بعتذر عن قصر الفصل
الفصل الرابع عشر
وانكشف الماضي
نهض تيم واقفا عندما رأى وجدي، بينما تراجعت زينة وديمة بدون فهم لم يحدث، أما جميلة فقد تصلب جسدها وفرت الدماء من وجهها وهي ترى وجدي أمامها ثم اندفع قلبها يضخ الدم بقوة لعروقها مرة أخرى عندما التقت عيونها بعيون ذلك الشاب الذي بدا بمنتصف العشرينات وقد كانت ملامحه بعينيه التي تشبه عيون وجدي السوداء وشعره الأسود القصير وجسده النحيف وملابسه الكاجوال، بالتأكيد أدركت من هو واختلطت مشاعرها ولم تدرك ماذا يمكنها أن تفعل
تقدم تيم إلى وجدي وقال "ما الذي أحضرك هنا؟"
نظر وجدي إلى جميلة متجاهلا تيم وقال "كيف حالك يا جميلة ما زلتِ جميلة كما كنتِ؟"
عادت نظراتها إلى وجدي واندفع غضب السنين إليها ليحذرها من الضعف وقالت "أهلا وجدي ما الذي ذكرك بنا؟"
أشار إلى الشاب الذي يقف بجانبه وقال "فادي ابنك أراد رؤيتك"
لا تعلم جميلة لماذا عجز لسانها عن النطق أو لم انكمش قلبها دون أن يفرح بوجود من عاشت واحد وعشرين عاماً تتمنى رؤيته، انتقلت عيونها إليه وقالت
“ الآن بعد واحد عشرين عاما أبدى رغبته برؤيتي"
اتجه فادي إليها ووقف أمامها وقال بلغة عربية ركيكة "ظننت أنكِ لا ترغبين برؤيتي"
نظرت إليه وقالت "وهل جربت من قبل أن تفعل لتعلم ما إذا كنت أرغب أم لا؟"
ارتبك الشاب وقال "ماما أنا سألت عنكِ كثيرا ولكن بابا أخبرني أنكِ لا تحتاجين وجودي ولم تسالي عني بأي يوم"
لم تنظر إلى وجدي وقالت "لأني لم أكن أعلم مكانك، والدك هجرني وأخذك دون أن يخبرني بمكانك حرمني منك وبحثت عنك كثيرا ولكني لم أجدك لأنه لم يكن يريدني أن أجدك فما الجديد الآن؟"
قال فادي "الجديد أني أردت أمي، أردت أن أراكِ وأعرفك"
تولاها الصمت بينما قال وجدي "ماذا بكِ جميلة ألم تعلمكِ الأيام كيف يكون حنان الأم؟"
تدخل تيم وقال" وماذا تعرف أنت عن أمومة جميلة؟ أنا وأخوتي فقط من يعرف حنانها وأمومتها أما أنت فلا تتحدث عن الحنان لأنك لا تعرف عنه شيء"
قال وجدي بقوة "ربما أخطأت ولكني اليوم أدركت خطأي وأريد تصحيحه"
صمت تيم وقالت جميلة "وهل الأمر بهذه السهولة"
ركع فادي أمام جميلة وقال "ولم لا ماما أنا أريد أن أعود إليك ونعود أسرة حرمت منها سنوات طويلة"
أحاطت وجه ابنها براحتيها وحاولت ألا تبدي ضعفها وهي تقول "ربما يمكنني أن أفتح لك صدري وأحضاني فقط لأنك ابني"
ثم احتضنته بقوة ربما تعوض حرمان السنوات السابقة فها هي الآن تراه رجلاً فتيا كما كانت تحلم.
تراجع الشاب وقال "إذن لنعود أسرة كما كنا ماما"
قالت "أنا أرحب بك في أسرتي وبين أولادي أخ لهم"
ولكن وجدي قال "هم ليسوا أولادك ليس لكِ غير ولد واحد وهو أمامك ولن يكون لكِ سواه وابني لن يتركني ولن نفترق"
نظرت إليه بغضب وقالت "أنا لي أولاد وهم أمامك ولن يبعدهم عني شيء وإن كان فادي يريدني بحياته فها أنا أمامه أفتح له كل أبوابي أما أنت فقد انتهت قصتنا منذ سنوات ولن نفتح صفحاتها مرة أخرى"
تقدم وجدي وقال "يبدو أنكِ فقدت عقلك يا جميلة لترفضي ابنك"
وهنا تدخل تيم بقوة "الزم حدك يا وجدي جميلة هانم المحمدي لم ولن تفقد عقلها أبداً، وكما أخبرتك فادي مرحب به بأي وقت أما أنت فهي منحتك قرارها"
تراجع وجدي أمام تقدم تيم وانضمام مصطفى إليه بعد أن أدرك ما يحدث فقال" إذن ابنك لن يكون لكِ إلا عندما تتعقلين"
أمسكت زينة بتميم الصغير وديمة بعلي وكلاهما يشعر بالخوف مما يدور أمامهم ثم سمعوا جميلة تقول
“ إذا كان هذا هو اختياره فلا يلومني بعد ذلك لأني لم أتخلى عنه"
ولكن فادي قال "لا يمكنني ترك بابا يا ماما أنا أريدكم أنتما الاثنان أحتاج وجودكم بجانبي"
ولكنها قالت "لم تعد صغيرا لتحتاج أيا منا، بالتأكيد لك حياتك المستقلة خاصة وأنك نشأت بالخارج، اسمع يا وجدي إذا ظننت أنك يمكن أن تتلاعب بجميلة مرة أخرى فأنت مخطئ لأن جميلة التي تراها أمامك أنت من صنعها بما فعلته معي، قتلت قلبي وبعثرت بقاياه ولم أعد أشعر تجاهك بأي شيء، أنت من خرج من حياتي برغبتك أما أن تعود مرة أخرى فهذا يقف على رغبتي وأنا لا أرغب بذلك"
قال وجدي بخبث "تتخلين عن ابنك يا جميلة من أجل ماذا؟ كبرياءك وغرورك الذي جعلني أترككِ وأبحث عن الحب بمكان آخر، أنتِ امرأة باردة لا تملك أي مشاعر ولا تثير أي رجل تجاهها"
وهنا لم يتحمل تيم وإنما هجم على وجدي مرة أخرى ولكمه بقوة وحاول فادي أن يتهجم على تيم ولكن مصطفى تصدى له وصرخت زينة واشتد الأمر ووجدي يرد ضربات تيم ومصطفى استطاع أن يهزم فادي، وسقط تيم بلكمة من وجدي بالقرب من ديمة وزينة ورأت الاثنتان وجدي وهو يخرج سكين ويسرع ليهجم على تيم ولكن ديمة تركت علي وأسرعت تدفع وجدي بقوة وهي تصرخ
“ تيم، احذر"
دفعته ديمة بكل قوتها فارتطم وجدي بمقعد أفقده اتزانه فسقط على الأرض بينما أدرك تيم نفسه ونهض يريد أن يهجم على وجدي الذي استعاد اتزانه بسرعة وهو يشهر سكينه بوجه تيم ويصرخ
“ أيتها اللعينة، لن أترك أيا منكما"
واندفع ليهجم فصرخت زينة ولكن فادي أسرع إلى والده ومصطفى إلي تيم وقال فادي
“ بابا لا، كفى أبعد هذا السكين لم نأتي لنقتل أحد، بابا اهدء من فضلك"
كما أمسك مصطفى بتيم وهو يقول "كفى يا تيم اهدء ولا تنسى أن هناك نساء وأطفال"
تدارك تيم الأمر وبدأ يهدئ كما تراجع وجدي تحت ضغط ابنه وقالت جميلة "اخرج خارج منزلي، لا أريد أن أراك وإلا سأسلمك للشرطة بنفسي"
نظر إليها بغضب واضح وقال "ستندمين يا جميلة كلكم ستندمون"
ثم دفع فادي أبوه إلى الخارج بينما أسرعت زينة إلى تيم وقالت " تيم أنت بخير هل أصابك شيء؟ يا الله هناك دم"
نظر إلى أخته ثم إلى ديمة التي شحب وجهها ثم أحاط وجه أخته بيده وقال "لا حبيبتي أنا بخير"
قال مصطفى "زينة أحضري بعض الاسعافات هناك جرح بفمه"
هدأ الجميع وتولى جميلة الصمت وكأنها لم تعد تشعر بما يدور حولها إلى أن استأذن مصطفى في الرحيل وتبعته زينة إلى الخارج وأخذت أم سعد الأولاد إلى الأعلى بينما قال تيم
“ عمتي هل أنتِ بخير أنا آسف لأني أفسدت الأمر ولكن.."
رفعت يدها وقالت "أنت لم تفعل إلا الصواب يا تيم، الأمر برمته فاسد ووجدي يتاجر بابني"
نظر تيم إلى ديمة التي قالت "أب يتاجر بابنه؟"
نظرت إليها جميلة وقالت "وجدي يعرف ماذا يفعل فقد خسر زوجته التي هرب معها نتيجة خيانته لها فجردته من كل أمواله وهجرته كما فعل بي واليوم يعود إلي كي أنقذه بأموال عائلتي مستغلاً فادي وأني أريد ابني"
قال تيم " وهل فادي يعلم بذلك؟"
تاهت نظراتها وقالت "وماذا تظن أنت؟"
أبعد عيونه وقال "أحاول ألا أصدق"
هزت رأسها بحزن وقالت "بلى صدق، لأنه يخيرني بين أن يكون معي بوجدي أو يبتعد"
قالت ديمة "نعم هذا بالفعل ما كان يخطط له، إما هو ووالده أو لا شيء"
دمعت عين جميلة وقالت بقوة رغم حزنها "إذن لا شيء، لن يساومني على حياة أنا لم أعد أريدها لو أرادني كأم فأنا موجودة رغم أني أعلم أنه لم يعد بحاجة إلى بعد كل تلك السنوات ولكنه ابني"
شعرت ديمة بالحزن من أجلها واقتربت منها وقالت "لو كان ابنك حقاً لما وافق على ذلك، أبناءك هنا معكِ لا يشترط أن اسمك ليس بشهادات ميلادهم ولكنه بقلوبهم، مدام جميلة فادي يريد أن يخدعك من أجل الأموال وأنتِ تعلمين ذلك فلم الحزن؟"
نظرت إليها وقالت "لأني كنت أعيش على أمل أن ابني سيعود لي بيومٍ ما واليوم فقط مات الأمل وهو ما يؤلمني"
ركعت ديمة أمامها وقالت "جميلة المحمدي لا يمكن أن تستسلم لليأس وتفقد الأمل، مع ميلاد يوم جديد يولد أمل جديد ولا يجب أن نقنط أبدا من رحمة الله هو الذي ابتلانا وهو الذي يختبر صبرنا على البلاء"
قالت بحزن "صبرت كثيراً على أمل أن يأتي نادما لبعده عني ولكنه اليوم يخبرني أني السبب وأني لا أصلح لأن أكون امرأة"
أمسكت ديمة يدها وقالت "هذا هو ما أراده أن يفقدك ثقتك بنفسك وقوتك التي لم يمكنه هزيمتها فلو ضعفتِ الآن فاز هو وانتصر، ليس هو الرجل الذي تهتمين برأيه لأنه غشاش ومخادع لابد أن تتذكري دائما ما فعله بكِ وما فعله اليوم لتدركِي أنه لا يرقى إلى مستواكِ ولا يليق أصلا بالوقوف أمامك والتحدث عن الرجل والمرأة"
أغمضت جميلة عيونها ثم فتحتها وقالت "معكِ كل الحق ليس وجدي بالرجل الذي أتلقى منه الكلمات عن المرأة والرجل، إنها كانت لحظة ضعف ولن تتكرر"
ثم نظرت إلى تيم وقالت "أخبر رجالك أنه لو مر هذا الرجل من جانب الفيلا فليقطعوا قدمه كي لا يكررها مرة أخرى وانتبه له لأن المعركة لم تنتهي بعد ولو شاء فادي اختيار جانبه فهو شأنه"
هز تيم رأسه وقال "حاضر عمتي المهم أنتِ"
نظرت إلى ديمة وربتت على يدها وقالت "أنا بخير لقد عدت لنفسي، هيا تعالى ساعدني لأعود الى غرفتي"
كانت زينة قد عادت وتابعت ما حدث ولكنها لم تتدخل وهي ترى ديمة وتيم يساعدان العمة على العودة إلى غرفتها بينما اتجهت هي إلى غرفتها في صمت
خرج الاثنان من غرفة جميلة وعادت إلى البهو فتحركت هي لإحضار علي ولكنه قال "أنقذتِ حياتي"
توقفت دون أن تنظر إليه ولكنه كان قد وصل إليها ووقف أمامها فرفعت وجهها إليه وكم كانت عيونها الزرقاء تجذبه إلى دنيا أخرى لا يعرفها
قالت "فعلت ما كان يجب أن أفعل"
لم يبعد عينيه عنها وهو يقول "هل شجاعتك هذه شيء عادي؟ أن تنتصري على رجل مثل ذكي، أو تصيبي محترف مثل جيمس بشلل واليوم تدفعي وجدي بشجاعة بعيدا عني، هل هذا شيء طبيعي؟"
قالت "ربما الخطر يدفعنا لأفعال لا ندرك كيف فعلناها، وربما من كثرة الضعف تعلمت القوة"
ضاقت عيونه وقال "هل لابد أن أشكرك ؟"
أخفضت وجهها وقالت وهي تتحرك مبتعدة "لا"
ولكنه أمسكها من معصمها وجذبها إليه ليوقفها فاقتربت منه جدا ومرة أخرى سرى عبيرها إلى أنفه لتعود تلك الذكرى إليه، صالة الملهى الليلي، نفس العيون تواجهه ونفس اليد يمسكها ليجذبها وصوت تميم
“ هيا يا تيم خذها للرقص"
ورأى نفسه يجذبها إلى المرقص نفس العيون بشعر أسود طويل ينساب كالحرير، أغمض عيونه ووضع يده على جبينه يفركه من أثر الذكريات التي تدق رأسه وهو يقول
“ أنتِ، إنه أنتِ تلك الفتاة"
ارتبكت وشعرت بالخوف لأنه بدأ يتذكر فخلصت يدها منه لتذهب ولكنه أفاق وبدلاً من أن يمسكها أسرع خلفها وجذب طرحتها بقوة فانساب شعرها الأسود الطويل على ظهرها واتضحت الصورة أمامه وصرخت وهي تضع يدها على شعرها والفزع بعينيها
وقف أمامها وقال "إنها أنتِ نعم أنا متأكد ما الذي حدث بتلك الليلة؟ انطقي وأخبريني"
أدركت أنه لم يتذكر إلا صورتها فقط فقالت بقوة "ولم لا تتذكر وحدك كما فعلت الآن، أم أنك لا تريد وتهرب منها كما هربت من مواجهة كل شيء؟"
صفعها دون أن يدري كيف فعل وهو يقول "اخرسي"
ولكنها لم تصمت وقالت "أخرس كي لا أواجهك بما تهرب من مواجهة نفسك به، أخرس كي لا أذكرك بما تهرب منه، نعم أنا هي تلك الفتاة التي قابلتها تلك الليلة وغصبتها على الرقص معك بقوة فماذا ستفعل معي، هل ستقتلني لأني رفضت وقتها أم ستكمل الذكريات وتتذكر ماذا فعلت بتلك الليلة التي دمرت حياتي بعدها؟"
ثم تركته وصعدت إلى الأعلى وهي ترتجف بكل كيانها والدموع وصلت إلى مجراها فانفجرت خارجة لتعيد إليها ذكرى تلك الليلة وما أحاطها من بعدها من أحزان لم تنتهي حتى اليوم
يتبع...
أنت تقرأ
رواية الليلة الملعونة بقلمي داليا السيد
Romanceليلة واحدة، ليلة دمرت حياتها وألقت على عاتقها مسؤوليات لم تكن فتاة بالساعة عشر يمكنها أن تتحملها وكل ذلك بسبب ذلك الرجل، اليوم وبعد خمس سنوات على تلك الليلة الملعونة تقابله تصطدم به بوجه آخر وجه من القسوة والكره والكبرياء والرفض لأي امرأة بحياته، ال...