الفصل الخامس عشر

1.5K 38 3
                                    

الفصل الخامس عشر
ابني
تراجع أمام كلماتها وأدرك أن الأمر أسوء مما يمكن أن يتخيل، ماذا تعني بأنه دمر حياتها ؟ هل..
تراجع وسقط على أقرب مقعد ووضع رأسه بين كفيه وهو يحاول أن يعود إلى الخلف خمس سنوات ويتذكر ما حدث
“ تيم هل ترى تلك الفتاتان هناك أول مرة أراهم هنا؟"
التفت تيم إلى حيث أشار أخيه ليرى فتاتان يدخلان الملهى إحداهما شقراء بعيون عسليه. طويلة تبدو بأوائل العشرينات، أما الأخرى فما أن رأى عيونها الزرقاء حتى توقفت عيونه عليها ولم يمكنه أن يبتعد عنها بينما سمع تميم يقول
"يا أخي أين ذهبت ؟"
انتبه لأخيه وقال وقد أذهب المشروب الذي تناوله لأول مرة من أجل أخيه بعقله وقال
“ لا، العيون الزرقاء يا أخي إنها تأخذني لأحلق بزرقة سمائها اتركها لي"
ضحك تميم وقال "أوافق"
تفرقت الفتاتان وظلت الفتاة ذات العيون الزرقاء وحدها فتقدم منها دون أن تراه إلى أن وقف أمامها وقال
"أحب أن أبدي إعجابي بهذه العيون الجذابة"
ارتبكت الفتاة وحاولت أن تذهب من أمامه ولكنه أمسك معصمها وجذبها اليه وقال وهو ينظر بعينيها "ليس بهذه السرعة يا  جميلة العيون"
ولكنها حاولت أن تفلت من قبضته، لكنه لم يفلتها وهو يقول ” تعالي يا صغيرة ولا تخشين شيء سنرقص ونستمتع إلى الصباح فنحن بليلة رأس السنة"
ولكنها حاولت أن تنتزع يدها منه وهي تقول "اتركني من فضلك أنا لا أعرفك ولا أريد أن أذهب معك"
نظر إليها وقال "ألا تعرفين من أنا؟ ألا تعرفين تيم المحمدي ابن محمد محمود المحمدي؟ هيا تعالي ولا تخشين شيء"
ولكنها جذبت يدها منه وهي تصرخ "أنا لا يهمني من أنت، فقط اتركني أرجوك اتركني، اتركني أنا أريد أن أذهب"
ضحك وفاحت رائحة المشروب من فمه ثم قال "لن تذهبي قبل أن نرقص سويا"
ثم جذبها إلى حلبة الرقص وهي تحاول أن تدفعه بعيدا وتصرخ اتركني لا أريد أن أرقص معك، ابتعد عني"
فضحك وهو يحيطها بذراعه بقوة وينظر بعينيها وقال "هل تخافين مني؟ لا تخافي تلك العيون الجميلة لابد أن تعامل برقة وحنان ما اسمك؟"
حاولت أن تبتعد ولكنه أحكم قبضته عليها وقال "أخبرتك ألا تخافين لست ممن يتلاعبن بالبنات اسألي عني الجميع، أنا حقاً معجب بعيونك ألا يمكن أن تهدئي قليلا ولو فعلت ما يخيفك يمكنكِ الذهاب"
سكنت بين يديه فخفف من قبضته وقال "هذا أفضل، إنها أول مرة لكِ هنا أليس كذلك؟"
هزت رأسها فابتسم وقال "وأنا أشكر من أحضركِ هنا لأنه جعلني أراكِ، لم تأخذني فتاة من قبل مثلما أخذني جمالك، هل الجميلة بحياتها أحد؟"
نظراتها إليه كانت تحمل كل البراءة وهي تقول "أحد من؟ أنا لا أعرف سوى أختي وهي من حضرت معها"
ابتسم وقال "لقد عشقت براءتك هذه، ألا يوجد رجل بحياتك؟"
هزت رأسها نفيا فقربها منه وقال وهو يتنسم عبيرها "عطرك رائع لا أعلم ماذا فعلتِ بي، أشعر أني أريد أن أخطفك خارج هذا المكان لمكان آخر ليس به سوانا وأظل أنظر لعينيكِ إلى آخر العمر أنا معجب بكِ ولا يمكن أن أتركك"
أخفضت عينيها ولم ترد بينما بدء العد التنازلي للعام الجديد وتوقف الجميع عن الرقص ومد له أحدهم بمشروب تجرعه قبل أن ينتهي العد وينطفأ النور ثم تتوقف معه الذكرى
فتح عينيه وقد تذكرها، ولكنه لم يتذكر ما حدث بعد ذلك هل يمكن أن يكون قد أمضى ليلته معها و..
نهض وأسرع إلى الأعلى وفتح باب الغرفة التي يوضع بها الأولاد فوجدها تحمل على النائم وتحتضنه وهي تبكي بقوة توقفت عندما رأته يفتح الباب وينظر إليها بقوة ثم تقدم إليها وقال
“ ما اسم زوجك؟"
لم تتراجع أمامه وقالت "أمر لا يخصك"
كادت تتحرك من جانبه ولكنه قال "لن أترككِ قبل أن تخبريني ماذا حدث بتلك الليلة"
قالت وهي تكمل إلى الخارج "وما الفارق؟"
تبعها إلى الخارج وقال "هل علي ابني؟"
****
ما أن استلقت جميلة على فراشها وذهب تيم وديمة حتى رن هاتفها برقم خاص فأجابت لتسمع صوت أدهم وكم كان التوقيت مناسب جدا بالنسبة لها عندما قالت
“ أهلا أدهم كيف حالك؟"
ابتسم عندما لم تلقبه بالدكتور وشعر أنها بدأت تذيب الثلوج التي بينهما فقال "بخير اشتقت إليكِ جميلة"
مسحت دموعها وقالت "هل المؤتمر يسير بخير؟"
جلس وقال "نعم ولكن مواضيعه كثيرة وستأخذ وقت أكثر"
صمتت وقد تمنت ألا يتأخر فعاد يقول "جميلة أنتِ بخير؟ هل حدث شيء؟ أو الجرح يؤلمك"
قاومت البكاء وقالت "أنا بخير والجرح أفضل بكثير واليوم تحركت خطوات كثيرة بمفردي"
ابتسم وقال "رائع، كنت أعلم أنك أقوي من الإعاقة ولن تستسلمي أبدا"
قالت "هل حقاً تعجبك قوتي؟"
ابتسم وقال "هي أكثر ما يعجبني بكِ جميلة لأنها تعني أنكِ أرق امرأة على وجه الأرض فهذه القوة الظاهرة أرى خلفها امرأة تملك أطنان من الحنان والرقة تغرق العالم كله"
أغلقت عينيها وقد أضعفتها كلماته التي تناقضت مع كلمات وجدي فعادت تقول "وهل حقاً أصلح لأن أكون امرأة جذابة لأي رجل"
صمت قليلا ثم قال "ماذا بكِ جميلة؟ ألا تدركين قيمة نفسك؟ هل لديكِ شك بأن لديكِ جاذبية تفتن أي رجل وأنا أولهم، جميلة أنا أحبك، هل تدركين معني تلك الكلمة؟"
عادت الدموع ولم ترد فقال "لا أريد إلا أن تفكري جيدا بطلبي الذي طلبته من قبل ومازلت أطلبه أنا أريدك كما أنتِ بقوتك وحنانك لأبناء أخيكِ، أريدك بنجاحك بعملك وكأم أنشأت رجلاً مثل تيم وفتاة رائعة مثل زينة، أريدك شريكة لي لنكمل سويا ما تبقى من عمرنا"
كتمت شهقات البكاء الذي لم يكن له معنى سوى السعادة المختلطة بالألم والحزن على عمر سرق من أجل رجل لا يستحق والألم على ابن انتظرته كثيرا ليعود لها بخيبة أمل لم تتوقعها والسعادة من أجل رجل اليوم فقط يعيد إليها الشعور بالأنوثة الذي افتقدته منذ سنوات
سمعته يناديها فتماسكت وقالت "ما زلت معك أدهم وعلى وعد بأن أمنحك الرد بمجرد عودتك"
ابتسم وقال "وأنا أنتظر على أحر من الجمر جميلتي"
****
توقفت ديمة على باب الغرفة واندفعت دقات قلبها تعلن عن اقتراب الخطر، كان لابد من الوصول إلى النهاية ربما تتغير عن النهاية الحقيقة ولكنها لابد أن تصل إليها
اقترب منها وقال "علي لم يرد أن يخبرني باسم والده لأنه مثل اسمي، عمتي كانت تعرف أليس كذلك وهي التي طلبت منه ألا يخبرني، لماذا؟ لماذا أخفيتم الأمر؟"
استدارت بدموعها لتواجهه وقالت "لأنك لم تكن لتصدق فتاة الشارع التي طردتها من بيتك وظننت أنها هنا لانتهاز الفرص، ولأنك تنسى كل ما كان ولن تكن لتصدق تلك الفتاة الانتهازية إذا ما قالت أن ذلك الطفل ابنك"
تحجرت ملامحه وثبتت قدماه بالأرض أمامها ثم قال "ولماذا لم تخبريني وقتها ربما"
قالت "ربما ماذا؟ لقد أتيت بالفعل ولكني لم أجدك وعرفت أنك سافرت إلى الخارج فهل تظن أن عمتك كانت ستصدقني وقتها وهي لا تعرفني؟ ولو صدقت ستدرك أنك هربت مني وهي أيضا لن تعترف بابنك أو ربما كانت لتأخذه مني وتطردني لا أعلم ولكن رحيلك أوقف حياتي ولم أجد بديل عن الصمت وتحمل توابعه وحدي"
مرر يده بشعره  "ولماذا لا أذكر ما حدث بعد انطفاء النور؟ لماذا لا أذكر لحظة معكِ؟"
ارتبكت وأبعدت عينيها وقالت "ربما لأنك أفرط بالشرب تلك الليلة خاصة بعد إطفاء النور، أو ربما كما قالت عمتك لأنك اخترت بعد حادث تميم أن تنسى كل ما كان بتلك الليلة"
حدق بها ثم قال "علي لا يعرف عني شيء؟"
هزت رأسها نفيا وقالت "أخبرته أن والده سافر ولا يعرف عنا شيء"
مد يده ومرره على شعر علي بحنان وقال "لذا هو يشبه أخي كيف لم انتبه لذلك؟"
نظرت إليه فعاد إليها وقال "إذن ليس هناك زوج كما يعرف الجميع"
هزت رأسها مرة أخرى بالنفي وقالت "كان لابد أن أخبر من حولي بذلك فقد رحلت من بيتي القديم إلى مكان لا يعرفني به أحد ودفعت كثيرا كي أستطيع استخراج شهادة ميلاد علي دون قسيمة زواج"
ظل يتأملها بصمت إلى أن قال "نعم، الأموال تفعل الكثير، عودي إلى الداخل لا داع للخروج بعلي الآن بالبرد"
قالت "بالصباح سأرحل لم يعد لنا مكان هنا"
عقد حاجبيه وقال "أي رحيل الذي تتحدثين عنه؟"
أخفضت وجهها وقالت "رحيلي أنا وعلي، ربما لا تصدقني ولو صدقتني فلست ملزم بتحمل نتيجة خطأي"
قال بقوة "لن تذهبي، هل تظنين أني ندل وجبان وسأترك ابني وأتخلى عنه"
رفعت وجهها إليه وقالت "لا أعرف، لم أعد أعرف أي شيء فقد تعبت من كثرة التفكير بذلك اليوم الذي سأقابلك فيه مرة أخرى وماذا ستفعل معي ومعه؟"
حدق بها لحظة ثم قال "ادخلي الآن وبالصباح سنكمل حديثنا"
ثم تحرك من جانبها إلى الخارج واتجه إلى الأسفل ودخل المكتب وأغلق الباب وسكن لحظة ثم خلع جاكتته وفك ربطة العنق وأزرار القميص وألقى بجسده المنهك على الأريكة وأغمض عيونه وقد أنهكه التفكير حتى أظلمت الدنيا أمامه ليرى تميم يفتح الباب ويدخل فقال
"تميم كم أحتاج إليك"
ابتسم تميم وقال "وأنا بجانبك دائما يا أخي ألم أخبرك أن تعود كي تأخذ ما يخصني"
انتبه وقال "لا أفهم"
فقال تميم بهدوء "لا يهم المهم أنك عدت ولن تترك من هم منك وبحاجة إليك حافظ عليهم ولا تتخلى عنهم أهلك وأحبابك وأولادك"
عاد وتحرك إلى الخارج فناداه وقد امتنع جسده عن طاعته في النهوض خلفه فقال "تميم لا تتركني"
نظر إليه وابتسم وقال "لم ولن أتركك أبدا يا أخي"
****
أعادت علي إلى الفراش وانكمشت بجواره والدموع لا تتوقف من الخوف أو السعادة أو الحيرة لم تعد تعرف، ما زال قلبها يتذكر تلك الليلة فقد كان أول رجل بحياتها وآخرهم لم تعرف سواه ولا تنكر أنها تمنته من كل قلبها، لكن بعد كل ما مرت به أدركت أنه ليس لها ولم يفكر بها بأي يوم والآن زاد كرهه لها أكثر وأكثر.
نظرت إلى علي وتساءلت ماذا ستفعل معه، بل ماذا سيفعل هو معه؟ هل سيعترف به ويخبره أنه ابنه؟ نظرت إلى تميم، هل يمكن أن يظل الطفلان سويا بعد اليوم أم سيفترقان إلى الأبد؟ لم تجد أي إجابة للأسئلة وآخر سؤال والأهم هل ستكمل ما بدأته أم تتراجع؟؟
بالصباح تحركت جميلة بقوة مستندة إلى العصا الطبية وحدها إلى الخارج ولم تهتم بألم ظهرها فقد منحها ما حدث بالأمس قوة مضاعفة لمواجهة ما مر بها تبعتها الممرضة دون جدال وأخيرا وصلت إلى البهو فجلست وهي سعيدة بما حققت
استيقظ عندما داعب نور النهار عينيه فنهض ليجد نفسه وقد نام على الأريكة، شعر بالألم بجسده فاعتدل محاولا أن يفك جسده بحركات رياضية وذهنه مشغول وهو يتذكر حلمه وتميم وكلماته وما عرفه بالأمس وما يجب أن يتخذه من قرارات، نهض وحمل جاكتته وخرج ليجد عمته جالسة بالبهو تعبث باللاب الخاص بها فاتجه إليها وقال
“ صباح الخير عمتي"
نظرت إليه فتراجعت وقالت "تيم، ماذا حدث لك؟ وأين كنت؟"
وقف أمامها وقال "كنتِ تعلمين بأمرها وأمر علي أليس كذلك؟"
لانت ملامحها وقالت "نعم"
قال بغضب "منذ متى؟"
قالت "منذ أول يوم، ملامح الطفل جعلتني أشك ثم عندما سألته عن اسمه أخبرني باسمه بالكامل وعندما سألت عنها عرفت أن لا أحد يعرف لها زوج كما تدعي ورغم أنها عرفت بنا إلا أنها لم تحاول أن تستغل الأمر لصالحها مما زادني إعجاب بها وعندما ضغط عليها قليلا أخبرتني كل شيء وأنا من طلبت منها أن تبقى ولا تخبرك أي شيء حتى تتذكر وحدك"
قال بنفس الغضب "وإذا لم أتذكر عمتي ماذا كان سيحدث؟"
قالت "كانت ستظل هنا بيننا ويظل ابنك بين أهله"
نظر إليها وقال "والمفترض الآن أن أعترف به وأخبره أني أبوه"
سمعها تقول "لا لست ملزم بشيء كما أخبرتك"
نظرت جميلة إليها كما فعل هو وقال بقوة "ألا يهمك أن يكون لابنك أب؟ أم أنكِ تدعين كل ذلك وتريدين الآن الهروب خشية أن أكشفك؟"
وقفت أمامه وقالت "لا هذا ولا ذاك، ابني اعتاد على ألا يكون بحياته أب، وأنا لا أخشى من شيء لأني ليس لدي ما أخشاه، أبوتك لعلي أمر يعود إليك إن شأت اعترفت به وإن لم تشأ فلا تفعل فالأمر لن يختلف بالنسبة لي"
اقترب منها وقال "وماذا يعني هذا ؟"
قالت بتحدِ "يعني أن الأمر بينك وبين علي أما أنا فخارج المنافسة ولا يهمني قرارك"
قال بغضب "يمكنني أن أقاضيكِ لاستخدامك اسمي"
قالت "فلتفعل ووقتها ستخسر لأنه ابنك ولن تجني إلا إثارة الضوضاء حول اسمك وسمعتك"
ابتسمت جميلة وأعجبها ما تفعله الفتاة بينما حدق بعينيها وقال "حسنا إذا كان ابني فلن أتركه ولن ينشأ إلا مع أخوه"
تراجعت وقالت" وماذا يعني هذا؟ ابني لن يتركني أبدا ليس من حقك ولن يمكنك أن تأخذه مني"
اقترب منها والتحدي بعينيه وقال "إذن أنتِ لا تعرفين من أنا وماذا يمكنني أن أفعل، ابني لن يكون إلا معي ولن أتركه لأحد"
تراجعت وقالت "وأنا لن أسمح لك بأن تحرمني منه إنه حياتي التي أعيشها من أجله"
تدخلت جميلة وقالت "كفى أنتما الاثنان"
ظل كلاً منهما ينظر إلى الآخر بتحد إلى أن عادت جميلة تقول "هيا تعالوا هنا واجلسا لنتحدث بهدوء وكفا عن هذا الجنون الذي لا نتيجة من وراءه، هيا يا ديمة تعالي هنا"
تراجعت ديمة من أمامه لتجلس بجوار جميلة بينما أخرج سجائره وأشعل واحدة فقالت جميلة "الآن كلاكما يتشاجر على الطفل وكلا منكما يظن أن مصلحة الطفل في بقاؤه معه"
لم ينظر إلى عمته ولم ترد ديمة فعادت العمة تقول "ألم يفكر كلاكما أن مصلحة الطفل تكمن في وجودكما سويا بحياته"
نظر إليها بقوة فقالت "ماذا؟ ألست محقة؟ ألا ترى كيف يفتقد تميم لحنان أمه وأنت لا تجد من يمنحه إياه؟"
نظرت ديمة إليها فبادلتها النظرة وقالت "وأنتِ ألم يتمني علي بيوم أن يكون له أب يوفر له الأمن والأمان الذي لم توفريه أنتِ له ألم يطالبك يوماً بأب كأي طفل بعمره؟"
أخفضت عيونها ولم ترد لأن جميلة كانت على حق بكل ما قالت لذا لم يجادلها أيا منهما وظل الصمت مسيطراً فعادت تقول
“ وجود ديمة هنا أصبح أمر واقع ولن يتغير لأن علي لابد أن ينشأ هنا بين أهله ولابد أن يعرف أنك والده"
قال "تعلمين أن حياتي بالخارج وابني لابد أن يظل معي"
قالت "أولادك الاثنان يا تيم لذا لابد أن تجد حل لذلك الأمر"
قال "هو حل واحد أولادي ستكون معي"
هبت وقالت "علي لن يتركني لن تفعل بي ذلك"
تدخلت جميلة مرة أخرى وقالت "لن تتخلي عن ابنك يا ديمة ولن تترك أولادك يا تيم"
نظر الاثنان إليها فقالت "لابد أن تتزوجوا ووقتها يمكنها أن تكون مع ابنها وأنت معك ابنك وتجد أم لتميم ابنك، أم تحبه فعلا وتسهر على راحته"
استدارت ديمة إلى جميلة ونظرت إليها بنظرات كلها تساؤل كما حدق هو بها وردد "أتزوجها، أتزوج تلك الفتاة؟ أنتِ لست جادة عمتي، لن يكون لن أتزوج فتاة سلمت نفسها لأول شاب قابلته فقط لأنه أغواها بأمواله واسم عائلته"
نظرت إليه بغضب وامتلأت عيونها بالدموع وقالت "معك حق، وأنا لا أريد أن أتزوج رجلاً يهرب من مواجهة أخطاؤه فلن يمكنني أن أئتمنه على حياتي وحياة ابني"
اتجه إليها ورفع يده ليصفعها ولكنها أمسكت يده وقالت "لن تفعلها بي مرة أخرى فأنا لست بضعيفة"
تركت يده ونظرت إلى جميلة وقالت "ولست برخيصة مدام جميلة كما يقول عني ربما أكون أخطأت ولكني لست كما يصورني"
تحركت لتبتعد ولكن جميلة قالت "ديمة انتظري، انتظري يا ابنتي أنا أعلم جيدا من أنتِ، تيم هل تهدء وتكف عن غضبك هذا نحن الآن نبحث عن مصلحة الأولاد وكلا منكما بحاجة إلى الآخر لذا عليكم بالتنازل حتى نصل لحل"
ابتعد تيم من أمامهم وظلت دموع ديمة تتساقط في محاولة لأن تغسل إهانته لها إلى أن قالت جميلة "لا يوجد حل آخر سوى ما قلته أنا هو زواج على سنة الله ورسوله ليكون بإمكانك البقاء مع تيم بشكل شرعي إذا سافر وأمام علي ابنكم بالمستقبل وعلاقتكم فيما بينكم ضعوا أنتم قوانينها كيفما تشاءون، الأولاد بحاجة إلى حياة مستقرة بما تحمله من حب وحنان وأمان يكمله الأب والأم وعليكم أيضا بحث كيفية إخبار علي بالأمر والحمد لله أنه ما زال صغيرا ولن يفكر بالأمر كثيرا"
نظر تيم إلى عمته وقال "عمتي أنا لا أوافق"
بينما صمتت ديمة ولم ترد لم تشأ أن تدفعه لجرحها مرة أخرى بكلماته فقالت جميلة "إذن عليك بإيجاد حل آخر تسعد به أبناءك، الأمر ليس عند يا تيم وإنما بالعقل توجد الحلول"
أطفأ السيجارة التي كادت تحرق يده ثم حمل جاكتته واتجه إلى الخارج دون أن يرد بينما سقطت هي على أقرب مقعد وما زالت تبكي بألم فقالت جميلة
"أنتِ التي تصرين على ذلك"
نظرت إليها وقالت "لابد أن أفعل وإلا حرمني منه ألا تسمعين ما يقوله يريد أن يأخذ ابني مني بعد أن عشت من أجله أربع سنوات تحملت الذل والإهانة من أجل أن أوفر له حياة سعيدة، لن يمكنني أن أفقده الآن لن أستطيع"
كانت جميلة تشعر بها وتدرك مشاعرها فقالت "حسنا اهدئي لن يحدث هذا وأنا متأكدة أنه سيوافق ليس أمامه حل آخر"
نظرت إليها وقالت "حتى الزواج ليس حل لأنه سيكشف كل شيء"
ابتسمت جميلة وقالت "لن يحدث فلذلك الزواج قواعد ستضعينها معه، وربما قربكم يغير مشاعر الكره داخله ووقتها لن يختلف الأمر ويحقق قلبك مراده"
حدقت بها ديمة ولم تجد ما تقوله رغم الخوف الذي سيطر عليها، ربما ما تخفيه داخلها يمنع مشاعرها من أن تطفو على السطح وهي تعلم أنها لو عاد قلبها يدق له فلن تجني إلا الألم والحزن، وكأن الأمر بيدنا
قاد السيارة وهو لا يعلم إلى أين ولكنه أراد أن يبتعد عن ضغط عمته وتلك الأفكار التي تبثها برأسه، الآن أدرك أن تلك العيون الزرقاء سكنت عقله منذ أن رآها، وعرف أنه اندفع إليها بمشاعره وأخذها لأنها أعجبته فلماذا الآن يرفضها ويرفض قربها؟ ألا يمكن أن تكون سلمت نفسها لسواه؟ أغمض عيونه لحظة ثم فتحها وهو لا يعلم ماذا يفعل ربما عمته على حق ابنه تميم بحاجة إلى أم وهي المرأة الوحيدة التي اختارها ابنه ليحبها وابنه الأكبر لن يترك أمه التي هي نفس المرأة وهو لن يترك أبناءه الاثنان لذا فالزواج هو الحل.
أوقف السيارة أمام الشركة وظل قليلا جالسا ثم عدل من ملابسه ومشط شعره بيده ثم نزل إلى الشركة دون أن يصل لأي قرار.
وصلت ديمة إلى الشركة والإجهاد واضح على وجهها وما أن دخلت مكتبها حتى رأت مأمون يشير إليها فاتجهت إلى مكتبه وأغلقت الباب فقال وهو يمنحها ملف
“ هل رأيتِ هذا الملف؟"
أخذت الملف وجلست لتنظر به فعرفته وقالت "نعم وأنا من أرسله إليك أول أمس"
جلس وقال "وما خطتك؟"
قالت "أولا إبلاغ مدام جميلة وقد فعلت ثانيا تقديم الملف للشؤون القانونية والتحقيق بالأمر ومعرفة المسؤول عن الأموال المفقودة"
قال بجدية واهتمام "ليس هناك دليل يدين أحد"
أبعدت وجهها وقالت "بلى هناك، ولكن لن يظهر إلا وقت التحقيق"
اقترب من مكتبه ونظر إليها وقال "حقا؟ وما هو ذلك الدليل وأين هو ؟"
نظرت إليه وقالت "لا يهم المهم أن تقوم حضرتك بإبلاغ لجنة التحقيق بالأمر لتبدء عملها ومدام جميلة ستتابع الأمر  وهو ما ينهي مهمتي"
هز رأسه وقال "حسنا سأفعل الآن ولن أضيع وقت"
لم ترد ونهضت خارجة إلى مكتبها ورأسها مثقل بالأفكار من كل جانب
****
لم يستطع التركيز بالعمل وطاردته الأفكار من كل جانب وعلى منتصف اليوم قرر الذهاب دون أن يحدد وجهة الذهاب ولكنه وجد نفسه يتجه إلى حضانة علي وينزل إلي الداخل ليري الطفل يلعب بالحديقة وما أن رآه علي حتى أسرع إليه بسعادة وهو يناديه
“ عمو تيم، أنت هنا"
ابتسم وهو يحمل علي بين ذراعيه وكاد يذهب به ولكن المشرفة أوقفته وقالت "من فضلك إلي أين تأخذ الطفل؟ ومن حضرتك؟"
ابتسم وقال "علي حبيبي هل يمكن أن تحضر  حقيبتك؟"
أسرع الطفل لإحضار أشياؤه بينما قال هو "أنا والده"
ظهر الشك على وجهها فأخرج بطاقته الشخصية فرأت الاسم ولم ترد بينما عاد علي إليه فحمله إلى السيارة بينما قال علي
"أين ماما؟"
"بالعمل دعنا نذهب إلى أي مكان تريد الذهاب إليه لنستمتع قليلا ونتحدث سويا"
تهلل وجه علي وقال "إذن الملاهي ثم بيتزا كما تفعل ماما معي"
نظر إليه وقال "وماذا عن بابا؟ ألا تعرف عنه شيء"
قال "لا ماما أخبرتني أنه سافر ولا يعرف عنا شيء"
قاد السيارة وقال "هل تحب أن يعود وتراه"
قال الطفل " نعم، طبعا أحب ذلك كما هم أصحابي"
نظر للطفل بحنان ثم عاد وقال "ولو كان والدك لا يعرف أنك ابنه ثم عرف فهل تحب أن تعرفه؟"
نظر إليها وقال "لا أفهم"
أوقف السيارة وقال وهو ينظر إليه "هل لاحظت أن اسم بابا مثل اسمي؟"
هز رأسه بالإيجاب وقال "نعم"
قال "وهل خطر ببالك أني ربما أكون والدك؟"
صمت علي قليلا ثم قال "وهل أنت بابا؟"
أمسك بيد الطفل الصغيرة ونظر بملامحه الجميلة وقال "نعم أنا بابا ولكن للأسف لم أكن أعلم والدتك أخبرتني بالأمس "
نظر الطفل إليه وقال "ماما كانت تعرف أنك بابا؟"
كان سؤال ذكي من الطفل ولم يعرف بماذا يجيب ولكنه غير الحديث وقال "هل أنت غاضب لأني بابا؟"
هز علي رأسه نفيا وقال "لا، ولكن أنت لم تكن تريدنا بالمنزل لا أنا ولا ماما فكيف ستكون بابا؟"
تراجع تيم وقال "هل ماما أخبرتك بذلك؟"
قال علي "لا، ولكني كنت أسمعك وأنت غاضبا منها هل لو أصبحت بابا سترحل ماما؟"
حدق بعلي ثم قال "وماذا تريد أنت؟"
قال علي ببراءة ”أريد ماما وبابا وأيضا تميم فأنا أحبه ونانا قالت أنه أخي ولابد أن أخاف عليه وأحميه"
مرر يده بشعره وهو يتابع ابنه بدهشه من كلماته الصغيرة ثم قال "حسنا هل نذهب لنلعب الآن؟"
قال علي "وماما؟"
ابتسم وقال "سنعود إليها بعد أن ننتهي"
أجاب علي بالموفقة وقال "حاضر عمو"
ولكن تيم قال "أنا بابا يا علي وليس عمو"
أجاب علي ببساطة اندهش لها تيم "حاضر بابا"
لعب كثيرا مع علي وأمتعه بقدر ما استطاع واشتري له لعب كثيرة وطعام وحلويات وفجأة رن هاتفه برقم زينة فأجاب
*****
أنهت ديمة أعمالها ثم اتجهت إلى الحضانة لإحضار علي ولكنها تفاجأت عندما أخبرتها المشرفة أن والده أتى وأخذه.
دارت بها الدنيا وكادت تفقد اتزانها وهي تقول "أي أب؟"
فقالت المشرفة "والده مدام لقد رأيت بطاقته الشخصية والاسم مطابق"
قالت بخوف "ولكن لماذا لم تتصلي بي وتسأليني؟"
قالت "حضرتك لم تبلغينا بألا نسلمه لوالده"
أدركت أنها على صواب فلم تحسب لذلك أي حساب وخرجت والخوف يمنعها من التفكير هل قرر أن ينتقم منها ويحرمها من ابنها؟ لا، ما زال تميم موجود، أسرعت بكل طاقتها إلى الفيلا وهي تدعي ألا يكون قد أخذ تميم ورحل ولكنها ما أن وصلت حتى رأت الطفل مع زينة بالحديقة فأسرعت إلى زينه وهي تكاد تلتقط أنفاسها وقالت
“ زينة أنقذيني من فضلك بسرعة أرجوكِ"
فزعت زينة لمنظرها وقالت "ديمة؟ ما بك؟ ما الذي حدث؟"
قالت "علي لا أجده بالحضانة اتصلي بتيم واسأليه من فضلك"
تراجعت زينة وقالت "ولماذا تيم؟"
قالت بلهفة "اتصلي أولا وسأشرح لكِ كل شيء بعدها"
ترددت زينة قبل أن تتصل وتسمع صوت تيم فقالت "تيم هل علي معك؟"
اندهش لسؤال أخته فقال "ولم تسألين يا زينة؟"
خطفت الهاتف من يد زينة وقالت "أين ابني؟ أرجوك لا تأخذه مني أنا لن أحتمل أن أعيش بدونه سأفعل أي شيء تريده فقط أعده إلي أرجوك"
ضاقت عيونه وهو يسمع نحيبها فقال "علي بخير وهو معي وبعدما ينهي طعامه سنعود إلى البيت"
هزت رأسها وقد ذهب الخوف منها وقالت "شكرا لك"
أغلق الهاتف وظل ينظر إليه لحظة قبل أن يقول "هيا علي ماما قلقة من أجلك"
نظرت زينة إليها وقالت "هل يمكن أن أفهم ما الذي يحدث هنا؟"
نظرت الى زينة وتذكرت كلمات جميلة "لا يجب أن يعرف أحد شيء عن كل ذلك لا تجعلي نظرة الجميع إليكِ تتغير"
عادت إلى زينة وقالت "بالأمس بعد أن انتهى ما حدث اختلفت أنا وتيم وبالطبع ثار غضبه مني واليوم عندما لم أجد علي بالحضانة ووصفت لي المشرفة شكله فخشيت أنه فعل ذلك لينتقم مني"
وبختها زينة "لا ديمة تيم لا يملك هذه القسوة مهما حدث فهو أب ويعلم مدي حرمان ابنه من أمه ولن يقبل على خطوة كهذه"
جلست وقد خارت قواها وقالت "هكذا فكرت أنا آسفة أنا لا أتحمل فكرة فقدان ابني"
وافقتها زينة ولم تناقشها
****
تحركت جميلة بجلستها أفضل من كل مرة فقال "ممتاز مدام بهذا الشكل لم يعد أمامك كثير لتعودي لطبيعتك"
ابتسمت وقالت "بفضل مساعدتك يا دكتور"
قال "وشجاعتك وقوتك مدام إنها تثير إعجابي حقا"
رن هاتفها برقم خاص فأدركت أنه أدهم فاستأذن الطبيب بينما جلست هي وأجابت "الو"
قال "جميلتي كيف حالك اليوم؟"
ابتسمت وقالت "بخير، وأنت ما أخبار المؤتمر"
قال "ممل أي مكان بدونك أصبح ممل، لم أعد أريد إلا رؤيتك حتى ولو رفضتي رؤيتي"
كانت سعيدة بكلماته ورغم أنها كانت ترفض وجوده بحياتها إلا أنها الآن تستمتع بسماعه ولا تعترض، قالت "لن تتوقف عن العمل الآن لن تضيع نجاح السنوات الماضية"
ابتسم وقال "بل يمكنني أن أضحي بالعالم كله مقابل أن أسمع صوتك وأرى عيونك، جميلة أنتُ لا تفهمين ولا تدركين ماذا تعنين بالنسبة لي"
قالت بسعادة "ولماذا الآن؟"
قال "عندما رأيتك بالمشفى لاحظت أنكِ لا ترتدين خاتم الزواج فسألت وعرفت وقد كنت أظن أنك مازلت مع وجدي، وقتها عاد الأمل يدق أبوابي"
لم ترد فقال "جميلة"
أجابت "نعم"
قال "ألا يمكن أن تمنحيني أي أمل"
قالت بابتسامة "لقد اتفقنا على أن تأخذ الرد بعد عودتك فلا تغش يا دكتور"
ضحك وقال "حسنا عزيزتي لن أفعل ولن أتعجل أنتظر رؤيتك بفارغ صبر"
****
لم تتحرك من الحديقة حتى عندما اتصل مصطفى بزينة فتركتها وتميم معها وعيونها على البوابة بانتظار سيارته وسقط الليل وسقط قلبها معه من الخوف إلى أن رأت سيارته تدخل من البوابة فنهضت وقد نام تميم بين ذراعيها تحركت إلى حيث أوقف سيارته وهي تنتظر علي لينزل إليها ولكنه نزل واتجه إلى مكانه ورأته وهو يحمله وقد كان نائما أغمضت عيونها وقد اطمأن قلبها سمعته يقول
"لقد نام بالطريق"
لم ترد وإنما تحرك إلى الداخل فتبعته إلى الأعلى وضع الطفل بالفراش كما فعلت هي ثم قال "علينا أن نتحدث"
ثم تركها وخرج فتبعته بعد أن غطت الأولاد وطبعت قبلة على وجنة علي وقد تعب قلبها من الخوف
دخل المكتب وهي تدخل خلفه فقال وهو يشعل سيجارته "أعتقد أننا لابد أن نصل لحل"
جلست على أقرب مقعد فلم تعد تملك أي قوة للمجادلة ولم ترد فالتفت إليها وقال "هل تظنين أن ما قالته عمتي هو الحل؟"
نظرت إليه فأبعد وجهه عن تلك العيون بينما قالت "لم أعد أعرف أي شيء أنا تعبت من كثرة التفكير والبحث عن الخطأ من الصواب"
قال "أنا أخبرت علي"
لم ترد وهي تنتظر أن يكمل فقال "أخبرتك أني لن أتخلى عن أولادي"
قالت بضعف "ولن تحرمني من ابني لا يمكنك أن تفعل بي ذلك"
نظر إليها بغضب وقال "هذا ما كنتِ تخططين له أليس كذلك؟"
قالت بضعف "هذا ما تريد أن تصدقه"
اقترب منها وقال "وهل من المفترض ألا أفعل وأنتِ تتسللين بين أهلي وترتدين قناع البراءة؟ والآن من المفترض أن أقبلك كفرد من العائلة؟"
حدقت به بدموع وقالت "أخبرتك ألا تفعل فقط سأرحل ولن تراني مرة أخرى أعدك بذلك"
قال بغضب "بعد أن تأكدتِ أني لا يمكنني أن أتركك ترحلين لأن أولادي الاثنان مصيرهم مرتبط بكِ، لماذا احتفظتِ به كان يمكنكِ التخلص منه ولكنك كنتِ تريدين كل هذا، اسم المحمدي وأمواله أليس كذلك؟"
قالت بصدق "لا، أنا لم أفكر بكل ذلك لأني لو أردت لكنت عرفتك بابنك منذ أول يوم وألزمتك به أمام العالم وحققت ما تقوله بسهولة لكني لم أرد ذلك فقط أردت أن أعيش حياة هادئة أنا وابني ولكن يبدو أن ذلك الحق ليس للفقير الذي عليه أن يهان ويسحق من أجل الغني ولا ينظر أحد إلى ما يكنه من مشاعر وصدق وإخلاص ربما أكون فقيرة مال ولكني لست فقيرة إخلاص وأمانة وشرف وعمتك تشهد بذلك"
رفع إصبعه بوجهها وقال "لا تتحدثين عن الشرف"
زادت دموعها من إهانته وقالت "كفى، ليس من حقك أن تحاسبني لأنك مخطأ مثلي تماما لست وحدي المسؤولة عما حدث أنت الرجل وأنت الأقوى وأنا كنت صغيرة ولم أفهم أو أدرك ما يحدث وقد أجبرتني بالقوة"
ظل ينظر بعينيها وهلة ثم ابتعد وهو يحك جبهته بيده ويقول "اللعنة كيف لا أتذكر؟"
لم ترد وإنما ظلت دموعها تنهار في صمت إلى أن قال "والآن لابد أن تدركي أن وجودك هنا سيكون من أجل أولادي فقط وستسافرين معي إلى الخارج كمربية لهما"
ضاقت عينيها وقالت "أي مربية؟ أنا أم علي ولن أصحبك إلى أي مكان لأن الخطأ لا يتكرر مرتين"
التفت إليها وقال "لن يتكرر أي خطأ، تعلمين أني سأتزوجك كي يكتمل الصواب ولكن بالنهاية أنتِ بالنسبة لي مربية أولادي ولو عرفت بيوم ما أنكِ تخدعيني أو لو فكرتِ أن تفعلي أو تهربي لأي مكان لن أخبرك ماذا يمكن أن أفعل بكِ، هذا بالإضافة أنكِ وقتها لن تشاهدين علي مرة أخرى"
ظلت تنظر إليه دون أن تجد أي كلمات يمكنها أن ترد بها ولكنه أكمل "سنخبر الناس ومصطفى خطيب زينة أننا كنا متزوجين منذ سنوات و انفصلنا قبل سفري ثم أعدتك لي مرة أخرى عندما عرفت أن على هو ابني وهذا ما سنخبر به الجميع لن أسمح لأحد أن يقول عن ابني أنه ابن..."
ولم يكمل أغمضت عيونها عندما فهمت كلمته وأوجعتها أكثر مما يمكن التخيل، ابتعد وقال "سنقيم حفل الزفاف مع خطوبة زينة بحفل واحد وعليكِ معرفة حدودك هنا جيدا هل تفهمين؟"
فتحت عينيها وقالت بصعوبة "أكثر مما يمكن أن تتخيل"
لم يرد ولا هي وإنما نهضت بصعوبة واتجهت إلى غرفتها وانهارت على أقرب مقعد وقد كرهت الضعف الذي كانت فيه، تمنت لو يمكنها الرحيل من هنا وعدم البقاء مع ذلك الرجل الذي يكرهها بشكل لا يمكن فهم سببه، ولكن الآن لم يعد بإمكانها أن تفعل فرغم كرهه لها إلا أنها لا تعرف إلا أنها..
تحرك علي بالفراش يناديها فأسرعت إليه فقال وهو بين النوم واليقظة "أريد دخول الحمام"
ساعدته وعندما عاد نظر إليها وقال "أنا سعيد جدا يا ماما لأني أخيرا أصبح لي بابا"
عادت الدموع فقالت "وهل يعجبك البقاء هنا أم نرحل؟"
اعتدل وقال "لا ماما أنا أريد البقاء هنا مع بابا وعمتو زينة ونانا وتميم أخي، من فضلك ماما أنا سعيد جدا بابا اشترى لي ألعاب كثيرة وحلويات، ماما لا تبعدينا عن هنا"
احتضنته والدموع لا تتوقف الآن أصبح الأمر أكثر صعوبة من أجل ذلك الطفل، الذي لم يعرف السعادة منذ ولادته، ها هو اليوم يراها ويعيشها فكيف تحرمه منها لن يمكنها أن تفعل لن توقف سعادته حتى ولو كان على حساب سعادتها..
يتبع..

رواية الليلة الملعونة    بقلمي داليا السيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن