الفصل السادس والعشرين
فراق
اعتدل بجوارها بالفراش ثم جذبها إلى أحضانه خوفا من أن تضيع منه وقبلها بوجنتها وقال
“ أنتِ أعدتِ لي الحياة التي ضاعت مني بموت تميم ليتني قابلتك منذ القدم"
ابتسمت وقالت "ربما لم تكن لترغبني وقتها"
قبل شفتيها برقة وقال "أنا لم أرغب بسواكِ، من وقتها وعلقت عيونك بذهني إلى يوم رأيتك مرة أخرى، ديمة هل تريديني مثلما أريدك؟"
لم تذهب ابتسامتها وقالت "الإجابة الوحيدة على هذا السؤال أنك الرجل الوحيد الذي أجد نفسي الآن بين أحضانه دون أن أقوى على البعد عنه والذي احتفظت بنفسي من أجله"
ابتسم وقال "حقا لم أحصل عل خشبة بجانبي أو طلقة بظهري"
ضحكت وقالت "ولا زجاجة بكتفك فهذا كان مصير وجدي"
تراجع ثم ضحك وعاد إليها يقبلها بشوق أكثر وكأنه لا يرتوي من ظمأ عشقه لها، رن هاتفه فأبعدها برفق ثم نهض وهو يمسك ببنطلونه ارتداه ثم أمسك هاتفه ليجد اسم زينة فأجاب
“ نعم زينة"
قالت زينة "أين أنت تيم؟ عمار أخبرنا أن ديمة أصبحت معك فلماذا لم تعد حتى الآن؟"
أخرج سجائره وأشعل واحدة ثم قال "نحن بأمان حبيبتي لا تقلقي"
قالت زينة بلهفة "ولماذا تريد الأولاد وملابس لكم ماذا حدث تيم؟"
وقف أمام النافذة وقال "لا شيء زينة أنا فقط لا أريد العودة الآن إلى الفيلا، لكن لا تقلقي أنا معكِ حتى ينتهي زفافك"
قالت بفزع "تيم ماذا حدث؟ أنا أريد أن أفهم، عمتي تغلق عليها غرفتها وترفض الحديث معي وأنت الآن ترحل فماذا حدث؟"
تنهد بقوة ثم قال "اسمعي زينة نحن لسنا أولادها، هي تريد ابنها وأنا سأعيده إليها ولكن بالمقابل تنساني وتخرجني من حياتها لأن هذا هو اختيارها"
هتفت زينة "لا تيم لا تفعل ذلك مرة أخرى عمتي لن تتحمل"
أجاب بحزن واضح "بلى حبيبتي هي التي وضعت الشروط والقوانين وأنا أنفذ لا تقلقي أنا لن أتركك حبيبتي إلا وأنتِ مع زوجك"
ولم ينتظر الرد فأغلق. استمعت ديمة لكلماته فنهضت ورأت قميصه الملقى بجانبها فارتدته واتجهت إليه ووقفت أمامه وقالت "ماذا كنت تعني بكلامك هذا؟"
لم ينظر إليها وهو ينفخ دخانه وقال "ما سمعتيه، لن نعود والأولاد قادمة حتى فرح زينة ثم سنرحل"
وضعت يدها على وجهه لتعيد نظراته إليها وقالت "ماذا حدث؟"
كانت عيونها تمثل مهد الراحة بالنسبة له ولكن لا يمكنه أن يخبرها بما قالته جميلة عنها فقال "اختلفت أنا وهي واختارت أن تخسرني وأنا نفذت"
لم تبعد يدها عن وجهه وقالت "بسببي أليس كذلك؟"
ضاقت عيونه وهو ينظر إليها ثم ابتعد من أمامها وقال "لا”
لم تتحرك وقالت "بل بسببي، لأنك خطفت فادي ابنها وهي خيرتك بيني وبينه أليس كذلك؟"
التفت إليها بقوة فأكملت "لقد سمعت وجدي وهو يقول أنك حصلت على فادي وبالتأكيد عمتك لن تقوى على أن يصيب ابنها أي ضرر خاصة ولو كان بسبب فتاة مثلي بالنسبة لها فأنا.."
وضع يده على شفتيها وقال "لا تكملي كلامك لأن ليس له أي صحة أنتِ أشرف من ذلك بكثير، وقبل هذا كان عليها أن تدرك أنكِ زوجتي أم أولادي أما فادي فهي تعلم جيدا ماذا يعني ولكنها تخدع نفسها"
أمسكت يده وقبلتها وقالت بحنان "ولكن هي أم وأنا أعلم معنى إحساس الأم وهي تخاف على ابنها فقد عشت أربع سنوات بكل يوم أعاني ذلك الخوف رغم أن علي ليس ابني فما بالك بها؟ من فضلك تيم لا تغضب منها"
ترك يده بيدها وقال "لم يعد يهم فهي اختارت وأنا نفذت وسأعيد إليها ابنها"
نظرت إليه وقالت "وتتركها؟"
ابتعد وقال "ليس بجديد وأرجوكِ ديمة لا أريد أن نتحدث بالأمر أنا بالفعل لا أقبل أي كلمات"
أسندت رأسها علي ظهره وقالت بحنان "لن أفعل الآن ولكني لن أستسلم"
استدار وأحاط وجهها بيده وقال "فقط كوني معي وأنا لا أريد أي شيء آخر"
ثم ضمها إليه فأغمضت عيونها وقالت "وأنا لا أريد إلا أن أكون معك تيم لآخر العمر"
أبعدها عندما سمع صوت سيارة فقال "هذا عمار أتى بالأولاد"
نظر إلى قميصه وقال "لابد ان تتخلى عنه لأقابل رجلي رغم أنه يبدو رائعاً عليكِ ومثير حقا"
كانت سعيدة بالأولاد بينما قضى هو وقت طويل مع عمار حتى أطعمت الأطفال ثم وضعتهم بالفراش وتركتهم وعادت إلى غرفتهم وأفرغت الحقائب
دخل غرفتهم ونظر إليها وهي تجلس أمام المرآة تعبث بهاتفها وشعرها يغطي وجهها وظهرها كله بينما انتشر عطرها بالغرفة، الآن يعيش ما لم يعيشه من قبل حتى مريم لم يشعر بهذا الشوق إليها كما يشعر تجاه تلك المرأة، ولم يتمنى أن يظل بين أحضانها إلى الأبد كما يتمنى مع ديمة
شعرت بيده تتخلل خصلات شعرات فرفعت وجهها إليه بابتسامة جميلة بملاح بريئة فركع أمامها وهو يمرر يده على وجنتها وقال
“ كم أعشق براءتك وبساطتك هذه ديمة، تبدين كملكة جمال دون أي مواد صناعية"
احمر وجهها وأخفضت وجهها فابتسم وقال "وهذا اللون الأحمر يثير داخلي رغبة لا حدود لها"
نظرت إليه بعينيها وقال وما زالت يده على وجنتها "هل أنتِ سعيدة؟"
أمسكت يده وقبلت راحته بحب وقالت "سعادة لم أعرفها من قبل، فأنا لم أحلم أني سأكون بيوم ما معك"
جذبها إليه وقال وهو يضمها إلى صدره "بل أنا لا أعلم ماذا فعلتِ بي ديمة أنا أشعر أني لا يمكنني أن أترككِ لحظة أشتاق إليكِ وأنتِ بين أحضاني"
أبعدها وأحاط وجهها براحتيه وقال "أندم على ما مر من عمري بدونك"
لم تذهب ابتسامتها وهي تمنحه نظرة حب وحنان وقالت "ما زال أمامنا باقي عمرنا تيم"
نهض وجذبها إليه وهو يتأمل قوامها بملابس النوم وقال "نعم وأنا أتلهف لتلك الحياة بين ذراعيكِ ديمة ضميني ديمة أحتاج لأحضانك"
أسرعت تحتضنه بقوة كما فعل هو وهو يدفن رأسه بشعرها الغزير وهمس "أحبك ديمة، أحبك ولم أحب امرأة سواكِ"
هل هذا حلم؟ تيم المحمدي يحبها هي؟ لم تتركه وقالت "وأنا لم أتمنى من الدنيا إلا أن أكون معك ولك أحببتك وقت خفت منك وسكن حبك بقلبي فلم أر سواك أحببت علي لأنه جزء منك وعشت أحلم بأن أراك مرة واحدة حتى ولو من بعيد"
ابتعد وأبعد شعرها عن وجهها وقال "وأنا كنت غبي ولم أشعر بهذا الحب وأضعت الكثير من السعادة التي أشعر بها الآن"
داعبت أزرار قميصه وقالت "ألن نكف عن الندم على الماضي؟ يكفي أننا الآن سويا ولن يفرقنا شيء"
أمسك يدها وقبلها وقال "بالتأكيد حبيبتي فأنا لم أعرف قيمة الحياة إلا من بعد أن عرفتك، أنتِ من صالحني على الدنيا أنا أحببت بعيونك كل الدنيا ديمة فلا تتركيني مرة أخرى"
وضعت رأسها على صدره وأغمضت عيونها وقالت "وهل يمكن أن أترك روحي؟ أنت روحي التي تحييني تيم، أنت من فتحت عيوني عليه فلم أغمضها إلا معك وبين يديك، حبي لك ليس اليوم أو أمس وإنما حب سنوات نمى وكبر بقلبي ولا يمكن إخراجه أبدا ولن يمكن لأحد أن ينتزعه مني، فقط الموت حبيبي"
زاد من ذراعيه وهو يسند وجهه على رأسها وقال "ألف سلامة عليكِ حبيبتي من الموت"
ثم رفع وجهها إليه وقال "ثم أنا لم أروي ظمأي منكِ بعد حبيبتي"
ثم التقط شفتيها برقة تتناسب مع رقتها وجمالها وأحاطته بذراعيه وهي تشعر بسعادة لم تعرفها إلا وهي معه هو وحده
لم تشعر به عندما نهض وذهب بالصباح فنهضت وأخذت حمام وارتدت ملابسها ووقفت أمام المرآة وهي تنظر إلى نفسها وقد شعرت أنها اختلفت تماماً ربما هي تلك السعادة التي تحياها الآن هي التي تمنحها تلك الابتسامة الجميلة ولمعان عيونها، وكيف لا وهي تملك الدنيا بين ذراعيها لأنها نالت الرجل الذي تمنته
ما أن نزلت مع الأولاد لإعداد الإفطار حتى رن هاتفها فرأت اسمه فابتسمت وأجابت "هكذا تذهب دون أن أستيقظ على عيونك حبيبي"
كان يقف بجوار عمار فابتعد وقال بصوت منخفض "هذه الكلمات تدفعني لأن أترك العالم كله وأعود لأحضانك حبيبتي"
ضحكت وقالت "مجنون طبعا"
قال "مجنون ديمة، ماذا تفعلين؟"
أجابت "مع الأولاد وأنت"
نظر إلى عمار ورجاله وقال "مع الرجال أنا أضع رجال حول الفيلا، لا تخلعين حجابك او ترتدين تلك الملابس"
ضحكت وقالت "ولماذا؟ أنا داخل البيت ولن أخرج"
تبدلت ملامحه وقال "ديمة هل تسمعيني؟"
قالت بدلال "حبيبي يغار"
هدء وقال "من نور الشمس التي تداعب رموشك ومن نسمة الليل التي تلمس وجنتك أغار حتى من ملابسك التي تلمس بشرتك أريدك لي وحدي ديمة، أريد أن أخفيكِ داخل قلبي فلا يراكِ سواه ولا ترى عيونك إلا شرايينه التي تنبض بحبك وتسمع أذنيك نبضه الذي ينطق باسمك حبيبتي"
وضعت تميم بمكانه على المائدة وقالت بحب "وأنا أعشق كلماتك وغيرتك وصوتك، وأتمنى أن تظل بجانبي ولا تتركني لحظة واحدة حبيبي"
ابتسم وقال "سأعود مبكراً، أحب الأزرق ينبض بلون عيونك حبيبتي أرسلت لكِ الكثير منه وأريد أن أرى أحدهم الليلة"
ضحكت بدلال وقالت "وإن نمت؟"
قال "لن تفعلي لن أهون عليكِ، ديمة أنا حقا أشعر بأني أملك العالم كله بوجودك معي وأريد أن أسعدك ما تبقى لنا من عمر وأعوضك عن كل ما مر بكِ"
قالت بحنان "لم تبالغ زينة عندما قالت أنك أحن وأرق رجل بالعالم الآن أنا أحسد نفسي عليك حبيبي وأشكر الله على وجودك بحياتي"
أغلق الهاتف وعاد إلى رجاله وقال عمار "وجدي اختفى مرة أخرى"
قال "وفادي؟"
أجاب عمار "أرسلناه أمس إلى مدام جميلة ثم رحل إلى حيث كان، والغريبة أن وجدي لم يبحث عنه فترة اختفاؤه وكأنه نسى أن له ابن"
ضاقت عيون تيم وهو يفكر ثم قال "هذا يعني أنه يدبر أمر جديد مما يجعلنا نزيد من الأمن، ولكن هل فعلت مع فادي ما طلبته منك؟"
أجاب عمار "طبعا يا فندم ولن يغرب عن عيوننا لحظة واحدة فرجالي بين أصدقائه"
حدق في الفراغ وهو يعلم أن وجدي جبان ولكنه كلب وسيعود ليثأر منه أو من زوجته لذا عليه أن يحتاط له ولا يغمض عينه لحظة عنه
****
دق باب غرفة جميلة فلم ترد ولكن فتح الباب، كانت تتقوقع على نفسها بالفراش لقد فقدت أبنائها الاثنان، وبخاصة تيم هو ابن عمرها الذي يساندها ويخاف عليها بل ويغير عليها ولكنها فقدته، وفادي ضاع بسبب غباء وجدي وكان الثمن ديمة، حتى ديمة لابد أن تخرج من حياتهم كما أدخلتها نعم هي السبب وجدي يريدها ولن يتركهم إلا بعد أن يحقق أغراضه و..
“ ماما"
رفعت رأسها لترى فادي أمامها اعتدلت وهي لا تصدق أنه أمامها، نهضت ببطء واتجهت إليه ووقفت أمامه والدموع لا تجف من أوجاعها، نظر إليها ثم رمى نفسه بين أحضانها فلم يكن منها إلا أن شدت عليه وهي لا تفهم كيف أتى هنا.
وأخيراً ابتعد فقالت بدهشة وهي تتأمل مظهره المبعثر "ماذا حدث لك؟ وكيف أتيت هنا؟ وكيف تركك الرجال؟"
قال "تيم هو من فعل بي ذلك، هل رأيتِ ماذا فعل بي ابن أخيكِ من أجل تلك الفتاة التي لا قيمة لها؟ ماما لابد أن تنهى تلك المهزلة"
قالت وهي تحاول أن تستوعب ما يحدث "كيف تركك الرجال؟ ومن أحضرك هنا؟"
ابتعد وقال "نفس الرجال أحضروني هنا وتركوني وهم بالخارج، إنهم رجال تيم"
أغمضت عينيها وتذكرت أنه وعدها أنه سيعيده إليها بمجرد أن يحصل على زوجته ولكن هذا يعني رحيله فقالت
"وماذا فعل بك تيم ورجاله؟"
قال بغيظ "خطفني بالقوة من شقتي، وألقاني بمكان مهجور، ثم الآن أحضرني رجاله إلى هنا"
ابتعدت وقالت "ووجدي أين هو؟"
قال وهو يبتعد من نظراتها "لا أعلم ربما يبحث عني"
أخرجت هاتفها وقالت "اتصل به وأخبره أني أريد رؤيته"
أمسك فادي الهاتف وأدار رقم والده ولكن الهاتف مغلق فأعاده إليها فقالت "سأنادي أم سعد لتعد لك غرفة كي تغتسل وتغير ملابسك هذه"
ولكنه تراجع وقال "لا، أنا سأعود إلى شقتي وسأتصل بكِ، لا تقلقي"
كانت تعلم أنه لن يبقى معها فقالت "لم لا تبقى معي أنا أمك حبيبي"
ابتعد من أمامها وقال "أمي كيف وأنتِ ترفضين منحني حقي من المال أنا وبابا، تيم وزينة هم أولادك أنا أصلا لا أعرفك، لم تبحثي عني ولم تشاركيني أي شيء بحياتي فأين الأمومة في ذلك؟ أنا لم أعرف لي أم بأي يوم هند كانت تكرهني وتؤلمني بكل الطرق وبابا نفسه لم يكن ليمنحني أي حنان، عشت عمري كله وحيد فقط المال والأعمال فلا تحدثيني عن الأمومة أو الأبوة أو حتى كلمة حنان، فقط المال هو كل ما يهمني"
تراجعت جميلة من كلمات الشاب وأفكاره وشعرت بالأسى من أجله فقالت "وهل لو حصلت على أموال مني أصبح أمك واشترى تلك السنوات التي لم تكن فيها معي"
نظر إليها وقال "لا جميلة هانم المال لن يعوضني يوما من الماضي ولكن هذا المال هو حقي الذي حرمت منه وأخذه تيم وزينة"
تملكها الغضب وقالت "إنها أموال أخي أي أموال تيم وزينة وليس لك أي حق بها"
تشنجت عضلاته الواهنة وقال "ولكن أنتِ من أنشأ كل ذلك بمجهودك وتعبك وسنوات عمرك التي مضت إذن هي أموالك وأموالي، حقي ولن اتنازل عنه"
التفتت إليه وقالت "وماذا يعني هذا؟ هل ستأخذه غصباً عني أم تقتلني حتى ترثني"
أشاح بيده وقال "بابا قال أنه سيحصل على المال بطريقته وأنا أثق به لأنه يفعل من أجلي أما أنتِ، فلا يهمك سوى تجميع المال من أجل فلذات كبدك تيم وزينة"
صفعته على وجهه بقوة وقالت "كيف تجرؤ على الحديث معي هكذا، ألا تدرك مع من تتحدث وعن من؟ هل أعماك المال إلى هذه الدرجة حتى جعلك لا ترى أني أمك؟"
لم تؤثر الصفعة عليه وقال ببرود "أم بشهادة الميلاد لكني لا أعرفك وأنتِ أيضاً لا تعرفيني فلا داع للتمثيل لأن الواقع معروف"
ارتجف جسدها بقوة من كلماته وشعرت أنها تفقد قواها للحظة ولكنها استعادت نفسها وقالت
"نعم لا داع للتمثيل وتصديق ما هو وهم عشت أنا فيه أيام وخسرت ما لا يمكن تقديره بمال الدنيا، اسمع يا فادي كل تلك الأموال والشركات باسم العائلة وتيم وزينة ولا أملك إلا نصيبي الشرعي فإذا أردت حقك فانتظر موتي لترثني لأني لن أمنحك شيء فأنت لا تستحق"
تأملها فادي لحظة قبل أن يستدير عائدا من حيث أتى وسقطت جميلة على المقعد المجاور وهي تدرك أنها أخطأت بما فعلت وفكرت أما تيم فهو ابنها وعليها أن تعيده.
رن هاتف تيم باسم عمته فاندهش إلى أنها تفعل ولكن ربما لأنه أعاد إليها فادي فلم يجيب، ولكنها أعادت الاتصال فأجاب
“ لم أظن أن يأتي يوم ولا تجيبني على الهاتف"
أشعل سيجارة وأجاب بهدوء "ولكني أجيب الآن"
قالت بحزن "أريد أن أراك، لابد أن نتحدث"
قال بهدوء "لم يعد هناك أي حديث بيننا"
بأمل "بلى هناك تيم، أنتظرك بمكتبي بعد نصف ساعة"
وأغلقت الهاتف وهو ينظر إلى الفراغ من حوله، كان يعلم أنه لابد أن يضع النهاية بنفسه حتى ولو كانت أمه لكنها كادت تدمر حياته بلحظة ضعف ولن ينسى ذلك أبدا.
دق مكتبها ودخل، نظرت إليه وابتسمت لحضوره فنهضت باتجاهه وقالت "شكرا لحضورك تيم"
ابتعد وهو يدخن سيجارة وقال "كان لابد أن أفعل"
ضاقت عيونها وقالت وهي تلاحظ ابتعاده "لا أفهم"
واجهها وقال "حضرتك طلبتِ مني الحضور، ترى ما الأمر الهام؟"
ظلت تتأمله لحظة قبل أن تبتعد وتقول "متى ستعود إلى البيت؟"
ابتسم وقال "تعلمين الإجابة"
نفخت بضيق "بل لابد أن يتغير كل ذلك، تلك الفتاة منذ أن دخلت بيتنا والدنيا لم تعد كما كانت، أنا السبب كنت على حق يا تيم لابد أن تخرج من حياتنا لنعود كما كنا"
اقترب منها وهو يتأمل ملامحها التي تتهرب منه وقال "وكيف يكون ذلك؟"
قالت وهي تهرب منه "طلقها وخذ أولادك ونعود كما كنا"
ضحك بسخرية وقال "أطلقها وآخذ أولادي ليعودا لحياة الوحدة التي كان تميم يعاني منها والتي كنتِ تلومني عليها وأحرم علي من أمه؟ أنتِ من يقترح ذلك؟"
أدركت معنى كلماته وقالت بضيق "تيم؟"
ابتعد وقال "أنتِ من يدفعني لذلك، فلا داعِ لأي محاولات فاشلة لأني لن أعود لقد أدرك كلاً منا كيف يعيش حياته، أنتٌ تريدين حياتك بطريقتك وتتمنين أن تحصلي على كل شيء أنا وزينة وفادي وربما وجدي، أما ماذا نريد نحن فلا يهم بل وتطلبين مني أن أدمر حياتي وحياة أولادي من أجل ماذا؟"
قالت بغضب "لا أفعل يا تيم أنا أريدك أنت وأختك وأن نعود كما كنا ونعود للحب الذي علمتكم إياه"
قاطعها وقال بقوة "الحب الذي تريدين ثمنه الآن، تريدين أن تحصلي على مقابل تضحيتك من أجلنا، أن أترك ديمة لأثبت أني أحبك ومدين لكِ، تمام جميلة هانم أنا بالفعل مدين لكِ ويمكنك طلب أي مقابل لكن ليس ديمة لأني لن أفعل ولن أعود لأن أنت السبب واخترتِ ذلك منذ البداية يوم اخترتِ فادي"
تحرك إلى الباب ولكنها أوقفته "تيم انتظر، أنا ضحيت بأدهم من أجلك ومن حقي.."
التفت إليها وقال "من حقك ماذا؟ أن تنالي نفس التضحية، وأضحي بالمرأة التي أعادت لي الحياة من أجلك؟ صعب عمتي إنه كالحياة بدون الماء والهواء، ربما استطعتِ أنتِ أن تتخلي عن أدهم من أجلنا، لا أعلم كيف ولكن أنا أعترف أني لا أملك شجاعتك هذه لا يمكنني أن أتركها لأني أحبها عمتي"
ثم تحرك إلى الخارج تاركاً إياها في دموع وغضب وألم، بركان ينبض بالحقد على ديمة لأنه فضلها عليها، هي السبب هي من دسها بحياتهم وجعلت منها امرأته والآن يتركها من أجلها ولكن لا لن تتركها لابد أن تخرجها من حياته ليعود إليها وإلى أحضانها
****
تركت ديمة الأولاد تلعب بالبهو وهي تجلس أمامهم تداعب أزرار اللاب الخاص بها عندما سمعت سيارة تدخل اتجهت لتراها من النافذة وعرفتها على الفور وقد كانت جميلة، أسرعت إليها لتستقبلها عند الباب ولكن جميلة احتضنتها ببرود واضح أدركته ديمة وتذكرت ما كان بينها وبين تيم فقالت
“ أهلا عمتي تفضلي"
تحركت جميلة إلى الداخل وحاولت أن تبتسم للأولاد رغم ما كانت تملكه داخل صدرها من حقد تجاهها سقط بقلبها بلحظة غضب وغيرة حمقاء وربما ستدفع الثمن عليها فيما بعد ولكنها لا تدري وهي بتلك الغيبوبة التي تسيطر على تفكيرها
جلست جميلة على أحد المقاعد وجلست ديمة أمامها وهي تراقب الأولاد ثم نظرت إليها وقالت
"هل هذا ما كنتِ تخططين إليه يوم دخلتِ بيتنا؟"
تراجعت ديمة وقالت بدهشة "أخطط؟ أنا لا أفهم عمتي"
قالت جميلة بغضب "أنا لست عمتك، هل نسيتِ نفسك ونسيت من أنتِ ومن أنا؟"
أخفضت وجهها وشحب لونه وقالت "لا يا جميلة هانم لم أنس يوما أنكِ تفضلتِ علي وفتحتِ لي بيتك"
هدأت جميلة وقالت "ولكنك لم تصوني الجميل ودمرتِ أسرتي"
رفعت وجهها إليها وهزت رأسها نفيا وهي تريد أن تدرأ عنها ظلم لا تستحقه فقالت "لم أفعل ولا أجرؤ على أن أفعل أنا كنت أنفذ كل ما طلبته مني وأصررتِ عليه، أنا أردت أن أرحل ولكن أنتِ من أصر على بقائي ووجودي بحياتكم وحياة تيم"
نهضت جميلة وابتعدت وهي تعصر كفيها ببعضهم البعض وهي تعلم أنها على حق لم تنظر إليها وهي ترد بغضب "بلى فعلتِ بل وأكملتِ خطتك أنتِ التي كنتِ تخفيها حتى جعلته يختارك ويقذف بي أنا، أنا أمه من عشت من أجله، أنا من وضعتك بطريقه وأردتك أن تكوني امرأته واليوم نجحتِ بأن تكوني ولم تكتفي بذلك وإنما دفعتِ بي خارج حياته خطة رائعة كنت أعلم أنكِ ذكية ولكن لم أتخيل أن تستخدمي ذكائك هذا ضدي أنا"
دمعت عيون ديمة وهي تعلم أنها فقدت تلك المرأة التي ساندتها بيوم ما، نهضت واتجهت إليها ووقفت أمامها وقالت
"هذا ما تحاولين إقناع نفسك به جميلة هانم، أنني الجاني وأنتِ المجني عليه"
قالت جميلة بنفس الغضب "ماذا تعنين؟ أي جاني؟"
قالت ديمة بثقة تعلمتها من ظلم الأيام والأشخاص "بلي تفهمين وتعرفين أني لست مسؤولة عما حدث وإنما أنا مجرد شماعة تريدين تعليق أخطائك وخسرانك لابنك وفشلك عليها"
تفاجأت عندما صفعتها جميلة وهي تصرخ بها "اخرسي، جميلة المحمدي لا تعرف الفشل، إنه أنتِ من تسربت كالأفعى إلى حياة ابني وخدعتيه"
سالت الدموع من عيونها وهي تضع يدها على وجهها ولكنها نظرت إلى جميلة بنفس القوة وقالت "لم أخدعه، أنا أخبرتك من أول يوم أني لم أحب رجلاً سواه وهي الحقيقة أنا أحبه وأعشقه أنتِ الآن التي تريدين تزييف الحقيقة وتشويه صورتي التي تعرفين حقيقتها جيدا"
لم تهدأ جميلة وقالت "كاذبة، صورتك الحقيقة ظهرت وعرفتها، فلو كنتِ تحبينه حقاً وتتمنين سعادته لخرجتِ من حياته التي تدمرت بسببك لقد فقدته أنا وأخته بسببك فهل الحب عندك أنانية؟ تحصلين على ما يسعدك وتدمرين سعادة الآخرين، لو أحببتِه حقا فاتركيه وابتعدي عن حياته كي يعود إلى أهله وربما يوماً ما يمكنه أن يجد المرأة التي تليق به"
سقط قلبها صريع تلك الكلمات وانتفض مذعوراً وهي تتذكر كلماته وحبه وحنانه هل يمكن أن تكون هي سبب أحزانه؟ شعرت بأنها تفقد كل قوتها واهتزت لحظة دون قوة على التماسك بينما قالت جميلة بلين
"ديمة، أنتِ تعلمين ماذا يعني تميم بالنسبة لي ولأخته ووجودك فرق بيننا، لابد أن تذهبي كي يعود إلينا، تيم لن يبقى ذلك الحبيب الذي تظنيه وإنما يوما أو اثنين وسيدرك أنكِ لستِ المرأة المناسبة له"
ابتعدت من أمامها وهي تفكر بكلامها بينما أخرجت جميلة ورقة من حقيبتها ومدتها إليها وقالت
"هذا شيك بإمضائي بدون رقم اكتبي الرقم الذي تريدين مما يؤمن لكِ حياتك أنتِ وابنك واتركينا نعود إلى حياتنا في هدوء وسكينة"
نظرت ديمة إلى الشيك من وراء دموعها ثم رفعت عيونها إلى جميلة وقال "أموالك هذه لا يمكنها أن تشتري حبي لتيم ولا تعوضني لحظة عشتها معه، أنا سأبتعد ليس من أجلك وإنما من أجله لأنه لم ينس أنك أمه التي ربته وعاشت من أجله ولكن تأكدي أني لم أحب بحياتي رجلا سواه ولم أتمنى إلا أن أمنحه كل الحب والسعادة، لا الألم والأحزان وربما يكون ألمه ببعده عنكم، لكن تذكري جيدا أني أفعل ذلك رغماً عني وعن قلبي وأنك السبب في هذا الفراق"
وتحركت إلى أولادها ولكن جميلة تركت الشيك على المائدة وقالت لتكمل ما بدأت وكأن ما فعلته لا يكفي
"سآخذ تميم معي"
توقفت بدون وعي والتفتت إليها فرفعت جميلة رأسها وقالت "هو ابنه ولن يهدء بدونه"
لم ترد وهي تتجه إلى تميم وتحمله بين أحضانها بحب وحنان بينما اقتربت منها جميلة ثم أخذته منها بقوة وقسوة حطمت ما تبقى من قلب ديمة الذي لم يعد يدق إلا بالألم والحزن
****
عاد بالمساء ودخل الفيلا واتجه إلى غرفته فلم يجدها، اتجه إلى غرفة الأولاد فلم يجدهم عاد إلى غرفتهم وأخرج هاتفه واتصل بها فوجد هاتفها مغلق تحرك بالغرفة وهو يعيد المحاولة إلى أن لمح ورقة على منضدة الزينة فاتجه إليها مسرعاً وفتحها وقرأ
“ لم أعد أعلم هل من الصواب أن أكتب حبيبي تيم لأني لم أتخيل أن يكون حبي لك سبب بأحزانك يوما، تيم سامحني أنا اخترت أن أرحل من أجلك، لست أنا المرأة المناسبة لك. أقسم أني لم أخدعك يوماً ولكن.. لم يتحمل قلبي أن يكون سبباً في فراقك عن من أحببت فهم أولى بك مني، انساني تيم، انساني وعش حياتك فسعادتك هي ما أتمني وأريد، تميم مع عمتك وعلي معي لن يمكنني أن أعيش بدونه، ما زال جزء منك بالنسبة لي، أما أنت ستظل الرجل الأول والأخير بحياتي وزوجي لآخر العمر ولن أكون لسواك"
أمسك الورقة وضمها بيده بقوة وقد تملكه غضب حاول أن يتحكم به ولكن إذا فعل فكيف يفعل مع ألم قلبه من فراقها وقد اتفقا ألا يفرقهما إلا الموت..يتبع...
أنت تقرأ
رواية الليلة الملعونة بقلمي داليا السيد
Romanceليلة واحدة، ليلة دمرت حياتها وألقت على عاتقها مسؤوليات لم تكن فتاة بالساعة عشر يمكنها أن تتحملها وكل ذلك بسبب ذلك الرجل، اليوم وبعد خمس سنوات على تلك الليلة الملعونة تقابله تصطدم به بوجه آخر وجه من القسوة والكره والكبرياء والرفض لأي امرأة بحياته، ال...