الفصل السابع عشر

1.1K 44 0
                                    

الفصل السابع عشر
زواج ..رحيل
وصل تيم ومصطفى إلى البيوتي سنتر ودخلا حيث انتظرت زينة وديمة بين الموجودين، لم ترتدي ديمة إلا فستان سهرة أبيض ولكن ليس فستان زفاف كما طلب منها وهي لم تمانع ولكن ما فعلته بها المختصة غيرها تماما جعلها امرأة أخرى هي نفسها لم تعرفها فهي لم تفكر يوماً بأن تتجمل بل لم يكن لديها وقت لتكون أنثى.
وقف مصطفى مبهورا بجمال حبيبته التي ارتسمت علامات السعادة على وجهها تخفي حزنها لأن جميلة لم تحاول أن تكون معها واكتفت بوجود ديمة، تقدم منها مصطفى وأمسك يدها وقبلها وقال
“ أنا لا أستحق كل هذا الجمال يا بدر حياتي وشمس عمري"
ابتسمت بسعادة وهي تترك يدها بين يده ليضعها على ذراعه ليتحرك بها إلى الخارج.
كان عليه أن يتحمل ذلك اليوم بأي شكل ويتعامل كما يجب رغم عدم رغبته بكل ذلك بالإضافة لما بينه وبين عمته مما زاده سخطاً ولكن بعدما وقف ليأخذها تاهت عيونه بين العرائس ولم يجد تلك الفتاة البسيطة التي عرفها وإنما وجد نفس العيون الزرقاء التي تتنازعه بين الحاضر والذكرى ولكنها مختلفة وقد تحولت الى امرأة جذابة بل رائعة الجمال حتى بالحجاب والفستان الذي أحاط بجسدها وكأنه سعيد بذلك القوام الذي التف حوله فأظهره في أبهى صورة، وأدرك أن ذلك الانجذاب الذي مر به منذ سنوات تجاهها ما زال موجود ولو أنه قابلها بظروف غير التي فرضت عليه، ربما تغيرت مشاعره تجاهها
عندما حدق بها بتلك الطريقة ارتبكت ولم تقوى على مواجهة عيونه فأخفضت عينيها إلى أن شعرت به يقف أمامها وهو يتأمل ملامحها بدقة ثم قال
"أظن أننا لابد أن نذهب"
هزت رأسها ولم تجرؤ على أن تتحرك إلا عندما رفع يده إليها فرفعت وجهها إليه والتقت بعيونه فرفعت يدها له واختلف الشعور ودفء يده يسري إلي يدها الباردة والتي ترتجف بين يده وقد لاحظ ذلك ولكن لم يعلق وهو يضع يدها بذراعه ويتحرك إلى الخارج
ما أن عادا إلي الفيلا حيث المدعوين كانت جميلة تستقبل الجميع بأناقة فاقت كل الموجودات وأخذ جمالها عيون الكثير من الرجال إلى أن وصلت السيارات بهم فارتبك قلبها من لقاء أولادها بعد الجفاء الذي بينهم ولكنها وقفت بثبات أمام السيارات
تقدمت زينة إليها ووقفت لحظة أمامها ولكنها جذبتها إلى أحضانها وقالت "تبدين كالقمر حبيبتي ألف مبروك"
أبعدتها فابتسمت لها زينة بحب صادق ثم رحبت بمصطفى وانتقلت إلى ديمة احتضنتها هي الأخرى وقالت "تغيرت ملامحك تماما تبدين حقا جميلة"
ابتسمت ديمة رغم مخاوفها وقالت "ليس بمثل جمالك مدام.."
قاطعتها "عمتي لن تناديني هكذا أمام الجميع"
لم ترد وانتقلت جميلة إليه وقبلته من وجنتيه وقالت "ألف مبروك يا تيم"
لم يرد وبدا البرود على ملامحه ولكن من داخله كان يشعر بحزن لا حدود له، انتهى المأذون من عمله للعروسين وعاد الجميع إلى الحفل وتلقي التهاني وأسرع علي إلى أمه التي احتضنته بسعادة وقالت
“ حبيبي اشتقت إليك"
وابتعد تيم بعيدا عنها هاربا من وجوده بجانبها وهي لم تكن تتوقع غير ذلك بل كانت تراقب زينة ومصطفى بسعادة حقيقية وهما يرقصان سويا إلى أن تبدلت ملامحها عندما رأت فادي يدخل ويتجه إلى جميلة ويحتضنها واندهشت أن المرأة تعاملت بقوة
لم تراهم بسبب المدعوين ولكن بعد وهلة رأت فادي أمامها يقول "ألف مبروك"
قالت بهدوء "شكرا"
نظر إلى الموسيقي الهادئة وقال "هل تسمحين لي بالرقص معكِ؟"
اندهشت وقالت "أنا لا أرقص آسفة"
ابتسم وقال "فتاة رقيقة وجميلة مثلك لا تعرف الرقص وتيم لا يعلمك"
سمع صوت تيم يقول "إنه أمر يعود لي يا فادي أليس كذلك؟"
ارتبك فادي وقال "آه بالطبع أنا فقط أهنئك على عروسك الجميلة فهي حقا فاتنة"
ثم انصرف قبل أن يتهور تيم كعادته ونظر إليها بغضب فأبعدت وجهها بخوف ثم قال "لم لا تجلسين مع عمتي؟"
قالت "هي ليست جالسة وإنما تقف مع رجال الأعمال هناك"
اقترب منهم بعض الرجال ممن تعرفت إليهم أثناء عملها بالشركة للتهنئة ثم بدء التحدث عن العمل فاندمجت تحاور وتجادل وتابعها بصمت وهي تتناقش بثقة وفهم وإدراك
ارتدي الجميع خاتم الزواج ثم دعاهم المختص للرقص سويا فلم يمكنه الهروب منها حتى نظر إليها فقالت "لا أعرف كيف أرقص فلا داع لذلك"
ولكنه قال "لا يمكن أن نتجاهل الأمر هيا فقط ضعي يدك على كتفي وتحركي معي"
لم تعترض وإنما فعلت كما طلب ولكنها عادت ترتجف عندما أحاط خصرها بيديه واحمر وجهها ووجدت نفسها ترتد بعيدا عنه دون أن تشعر ولكنه لاحظ كل ذلك فشد من يده على خصرها وقال
“ ماذا بكِ؟ تتصرفين وكأني لم ألمسك من قبل وأنا والد ابنك؟"
رفعت وجهها إليه وكانت ملامحه غاضبة بينما الحيرة تملأ وجهها وقالت "كان ذلك منذ خمس سنوات"
قال بنفس القوة "وقت طويل ليعيد إليكِ الخجل مني كأنك فتاة بكر لم أنالها بيوم ما"
أسقطها الألم بمكانها منه، وصرخت الإهانة من ملامحها الحزينة فقالت "لماذا تتعمد أن تفعل ذلك؟"
تاه بين عينيها وقال "أفعل ماذا؟"
قالت "تهين وتجرح كما لو أنها سيجارة تشعلها ببساطة وتحرقها دون اهتمام"
تراجع من كلماتها ولكنه قال "لم أقل سوى الحقيقة"
أبعدت وجهها وقالت "وأنت تتلذذ بها"
قال "هكذا هو أنا وعليكِ أن تعتادي على ذلك"
قالت "تقصد أعتاد الاهانة والقسوة؟"
تردد قليلا قبل أن يقول "ألا تستحقين ذلك؟"
واجهته وقالت "وماذا تستحق أنت؟"
لم يرد وقد فاجأه السؤال ثم أبعد عينيه وقال "أستحق أن أتزوجك"
لم ترد وقد أدركت أنه لن يتوقف وهي لن تقاوم فلا طاقة لها به
وأخيرا انتهت الليلة على خير وسعادة لزينة ومصطفى وألم وحزن لديمة وجميلة التي لم يتحدث معها أيا من أولادها
صعدت معه إلى الأعلى وهو يقودها إلى غرفته ولكنها توقفت أمام الباب فأدرك أفكارها فقال وهو يفتح الباب
"إنها ليلة واحدة بغرفتي حتى نرحل بالصباح"
حملت جسدها بصعوبة إلى داخل غرفته ورائحة عطره تملأ المكان ظلت واقفة على بعد أمتار قليلة من الباب بينما تبعها هو وأغلق الباب وقال
"سنرحل بالسابعة"
خلع جاكتته وألقاها بعيدا فتأملت المكان ولم تعرف ماذا تفعل دخل الحمام وظلت واقفة لا تعرف ماذا تفعل وكأنها تحاول أن تدرك ماذا يحدث لها، إلى أن خرج وقد غير ملابسه واتجه إلى الفراش الوحيد بالغرفة ودخله وهو يقول
“ يمكنك التصرف كما تشائين بالمكان"
واستدار لينام تاركا إياها في حيرتها التي لم تجد لها أي حل
لم تغير ملابسها لأنها لم تجد ما ترتديه وإنما جلست على المقعد الوثير ورغم شعورها بالبرد إلا أنها سرعان ما نامت من التعب
أحكمت ربط حزام علي الخاص بمقعده على الطائرة ثم حزامها واستعادت تميم منه وهي تجلس بجانبه على متن الطائرة وهي لا تصدق أنها ودعت جميلة بكلمات لا تعبر عما بداخلها تجاهها حتى نظرات زينة لم تنم عن أي شيء سوى الحزن لفراقهم
لم تتحدث معه وقد كانت غاضبة لأنه سبب كل ما كان بينهم لم يكن هو على استعداد لأي حديث إلى أن قال "لقد غير رجالي البيت إلى آخر أكبر وأكثر أمانا، الحياة هناك مختلفة وأنا لن أتواجد بالبيت إلا عند النوم"
قالت "والدراسة علي لابد أن يدخل مدرسة"
قال "نعم أعلم، لقد تم الأمر وسيبدء الدراسة أول الشهر"
قالت "ألا مجال لي لأن أعمل تعلم أني"
نظراته الحادة أوقفتها ثم قال بحدة "عمل؟ أي عمل؟ أنتِ زوجة تيم المحمدي وهناك هذا الاسم له معنى آخر غير مصر لذا انسي أمر العمل هذا مكانك بالبيت مع الأولاد"
لم ترد، وأخيرا دخلت ذلك البيت، لا تنكر أنه فخم وأنيق وحديث وبه حمام للسباحة وحديقة كبيرة بها ألعاب للأطفال وبالداخل غرف متعددة أهمها غرفة الأولاد ومع ذلك افتقدت ذلك البيت بمصر الذي عرفت به جميلة وزينة وشعرت بمعنى الأسرة
وقف هو أمام غرفة وقال”وهذه غرفتي ويمكنكِ اختيار الغرفة المناسبة لكِ"
ثم تركها وابتعد داخل غرفته وهي تتابعه بصمت وخوف من الغربة وافتقاد لمن عاشت معهم أيام قليلة ولكنها كانت سعيدة بوجودها مع أشخاص بعد أن عانت الوحدة كثيرا ولكن ها هي تعود بقوة إلى الوحدة مرة أخرى ولن يمكنها أن تتراجع مهما حاولت
بالطبع لم يمنح نفسه أي فرصة للقائها وكما اعتاد أن يفعل فقد هرب إلى العمل بعيدا عنها وعن ضعفه أمام عيونها ولكنه شعر بالاختلاف بحياته لمجرد وجودها، فلم يعد تميم يبكي إلا لابتعاده عنها، والبيت مرتب ونظيف رغم كبره، وامتلأ بالورود المتنوعة من الحديقة والعشاء كان وجبة أساسية ولذيذة حقا تجمعه بأولاده دون أن ينظر إليها، استقرت حياته أخيرا كما ظن ومع ذلك ظل قلبه حزينا من أجل جميلة ولكنه لم يملك إلا أن يقاوم إحزانه.. أما موقفه من ديمة فقد كان التجاهل والبرود وكأنه يهرب من مواجهة نفسه قبل مواجهتها
فتح مكتبه فجأة ورأى جاكلين تندفع كالمجنونة وفرانك والسكرتيرة يتبعونها فتراجع بكرسيه وهي تقول بغضب
"أخبرهم أن يتراجعوا يا تيم والآن"
أشار برأسه إليهم فخرجوا وظلت واقفة أمامه والغضب يملأ ملامحها إلى أن قالت "تزوجت يا تيم؟ تزوجت وأحضرت لابنك زوجة أب"
نهض واتجه إليها وقال" بل أعدت زوجتي وأم ابني يا جاكي"
ضاقت عيونها وقالت "أعدت زوجتك أي زوجة وأي ابن؟ مريم ماتت يا تيم"
دخن سيجارته وقال "ليس تميم يا جاكي أنا لي ابن آخر كنت قد تزوجت أمه من سنوات للمتعة وطلقتها ثم اكتشفت أن لي ابن منها فأعدتها من أجل ابني وتميم، أي مجرد مربية لأولادي"
اقتربت منه وقالت "وتظن أني أصدق هذا الهراء"
قال "هذا شأنك أنتِ ولكنها الحقيقة"
صرخت "أي حقيقة؟ وأنا كم انتظرتك كثيرا وتركت العالم من أجلك"
قال بضيق "جاكي أنا تعبت من الحديث بهذا الأمر أخبرتك أني لا أفكر بكِ كزوجة نحن أصدقاء فلم لا تستوعبين الأمر؟"
قالت بغضب "لأني أحبك ولكن رجل مثلك بلا قلب لا يعرف عن الحب شيء لا يفهم معني الحب ولكني لن أتنازل عن حقي يا تيم فأنت حقي أنا"
ثم تركته وذهبت وهو يتابعها بنظرات غرور وكبرياء وبرود
بدأت تساعد علي بالدراسة الجديدة ولو أن الأمر اختلف هنا عن مصر ولكنها لا تتخلى عن أن يكون ابنها الأفضل، حاولت أن تعيش تلك الحياة التي حكم بها القدر عليها ولم تقطع اتصالها بزينة وجميلة بل إن جميلة كانت تكلفها بالعمل أون لاين ولم تخلف ظنها ولكن أبدا لم يحاول أحدهم فتح موضوع زواج جميلة مرة أخرى بعد أن منحت رفضها صريحا لأدهم من أجل أبنائها وربما عادت العلاقة بينها وبين زينة ولكن تيم لم يفعل ولا هي وكأن كلا منهما كان يشعر بالإهانة من الآخر فابتعدوا عن بعضهم البعض، ومرت الأيام والشهور دون أي تغيير من أي من الأطراف
دق باب البيت فاتجهت لتفتح فرأت أمامها امرأة أجنبية لا تعرفها فعلاقتها هنا كانت محدودة ولم تعرف أحد فوقفت تتأمل المرأة التي فعلت بالمثل إلى أن قالت
“هذا منزل تيم المحمدي أليس كذلك؟"
هزت رأسها وقالت "نعم لماذا؟"
قالت "وأين زوجته الجديدة؟"
اندهشت وقالت "أنا زوجته هل أعرف حضرتك؟"
ابتسمت بسخرية وقالت "وكيف أعرف مثل تلك الأشكال؟ هل ساء ذوق تيم ليختار مثلك زوجة؟"
احمر وجهها وشعرت بالدم يغلي بعروقها فقالت "أعتقد أن هذا أمر يخصه ورأيك لا يهمنا بشيء"
ذهبت الابتسامة من على وجهها وهي تزيح ديمة بقوة وتدخل إلى البيت وهي تتأمله وتقول "دائما ما كنت أقترح عليه تغيير البيت بما يليق بمكانته وها هو يفعل فالبيت القديم كان صغير ولا يناسبه"
نظرت إليها ديمة بغضب وقالت "من أنتِ ومن سمح لكِ بالدخول؟"
قالت وهي تجلس وتضع ساقاً فوق الأخرى "أنا امرأته الأولى والأخيرة وأنا لا أحتاج لمن يأذن لي بدخول بيت تيم فهو بيتي"
تقدمت منها ديمة وقالت "لا ليس بيتك، هذا بيتي أنا وأنا لا أسمح لكِ بالتواجد به"
ضحكت جاكي وقالت "بيتك؟ ألا تعلمين لماذا أحضرك هنا؟ أنت مجرد مربية لأبنائه أما المرأة بحياته فهي أنا"
تملكها الغيظ وقالت "حقا؟ هذا لقب رائع ولكنه لا يماثل لقب زوجة أليس كذلك؟"
انتقل الغيظ إلى جاكي ونهضت وهي تقول "سيفعل وسيتزوجني فهو لا يمكنه أن يعيش بدوني ولا بدون أحضاني ولن ينسى ليالينا الدافئة سويا، وأنتِ سيعيدك من حيث أحضرك"
وتحركت إلى الخارج تاركة ديمة ما بين غضب وغيرة وغيظ وحزن وألم، جلست على أقرب مقعد وهي تفكر ماذا فعلت بنفسها لقد استسلمت لقدرها دون أن تحاول تغيير أي شئ إنها حتى ترفض أن تغير من نفسها ألم ترى جاكي وما تبدو عليه؟ أين هي من نفسها ومن الحياة حتى قلبها استسلم لها وهي تجبره على نسيان ما كان يحلم به ولا تعلم كيف تحيا معه وهي ...
عادت إلى الأولاد ثم غيرت لهم ملابسهم وتركتهم بغرفتهم للعب وعادت إلى غرفتها ووقفت أمام المرآة وما زال ذهنها مشغول بتلك المرأة وكلماتها عن لياليهم، هكذا إذن كانت حياته يقضيها مع أي امرأة مثل جاكي أو سواها فما الداعِ للزواج من فتاة مثلها فقيرة وفقدت شرفها بسببه وليست جميلة إنها حتى لا تخلع حجابها وهو موجود وهو لا يبالى ولا ينظر حتى إليها، تاهت بالماضي عندما سمعت صوت سيارته
ارتبكت ولم تعرف ماذا تفعل ولكنها أسرعت إلى غرفة الأولاد تحتمي بهم منه ونست شعرها لأنها لم تملك وقت لارتداء حجابها وهي تحمل تميم الذي كان يناديها عندما فتح باب الغرفة فاعتدلت ليتطاير شعرها معها مظهراً جمال عيونها ووجها مما جعله يحدق بها لحظة وقد تذكر شكلها بتلك الليلة
قطع علي لحظتهم عندما اندفع إلى تيم "بابا، بابا"
حمله تيم بحنان بعد أن استعاد نفسه وقال "حبيب قلب بابا كيف حالك اليوم؟"
قبله علي وقال "أنهيت دروسي والمدرسة قالت أني أستحق نجمة كبيرة وماما أحضرت لي لعبة جديدة"
نظر إليها بطرف عيونه ولكنها تحركت بتميم هاربة منه فقال "حقاً؟ إذا استمررت على ذلك بنهاية الاسبوع سيكون لك حق طلب مكافأة"
قال علي بسعادة "حقاً؟ إذن أريد أن تأخذنا إلى الشاطئ ولكن مع ماما وتميم"
قال وما زال ذهنه مشغول بتلك المرأة التي أعاده شكلها إلى جمالها الذي نساه
"حاضر حبيبي هل تناولتم العشاء؟"
التفتت إليه وقالت وهي تضع تميم بفراشه "عشر دقائق والعشاء يصبح جاهزاً"
أنزل علي ثم اتجه إلى تميم ليحمله وتركته هي وذهبت تاركة عطرها بالمكان.
جلس الجميع على المائدة وقد رفعت شعرها بدون اهتمام ولكنها لم تدرك أنه زادها جمالاً، وهو يتأملها دون أن يوقف نظراته التي تلاحقها.
أبعد نظراته عنها وقال "هل ترغبين بأحد يساعدك بالمنزل؟"
نظرت إليه وهي تضع الأطباق وقالت "لا، هل هناك شيء ناقص"
لم ينظر إليها وقال "لا، أنا فقط ظننت أنكِ ربما تحتاجين بعض المساعدة، الأولاد والبيت كبير"
ساعدت تميم بالطعام وقالت "لا، لست بحاجة إلى أي مساعدة أنا فقط "
نظر إليها وقال "ماذا؟"
توقفت عن الطعام وقالت "لا شيء ولكن أنا بحاجة لنت أقوي قليلا"
قال بدهشة "نت؟ لماذا؟ ألا يكفي الموجود؟ لستِ بحاجة إليه"
قالت دون أن تنظر إليه "بلى أحتاج إليه، عمتي جميلة تراسلني هي وزينة وأنا أفقد الاتصال معهم كما وأن هناك بعض البرامج عندي تحتاج لنت أقوى"
حدق بها وقال "أي برامج وفيم تحتاجين إليها؟"
قالت "برمجة، أنا اشتركت بكورس للبرمجة أون لاين عمتي وجدته على النت"
ترك الطعام ونهض ليدخن سيجارته بعيدا عن الأولاد كما انتهى الأولاد وأخذتهم إلى غرفتهم وعادت إلي المائدة لتزيح الأطباق فقال
"ألم أخبرك أن لا مجال للعمل"
لم تنظر إليه وقالت "لم أفعل أنا أدرس فقط وإذا طلبت عمتي أي مساعدة فعلت"
اتجه إليها وهي تغسل الأطباق وقال "ولماذا تدرسين أصلا أم أدركتِ أنكِ أقل بكثير مما وضعتك به"
توقفت ونظرت إليه بقوة وقالت "ربما، أنت تعلم أكثر مني"
ثم تركت ما كانت تفعل وابتعدت إلى غرفتها وقد شعرت بأنه عاد لإهانتها ولكنه تبعها دون أن يطرق الباب وقال
"ماذا تريدين من وراء ذلك؟ هل ظننتِ أنكِ بذلك ستغيرين من الأمر شيء، أخبرتك أنكِ هنا.."
قاطعته بقوة وغضب "مربية لأولادك، أعلم كما يعلم الجميع"
ضاقت عيونه واقترب منها وقال "الجميع؟ أي جميع؟"
لم تستطع أن تكتم غضبها وقالت "الجميع هنا ممن أخبرتهم أنك تزوجت امرأة لتكون مربية لأولادك"
نظر إليها وقال "لا أعرف عن من تتحدثين؟"
كانت الدموع قد طرفت عيونها وهي تنظر اليه وقالت "تلك المرأة، امرأتك كما قالت، أتت لتخبرني ذلك وأنك لست بحاجة لزوجة لأنها تفي بالغرض"
بالطبع فهم أنها جاكي بينما ابتعدت هي من أمامه والدموع تكشف غضبها وربما غيرتها أطفأ السيجارة وقال ببرود
"وهل يهمك الأمر إنها حياتي أعيشها بالطريقة التي تحلو لي ولا يحق لأحد أن يحاسبني"
التفتت إليه فتساقط شعرها مرة أخرى معلنا غضبه من أجل صاحبته التي قالت "حياتك بعيدا عني ونسائك أيضا بعيدا عن بيتي وعن أولادي"
اقترب منها وقال وعيونه بعينيها الجميلة "بيتك؟ هل صدقتِ ذلك؟ إنه بيتي أنا وأنا من له الحق بأن يقرر من يأتي إليه أو يذهب منه"
قالت بنفس الغضب "وبيتي أنا أيضا لأن به أولادي وأنا لن أسمح لأولادي برؤية تلك الأشكال هنا ولا أن يسمعوا كلامها عن علاقات والدهم الغير مشروعة"
لا يعلم لماذا لم يعترض على كلامها وإن كان يحمل الكثير من الصحة ولكنه أيضا لم يرد أن يمنحها أي حق لتتحدث فقال
“ ليس أنتِ من سيخبرني الصواب من الخطأ أو يتحدث عن المشروع وغير المشروع، تجبريني على أن أذكرك بكل وقت أليس كذلك؟"
زادت دموعها وقالت "بل أنت الذي تتلذذ بإهانتي وتنسى أنك شاركت معي بما كان، وأنا لم يعد بإمكاني أن أتحمل ذلك فقد تعبت، لست وحدي من أخطأ ولكني أدركت خطأي وتبت وطلبت من الله أن يسامحني ويساعدني على أن أبدأ من جديد من أجل ابني وقد فعلت، لكن أنت تصر على إيلامي وكأني أنا سبب ما حدث وأن أنا من أغويتك لتفعل بي ما فعلت وليس أنت من أجبرني عليه، أنا تعبت ولم أعد أريد أن أتحمل كل ذلك"
ابتعدت من أمامه وقد أدرك أنه تمادى بالأمر وأنها على حق فما يذكره أنه هو الذي جذبها بقوة إليه وليس هي من أراد
قال بهدوء "وماذا تريدين الآن"
لم تنظر إليه وقالت "إذا لم تكن تريد أن تتركني بدون إهانات وتجريح فطلقني ودعني أعود بابني إلى مصر ويمكنني أن آخذ تميم واربيه مثل علي تماما وابق أنت هنا بحياتك كما كنت فأنت لست بحاجة لزوجة وأسرة واستقرار"
ظل ينظر إلى ظهرها لحظة وهو يردد بذهنه كلمة طلاق فهي لم تخطر بباله رغم كل شئ استعاد نفسه قبل أن يقول "طلاق؟ أي طلاق؟ انسي تلك الكلمة ولا عودة إلى مصر أخبرتك من قبل أن أولادي لن يفارقوني شأتِ أم أبيتِ"
لم ترد كما تركها هو وابتعد خارجا إلى غرفته وقد استعاد كلماته وكلماتها وأدرك أن ما يفعله بها من الصعب على أي امرأة تحمله ويكفي أنه يضعها بالبيت كأنها شئ لا وجود له رغم أنه يدرك أن وجودها غير حياته كلها..
يتبع..

رواية الليلة الملعونة    بقلمي داليا السيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن