الفصل الثاني والثلاثين
أنتِ الأولى والأخيرة
انتهى المأذون من عقد القران فاحتض أدهم تيم بسعادة وتيم يقول
"ألف مبروك يا دكتور"
احمر وجه جميلة وديمة تحتضنها لتبارك لها وكذلك زينة وعمت السعادة على الجميع والزغاريد تندفع من داخل الفيلا
نظر تيم إليها وقال "الدكتور وافق على سفرك أظن أننا لابد أن نعود"
ابتسمت وقالت "كما تشاء حبيبي أنا معك لآخر الدنيا"
ابتسم وهمس "ألم تخبرك زينة عن ليلة الدخلة أي شيء؟"
أبعدت عيونها عنه وقالت "هي بخير لا تقلق وسعيدة جدا"
أمسك يدها وقال وهو يلتهم وجهها بنظرات الحب "ومتى نعود إلى ليالينا؟ اشتاق إليها بجنون"
لم تنظر إليه أيضا وإن احمر وجهها وقالت "تشتاق إلى ماذا؟"
اقترب وهو يحاول ألا ينسى من حوله وهو يخترق زرقاء عيونها الجميلة وقال
"أشتاق لقبلتك حبيبتي، أحضانك ابتسامتك، أشتاق لنا وحدنا دون العالم كله، تكوني لي وحدي وأكون ملك لكِ"
زادت خجلاً من كلماته وقالت "على فكرة أنا مريضة قلب ولا يمكن أن تتحدث معي عن هذه الأشياء"
ابتسم وقال "هكذا إذن؟ على العموم نحن عائدين إلى الخارج وهناك يمكنني أن أجد من هي ليست مريضة بالقلب"
نظرت إليه وقد تغيرت ملامحها عندما تذكرت جاكي وقالت "أكيد جاكي امرأتك ستقوم بالواجب"
وكادت تتحرك عندما شد على معصمها كما اعتاد أن يفعل ولكنها لم تنظر إليه وقد امتلأ الحزن بعيونها فقال وهو يقربها منه مرة أخرى
“وهل توجد امرأة أخرى بحياتي سواكِ حبيبتي؟"
نظرت إليه ولم ترد ولكنه قال بحنان "ديمة لا يمكن أن تنظري إلي هكذا لا مكان للشك بيننا أليس كذلك؟"
لم ترد ولكنها بالنهاية هزت رأسها فقبل يدها وقال "أنا حجزت على طائرة الغد لم يعد هناك فائدة من وجودنا حتى يمكن لعمتي أن تنطلق إلى حياتها"
قالت "كما تشاء"
****
بالرغم من أن هذا البيت قد أمضت به شهور معه وحدها إلا أنها لم تكن تحب تلك الأيام فقد كانت تشعر فيها بالوحدة وعلاقتها به كانت أسوء مما يمكن أن تكون ولكن اليوم تدخل بمشاعر جديدة وبنظرات مختلفة بينها وبينه حتى علي وتميم كلاهما كان سعيد بعودتهم إلى البيت الذي كان يضمهم بوالدهم ووالدتهم دون أحد وربما دون أي مشاكل جديدة تنغص حياتهم، فقط أحضر لها خادمة جديدة لترعى البيت والأولاد في حالة ذهابها وأصبحت مقيمة معهم بالبيت
انطلق إلى العمل بمجرد عودتهم من بعد طول غياب وربما انشغل بالعمل لثلاث أيام متتالية لم تكن تراه فيها إلا ساعات قليلة كان يعود لتغيير ملابسه وينام ساعات قليلة ثم يعود إلى العمل وهو ما بعث داخلها تساؤلات عديدة حول بعده عنها طوال تلك الفترة وهل ما زالت مريضة أم أنه فقد رغبته بها؟
“ صباح الخير حبيبتي"
قبلها على وجنتيها وهي تعد مائدة الإفطار مع مونيكا فقالت "صباح النور، هل سترحل مبكراً اليوم أيضاً؟"
ابتلع بعض الطعام بسرعة مع القهوة وقال دون أن يجلس "نعم، غيابي الأيام الماضية كاد يدمر شركاتي"
لم ترد فانتبه إليها وإلى صمتها فتحرك إليها وأمسك يدها التي تعبث بالأطباق بعدما ذهبت مونيكا فلم تنظر إليه ولم تتوقف بينما قال
"ديمة"
لم ترد فجذبها برفق وقال "ديمة أنا أتحدث إليكِ"
نظرت إليه بعيون حزينة فقال وهو يبعد خصلات شعرها "ماذا بكّ؟ هل أنتِ بخير؟"
فكرت قليلا ثم قالت "أنا بخير اطمئن ولا تقلق المهم أن تعيد شركاتك أعلم أنها رصيد حياتك كلها"
أحاط وجهها بيديه وقال "رصيد حياتي هو وجودك معي أنتِ والأولاد فهو يشعرني أني بالوطن ولا ينقصني أي شيء أشعر وأنتِ معي أني أمتلك الدنيا كلها، لذا أعمل بحماس لم يتملكني منذ سنوات"
ابتسمت لتلك السعادة التي تراها بعينيه ولم ترد وهو يلتقط قبلة سريعة من شفتيها ثم تركها ورحل وهي تتابعه بنظراتها قبل أن توقفه
"تيم"
توقف ونظر إليها فقالت "هل يمكن أن أخرج لشراء بعض الأشياء؟"
ابتسم وقال "نعم حبيبتي نسيت أن أخبرك أن هناك سائق بسيارة سيكون تحت أمرك من اليوم"
هزت رأسها فعاد إليها وأخرج محفظته ومنحها كارت وقال "هذا كارت خاص بكِ وبحسابك فتحته لكِ قبل أن نعود هنا ولا يهمك الحساب حبيبتي فهو يسحب من حسابي الشخصي"
حدقت به ولاحظ ذلك فابتسم وقال "أنتِ الحياة ديمة، فما نفع المال لو لم تكن حياتي معي؟"
ابتسمت فذهب وتركها وهي في حيرة من ذلك الرجل الذي لم تعد تفهم تصرفاته وما إذا كان يريدها أم أنه انتهى منها وأصبحت فقط أم لأولاده كما اعتبرها أول زواجهم؟ لم تعد تفهم.
أخذها السائق إلى المدينة وقد كانت تشعر بالتيه وسط مكان لا تعرفه ولكنها لإجادتها للغة تعاملت بسهولة واشترت الكثير من الأشياء وكان الوقت ما زال مبكراً ولكنها لا تعلم لماذا خطرت تلك الفكرة بذهنها ولم تعيد التفكير حيث قررت التنفيذ.
نظر تيم إلى الرجال الموجودين أمامه بالاجتماع ثم قال "هل لدى أحد أي تساؤلات أخرى عن الخطة السنوية الجديدة؟"
تبادل الجميع النظرات ولم يرد أحد فقد تعب الجميع من طلباته التي لم تنته خلال الأيام السابقة فنهض وقال
"إذن انتهى الاجتماع وأعتقد أن كل فرد يدرك ما عليه وما له نلتقي بعد شهر لنرى نتائج الخطة الجديدة"
عاد إلى مكتبه وانصرف الجميع وتابعه فرانك الذي قال "حجز الرحلة يا فندم تم"
هز رأسه وقال "ماذا تبقى لنا مما كان عاطلاً بسببي؟"
ابتسم فرانك وقال "ثلاث أيام من العمل المتواصل ليلا ونهارا وتتساءل عن ماذا مستر تيم؟"
لم ينظر إليه وهو يقول "حسنا هكذا لا قلق من الأيام القادمة إذن أليس كذلك؟"
كاد فرانك يجيب عندما فتح الباب فجأة ودخلت جاكي بنفس ملابسها المثيرة وقد اختلفت فقط معالم وجهها رفع نظره إليها والسكرتيرة تلحق بها لتوقفها ولكن جاكي قالت بغضب
"تيم أبعد تلك الفتاة عني وإلا أوسعتها ضرباً"
نظر إلى الفتاة وأشاح لها بوجهه فانصرفت بينما تراجع فرانك وهو ينظر إلى جاكي وهي تقترب بخطى غاضبة إلى مكتب تيم وتكمل
"كم مرة لابد أن أخبر تلك الفتاة ألا تقف بطريقي عندما آتِ لك؟ ولماذا لا تخبرها أنت ألا تفعل؟"
نظر إلى فرانك فاستأذن وخرج بينما أشعل سيجارة بهدوء وقال "ومتى ستفهمين أن وجودك هنا غير مرحب به؟"
تراجعت من كلماته وقالت بذهول "تيم ماذا تقول؟ أنت لا تعني كلامك هذا أليس كذلك بدليل أنك عدت بعد الغياب"
اتجه إليها ووقف أمامها وقال "بالتأكيد عدت ولكن ليس من أجلك جاكي وإنما لأن هنا حياتي وعملي، لماذا تدفعيني إلى قول تلك الكلمات؟ جاكي أنا لا أريد أن أجرحك ولكن لابد أن تدركي أنني أصبحت رجل متزوج وبصراحة أنا أحب زوجتي ولا أنوي أن أكمل حياتي بدونها"
تراجعت بعيون تحدق به وقالت "تحبها؟ أنت تتحدث عن الحب ألم تخبرني..؟"
قاطعها "أعلم ما أخبرتك به ولكن هذا قبل أن أقابلها وأعرفها جيدا"
قالت "أحببتها الآن وأنت تعرفها منذ سنوات؟"
ابتعد وقال "وقتها كان لقاءنا عابرا مجرد ليلة زواج واحدة وانتهت ولكن الآن الوضع تغير أنا أحب زوجتي يا جاكي ولن أفكر بغيرها سواء أنتِ أو غيرك"
اقتربت منه وقد بدت بعيونها دموع الحزن وهي تقول بنبرة حزينة "وأنا يا تيم ألم تفكر لحظة واحدة بي وبقلبي وحبي لك؟"
التفت إليها وقال بجدية "أخبرتك ألف مرة أني لا أفكر بكِ إلا صديقة الأمر ليس بيدي جاكي، تعلمين أن القلوب ليست ملك لنا"
نظرت إليه بعيون كلها دموع فأحاط ذراعيها بيديه وقال "من فضلك جاكي لابد أن تفهمي أنا أحبك ولكن أخت وصديقة، وأنا متأكد أنكِ لو نسيت أمري فستفتحين لنفسك طرق كثيرة للحب ولكن مع من يستحق قلبك وحبك"
تساقطت الدموع وقالت "حاولت يا تيم صدقني حاولت"
ابتسم وقال "إذن اسمحي لذلك الرجل الذي يريده والدك أن يدخل حياتك وأنا متأكد من أنه سيكون أفضل مما تخيلين، هيا عديني أن تفعلي"
ظلت صامتة لحظة وبالنهاية هزت رأسها فزادت ابتسامته ولكنها ألقت نفسها بين أحضانه بنفس الوقت الذي فتح به الباب وصوت يعرفه تماما يقول
"مفاجأة.."
ابتعد عن جاكي التي مسحت دموعها دون أن يلاحظ أحد بينما تسمرت ديمة أمام الباب عندما رأت تلك المرأة بين أحضان زوجها وربما الآن أدركت سر ابتعاده عنها فقد عاد إلى امرأته، سمعته يقول
"ديمة!؟"
صوته أعادها إلى الواقع فنظرت إليه ثم استدارت خارجة دون أن تتحدث وهي تقاوم تلك الدموع التي تحارب لتخرج من مقلتيها تعبيراً عن الحزن والألم الآن تأكدت أنه لم يكن حب وإنما مجرد إعجاب انتهى بلحظة عودتهم هنا
بالطبع أسرع خلفها وقد فهم ما فهمته، لم يجدها أمام المصعد فأسرع إلى الأسفل وما أن خرج خارج الشركة حتى وجد السائق الخاص بها فاتجه إليه وقال
"أين المدام؟"
قال "لا أعلم مستر تيم لقد صعدت لترى حضرتك"
التفت مبتعدا وهو يبحث عنها بنظراته دون أن يدري إلى أين ذهبت وقد أدرك أنها قد تضيع منه فأصابه الجنون وأسرع إلى سيارته وهو يخرج هاتفه ويتصل بها ولكنها لم تجيب.
أسرعت خارجة بأقصى سرعة من الشركة والدموع تغرق وجهها من الغضب والحزن ولم تهتم بنظرات من حولها بعد أن عرف الجميع أنها زوجته وقابلوها بابتسامة ترحيب، لم تعرف إلى أين تذهب ولكنها حتى لم تنظر للسيارة وتركت قدماها تقودها بدون أي تحديد وكل ذهنها مشغول بما رأته
الآن أدركت سر ابتعاده بالأيام السابقة كانت مجرد تمثيلية من أجل أن تعود معه ولكنه لم يكن بحاجة إليها فقد كانت تريد البقاء مع أولادها وقد فعلت من قبل ولم تكن تحاول الوصول لأكثر من ذلك ولكن هو من تقرب إليها وصرح بمشاعره تجاهها وهي لم تجبره فلماذا يخونها الآن؟ توقفت عن الجري عندما مرت تلك الكلمة على ذهنها. وشعرت بألم يجتاح قلبها وكأنه خنجر حاد وتحول الألم النفسي إلى ألم حاد وتسارعت دقات قلبها بألم وكذلك أنفاسها التي كانت تشعر بصعوبة وهي تلتقطها، وضعت يدها على قلبها وهي تحاول أن تتحكم في الألم عندما رن هاتفها فلم تستطع أن ترد واقتربت بصعوبة من أقرب حائط واستندت عليه لحظة قبل أن يزداد الألم وتعجز أقدامها عن حملها فاستسلمت للسقوط
يتبع..
أنت تقرأ
رواية الليلة الملعونة بقلمي داليا السيد
Romanceليلة واحدة، ليلة دمرت حياتها وألقت على عاتقها مسؤوليات لم تكن فتاة بالساعة عشر يمكنها أن تتحملها وكل ذلك بسبب ذلك الرجل، اليوم وبعد خمس سنوات على تلك الليلة الملعونة تقابله تصطدم به بوجه آخر وجه من القسوة والكره والكبرياء والرفض لأي امرأة بحياته، ال...