الفصل السابع
رحيل
تابع أمور المجموعة وانشغل بالأمور التي كانت متوقفة وأشار إليه خليل بما اقترحته ديمة في عدة أمور فلم يرد وهو يفكر بكلامها، كما تابع أعماله بالخارج على الحاسب الآلي رغم أنه لا يفضله ولكنه مضطر إليه وأخيرا عاد بوقت متأخر وهو يفكر بالعديد من الأشياء وأولها ابنه الذي يهمله ولابد من إحضار مربية خاصة له على الأقل حتى يرحل ويعود من حيث أتى و..
كان الهدوء يحيط بالمكان وهو يدخل الفيلا وما أن تقدم حتى رآها تخرج من غرفة عمته وهي تحمل ابنه بين ذراعيها، رؤية ابنه بين ذراعيها تقلب أفكاره رأسا على عقب وهو يحاول أن يصدق أنها تقدم لابنه أفضل مما فعل منذ عاد
توقفت عندما رأته يتجه إليها وهو يقول "كيف حاله وحال عمتي؟"
حمله من بين ذراعيها وقبله بحنان وشوق وهو يتحدث معه فقالت "الحمد لله بخير ومدام جميلة نائمة"
ابتعد وهو يداعبه ولكنه لم يستجب له لأنه كان نائما فقال "يمكنكِ الذهاب سأبقيه معي الليلة"
ولكنها قالت "والدواء؟"
لم ينظر إليها وهو يقول "هاتيه سأتابعه أنا"
لم تعترض فهو والده صعدت إلى غرفتها وأحضرت الدواء وفتحت الباب لتعود إليه ولكنها وجدته يقف أمامها على وشك أن يدق الباب فتراجعت وقد فزعت من وجوده فقال
"الدواء"
استعادت نفسها ومدت له الداء فأخذه واتجه إلى غرفته دون أن ينظر إليها
اغتسلت وغيرت ملابسها بالأخرى التي لا تملك سواها واتجهت إلى الفراش وتمددت بجوار علي وهي تفكر بما يحدث لها واندهشت من أنها ما زالت هنا فكت شعرها وتركته على وسادتها وأغمضت عينيها ونامت
سمعت صوت بكاء طفل يأتي من بعيد فتململت وكأنه حلم ولكن زاد الصوت ففتحت عينيها لتتأكد أنه ليس حلم، اعتدلت جالسة وقد أدركت أنه تميم الصغير
نهضت وهي لا تعرف ماذا تفعل هل تذهب إليه؟ ما زالت تشعر بالشفقة تجاه الطفل ولكن والده لا يستحق، نهضت وتحركت بالغرفة بضيق ثم أخيرا اتخذت قراها وارتدت حجابها واتجهت إلى الغرفة التي دخلها وقد زاد صوت البكاء
ترددت قبل أن تدق الباب إلى أن استسلمت لشعور الأمومة داخلها ودقت الباب لحظات قبل أن يفتح وتراه أمامها دون قميصه وهو يحمل تميم الذي كان يصرخ، تفاجأ من وجودها وقد كان يحمل هاتفه للاتصال بالطبيب بينما قالت
“ ماذا به؟"
قال ببرود “لا تشغلي بالك سأتصل بالطبيب"
تراجعت ولكنها قالت "هل حرارته مرتفعة، هل رأيت حرارته؟"
ابتعد وقال "أخبرتك أن تذهبي أستطيع التعامل مع ابني"
هزت رأسها ولم تعارض وقد أدركت أنه يخبرها بوضوح أن لا حاجة له بها، ما أن ابتعدت حتى زاد بكاء الطفل وهو ينطق بكلمات مبعثرة كان الطفل قد أطلقها عليها فتوقفت كما فعل هو ولاحظ أن الطفل يشير إليها بيده الصغيرة
التفت إليها فقالت برجاء "دعني أحمله قليلا حتي يأتي الطبيب"
اقترب وقد تملكه الغضب وقال بعناد واضح "اسمعي، أنا لا أصدق براءتك هذه فابتعدي عني الآن لأني لا أعلم ماذا يمكن أن أفعل بكِ"
تراجعت منه ومن الشرر الذي يتطاير من عينيه، ولكن فجأة تصلب جسد الطفل بين يديه وتغيرت ملامحه فانتبه إليه كما انتبهت هي الأخرى وقالت بفزع
“ إنه تشنج حراري، بسبب الحرارة المرتفعة حضرتك لم تمنحه الدواء بموعده"
لم تشعر وهي تندفع رغم قدمها المصابة وتلتقط الطفل من بين يديه عنوة بيدها السليمة وتزيح الغطاء عنه وتضعه على وجهه ورأسه على الجانب الأيمن ووقف هو يتابعها بخوف على ابنه، دقيقة وعاد الطفل ولكن كما كان ما بين النوم واليقظة فقالت
“ أين الحمام لابد من وضعه تحت الماء حرارته مرتفعة"
أتجه إلي الباب وقال "هنا تعالي بعض الماء الفاتر أولا"
هزت رأسها وهي تدخل أمامه والطفل بيدها وخطواتها البطيئة وخلعت ملابس تميم ووضعته تحت الماء إلى أن انخفضت حرارة جسده قليلا وارتجف الطفل بين يديها فأخرجته فأحاطه هو بمنشفة كبيرة وقال
“ خافض الحرارة هناك، أحضريه بسرعة"
فعلت كما قال ثم قالت "هل أضع عليه ملابسه؟"
هز رأسه نفيا وقال "لا سأفعل أنا وسأتصل بالطبيب يمكنكِ الذهاب"
تراجعت وهي لا تفهمه، ظلت تنظر إليه ولكنه قال بغضب "ألا تفهمين؟ لا أريد أن أراكِ هنا أو مع ابني مرة أخرى ربما أنتِ السبب بحالته هذه ولو ثبت ذلك سأقتلك بيدي هذه هل تفهمين؟"
تراجعت من نظراته الغاضبة وصوته الذي أصابها بالخوف فاستدارت إلى غرفتها وأغلقت الباب ووقفت تلتقط أنفاسها التي كانت تتسابق معلنة عن مشاعر متضاربة لا تفهمها، جلست على طرف الفراش وكأنها تستجمع نفسها حتى يمكنها أن تعود لطبيعتها وهي لا تفهم تغير موقفه واتهامه لها..
انتهى الطبيب من فحص تميم ثم التفت إليه وهو يرى الدواء وقال "هل أخذ هذا الدواء؟"
تسلل الشك إليه وضاقت عينيه وقال "نعم أمس وربما صباح اليوم"
قال الطبيب "إنه دواء ممتاز وكان لابد من المداومة خاصة الخافض، وأنا لن أغير شيء به، التشنج الحراري لم يضره بشيء ولن يتكرر طالما واظبت على الدواء، أنا سأعطيه الحقنة الآن ولكن لابد من المتابعة بالمواعيد المكتوبة"
اصطحب أحد رجاله الطبيب إلى الخارج بينما عاد هو إلى الطفل وجلس بجانبه على الفراش وأمسك يده الصغيرة وقال
"والآن ماذا حبيبي؟ هل تريد أن تعرف مدى حب بابا لك؟ اطمئن حبيبي ليس لك منافس بقلبي ولن يكون فأنا أحيا من أجلك أنت فقط ولن أهتم بسواك، ربما بالطبع عمتك زينة وعمتي جميلة فهم أهلي وأهلك"
طبع قبلة على رأسه ثم تمدد بجانبه ثم تذكرها عندما التقطت الطفل من يده ولهفتها عليه وكأنها أمه، استدار على جانبه وهو يحاول إبعادها عن ذهنه ولكنه عاد وتذكر ما فعله معها بدلا من أن يشكرها فقد أثبت الطبيب أنها كانت صادقة ولم تفعل إلا الصواب، عاد يستدير بالفراش وهو يحاول أن يوجد مبررات لتصرفاته معها وهجومه وعدم ثقته ولكنه لم يجد.
استيقظت زينة فغيرت ملابسها وخرجت، كان الوقت ما زال مبكراً ولكنها وجدت تيم خارج غرفته يتحدث بالهاتف ويدخن سيجارة، توقفت حتى انتهى فقالت
“ صباح الخير تبدو وكأنك لم تنم"
هز رأسه بملابسه الغير مهندمة وقال "نعم لم أنم تميم كان متعب بالليل واستدعيت الطبيب"
قالت بفزع "حبيبي، ألم يجدي نفعا معه الدواء الذي وصفه طبيب ديمة؟"
لم ينظر إليها وهو يدخن وقال "لا أريد أن أسمع اسمها ولا علاقة لها بابني أنا طلبت مربية خاصة من أجله ستأتي بعد ساعات قليلة"
حدقت به زينة وقالت "ولماذا؟ إنها تتعامل معه مثل علي تماما"
نظر لأخته بقوة وقال "ولكنه ليس علي وهي ليست أمه، لا هي ولا سواها فلتبتعد عن ابني حتى أرحل من هنا"
ثم تركها واتجه إلى غرفته وهو يحاول أن يهدئ من ثورة غضبه بينما ظلت زينة تحدق بباب غرفته المغلق خلفه وهي لا تفهم موقفه وأفعاله
ظلت جالسة بالفراش حتى أشرقت شمس النهار وهي تتذكر كلماته وظنونه بأنها يمكن أن تضر بابنه كيف يمكن لأي أم أن تفعل ذلك بأي طفل خاصة إذا كان ابن الرجل الذي، توقفت أفكارها وهي تعلم أن تلك الأفكار لا مكان لها الآن وعادت فكرة الرحيل تدق أبوابها ولكنها احتارت كيف تذهب من هنا وجميلة ترفض وزينة تكاد تترجاها للبقاء ولكن إذا كان هو يعاملها هكذا وهو لا يعرف أي شيء فماذا؟
دق الباب ففزعت وهي تقول "ادخل"
كانت زينة تقف أمام الباب وهي تقول "صباح الخير"
قالت وهي تقف على قدمها المصابة "صباح النور تفضلي"
دخلت زينة وأغلقت الباب وقالت "هل عرفتِ أن تميم تعب بالليل؟"
هزت رأسها وأبعدت وجهها وقالت "نعم"
قالت زينة "وماذا حدث؟"
حكت لها ما حدث فتراجعت زينة وقالت "لا أعلم ماذا أصاب أخي منذ أن رحل وتبدلت أحواله لم يكن أبدا هكذا وإنما كان الحنان والحب يملآن عيونه وصوته وابتسامته لا تفارقه، لكن تيم الذي أراه الآن مختلف تماما"
زاغت نظراتها ولم ترد بل واحتارت بماذا ترد إلى أن قالت "آنسة زينة أنا لابد أن أذهب، أرجوكِ ساعديني، وجودي هنا يسبب المزيد من المشاكل وأنا لا أريد ذلك عليكِ بإقناع مدام جميلة بأن تتركني أذهب"
نظرت إليها زينة وقد أدركت أنها على حق فقالت "ولو أني لا أريدك أن تذهبي إلا أنكِ على حق"
نزلت زينة إلى غرفة عمتها ولا تعرف ماذا تقول أو تفعل؟ قابلتها عمتها بابتسامة رقيقة وأم سعد تمنحها الدواء فقالت
"صباح الخير عمتي كيف حالك اليوم؟"
قالت "بخير حبيبتي أين الباقي لم أرى ديمة ولا تيم والأولاد"
خرجت أم سعد فقالت زينة "عمتي لابد أن نتحدث"
نظرت إليها جميلة وبدأت زينة تحكي ما حدث
أخذ حمام ليستعيد نشاطه ثم غير ملابسه وداعب تميم الذي استيقظ جالسا على الفراش فاتجه اليه وقال
"ها أنت يا بطل قد استيقظت كيف حالك اليوم؟"
ابتسم الطفل ونطق بحروف مبعثرة "دا.. دا" اختصار داد وقد أسعده ذلك بالطبع، حمله بحنان وقبل وجنته رن هاتفه فأجاب كان أحد رجاله يخبره بوصول المربية فأمره بأرسلها مع أم سعد
ظلت جميلة صامته لحظات بعد كلمات زينة التي احترمت صمت عمتها وأخيرا قالت جميلة "الفتاة محقة بالطبع ولا يمكن إجبارها على تحمل المزيد من سخافاته وإهاناته، سأتدبر الأمر لا تقلقي أعطيني الهاتف"
أجرت محادثة هاتفية ثم عادت تقول لزينة "أخبريها أن تجهز نفسها للرحيل"
نظرت زينة إليها بدهشة وقالت "عمتي! لا يمكنها أن تذهب أنا اعتدت على وجودها و.."
قالت جميلة بحزم "ولكن لا يمكن وضع النار بجوار البنزين يا زينة وتيم لن يتركها ولا يمكن اتباع العند والإجبار معه سبيل فتيم لم يعد صغيرا حتى أجبره على طاعة أوامري وإذا كنت أريد بقاؤه معنا هنا فعلي أن أضحي بالفتاة من أجله"
ابتعدت زينة وقد أدركت أن عمتها على حق فقالت "وماذا ستفعل تلك المسكينة؟"
قالت "لا تقلقي ستكون بخير ولكنها لابد أن ترحل"
يتبع..
أنت تقرأ
رواية الليلة الملعونة بقلمي داليا السيد
Romanceليلة واحدة، ليلة دمرت حياتها وألقت على عاتقها مسؤوليات لم تكن فتاة بالساعة عشر يمكنها أن تتحملها وكل ذلك بسبب ذلك الرجل، اليوم وبعد خمس سنوات على تلك الليلة الملعونة تقابله تصطدم به بوجه آخر وجه من القسوة والكره والكبرياء والرفض لأي امرأة بحياته، ال...