فقط أن يفرح بخبر حملها وبحلم حياته الذي يتحقق ."
ضمها إليه وقال بحنو : أخبريني بمَ أخبرتك به الطبيبة .
تنهدت بألم وقالت : هل يمكنني أن لا أجيب عليك ؟
هو رأسه نافيًا وقال : لا أريد ان اعرف كل شيء عنك ، تعالي لنجلس ونتحدث سويًا .
ابتسمت بتعب : أنت مصّر إذن .
نعم ولا تتهربي مني كما كنت تفعلين عندما نتحدث على الهاتف .
فركت كفيها : حسنًا سأصنع كوبين من القهوة ونتحدث بالأسفل ، فالجو رائع تلك الأيام .
هز رأسه وقال : تمام ، سأنتظرك أمام الملحق .
جلس أمام الملحق واسند رأسه للوراء ، أغمض عينيه وهو يحاول أن يستمتع بذلك الجو المنعش لم تمض ثواني إلا شعر بوجود فاطمة بجانبه
سيأتي سمسم بالقهوة .
تمتم بحنق : سمسم .
نظرت له بتعجب : هل فعل شيء ضايقك ؟
هز رأسه نافيا ، نظر باتجاهها ليجدها تنظر إلي الملحق وقالت بخفوت : ما أخبار عبد الرحمن ؟
ابتسم وقال : ألم تذهبي إليه ؟
هزت رأسها نافيه وقالت بإحباط : لا منذ أن سافرت أنت وأنا لم أذهب إليه
أبي وأمي يضيقان على الخناق ، وأنا لست بحالة جيدة للعراك معهما.
ربت على يدها بهدوء : لا يقصدان أن يتحكما بك فاطمة ولكنهما يشعران بخوف شديد عليك
زفر بقوة : ولا أعتقد انك استطعت أن تنسي أن ما حدث كله كان بسبب تهورك واستهتارك بكل شيء .
هزت رأسها موافقة وقالت بصوت مخنوق : نعم أعلم ، أعلم خالد والوم نفسي مائة مرة على كل ما حدث ،ولكن للأسف الزمان لا يعود .
أكملت بشرود : إذا عاد الزمان سأغير كل ما تطوله يداي ، سأرفض أن أذهب لتلك المدرسة التي قضيت بها أتعس أيام حياتي .تلك الأيام التي حولتني لما كنت عليه فتاه مستهترة لا تعبأ بشيء ، أتعلم هناك تعلمت أن أكره نفسي .. أصلي ..عائلتي ووطني .
لمعت عيناها بألم : كانوا يسخرون مني بسبب أني ملونة كما كانوا يطلقون علي  ، يلقبوني بغريبة الأطوار لأن ليس لي حبيب ، وملابسي المحتشمة إلي حد ما ، انفجرت من كثرة الضغط على أعصابي وتمردت .
صمتت برهة لتتبع بغضب : تمردت على كل شيء ، اسمي وشكلي وأصلي والاهم المعتقدات التي كانت علمتني إياها امي .
رميت بكل شيء تعلمته قبل أن أذهب إلي تلك المدرسة إلي سلة المهملات
ضحكت بسخرية : صنعت نسخة جديدة مني واسميتها تومي ولا تنسى أني حملت أهلي ذنب كل ما حدث معي وخاصة أني توسلت لهم أن لا أذهب إلي هناك
دمعت عيناها فاقترب منها وضمها إليه في حنان وهمس لها : اهدئي يا صغيرتي ، انتهى كل شيء الآن ، أنت هنا ببلدك ووسط أهلك ، امحي تلك الذكريات السيئة من عقلك وأعلمي أنهم كانوا يضايقونك بسبب روحك التي تشع من داخلك ، تلك الروح التي لا يمتلكونها
ضحك بألم وهو يتبع : أنا أكثر من يعلم ذلك الإحساس ، فلطالما شعرت بالغيرة من باسم بسبب لمعة عيناه الدائمة ووجهه البشوش
ضحك بقوة وهو يكمل : والأهم خفة دمه التي تجتذب الفتيات كالفراشات حول زهرة رائعة الجمال .
عقدت حاجبيها وهو يقول : كان مميز باختلافه ، حتى أمي كانت تعشقه
ولم لا فهو نسخة أبي المصغرة ، أما أنا فشبيه والدها الذي كان عائقًا كبيرًا في حياتها ، ثم أن باسم كان قريبًا لشخصيتها وأفكارها يعشق بلادها ، ليس مثلي أصر على مصريتي ،
رأى التعجب في عينيها فاكمل مفسرا : أمي كانت تعشق أبي حد الجنون ولكنها تكره مصريته ، تحكمه وغيرته التي لا تفهمها ، عصبيته عندما يقترب أي رجل نحوها ، كرهت ذلك التحكم الذي لا تعلم أسبابه ، وكرهت تلك التقاليد والعادات التي يحترمها ويصر عليها ،
تنفس بعمق : كرهت أفكاره البالية كما كانت تدعوها دائمًا .
هز رأسه بيأس وأتبع : أما باسم فهو حلمها الذي تحقق امام عينيها مصري بملامحه وانجليزي بعقله .
سألته بخفة لتهون عليه وطء تلك الذكريات : إذًا لم تكن محبوب مثلي .
عقد حاجبيه مستفهما فقالت سريعًا : بحق السماء خالد ، لم تلاحظ أنني لست المفضلة لأبوي ، الاثنان يعشقان منال .
ضحك بمرح تلك المرة : تستحق ذلك .
زمت شفتيها ليضمها بأخوية : أمزح معك .
قالت بمكر : أعلم فأنت بوحت بما يعتمل بداخلك .
ضحك بخفة لينظر إليها ويقول بجدية : أبويك يعشقانك أنت الأخرى ولكن تمردك هو من صنع الهوة التي نشأت بينكم .
أتبع وهو ينظر الي عينيها : وأنت الوحيدة التي تستطيعي التقرب منهم والبدء معهم من جديد .
هزت رأسها بتفهم لتسأله بسكون : هل ستذهب لعبد الرحمن ؟
ابتسم وهز رأسه بالإيجاب : غدًا إن شاء الله ، سآتي وأصحب منال للطبيب ثم أذهب لأراه .
ازدردت لعابها وهمست بخفوت : هل أستطيع الذهاب معك ؟
نظر لها مطولاً لتتبع سريعا : من فضلك خالد أريد أن أراه وتلك هي الطريقة الوحيدة ، فأبي لن يسمح لي بمفردي
اكملت بمكر طفولي لتجبره على الموافقة : وأنا لا أريد أن أذهب دون موافقته ، معك سيسمح لي أن أذهب حتى للقمر !!
ضحك بخفة ونظر لها بتفحص فأجابت بمرح : ثم أن عندي أخبار عن ليلى سأوصلها له .
رفع حاجبيه متعجبًا لتكمل وهي تشيح بنظرها عنه : لا تتعجب ، فأنا أعلم عنهما
ضحكت بخفة وتأبطت ذراعه وهي تقول : ولا تخف علي أنا بخير .
ابتسم وقبل رأسها بأخوية : حسنًا هيا اصعدي لتخلدي للنوم .
قفزت واقفة ونظرت له : وأنت ؟
ابتسم بهدوء : أريد أن أجلس بمفردي قليلاً .
هزت رأسها بتفهم وانحنت لتقبله بوجنته : حسنًا تصبح على خير .
قال بهدوء : أحلام سعيدة صغيرتي .
رفع رأسه يتأمل السماء بسواد سمائها ولمعة نجومها ، تتألق بنور غريب لا ينطفئ ، تنفس بحب وهو يعلم أنه يحب تلك النجوم لأنها تذكرها بها
يحب المساء لأنه مثلها ، بارد ولذيذ
أحيانًا مظلم وكاحل السواد وأحيانًا يلمع ويشع بضوء جميل ، مثلها تمامًا .
لن ينكر عشقه لها ولكنه غاضب منها تلك المرة فهي لم تقدر أي شيء فعله معها ودائمًا تضع باسم بينهما ، حتى عندما علمت الحقيقة ، كل الحقيقة وضعته بينهم
زفر بضيق وهو لا يعلم كيف سيتعامل معها الآن ، عاد وهو ينوي أن يؤدبها على ما فعلته معه، ليأتي خبر حملها ويعقد كل الأمور .
تنفس بعمق وهو ينهض ليغادر سيذهب إلي جاك ويناقش معه ما عاد فعلاً من أجله .
***                  
تنظر الي نفسها بالمرآه بعد أن ارتدت ملابسها لتذهب إلي عملها ، تنظر إلي وجنتيها الورديتين وابتسامتها التي تتألق على شفتيها ، تريد محو تلك الابتسامة قبل أن تخرج من غرفتها ولكنها لا تستطيع ، توقفت عن الابتسام وهي تردد لنفسها أنها لا تريد أن تفتعل المشاكل مع الاثنتين الجالستين بالخارج ، تذكرت الأخرى لتضحك بخفة وهي تجاهد للسيطرة على موجة الضحك التي تنتابها كلما تذكرتها وهي غاضبة وتضم شفتيها بحنق من إهمال هشام لها .
تنهدت بقوة وذكريات الليلة الماضية تنهال على رأسها مرة أخرى منذ أن تجهزت للخروج ورؤيتها للآنسة مديحة التي اكتشفت أنها محجبة
وتعجبها الظاهر على وجهها وأمتد لأن تسألها عن أمر الحجاب فأكدت الأخرى ارتدائها له ولكن بمَ أن هشام ليس غريبًا فليس من المعقول أن ترتديه أمامه.
مطت شفتيها ولم تعلق على الوضع الغريب بالنسبة لها ولكن الأخرى لم تكتف بذلك الأمر فهي تعاملت معها بشكل غريب ،شعرت حينها أنها مقبلة على مواجهة قوية فهي استشفت أن الآنسة ديدي تعلم جيًدا بنوايا عمتها
فتقربها من هشام ودلالها عليه ، بل أحيانًا وصل الأمر إلي دلال متعمد ومقصود وترها وجعل حنقها يزداد
ولكن ما أسعدها حقًا هو موقف هشام وحرصه الشديد عليها وعلى شعورها ، احتضانه الدائم لها وعندما طلبت الأخرى أن تسير قليلا على الكورنيش استجاب لطلبها ، لكنه حرص على أن يضعها بالمنتصف بينها وبين ابنة خاله بل احتضن خصرها مقربا نفسه منها وتعمد أن لا يتحدث مع الأخرى .
لن تنسى أبدًا تلك الأمسية ولن تنسى وجه الأخرى المحتقن غضبًا دائمًا
تشعر بالزهو يملأها وأنها انتصرت بمعركة دون أن تبذل بها أي جهد
زفرت بقوة وهي تشعر بالفعل أنها على اعتاب معركة قوية مع تلك السيدة العجوز ، ولكن ما يطمئنها قليلاً موقف هشام فهو متمسك بها بقوة تلك المرة
عضت على شفتيها : أنه متمسك بي دائمًا .
رتبت من مظهرها لتخرج بخطى واثقة للخارج تبتسم ابتسامة هادئة وعيناها تتألق بسعادة تشكر هشام عليها
ازدادت ابتسامتها وهي تراه يجلس أمام كرسي الطعام الخاص بكريم يطعمه ، قالت بمرح : صباح الخير .
التفت لها وابتسم :صباح الفل ، نظر إلي كريم وحرك يده وهو يقول : هيا قل صباح الخير مامي.
نظر لها مرة أخرى ليستقيم واقفًا وهو يتبع : بل قل صباح الجمال.
انحنى يهمس بجانب أُذنها : لأول مرة أرى القمر بالصباح .
ضحكت بخفة وقالت مغيظة : قديمة .
عقد حاجبيه وقال : لنخترع مقوله أخرى حتى لا تمل أميرتي .
ليبتسم بخبث وهو يضع يديه على خصرها ويضمها إليه: بل لنخترع فعل أفضل من تلك الجمل التي لا فائدة منها .
انطلقت ضحكتها تلك المرة وهي تحاول أن تتملص من بين ذراعيه وهو يضمها إلي صدره ويقبل وجنتيها بعدة قبلات سريعة رقيقة
قالت بمرح وهي تدفعه بعيدًا عنها : هشام توقف .
قربها منه وهو ينظر إلي عينيها :حقًا ؟!
أراحت كفيها على صدره وقالت : لا بالطبع.
هم بأن يضمها إليه مرة أخرى لتقول محذرة : لسنا بمفردنا ولا يليق أن ترانا والدتك أو ابنة خالك العزيزة بتلك الطريقة .
ابتسم : لا مانع لدي أن يراني العالم كله وأنا اقبلك ، أنت زوجتي وذلك من حقي .
قالت بعتب : هشام
أبعدها عنه قليلا وقال : حسنًا ولكن هل لي بقبلة الصباح التي نسيتها كعادتك. 
ابتسمت وقالت بدلال وهي تقترب منه : أنت لا تعطي لأحد فرصة بأن يفعل أي شيء .
وقفت على مقدمة حذائها وهي تمط جسدها إلي فوق و تقبل وجنته بحب كبير طغى عليها ، ضمها إلي صدره بقوة وأنحني على شفتيها مقبلاً إياها برقة شديدة ، أسند رأسه إلي رأسها وهمس : أحبك .
طوقت عنقه بذراعيها ودفنت رأسها في تجويف عنقه فحملها من خصرها  وهو يضمها إليه أكثر
انتبها الاثنان إلي صوت والدته تقول بما يشبه الصراخ : الفطور جاهز .
أفلتها من بين يده برقه فنظرت هي إلي الأرض بخجل وتمتمت بصوت خفيض : أخبرتك أن هذا لا يليق .
ضحك بخفة وهو يرفع رأسها إليه : انظري إلي .
نظرت له فأتبع بقوة : تذكري دائًما أنا لا أهتم إلا بك .
عادت إلي الوراء خطوتين ونظرت له مستفهمه فقال بمكر لم تعتاد عليه : فكري بها على راحتك .
دفعها من خصرها بلطف وهو يقول : هيا حتى لا أتأخر أكثر من ذلك .
نادت على المربية وأوصتها أن تعتني بكريم قبلت طفلها بقوة وهمست له بأشياء لم يتبينها فقال بغيظ : لم لا تتكلمي معه بصوت مرتفع حتى أسمع ما تقولينه له .
أعطته للمربية بعد أن قبلته مرة أخرى : لا شأن لك بما بيني وبينه ، أم وطفلها لا تتدخل بيننا .
رفع كفيه باستسلام وقال : حسنًا أنا خارج من بينكما .
صدح صوت فوزية هانم الحاد : هشام .
آمال راسه وتنفس بقوة ليبتسم بهدوء وهو يدلف إلي غرفة الطعام : نعم أمي .
صمتت وهي تشيح بنظرها عنه فقبل رأسها وهو يقول : ما بال الجميل غضبان ، من أزعجك ؟
قالت بحدة : ستتأخر عن عملك هكذا .
ابتسم وهو يجلس بكرسيه ويتناول الجريدة ليتصفحها : لا تقلقي أمي .
جلست وهي تقول بهدوء : صباح الخير .
نظرت لها بقوة وقالت باقتضاب : صباح النور .
ابتسمت بخفة وقالت وهي تنظر إلي الطعام : أين ديدي ؟ ألا زالت نائمة ؟
أتاها صوت من باب الغرفة : أنا هنا ،
ابتسمت وهي تنظر باتجاه هشام وقالت :صباح الخير.
هز راسه لها بتحية غير مبالية وهو يحتسي فنجان الشاي ، أتبعت وهي تنظر اليها : أنا استيقظ باكرًا ، اعتدت على ذلك.
ابتسمت في وجهها وهزت رأسها متفهمة ، قالت فوزية هانم : هي من أعدت الفطور .
رفعت حاجبيها بإعجاب : حقًا ، مظهره شهي للغاية .
نظرت إليه وقالت بمرح لمع بعينيها : ما رأيك هشام ؟
رفع عينيه من الجريدة وسأل بتعجب : بمَ ؟!
ابتسمت وقالت برقة : في الفطور .
وضع فنجان الشاي من يده ليهز أكتافه بلا مبالاة وهو ينظر إلي المائدة : جيد ، لم تسأليني أنتِ تعلمين أني لا أتناول الفطور صباحًا .
سيطرت على ضحكتها وقالت بعتب اصطنعته : لا هشام ، إن ديدي من أعدته ، هيا تذوق منه القليل
ابتسم ببرود : سلمت يداك ديدي ولكن أعذريني لن أستطيع تذوقه .
ابتسمت بتحدي وهي تنظر إليها فشحب وجه الأخرى وتألق الغضب بعينيها ،تذمرت أمه وقالت بغضب : هشام لم تجيبني فيما أخبرتك به .
طوى الجريدة ونظر لها بتعجب : فيم أمي ، المعذرة نسيت .
تنفست بقوة لتقول بهدوء : هل ستذهب لعرس ابن عمك ؟
قبض كفيه وقال : أحبتك أمي ، أنا مشغول .
قالت بحدة : بم ، بم سيادتك مشغول ؟
طرق المائدة بسبابته برتابة وقال : إن العرس في منتصف الأسبوع أمي ، لن أستطيع أن أسافر وأعود في نفس اليوم .
ولم تعود بنفس اليوم ، إن الفرح يوم الثلاثاء ، خذ إجازة لباقي الأسبوع ونعود على راحتنا .
رفع حاجبيه بتعجب وقال بتبرم : سأرى أمي .
فاتبعت الأم بنبرة خاصة : جدك يريد رؤيتك .
وضع الجريدة من يده بحدة وقال : سأذهب إليه أمي عندما وقتي يسمح .
ردت عليه بانفعال تلك المرة : لا جدك عندما يريدك أن تذهب إليه ، تترك كل ما لديك وتذهب إليه .
جز على اسنانه غضبًا ونظر لها بقوة وردد : سأذهب إليه أمي ، إن شاء الله .
تدخلت الأخرى وقالت بلطف : سيفرح محمد كثيرًا بوجودك هشام .
استفسرت هنادي بخفة : من محمد ؟
فردت والدته بقوة : العريس .
أتبع هشام بهدوء : ألا تتذكريه ذلك الشاب الذي زفنا يوم خطبتنا ؟
ابتسمت بخجل : لا للأسف ، فالعروس دائمًا تنسى تفاصيل عرسها .
أتبعت بدلال وهي تنظر إليه : إذًا بم أنه حضر خطوبتك ، يجب أن تحضر عرسه .
هز راسه بضيق : لا أعلم هل سأستطيع أن أخذ اجازة أخرى أم لا ؟ربتتت على يده بود وقالت : حاول ، فالمحاولة لن تضر أحد .
ابتسم وقال : وأنت هل ستستطيعِ أن تأخذي اجازة من عملك ؟
قالت والدته سريعًا : لمَ وهل ستأتي معنا ؟
لف إلي والدته في حده ونظر لها قويًا : بالطبع هل سأذهب إلي العرس بدون زوجتي وولدي .
ابتسمت هنادي باتساع وهي تتجاهل جملة فوزية هانم : سأحاول أن أرتبها هشام ، ثم أن عملي أستطيع أن أبعثه عن طريق الإنترنت ، لا تشغل رأسك بي ، حاول أنت من أجلي .
نظر لها باستفهام لتتبع وهي تنظر إليه : لم أحضر عرس من قبل في الأرياف وأريد أن أرى الأجواء هناك .
نظرت لهم بهدوء خبيث وهي تبتسم لتجد الغضب يلمع على وجه فوزية هانم أما الآنسة ديدي فكان وجهها مكفهر من الحنق والغضب الواضح عليها .
تنحنح هشام وقال بهدوء : لا المنصورة لا تعتبر أرياف ، أنها عروس الدلتا ، تقريبًا لن يفرق العرس هناك عن العرس هنا .
هزت رأسها بتفهم وقالت ببراءة: لا أعلم ظننت عكس ذلك 
ثم أنك قصصت لي كثيرًا عن دوار جدك الواقع بين الأراضي الزراعية .
ابتسم بتوتر : تريدين أن تذهبي إلي دوار جدي ؟
هزت رأسها بالإيجاب فتنهد بقوة : حسنًا سأحاول أن  نذهب ولتري التقاليد بالفعل سأحاول أن نحضر ليلة الحناء .
صفقت بمرح وقالت بسعادة طفولية : حقًا ؟!
قرص وجنتها بلطف : سأحاول
نظر إلي ساعته : هيا حتى أستطيع إيصالك لمقر الجريدة قبل أن أذهب لعملي  .
سألت والدته في دهشة : وكريم ماذا ستفعلِ به ؟
لوى شفتيه في ضيق تلك المرة ليقول بنفاذ صبر: معه المربية والدادة أمي.
اتبعت هنادي بابتسامة هادئة : وأنت امي ، بالطبع سأطمئن عليه أكثر إذا أشرفت عليهما بنفسك .
التفت لها سريعًا وهو ينظر لها بريبة وكرر هامسًا : أمي .
نظرت له ببراءة لتنقل عينيها إلي حماتها وقالت بارتباك : إلا لو أنت لا تحبين أن تعتني بكريم ، هذا راجع إليك بالطبع .
جاهدت حتى لا تضحك على ملامح حماتها المندهشة واحمرار وجهها لتقول السيدة فوزية بتعجب : لا طبعًا ، سأعتني به بنفسي ، حتى لا داعي لوجودهم .
عقد هشام حاجبيه وهو يلتفت إلي والدته بدهشة ، نقل نظره بينهما وهو يشعر بشيء يحدث لا يفهمه ليزفر بعمق ويقول : لا أمي أنه جهد كبير عليك ، فقط اشرفي على ما يفعلانه .
نظر لزوجته : هيا بنا .
تنحنحت الأخرى بشكل ملفت لينظرا إليها فنظرت إليه عمتها وقالت بهدوء : المعذرة هشام ولكني أريد أن أطلب منك أن تأخذني إلي الجامعة.
رفع حاجبيه بدهشة : اليوم ، لا أستطيع لدي عمل .
لوت شفتيها واحمر وجهها بقوة فقالت والدته : أنها لا تعرف الطريق هشام  ولا تستطيع أن تذهب بمفردها
هز رأسه بالموافقة : حسنًا ، غدًا إن شاء الله.
ابتسمت بهدوء مدروس : لم تريدين أن تذهبي للجامعة ؟
رفعت عيناها وقالت بفخر : أنا أتيت لاستكمل دراستي ، سأقدم على الماجيستير .
لمحت الإعجاب يطل من عيني زوجها وقال : جيد، ولكن لم لا تستكملي دراستك بالمنصورة ؟
نهرته أمه بعينيها لتقول الأخرى بإحراج : الجامعة هنا أفضل !!
هز رأسه متظاهرا بالاقتناع لتقول والدته : تخيل هشام تريد أن تسكن بسكن الجامعة وأتت هنا على مضض بعد أن غضبت منها .
نظر لوالدته وهو يبتسم وعيناه تلمع بلمعة غريبة : طبعًا أمي بيت عمتها مفتوح دائمًا ،
نقل عينيه للأخرى : ولا داعي للإحراج مني ديدي فأنا كشقيقك الأكبر تمامًا .
أتبع وهو ينظر الي زوجته : ثم أن هنادي أفضل مني في موضوع الجامعة ذلك هي من أكملت الدراسات العليا ثم أنها خريجة جامعة القاهرة أما أنا فخريج جامعة عين شمس ، هي تستطيع أن تساعدك أكثر مني
اصفر وجه الأخرى بقوة فاكمل دون أن ينتظر جوابها : ما رأيك هنادي ؟
واقفة تناظرهم بغل ، تلك الأفعى التي تريد سرقة زوجها منها والأخرى التي تساندها ، شعرت بدمها يغلي من الغضب وشعور القهر يتفاقم بداخلها
إلي ان نطق هشام جملته الأخيرة اضطرت أن تضع كفها على فمها لمنع ضحكتها من الانفلات واكتفت بالضحكة التي لمعت بعينيها
وهزت رأسها موافقة وهي تقول بانطلاق :بالطبع .
نظرت لها وعيناها تتألق بانتصار أخر : بكل سرور ديدي ، سأفرغ نفسي لك غدًا .
ابتسم بهدوء على فرحتها الظاهرة  : حسنًا ، اتفقا عندما تعودي من عملك هيا بنا .
هزت رأسها وانطلقت أمامه وهي تحاول أن تسيطر على ضحكاتها بقوة
ركبت بجواره إلي السيارة لينظر لها باستفهام : ما الذي يضحكك ؟
نظرت له وقالت بدهشة : أنا لا أضحك !
رفع لها حاجبيه وقال : حقًا ، عيناك تلمعان بضحكات كثيرة متتالية .
لوت شفتيها : سعيدة بقربك ألا يحق لي بعضًا من السعادة ؟
نظر لها وهو يعلم جيدًا سر سعادتها ولكنه تغاضى عن إكمال الحوار
وقال  : يحق لك كل السعادة .
نظر أمامه وشغل محرك السيارة وسأل بسكون : هل يدور شيء بينك وبين أمي .
احمرت أذنيها بقوة وقالت بدهشة افتعلتها : لا لم تقول ذلك .
نظر لها بتفحص وابتسم ابتسامته الرائعة : لا شيء ، أطمئن فقط .
هزت رأسها بتوتر وقالت : حسنًا .
نظر لها مرة أخرى ليبتسم بمكر وينطلق إلي طريقهما .
***
دخل إلي الغرفة وهو يبتسم باتساع : صباح الخير يا بطل .
توقف عن الابتسام وقال بعتب : لم تقف على رجليك أمير ، هذا لن يفيد حالتك الصحية.
ينظر إلي نور الشمس الساطع رغم أن الشمس تختفي خلف السحب ولكنها تنير الأفق أمامه ، نور لا يصل إليه وحرارة لا تنفذ إلي داخله ، يشعر بهم ثقيل يجثم على صدره ،يحجب عنه أي شعور أخر غير الخنقة التي تتملكه بشدة ، يحاول أن يخرج نفسه من ذلك المزاج السوداوي الذي يسيطر عليه ولكنه لا يستطيع ، لا يستطيع أن يمحي ذلك الحلم السيء الذي راءاه بمنامه ، كم أراد أن يراها في أحلامه ، كل ليلة تمر عليه يغمض عينيه وهو يتمنى بأن يراها ليهدئ قلبه قليلاً ، وكل يوم لا تأتي إليه ، كل يوم يستيقظ بقهر أنها لم تأت إليه ، إلي أن أتت البارحة  وياليتها لم تأتي إليه ، فالحلم ازعجه كثيرًا وأزاد قلقه عليها ، فهو رآها بعيدة ومقيدة تصرخ طالبه المساعدة ولا أحد يسمعها ، حاول أن يذهب إليها يتحرك ليتقرب منها فيضمها إليه ويهدئها لكنه لم يستطع، حاول مرارًا ليتبين أن يديه ورجليه مغلولة ولا يستطيع الحركة بسبب ذلك الثقل الموضوع بهم .
صرخ بقوة ليفيق على صوته ويكتشف أنه كان بكابوس مريع
أغمض عينيه بضيق عند سماعه للآخر وجاهد حتى لا يلتفت إليه ويطيح به ، فالغضب هو أقل شعور يموج بداخله الآن ،  قرر أن لا يلتفت إليه  ولا يعيره أي اهتمام
قال الآخر بصبر : أمير ألم أحذرك من الوقوف طويلاً بتلك الطريقة ستؤذي ساقيك ؟
جز على أسنانه بقوة وقبض كفه الممسكة بالعصا مفرغًا قهره بها .
أغمض عينيه وهو يتنفس بقوة ، دلف الآخر إلي الغرفة وهو يقول : صباح جميل وسعيد علينا جميعًا ، كيف حالك يا بطل ؟
شعر بأن أعصابه على وشك الانفلات فزم شفتيه بقوة حتى يمنع نفسه من التحدث
نظر وليد إلي وجيه وسأله بعينيه " ما باله "
هز الآخر كتفيه بأنه لا يعلم ليزفر وليد بقوة ويتجه إليه بهدوء ، رتب على كتفه وقال بنبرة هادئة : ما بك يا صديقي ؟
نفض كتفه من تحت يد الآخر وقال بنبرة غامضة : لا أريد أحدًا هنا.
توتر الآخر بوقفته لينظرا الاثنان إلي بعضهما وقال وليد : اهدئ أمير .
انتفض وليد عليه وهو يصيح فيه بعنف : لا أريد أن أسمع تلك الكلمة مرة أخرى .
خبط العصا في الأرض بقوة : لن اهدئ ولا أريد أحدًا أن يطلب مني شيء لا يفهمه .
تراجع وليد للوراء بعيدًا عنه ونظر للآخر مستفهما منه ليجد وجيه يضغط زر استدعاء الممرضات ، نهاه بعينيه على أن يفعل لينظر إلي أمير ويسأله بهدوء : ماذا حدث يا صديقي ؟
نظر له أمير بعينين مشتعلتين من الغضب : لم يحدث شيء ، ولن يحدث شيء طالما أنا هنا .
صاح بقهر : كيف يحدث أي شيء وأنا محبوس هنا ، أخبرني .
لهث بانفعال وهو يتبع بصياح أقوى : لا أفهم لما أنا هنا في الأصل
رد وليد بهدوء : لأنك مريض وتحتاج أن تتعالج أمير .
صرخ بقوة : لست مريضًا ،
خبط العصا في الأرض بقوة وهو  يردد : لست مريضًا
أتبع من بين أسنانه : أنا بخير وأستطيع أن أخرج من هنا وأعود لأتلقى جلسات العلاج ، فأنا ضقت ذرعًا بتلك الغرفة الكئيبة .
تحرك بعصبية ليتحركا الاثنان إليه سريعا حتى لا يسقط أرضًا ،
صرخ بعنف : لا أحتاج أحدًا ، ابتعدا عني .
سكنا الاثنان وهما ينظران إليه برعب وهو يتحرك بغضب يسطع من كل انش في جسده  فقال وليد بدون وعي : اهدئ أمير .
التفت إليه بغضب وأشاح بالعصا وهو ينقل ثقل جسده كله على ساقه السليمة و قال : لا تقول لي اهدئ ، أنت لا تفهم شيئًا ، لا تعرف شيئًا ، لن أستطيع الهدوء وأنا لا أعلم عنه..
قطع جملته وزم شفتيه بعصبية ، تبادلا الآخرين النظرات المتسائلة لينظر إليه وليد بتفحص وهو يعلم جيدًا أن تلك الحالة السبب من ورائها تلك الفتاه التي أخبرها عنه وجيه والتي لا يعلمان عنها شيء .
قال باقتضاب : اتركاني بمفردي من فضلكم .
قال الآخر بتردد : ولكن ساقك .
رمى بجسده على الأريكة بقوة و صاح بغضب : لا أريد شيئاً ، هيا اخرجا.
هز وجيه رأسه بعدم رضا ليشده وليد من ذراعه دافعًا به إلي الخارج وهو يقول بلطف : حسنا أمير سآتي غدًا لأبقى معك وأن تتخلص من تلك الجبيرة اللعينة وإذا لم يكن الأمر اليوم خاص بياسمين كنت بقيت معك .
نظر له بلهفه وعيناه تلمع بأسئلة كثيرة أجبر نفسه على الهدوء وأشاح بنظره بعيدًا عن صديقه ، سأله بغموض : هل بها شيء ؟
نظر له وليد باستفهام وهم أن يسأله عن تلك الاسئلة التي تتراقص بعينيه ولكنه آثر الصمت ، تنهد بقوة : لا سأقابلها لأتكلم معها وأحاول أن أصلح الأمور بيننا .
هز رأسه بتفهم ولمعت شفتيه بابتسامة مريرة صعدت مرارتها من أعماقه وقال بصوت رخيم : حظ سعيد يا صديقي .
عاد بظهره إلي الوراء واسند رأسه إلي ذراع الأريكة الضخم ، وضع يده خلف رأسه ونظر إلي حاسوبه الموضوع أمامه على الطاولة الصغيرة ، مفتوح دائمًا على الماسنجر وعينيه تتلهف لرؤية أي شيء خاص بها ، اية رسالة تطمئنه عليها ، نظر له مليًا ، ليقرب الطاولة إليه بيده الأخرى ويعبث بأزراره ويبعث لها برسالة جديدة يسأل بها عن أخبارها ويسالها أن تطمئنه عليها ، ضغط زر الارسال ليتنهد وهو يفكر " تلك الرسالة المائة أم الألف ، لا يعلم عددهم من كثرة ما بعث إليها "
بعث بأزراره من جديد لتفتح أمامه العديد من الصور الخاصة بها  صورها لها وهي في غفله منه ، صور لها وهي برفقة الطفلين أو برفقة منال أو بمفردها في الحديقة
تلك جالسة وتلك واقفة .. تلك تبتسم بها وتلك غاضبة فيها
تلك بها رقيقة وتلك بها عصبية
تلك بريئة كالأطفال وتلك أنثى لها سحر لا يقاوم .
تلك سعيدة محمرة الوجنتين بعد أن قال لها شيء عن مشاعره
وتلك غاضبة مكفهرة الوجه بعد أن أغضبتها فاطمة بفعل يخصه .
الكثير والكثير من الصور ، لا يمل إذا أعادها مليون مرة ،يراها يوميًا
يبتسم ..يغضب ..يحزن .. يفرح .. يعشق ويغار معها يتذكر كل موقف حدث لها مرتبط بكل صورة منهم ، يعيده برأسه ويبتسم بل أنه يضحك بجنون على ردود أفعالها التي تعاد أمامه .يشعر في معظم الأوقات بأنها بجواره ليسقط بحلم يقظة لذيذ إلي أن ينتبه على عدم وجودها
رفع رأسه ليتنهد بقوة ويتمتم بداخله : ارحمني يا إلهي ، ساجن إذا استمر الحال كما هو الآن .
يشعر بعقله متوقف ولا يستطيع التفكير ، يفكر في بعض المرات بأن عقله شل كبقية جسده ، إلي الآن لا يستطيع السيطرة على أفكاره ولا على مشاعره ، شتم نفسه بقوة وهو يخبط رأسه بيده " فكر قليلاً ، كيف تستطيع الوصول إليها ، وأنت هنا ولا تستطيع الخروج  "
صاح بقوة : فكر أمير .
لا يعلم لم تخيل خالد وهو يسخر منه بسبب عقله المتوقف زفر بقوة وهو يتمتم : أين أنت يا خواجة ؟
***
واقفة تنظر باتجاه البحر وهي تبتسم ، تستمتع بأشعة الشمس الدافئة وهبو البحر الرائع رغم أنها لم تكن تريد أن تأتي تلك الرحلة ولكن سلمى الحت عليها بشدة ، أن تأتي ووالدتها أيضًا دفعتها للمجيء فهي منذ أن غادرت ليلى وهي تقضي معظم أوقاتها بالبيت حتى الجاليري أغلقته ولا تذهب إلي إليه إلا نادرًا تنهدت بقوة وأغمضت عيناها لتنتبه إلي صوت قريب منها يقول بدفء : ما أجملك
التفتت في حدة لتجده ، ذلك الشخص الغريب ، يبتسم بشقاوة دخلت إلي قلبها ودفعتها إلي الابتسام بهدوء وهي تتذكر شقاوة الآخر
جزت على أسنانها وتمتمت بداخلها "عليك اللعنة وليد لم لا تنفك أن تداهم عقلي بتلك الطريقة  "
لتنظر إليه مرة اخرى وتتساءل بداخلها : ولم أشعر أنك تشبهه بتلك الطريقة ؟
قال بهدوء وهو يقترب منها : أرى في عينك تساؤلات كثيرة.
رفعت حاجبيها باندهاش لتقول : في الحقيقة نعم وأولها لم أراك في كل مكان اذهب إليه ؟
وضع يداه في جيوب بنطاله القصير واقترب منها وقال بنغمة جذابة : أنا أتبعك
نظرت له بتعجب فأتبع بنبرة دافئة : معجب .
جمد وجهها وقالت بعملية : تشرفت برؤيتك يا سيد .
همت بالانصراف ليقف أمامها وهو يحاوطها بذراعيه ويقول بتعجب : انتظري  لم أنت غاضبة ؟
رفعت حاجبيها وقالت بأمر : ابتعد عن طريقي .
رفع كفية لأعلى  وقال : حسنًا ، اهدئي ، أنا لم أقصد أن أضايقك
نظرت له بقوة فأتبع بأسف : أعتذر إذا تكلمت معك بعفوية .
زفرت بقوة فقال : أكرر اعتذاري .
قالت بهدوء : لا عليك .
أتبعت وهي تتحرك : بعد اذنك .
وقف أمامها مرة أخرى : انتظري ،
نظرت له باستفهام ، فأكمل : أنا اعتذرت عن أسلوبي ولكني لم أعتذر عن ما قلته.
عقدت حاجبيها فاتبع : أنا بالفعل معجب بك .
توترت في وقفتها وتحاشت النظر إليه فهمس : ياسمين ، أنا انتظر ردك .
تنفست بعمق وحسمت أمرها : للأسف أنا مرتبطة .
احمرت أذناه بقوة ورفع رأسه لينظر إلي البحر ورائها وابتسم بسخرية : حقًا ؟!
همت بالرد عليه لتتسع عيناها بقوة وهي تنظر إلي الآتي نحوها
***
ينزل من سيارته وهو يبتسم بسعادة منذ أن أكدت عليه سلمى أنها أتت معهم ، أثر أن يأتي بمفرده وبعد وقت من وصولهم حتى لا تفر منه هاربة عندما تراه وهم بالقاهرة ،وحتى يكون بجوار أمير كما وعده ،  تنفس بقوة وهواء البحر يملئ رئتيه - يشعر بقلق فعلي على أمير ولا يدري ماذا يفعل معه ياليت يخبره عن تلك التي ملكت قلبه وسيجن ليطمئن عليها وحينها سيفعل له كل ما يريد إلي أن يخرج ولكنه عنيد جدًا وكتوم جدًا جدًا ، نفض رأسه وزفر بهدوء مرات متتالية يحتاج إلي ترتيب أفكاره وحديثه الذي سيقوله لها حمل حقيبته الرياضية واتجه ناحية الشاطئ ، أدار نظره ليجد سلمى تشير إليه بيدها ، ابتسم وهز رأسه وتحرك نحوهم .صافح مصطفى بقوة وابتسم لسلمى وهز رأسه محيا لها ، سأل عن أحوالهم وأدار نظره مرة أخرى باحثا عنها وانتبه على صوت سلمى تقول بمرح : أنها هناك واقفة تنظر إلي البحر .
ابتسم ونظر لها بمرح : من ؟
نظرت له وقالت بشقاوة : ياسمين.
هز رأسه وهو يضحك بخفة لتتبع وهي تغمز بعينها : لا تنسى أن تقص لي مشاجراتكم الأخوية .
شحب وجهه وهو يدرك معنى كلامها المبطن لينغزها مصطفى وهو يقول : اتركيه بحاله .
نظر لهما وقال : لا أفهم .
ضحك تلك المرة صديقه بقوة : لا تشغل رأسك بنا ، واذهب لما أتيت من أجله ، الله معك .
ابتسم ليلف وينظر مرة أخرى باتجاه البحر ويبحث عنها لتضييق عيناه ويجز على أسنانه بقوة وهو يتمتم : وائل .
أسرع بخطواته ناحيتهما وهو يشعر بالغضب يدفعه بقوة إليهما
تأملته مليا وهو يأتي إليها بخطوات سريعة وشعرت بأن شوقها إليه ازداد عندما رأته ، أدارت عيناها عليه يرتدي بنطلون قصير كريمي اللون وتي شيرت أبيض يلتصق بعضلات صدره النافرة ويظهر اسمرار بشرته اللامعة ويزيده جاذبية ، شعره قصير إلي حد ما تتطاير خصلاته بفعل الهواء، ذقنه حليقة ماعدا المنطقة التي حول شفتيه وذقنه ، محددة بعناية وتظهر شفتيه المزمومتان ، لم تستطع النظر إلي عينيه بسبب تلك النظارة الغبية التي تقع فوق أنفه ، منعت نفسها بالقوة ألا تبتسم إليه وتحكمت بمشاعرها وقلبها جيدًا حتى ترد له بعض صنائعه معها .
وقف أمامهم ليقول بصوت غاضب إلي حد ما : صباح الخير .
لف الآخر له بحدة ونظر له بتحدي وأجاب بسخرية ظاهرة : صباح النور، كيف حالك يا نجمنا العزيز .
عقدت حاجبيها وهي تنقل نظرها بينهما الاثنين ليرد وليد بصوت قوي متحدي : أنا بخير حال .
نظر لها وقال بصوت حاول أن يخرج هادئًا : ياسمين ، من فضلك تعالي .
رفعت حاجبيها بدهشة وهمت بالرفض لتشعر بشيء غريب بداخلها يخبرها أن تستمتع إليه انتبهت الي صوت وائل يقول بطريقة فظة : أنا أتحدث معها .
زمجر وليد : وأنا لا أريدها أن تتحدث معك .
هزت رأسها في تعجب : ماذا يحدث هنا ؟ هل تعرفان بعضكما ؟
نظرا إلي بعضيهما في تحدي وشعرت هي بالتنافر بينهما لتزداد عقدة حاجبيها وهي تنظر بينهما بتساؤل  ،رد وائل بسخرية لاذعة : أكثر مما تظنين !
ازدادت عقدة حجبيها ، زفر الآخر بضيق وقال : هيا ياسمين .
نظرت إلي وائل بابتسامته الساخرة وتحركت في صمت وهي لا تفهم ماذا يحدث حولها ، تحرك بجانبها ليبتعدا بمسافة عن وقوف وائل .
نهرت نفسها بقوة عن طاعتها إليه ، فرفعت حاجبيها باستياء ووقفت لتقول بصوت حاد : ماذا تريد ؟
شعر بوقوفها ليندهش من صوتها الحاد ، نظر إليها وأبتسم بخفة رفع نظارته عن عينيه  ليمتع نظره بها ، لم يراها جيدًا فوائل استحوذ على تفكيره فلم ينظر لها من الأساس ، أدار عيناه عليها مرة أخرى وهو يتأملها بفستانها الصيفي القصير يصل إلي ركبتيها  مكشوف الصدر بفتحته المربعة الشكل ، كُميه قصيرين يكادا يغطيا كتيفيها ، لونه الأخضر الفاتح أعطاه احساس بالدفء ، شعرها تناثر حول وجهها بفعل هواء البحر فأنعشه وهو يشم رائحة اليود محملة برائحتها هي التي يحفظها جيدًا ، ترتدي نظارة شمسية أخفت عيناها عنه ولكن شفتيها المحكمتان أخبراه بأنها غاضبة وليست راضيه عن اطاعتها إليه ،
تنهد بقوة وقال برقة : شعرك ازداد طولاً ، لم الاحظ ذلك عندما رأيتك في المعرض
أتبع بهمس : كم تبدين جميلة.
نظرت له في دهشه ليزداد غضبها من نفسها وهي تشعر بأن غضبها منه تبخر بسبب حديثه الدافئ إليها همسته دفعت الدم إلي وجهها لتحمر خجلاً فشعرت بأنها ستصفعه لتمحو تلك النظرة الحالمة التي ينظر إليها بها ، شهقت عندما رفع يده وسحب نظارتها الشمسية عن وجهها .
قالت بغضب سطع في عينيها: كف عن ذلك .
نظر لها في دهشة : عن ماذا ؟
أشاحت بنظرها بعيدا عنه وقالت وهي تضم كفيها : ماذا تريد وليد ؟
ابتسم واقترب منها وقال بنبرة جديدة عليها لأول مرة تستمع اليها بصوته : أين ذهبت ديدو ؟
شعرت بخدر يسري في عمودها الفقري وهي تشعر بأنها نبرة خاصة إليها، فهي لم تسمعه يتكلم بها من قبل ، ذلك القرب وذلك الدفء الذي تشعر به في قربه ، مشاعرها تدفقت في قلبها ، فارتعشت كفيها رغمًا عنها، دوي عقلها بجرس إنذار ، واتسعت عيناها رعبًا لتلعن نفسها على استجابة قلبها له ، لفت في حدة وقالت : إياك أن تجرؤ وتحدثني بتلك الطريقة.
أجفل منها ومن رد فعلها الغاضب ، فهو شعر بها وقلبه أخبره أنها ترتجف شوقًا إليه ، ولكنه لم يشأ أن يكون وقحًا فقال بهدوء : اية طريقة ياسمين ؟
أشاحت بيدها في حدة : تلك .
أتبعت بنبرة نارية وهي تقف متحدية : تلك التي تحدث بها فتياتك.
قال بصرامة بدت جديدة عليه : لم تكوني ولن تكوني إحدى فتياتي ياسمين وأنت تعلمين ذلك .
ضحكت هازئة فأتبع بهمس مشتعل : أنت حبيبتي .
احتقن وجهها خجلاً واتسعت عيناها مستنكرة مكذبة إليه  فابتسم بحب التمع بعينيه : ألا تصدقيني ؟!
أتبع وهو يقترب منها أكثر ويهمس : أنا أحبك ياسمين .
لمعت السخرية على شفتيها وقالت باستهزاء : تحبني ، نعم لذلك قضيت نصف عمرك بجانبي وأنت تصادق أخريات غيري
تمنحهم مشاعرك وكلماتك وأنا بجانبك
دمعت عيناها وهي تتبع : تغازلهم أمامي وتخبرني عن صفاتهم وعيناك تشتعل وتلمع بسبب حديثك عنهن
أتى صوتها مخنوقا : بل كنت تستشيرني في كل شيء يخصك معهم
نظرت إلي عينيه وقالت : تحبني وليد ، لا  أصدقك
أكملت بصوت قوي ناقم : لم تتحرك إلا بعد أن أخبرتك بخطبتي ، اكتشفت أنك تحبني عندما رأيتني سأذهب لأحدًا أخر غيرك ، فأنا كنت بالنسبة إليك حقيقة واقعة متواجدة دائمًا إلي جوارك وبزواجي سأختفي من حياتك وأنت لست مستعدًا لذلك ،
أتبعت بمرارة : اكتشفت أنك ستفقدني فقررت أن تمتلكني بطريقة أخرى 
نظرت إليه بقوة : لست ملكًا لك وليد ولا أريدك بحياتي .
همت بالانصراف ليقف أمامها : أنت تعلمين أن كل هذا خطئ وأنت تتهميني بشيء ليس حقيقي
نظرت إليه ليقول بندم طل من عينيه : نعم أعترف أني كنت جبانًا وأندم كل يوم على عمري الذي  امضيته بجوارك وأنت لست معي ولكن لي أسبابي
أتبع بصدق : لم أستطع أن أخبرك بحبي ، حتى لا تفرين هربًا مني ، ولأني أشعر بأني لا استحقك ، أمضيت حياتي بجانبك وأنا أقول لنفسي كل يوم أنك أكبر من أكبر أحلامي ، رغم أنك كنتي الحلم الوحيد المتبقي لي بعد أن ذهبت أحلامي الباقية أدراج الرياح ولكنهم لم يعودوا بتلك الأهمية
نظر إليها بوله : فأنت أصبحت أهم من حياتي نفسها
تنهد بقوة : كنت أعيش بجانبك لأشعر بأني حي ياسمين ، فبدونك أنا جسد ميت يمشي على قدمين
لمس كفها برقة : أنت روحي ياسمين ، بدونك أنا لا شيء .
نظرت إليه بصدمة لتتلاقي عيونهم فتشعر بمدى صدقه ، صدقه الذي انتقل إليها لتشعر بأنه بلسما هدئ غضبها ودقات قلبها المتألم ، شعرت بوجعها منه يذهب بعيًدا لترق نظراتها  وهو يخبرها مجددًا بحبه لها
نظر لها بعينيه وهو يبث لها حبه  وشوقه إليها الفترة الماضية ، كم كان يحلم بها ليلاً ويراها في عقلة نهارًا
أخفضت نظرها خجلاً وهي تشعر بأن عيناه ستقول ما لم تستطع أن تسمعه
تنهد وقال : ذقت العذاب ألوانًا ياسمين وأنت بعيده عني .
همت بالرد عليه ليسمعا صوتًا من خلفهما : وليد ، لا أصدق عيناي
سحبت يدها من يده سريعًا ليلتفتا إلي مصدر الصوت فتجد إحدى صديقاته القدامى تتجه إليه سريعًا وهي تبتسم بمرح وسعادة
ابتسمت بسخرية وهي تنظر إلي الأخرى التي تقدمت إليه فاتحة ذراعيها لتعانقه ، ابتعدت عنه لتنصرف فشدها من يدها بجانبه ثم فرد ذراعه الأخرى أمامه ليوقف الأخرى ويقول بهدوء : مرحبًا كيف حالك ؟
نقلت الأخرى عينيها بينهما لتبتسم وتقول : مرحبًا ياسمين .
ابتسمت ياسمين وهزت رأسها محية وهي تتمتم بكلمات الترحيب لتتبع الأخرى :  المعذرة لم أشأ أن أقطع حواركم ، أعتذر مرة أخرى ولكني لم أصدق عينياي أنك هنا ، سعدت بمقابلتك ، بعد اذنكم .
تابعت انصرافها بعينيها لتنتبه عليه يقول بلهجة قوية : لا تتركيني وتذهبي بعد ذلك ، ولا تنظري إلي بتلك النظرات المتهمة فأنا  قطعت علاقتي بهن جميعًا 
أتبع بمرحة الذي تعشقه : ولذا غيرت رقم هاتفي ، فهو بحوزتك أنت وأصدقائي المقربون فقط .
نظرت له وقالت بنظرات حيادية : لم تخبرني بذلك ؟
نظر لها بتشكك لتقول وهي تبتسم بغرور لمع في عينيها : ليس لي شأن بك ، أنت حر بما تفعله .
تحركت من أمامه في خيلاء ليبتسم وهو يدرك أنها لن ترضخ له بسرعة ، تمتم لنفسه : ستتدلل عليك حتى الموت يا قلبي ، ولكن هذا لا يهم فأنا اعشق دلالها
أسرع بخطواته لها ليهمس بجانب اذنها : لم تجاوبِ على ما سألتك إياه ؟
نظرت له وهي تبتسم : عن ماذا تتحدث ؟
رفع حاجبيه وقال : لا تشغلي رأسك ، فكري بتمهل
أتبع بجدية وهو يقول : ولابد قبل أن تعطي أي جواب ان نتحدث سويًا .
وقفت وهي تنظر إليه بجدية : عن ماذا ؟
ابتسم بتوتر لم يخفى عليها : لا ليس هنا ، غدًا أو بعد غد نتقابل ونتحدث .
قالت بطريقة قاطعة : لن أقابلك وليد .
تنهد بحرقة وقال : لم ياسمين ، كنا نتقابل ونحن أصدقاء ، الآن لن نتقابل .
نظرت له وقالت بتحدي : كنت اقابلك لأنك صديقي أنت الان ليس لديك صفة لأقابلك بها .
ابتسم بغرور وقال برقة : بل لي أهم صفة ، أنا حبيبك ولن تستطيعي اخفاء مشاعرك عني بعد الآن .
أشاحت بنظرها بعيدًا عنه ليهمس مجددا بجانب أذنها : وسأصبح زوجك إن شاء الله .
قالت بغرور : أنه حلم بعيد .
نظر لها وقال بدفء : ولكنه سيتحقق .
أتبع وهو يمشي إلي جوارها ولامس كفها بأصابعه : هيا لنجلس معهم .
رفعت يدها بعيدًا عنه قبل أن يحتضنها بكفه ،وهي تنظر له بثبات فتنحنح : حسنًا ، أعتذر ، هيا أمامي .
***
الصمت ، هو كل ما يخيم عليهم منذ أن خرجا من عند الطبيب ، نعم هي آثرت الصمت فهو لصالحها ، فهي إلي الآن لا تعلم ولا تريد أن تعلم كيف ستكون ردة فعله ولكنها ترتجف خوفا منه ، فمظهره غير مطمئن لها ، وصمته كالقبر يشعرها بأنها ستدفن به إلي الأبد
أخائفة هي؟! نعم ، خائفة منه إلي أبعد حد ولا تستطيع تخيل ما سيفعله معها ولا تستطيع توقع إلي أي اتجاه تذهب أفكاره ، فهي رأت بعينيها صدمته عندما أعلن الطبيب انها ستنهي شهرها الرابع عما قريب ، لم يعر الأمر الآخر اهتمامًا بل هذه المعلومة هي ما استرع انتباهه ،  رأت في عينيه نظرة متسائلة بدهشة ولكنها لم تستطع أن تترجمها بسبب خوفها الشديد ، أشاحت بنظرها بعيدًا عنه وعدلت ملابسها وهي ترتجف ، أكمل حديثه مع الطبيب ليصمت بعدها ، وهي لم تتحدث !!
صمت وصمتت هي الأخرى وهي تحس بجسده المشدود كأوتار القيثارة
تشعر بضغط كفيه على مقود السيارة وتلمحه بطرف عينها وهو يجز على أسنانه بغضب قوي   
تنفست الصعداء عندما توقفت السيارة ، ابتلعت لعابها بتوتر عندما ارتجل منها سريعًا وكان الشياطين تطارده
ارتجلت هي الأخرى بهدوء واتبعته إلي الداخل لتجد والدها بوجهها ، سألها : ما به خالد ؟
هزت كتفيها بتوتر: لا شيء أبي .
هز رأسه بحكمة وقال بهدوء : اتبعي زوجك لتري ما به .
هزت رأسها بالإيجاب لتصعد السلم ببطيء شديد وهي تتمنى أن تزيد عدد درجاته ، أو أن غرفتها تنتقل إلي القمر ، فمهما كذبت نفسا وأقنعتها بأنها ليست مخطئة تعلم جيًدا كم سيؤذيه معرفته المتأخرة بالأمر .
وقفت أمام باب غرفتها وتنفست بقوة فتحت الباب بيد تهتز بتوتر وعينان زائغة لترفع حاجبيها دهشة وهي ترى الغرفة هادئة
توقعت أن تجده يسير في الغرفة ذهابًا إيابًا بعصبية وقوة كما يفعل دائمًا  عندما يغضب ولكنها وجدت الغرفة صامتة هي الأخرى
تقدمت ببطء إلي الداخل لتجده جالس على كرسيها الهزاز عاقدًا لحاجبيه وزام شفتيه ووجهة يظهر تفكير عميق لم تتبين منه شيء بسبب عيناه الغائمة ببحر أسود راكد في ليلة مقفرة من الرياح .
آثرت الابتعاد عنه وذهبت لتبدل ملابسها ، تباطأت كثيرًا وهي تنتقي ملابسها بعناية شديدة تقف أمام المرآه وتنظر إلي نفسها كثيرًا تريد شيء يخفي انتفاخ بطنها ، تريد لونًا ينعش وجهها ويضفي عليه سحرًا
ابتسمت بسخرية من نفسها وهي تعلم أن كل مجهوداتها ستذهب هباًء فخالد عندما يغضب لا يرى اي شيء آخرًا إلا غضبه
زفرت بقوة وهي تحاول السيطرة على نفسها ، رفعت رأسها الي الاعلى ودعت بصمت أن يمر الأمر على خير .
فتحت باب غرفة التبديل وطلت برأسها منها لترى هل لازال موجودًا ، أم خرج ؟!
لتكتم أنفاسها وهي تراه لازال كما هو ، مطت شفتيها وهي تفكر أن تذهب من هنا وتتركه بمفرده إلي أن يخرج من صمته ، ستذهب إلي الطفلين أو إلي فاطمة فهي لم تسألها عن أحوالها بعد جلسات المعالجة التي تتلاقاها الأخرى .
تنفست بهدوء وخرجت بخطى ثابته إلي حد ما متجهه إلي باب الغرفة لتتسمر أمامه وهي تسمعه يقول بهدوء خطر : منال .
اصفر وجهها وقبضت كفيها ولفت إليه راسمه شبح ابتسامة : نعم .
قال باقتضاب : تعالي .
التفتت وقالت بصوت حاولت أن لا يكون مرتجفًا : سأذهب إلي فاطمة .
نهض واقفًا ونظر إليها في صمت آمر ، فزفرت بقوة وقالت بلهجة
عصبية : حسنًا ، نعم ماذا تريد ؟
رفع حاجبه وابتسم بسخرية لمعت بعينيه قبل أن تصل إلي شفتيه ، فأتبعت بغضب افتعلته : لا تضحك بتلك الطريقة ، وأرجوك لا تستفزني كما أوصى الطبيب .
اتسعت عيناه بدهشة تحول إلي غضب ، مط شفتيه بسخرية فأشاحت بيدها وهي تلف لتتحرك من أمامه مغادرة : عندما تتوقف عن سخريتك نتكلم .
لم تفهم ما يحدث بل كل ما تفهمه أنها الآن تنظر إلي عينيه الغائمة بسواد حالك وهو ينظر إليها بغضب لم تراه من قبل ، كفاه يقبضان على ذراعيها بقوة شعرت بأن عظامها ستتهشم تحتهم ، وأنفاسه ثائرة غاضبة جعلتها كتمت هي أنفاسها في ترقب لما سيفعله بها
سألها بسكون : لمَ لم تخبريني ؟
رمشت عينيها بسرعة وقالت في دهشة خرجت منها كاذبة : بم ؟!!
نظر لها بغضب وقال بسكون : كنت تعلمين أليس كذلك ؟
حاولت أن تهز راسها نافية ، بل جاهدت لتفعلها ولكنها لم تستطع الكذب كان سيعلم أنها تكذب عليه ولكنها أرادت أن تهدئه فهو غاضب جدًا تلك المرة ، لأول مرة تنظر إلي عينيه ولا ترى نفسها بها ،
انتبهت على صوته وهو يضغط على ذراعيها بقوة : تكلمي .
رفعت رأسها بكبرياء ، فهي لن تتحدث معه وكأنها ارتكبت جريمة ، وسوست لها نفسها بأن تكون قوية في مواجهته فقالت بثبات : نعم كنت أعلم .
افلتها بقوة فكادت أن تسقط أرضًا ولكنها وازنت نفسها ، شعرت بأن عظم ذراعيها تفتت من ضغطه عليهما وانتفضت عندما صرخ : كنتي تعلمين أنك حامل عندما طلبتي مني أن أغادر حياتك .
لم تستطع الرد تلك المرة بل تحاشت النظر اقترب منها و شرارات الغضب تصعد من عينيه قائلا بفحيح وهو يضغط على مرفقها بقوة جعلتها تئن ألمًا  : وما خطوتك القادمة أن تجهضي الطفلين لأنك لا تريديني في حياتك بعد الآن .
نظرت له بصدمة وهزت رأسها نافيه تركها وهو ينظر لها بازدراء وحاول الابتعاد عنها فحاولت هي أن تتمسك به وقالت بصوت مرعوب: لا خالد ، لن أفعل ذلك أبدًا .
دفعها قويًا بعيدًا عنه لتسقط أرضًا وهو يقول : اصمتي ، لا أريد أن استمع إليك ، وسأحقق لك ما تريدينه منال ، لن ازعجك بعد الآن ، ولا تتخيلي أني لا أريد طفلي بل أريدهم وسأعتني بأولاد أخي أيضًا ولكني لن أعود إلي حياتك كما طلبت مني مرارًا .
نظر لها وقالها ببرود قتلها : انتهينا منال ، انتهينا .
***
واقف ينظر إلي غروب الشمس من نافذة حجرته الجديدة ، فهو اليوم انتقل إلي غرفة جديدة ولا يعلم السبب من عملية النقل تلك ولكنه استنتج أن وجيه يحاول ان يخرجه من تلك الشرنقة التي يحاوط نفسه بها ، كما أوصر ذلك الوجيه أن يفك له جبيرته الأخيرة  رفضه لهذا ، ولكن وجيه تعامل معه على أساس أنه مريض لديه ولم يستمع إليه
تركه ليهدئ في الصباح  ليأتي إليه عصرًا وأصر على القيام بدور الطبيب بأكمل وجه ،كل ذلك لا يهمه ولا يريد أن يشغل رأسه ، كل ما يشغله الآن ليلاه سيفقد عقله إذا لم يطمئن عليها ومن الواضح أن انتقاله إلي غرفة جديدة أتى بثماره فعقله أخيرًا أشرق بفكرة نفذها على الفور وهو يهاتف بأحد زملائه العاملين بالمطار وسأله عنها تحت دهشة الآخر ولكنه أجابه بأنها غادرت ولم تعود إلي الآن ، إذًا هي إلي الآن بلندن ، تنفس بقوة وهو يفكر أنه سيضطر إلي أن يستعين بأحد رفاقه مرة أخرى ، نعم سيتصل بأحدهم ويحاول أن يصل إلي معلومات عنها ، أي شيء يطمئن به .
أتى إلي عقله العديد من الأسماء ليستقر على احدهم ويمسك هاتفه ليتصل به ، أغمض عينيه وهو يجز على أسنانه عندما وجد الهاتف الأخر مغلقًا زفر بقوة وهو يتحرك بصعوبة شديدة ليجلس فبرغم من تحذير وجيه إليه بأن لا يقف كثيرًا إلا أنه لم يستمع إليه فهو أخيرًا يشعر بأنه حر وليس مقيدًا ، يقف على رجليه يشعر بقوة تسربت إلي روحه لتعيد إليه ثقته واعتزازه بنفسه .
رمى جسده بقوة على الأريكة وسحب حاسوبه ليفتحه وينظر إليه ،
اتسعت عيناه بقوة وهو يرى وصول رساله منها وقبل أن يقرأها نظر إلي وقتها وهو يتمنى أنها بعثتها الآن حتى يستطيع محادثتها
كاد أن يلقى بالحاسوب غضبا وحنقا وهو يلعن وجيه وإصراره على تبديله لغرفته ، فوقت الرسالة ينم عن وصولها عندما  كان ينتقل إلي تلك الغرفة
قبض كفيه بقوة وهو يتمتم : استغفر الله العظيم .
عاد لينظر إلي رسالتها ، ابتسم وهو يشعر بروحها تفيض من تلك الكلمات الرقيقة
" عزيزي أمير ؛
صباح الخير كيف حالك ؟ أتمنى أن تكون بخير حال .
أعتذر بشده لأني لم أستطع التواصل معك الفترة الماضية ، ولكن لدي ظروف منعتني
لا أعلم ولكني شعرت اني أريد   أن أتحدث معك ، اليوم ضائقة كثيرًا فالبارحة حدثت مشادة كلامية بيني وبين عمي لم أكن أريد حدوثها
وتشاجرت مع أخي أيضًا
أتوقع أنك عاقد حاجبيك الآن وتعيد قراءة تلك الجملة مرارًا فأنت لا تعلم عن وجود اخوة لي .
يوجد الكثير لا تعلمه أنت ، عندما أعود إلي القاهرة نلتقي بإذن الله واقص إليك كل شيء
شعر بها تبتسم وهي تكتب بفرح طفولي : نعم أنا لازلت بمدينة الضباب وسأحاول الخروج لأتنزه اليوم برفقة أختي الصغيرة
توقف عن العبوس بوجه الحاسوب عندما نتحدث سأخبرك بكل المعلومات الغائبة عنك
هيا سأذهب أنا إلي اللقاء
اممم انتظر إذا تستطيع محادثتي حدد موعدًا زمنيًا ونتكلم به
سلام .
تنهد قويا وهو يشعر بهدوء داخلي يلم بحواسه كلها
ضحك بقوة إلي أن دمعت عيناه ، ليقرأ الرسالة مرة أخرى وهو يعقد حاجبيه ويفكر " إذن ستقص لي كل شيء عن حياتها
ستتخلى عن شرنقتها وستفتح لي عالمها ، ستفتح الباب لأحد آخر يشاركها أحزانها وأفراحها ، ستقترب من أحدًا غيري وتتعلق به ومن الممكن أن يدق قلبها له .
ظهر الغضب مليًا على وجهه لتزداد عقدة حاجبيه ويضغط بكفيه على شاشة حاسوبه يريد تفريغ شعور الغضب الذي ملأه والغيرة التي ستقتله حيًا .
انتبه من افكاره على صوته الهادئ بلكنته المميزة : ما هذا يا سيادة الرائد ستكسر الحاسوب إلي نصفين .
التفت إلي الباب لتتسع عيناه بدهشه وقال بترحيب : أتيت بوقتك يا خواجة.

سلسلة حكايا القلوب .. الجزء الاول  رواية " امير ليلى " حيث تعيش القصص. اكتشف الآن