الفصل الثلاثين

1K 38 0
                                    

الفصل الثلاثون
حياة
عاد إلى المشفى وقد بدت الكدمات بوجهه وملابسه الممزقة ففزعت زينة وهي تراه وأسرعت إليه وهي تصرخ "تيم ماذا أصابك؟ هل أنت بخير؟ ماذا حدث؟"
أحاط وجهها يكفيه بحنان وقال "أنا بخير حبيبتي ونفذت رغبتك أنهيت ذلك العذاب الذي نعيش فيه"
تراجعت وهي تنظر إليه بخوف وقالت بصوت مبحوح "لا أفهم ماذا تقصد؟"
أبعد يده عنها وقال "انتهيت من وجدي ولن يمكنه أن يهدد حياتنا مرة أخرى"
وضعت يدها على فمها بينما تقدم مصطفى منه وقال "ماذا فعلت يا تيم؟"
سألته زينة بخوف "هل قتلته؟"
نظر إليها وقال "لا حبيبتي، لم أكن أنوي أكثر من أن آخذ حقي منه ثم تسليمه للشرطة ولكن النار التهمته ورفضت أن تمنحه فرصة للحياة"
أغمضت زينة عيونها بينما قال مصطفى "وفادي"
ابتعد وقال "الإدمان قضى عليه وهو المصير المنتظر لأي مدمن يا دكتور أليس كذلك؟"
نظر مصطفى إليه بشك فقال "لم أقتله يا دكتور لن أقتل ابن أمي لأقتل قلبه، أنا أعدته لها كما وعدتها ولكنه لم يحافظ على حياته وتجرع ما اختاره من الكوك فقضى عليه، لست أنا من فعل"
هز مصطفى رأسه ثم التفت إلى زوجته بينما تحرك هو إلى باب العناية محاولا أن يبحث عن أي أمل لمن يعيش من أجلهم.
مر الوقت ثقيلا وخضعت زينة بإصرار زوجها وأخوها لأن تذهب إلى غرفة لترتاح وفعلت بينما وقف أدهم معه فقال
"وعمتي ألم تمنحنا أي أمل في عودتها؟"
نظر أدهم إليه بعيون دامية من الحزن وقال "لا يا تيم الاثنان يلتزمون بنفس الطريق ويرفضان أن يمنحا قلوبنا السكينة تجاههم"
حدق تيم بعيون أدهم وقال "ما زلت تحبها وتريدها؟"
نظر إليه أدهم وقال "وهل يمكن للحب أن يتوقف بأي لحظة يا باش مهندس؟ أليس ما رأيته منك لزوجتك حباً؟ فأخبرني هل يمكن أن يتوقف قلبك عن حبها يوماً؟”
أخفض رأسه وقال "آسف يا دكتور، لم أكن أدرك معنى الحب الذي تكنه لعمتي بل لم أكن أعلم ما الحب، ولكن الآن أعلم جيدا ما بينكم"
ربت أدهم على كتفه وقال "لا يهم ذلك الآن يا تيم، المهم هي عودتهم للحياة لأن بدونهم لا معنى لما قلت عن الحب"
أدرك أنه على حق فقال "نعم، هل يمكن أن أراها؟"
وافق أدهم وتركه يدخل، قبل رأس عمته ثم عاد إلى قلبه وأمسك يدها وجلس على ذلك المقعد الذي وجده أمام فراشها، قبل يدها ثم مرر يده على وجهها وقال
"إلى متى حبيبتي؟ أنا اشتقت إليك جداً، ديمة من فضلك عودي إليّ فأنا كالتائهة بدونك كم أفتقد بيتنا وأولادنا حولنا وأنتِ بينهم، ألم تفتقدينهم؟ ألا يقلق قلبك الحنون عليهم؟ ألم تشتاقي إلي كما اشتقت لكِ؟ ديمة عودي أرجوكِ وكفى فراق أنا أحبك ديمة، أحبك بجنون حب لم أعرف أنه كان يسكن قلبي منذ أن رأيتك منذ تلك الليلة، أحببتك من أول نظرة وما زلت حبيبتي فعودي إلي أرجوك"
سقط برأسه على يدها وهو يغمض عيونه من التعب والارهاق ولم يشعر كم مر عليه من الوقت وقد غفل ونامت عيونه من التعب وهو بجوارها وكأنه التمس الراحة بجوارها فسكن قلبه ونام.
شعر بحركة تحت يده ففتح عيونه وهو يرفع رأسه وظن أنه كان يحلم، ولكنه رأى أصابعها تتحرك فاعتدل وهو لا يصدق ما يرى ولم يعرف ماذا يفعل ولكنه أمسك يدها وهتف بشوق ولهفة وأمل
"ديمة أنتِ تسمعيني؟ حبيبتي أنا تيم هل تسمعيني؟"
فتحت عيونها بصعوبة وكأنه هناك ما يمنعها من فتحها، شعرت بيد تضغط على يدها وصوت تيم فنظرت إليه لتراه بالفعل ينظر إليها وينادي عليها وعيونه كلها لهفة وشوق وهو يقول
"ديمة هل تسمعيني؟"
هزت رأسها بتعب وهي تشعر بألم بصدرها أغمضت عيونها وقد جف حلقها فسمعته يقول "ديمة لا تذهبي أرجوكِ عودي من أجلي"
فتحت عيونها مرة أخرى وهي تقاوم وقالت بصعوبة "تيم"
قبل يدها بلهفة وشوق وقال "قلب تيم، أنا هنا حبيبتي"
قالت "أنت بخير؟"
عاد يقبل يدها وقال "نعم حبيبتي بخير بفضلك"
تأملت ملامحه التي افتقدتها وقالت "أولادي"
قال "بخير حبيبتي المهم أنتِ؟"
حاولت أن تبتلع ريقها الجاف قبل أن تقول "تميم أخوك ونور أختي، أنا رأيتهم"
تراجع وقال يتساءل "تقصدين تميم ابني؟"
قالت "لا تميم أخيك، ونور أختي"
لم يفهم وهو يقول "أين؟ وكيف؟"
قالت بتعب واضح "لا أذكر ماذا حدث أنا لا أذكر شيء"
مرر يده على وجهها وقال "نلتِ الرصاصة بدلاً مني وعمتي بدلاً من زينة وكلاكما دخل بغيبوبة"
تركت يدها بين يده ثم قالت "عمتك بغيبوبة؟"
هز رأسه بحزن وقال "نعم حبيبتي؟"
نظرت إليه وقالت "ما زلت حبيبتك؟"
اقترب منها وقال بحنان "عندك شك؟ أم لأنك تركتني ورحلتِ رغم وعدك ؟"
أبعدت وجهها فقال "لا مجال للعتاب الآن حبيبتي فقط عودي لي أحتاج إليكِ بشدة"
عادت إليه بوجهها وقالت "وأنا كلي لك حبيبي فأنت كل حياتي تيم"
قبل جبينها وهو يشعر بسعادة تمنى لو اكتملت بعودة عمته ولكنها أبت إلا أن تظل حبيسة اللاوعي وكأنها تهرب من الواقع الذي ترفضه
بالصباح كانت ديمة تفترش فراشها بتلك الغرفة بالمشفى تحت نظرات زوجها الحنونة ورعاية زينة الصادقة وهي تقول
"وأخيراً ديمة عدتِ إلى الحياة نحن كنا نموت كل يوم من القلق عليكم"
قالت بتعب واضح "أنا آسفة يا زينة لم أظن أن حياتي تهم أحد"
نظرت إليها زينة بحزن وقالت "لا معنى لكلامك هذا يا ديمة، تعلمين أن كلنا نحبك أنت جزء منا"
نظرت للا شيء وقالت "ربما هذا رأيك أنت ولكن"
تدخل هو مقاطعاّ إياها وقال "كفى يا ديمة ما حدث من عمتي كان في لحظة يأس منها بسبب ما كان بيني وبينها وأنا متأكد أنها ندمت عليه فهي من وقفت بجوارك وأعادتك لي ولحياتي منذ البداية"
دمعت عيونها وقالت "أعلم ولم أنس يوماً ذلك وما أكنه لها لم ولن يتغير ولكن ربما هي"
أجاب بقوة "هي بحاجة لدعواتنا لها يا ديمة وعندما تعود إلى الحياة سنعرف ماذا تريد"
نظرت إليه ولكنه تحرك إلى الخارج فربتت زينة على يدها وقالت "لا تحزني، تعلمين أنه يشعر بالذنب لما أصابكم مما يزيده ألم وخوف ولا يتحمل أن يفقد واحدة منكما والآن أنتِ بكلماتك هذه تجعلينه يخشى أن يوضع مرة أخرى بينكما"
قالت وهي تمسح دموعها "أنا لن أفعل فأنا لا أكره عمتك يا زينة ولا أحملها أي ذنب لم فعلت معي، أنا فقط أعلم أنها كانت على حق وأردته أن يعيد التفكير في علاقتنا ربما"
قاطعتها زينة بحزن "أي تفكير يا ديمة؟ بالتأكيد أنتِ لا تدركين ما تقولين والأفضل ألا تعيدي هذه الكلمات أمامه، تيم يحبك ولا يهمه كلام عمتي لأنه يعلم أنها ليست على حق فقد عرفك جيدا وعرف ما فعلته من أجله فلن تقامري الآن على حبه"
أغمضت عيونها وقالت بألم وحزن "لا أفعل يا زينة أنا لا أريده أن يخسر عمته"
ابتسمت زينة وقالت "لن يحدث عمتي ندمت على ما فعلت أنا متأكدة، خاصة بعد أن عرفت الحقيقة صدقيني يا زينة"
ابتعد إلى خارج المشفى ليشعل سيجارته وقد أدرك كلمات ديمة فهي تخشى أن تعود عمته لتخيره بينها وبين محبوبته وهو نفسه يخشى من ذلك لأنه بالحقيقة لم يعد يتحمل البعد عن أيا منهما
رن هاتفه باسم فرانك فأجاب "مستر تيم أين أنت؟ لا أستطيع الوصول إليك" حك جبينه بيده وقال
"الشبكة صعبة هنا ماذا لديك؟"
أجاب فرانك "حضرتك نسيت الموعد الدوري لاجتماع رؤساء مجالس الإدارة وحضرتك لابد أن تأتي"
نفخ الدخان وقال "أخبرهم بالتأجيل يا فرانك لن أترك مصر بالوقت الحالي لا يمكنني أن أفعل"
ثم أغلق الهاتف واتصل بأم سعد ليطمئن على الأولاد بعد أن أحضر عمار علي من حيث تركته ديمة قبل أن تصاب وأخيرا عاد إلى الداخل، نهضت زينة عندما دخل وقالت
"سأتصل بمصطفى، بالتأكيد لا يستطيع أن يتصل بي هنا"
ثم تحركت إلى الخارج بينما لم تنظر هي إليه وهو يتجه إليها ويجلس على طرف الفراش بجوارها
قال بحنان "تريدين أن تتركيني مرة أخرى؟"
رفعت عيونها التي تعشقه كما يعشقها وقالت بوهن "تركك يقتلني يا تيم، يعيدني إلى الوحدة والخوف والألم"
أمسك يدها وقال "إذن لماذا فعلتِ؟"
قالت "من أجلك، لم يمكنني أن أتحمل فراقك، هي أمك وتحبك وهذا حقها"
قال "وأين حقي أنا؟ حقي في السعادة والحب والاستقرار، أشياء لم أعرفها إلا معكِ ديمة فهل من حقك أن تأخذيها مني؟"
دمعت عيونها وقالت "ظننت أن سعادتك مع أهلك"
قبل يدها وقال "وأنتِ؟ ألست حبيبتي وأهلي وحياتي، لولا أني أردت بعدك لتبعتك وأمسكت بكِ وأوسعتك ضرباً حتى تندمين على تركي ولكني تركتك تحت عيوني بعيداً عن وجدي"
احتارت بكلماته وقالت "أنا لا أفهم أنت لم تكن لتعرف مكاني فكيف تتبعني؟"
ابتسم وقال "بلى حبيبتي كنت أعلم بكل خطوة لكِ منذ أن أتت عمتي إليكِ وحتى أوصلك السائق إلى تلك الشقة ب.. والتي وصفها لكِ مأمون بعد أن أوصيته أن يفعل"
تراجعت وقالت "أنت؟"
ابتسم وقال "نعم أنا، هناك كاميرات بالبيت حبيبتي ورجالي كانت تحيطك وبمجرد خروج عمتي أدركت جنونك وأمرت رجالي باتباعك"
أغمضت عيونها وقالت "ولم تأتِ إلي"
قال "خشيت أن يراقبني رجال وجدي فيعرفون مكانك وتحملت بعدك عني من أجلك وأجل علي، ولكني لا أفهم كيف عرفت بما سيحدث؟ ولماذا أتيت إلى الفرح؟"
قالت "تعلم أني اخترقت نظام شركة وجدي ومنها استطعت أن أعرف الشات الخاص به وبتلك الليلة وصلتني رسالة تأكيد من أحد القناصين أنهم بطريقهم للتنفيذ وينتظرون صور الضحايا، وقبل الفرح بساعتين وصلت الصور أرسلت لك الرسالة وأنا أسرع إليك خشية من ألا ترى رسالتي ولم أفكر إلا بأن أحافظ على حياتك مهما كان الثمن"
قبل يدها وقال "وكان الثمن حياتك يا مجنونة؟ كيف يمكن أن تفعلي ذلك وأنا لا معنى لحياتي بدونك؟"
تجولت بعيونها داخل عيونه وهي تشعر بسعادة مشوبة بالخوف فقالت "ولا أنا تيم أنا كدت أموت حقا ببعدك ولكني كنت أمنح نفسي العذر أنه من أجلك"
اقترب منها وهو يمسح دموعها ويمرر يده على وجنتها ويقول بنفس الحنان "علينا أن ننسى حبيبتي ما كان، ما زال أمامنا الكثير سويا وأنا لن أرحمك فقد اشتقت إليكِ كثيراً"
كان قريبا منها إلى درجة أنها شعرت بأنفاسه تلمس وجنتيها فأغمضت عيونها وهي تشتاق لتلك القبلة التي تعيد إليها الحياة وقد منحها إليها وهو يلتمس قبلتها وقبض على شفتيها بقوة الشوق والحب واستسلمت له بحب شعر به بقبلتها إلى أن أبعد شفتيه وما زال وجهه قريبا منها فنظر إليها كما فعلت وهتف
“ الحياة بقبلتك ديمة"
ابتسمت بخجل ولم ترد، دق الباب ودخل أدهم مسرعاً وقال "تيم جميلة عادت"
انتفض تيم ونهض إليه مسرعاً وقال "حقا؟ أريد أن أراها"
ابتسم أدهم وقال "وهي تسأل عنك"
نظر إليها فابتسمت له فاندفع إلى الخارج وتبعه أدهم بنفس اللهفة والسعادة
يتبع..

رواية الليلة الملعونة    بقلمي داليا السيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن