الفصل الثالث والعشرين

1.1K 42 8
                                    

كل سنة وانتم جميعا طيبين عيد سعيد عليكم

الفصل الثالث والعشرين
شفاء.. اختفاء
مرر يده بشعره ولكن يوسف أكمل "ولكن أنت تركتها بعد انطفاء النور، أو هي التي خرجت وكانت تجري مسرعة واصطدمت بي وهي تسألني عن أختها وهي تصفها لي ووقتها كنت قد رأيت فتاه تشبهها مع تميم فأخبرتها أنها بمكان ما مع ابن المحمدي ولم أذكر اسمه، وبعد فتره وجدتك تخرج مع تلك الشقراء من ذلك المكان وهي تبكي وأنت تترنح من المشروب وتحاول أن تهدئها ولكنها انطلقت تجري مبتعدة ولم أراهم مرة أخرى"
اهتز تيم بقوة من اندفاع الذكريات إلى رأسه بقوة وقد أضاء يوسف له ما كان بالظلام فأمسك رأسه ليتحكم بتلك الذكريات التي اندفعت بدون توقف ولم يسمع يوسف وهو يناديه وإنما تركه وتحرك مبتعدا دون أن يحاول أن يسمع المزيد فقد سمع ما يكفيه وعليه أن يستوعب جيدا ما كان بتلك الليلة
ظلت تنتظره وهي تحاول أن تتذكر يوسف وبالنهاية تذكرته فقد رأته بتلك الليلة عندما كانت تبحث عن أختها والدموع تغطي وجهها من الخوف وتذكرت وقتها أنه هو من أخبرها أن اختها مع ابن المحمدي وأشار إلى المكان وعندها اتجهت إلى حيث أشار..
سمعته يقول "هل تناولتِ الغداء؟ أشعر بالجوع؟"
نظرت إليه وقد كانت ملامحه صامته لا تخبر بأي شيء ولكنه قال "الجو رائع اليوم ما رأيك نتناول الغداء بالحديقة؟"
لم ترد أيضا وبالفعل تحركا إلى الحديقة لم ينظر إليها وهو يقول "لقد قابلت يوسف اليوم"
رفعت وجهها إليه ولكنه لم ينظر إليها وقال "أتعلمين أنه يفكر بأن يشترى ذلك المكان الذي عرفتك به"
ظلت تحدق به ولكنه لم يحاول أن ينظر إليها وهو يكمل "إنها فكرة رائعة وبمجرد عودتنا أريد أن أذهب إليه لأتذكر تلك الأيام مع تميم ومعكِ"
وهنا رفع وجهه إليها ليواجه عيونها فاحمر وجهها وارتبكت وعاودتها مشاعر الخوف فنهضت وكادت تذهب لولا أن أمسك معصمها كالعادة وقال
"إلى أين؟ أنا لم أقصد شيء من ذكر المكان أنا فقط أردت أن أذهب ربما استعدت ذاكرتي"
ظلت تنظر إليه فنهض واتجه إليها ووقف أمامها وقال "ديمة، أعلم أن هناك ذكريات كثيرة شاركتك بها وأريد أن أتذكرها، أعلم أنها تذكرك بأشياء مؤلمة ولكني أريد أن أتذكر لمساتي لكِ وكيف كانت ليلتنا"
عادت الدموع إلى عيونها فتركته وأسرعت إلى غرفتها تابعها بنظراته وهو يعلم ما يفعل جيدا
تبعها إلى الغرفة ووجدها تقف أمام النافذة وما زالت بعض الدموع عالقة بجفنيها فاقترب منها وقال
"ديمة، ديمة انظري إلي"
وقف أمامها ونظر اليها بقوة وقال "من ماذا تخافين يا ديمة؟ أنا تزوجتك واعترفت بعلي ابن لي ولن أتراجع مهما حدث، فلماذا كل هذا الخوف؟ ماذا تخفين عني يجعلك تنهارين وتفقدين قوتك؟"
تحركت مبتعدة أو هاربة فقال "يبدو أن المشكلة بي أنا، لا يمكنني أن أحتفظ بامرأة بحياتي"
التفت إليه ولكنه ابتعد وقال "ظننت أن مريم هي الخطأ لأنها خائنة"
ضاقت عيونها فالتفت إليها وقال "نعم مريم كانت تخونني دون أن أعلم وعندما علمت وواجهتها كدت أقتلها ولكنها فرت من بين يدي لتتلقاها سيارة مسرعة أردتها قتيلة ورحمتها مني ومن انتقامي، وعندما دخلتِ أنتِ حياتي قاومت ورفضت ولكني بالنهاية استسلمت إلى وجودك بحنانك مع تميم وشجاعتك ودفاعك عني وعن أسرتي ولكن من الواضح أنكِ لا تريدين وجودي لذا أعتقد أن الحل أن أبتعد عن حياتك؟"
رفعت وجهها إليه بدهشة فابتعد من أمامها وقال "وجودي هو سبب أحزانك وانهيارك لذا لابد أن أبتعد وسأترك لكِ الأولاد هنا بين أهلي وأسرتي أما أنا فسأعود من حيث أتيت"
تحرك ليذهب ولكنها لم تستطع أن تتحمل بعده مرة أخرى فقالت دون وعي "لا"
توقف عندما سمع صوتها وأغمض عيونه وهو يتنفس براحة ثم استدار إليها وقد امتلأ وجهها بالدموع فعاد إليها ونظر إليها بسعادة وقال
“ ماذا؟ ماذا قلتِ؟ ديمة أعيديها من فضلك"
لم يمكنها التراجع فقالت "لا تذهب"
وضع يده على وجهها ومسح دموعها وقال بحنان "أنا سبب تلك الدموع"
هزت رأسها نفيا وقالت "لا، لا يا تيم لست أنت"
وابتعدت ولكنه أعادها أمامه وابتسم وقال "إذن لماذا يا ديمة لماذا؟"
عادت تبكي فجذبها إليه واحتضنها بقوة فاستسلمت إلى أحضانه فقد كانت بحاجة إليه وأغمضت عيونها وهي تلقي رأسها على صدره ويده تحيطها بحنان وهمس
“ حسنا ديمة، لن أسألك ولن أضغط عليك ويوم أن تشعري بالوقت المناسب للحديث تأكدي أني سأسمعك ولن أجبرك على أي شيء، أي شيء"
أبعدها وأحاط وجهها بيده وقال "لن أجبرك على شيء لا تريدينه"
هزت رأسها فقال مغيراً الموضوع "أعتقد أننا الآن يمكننا أن نقضي يومين كباقي الناس الطبيعية"
هزت رأسها فابتسم وقال "إذن لنتناول الغداء بالخارج أعرف مكان هنا سيعجبك ولكن بدون يوسف"
ابتسمت فقال "اجهزي ولا تتأخري فأنا اتضرع جوعاً"
ثم تحرك إلى الخارج فقالت "تيم"
التفت لينظر إليها فقالت "شكرا"
ابتسم ثم خرج ولم يرد وشعرت بأنها الآن أفضل بكثير وجوده معها يمنحها قوة أكثر مما تخيلت وصمته عما تخفي أعاد إليها قوتها وربما مع الوقت تملك الشجاعة لإخباره فقد قال أنه لن يتخلى عن علي مهما حدث
كان يوما رائعا حقا واختلف بالطبع بعد أن استعادت طبيعتها ولاحظت أنه تجنب أن يلمسها أو يقترب منها وربما هذا منحها إحساس بالراحة بالوقت الحالي.
بالمساء تناولا العشاء بمطعم على الرمال وكان الجو رائعا عندما قال "لابد أن أعود بعد فرح زينة فرانك لا يجيد التصرف وحده"
قالت "لن نترك عمتي بتلك الفترة وحدها"
قال بجدية وهو ينفخ دخانه "لن نفعل ستبقين معها أنتِ والأولاد وحينما تشعرين أنها تتقبل الأمر تعودين"
قالت "ألم تعيد التفكير بموضوع دكتور أدهم"
ضاقت عيونه وهو يستند إلى مقعده ثم قال "ولماذا أفعل وكلاهما لم يفعل؟"
نظرت بعينيه وقالت "لن يفعلا يا تيم عمتك لن تفقدك مرة أخرى ودكتور أدهم يخشى أن يفقد صداقتها"
تناول القهوة وقال "وماذا يمكنني أن أفعل؟"
قالت "لا أعلم ولكن على الأقل تحدث مع أدهم فأنا واثقة أنه يحتاج إلى من يفتح له الطريق"
أخذ نفس من السيجارة وقال "لا أعلم سر تمسكك بالأمر تعلمين أني أرفضه"
قالت "لأني أعلم أنه متمسك بها رغم رفضها له أكثر من مرة إلا أنه ما زال معها ولا يتخلى عنها ويحيطها بعنايته وحنانه"
أطفأ السيجارة وهو يتابعها فأكملت  "لم يتخلى عنها لمجرد أنها رفضته"
لا يعلم لماذا فكر بنفسه هو أيضا لم يتخلى عنها رغم أنها رفضته وظل بجوارها ولم يتحمل انهيارها وتمنى أن يمنحها كل شيء من أجل أن يستعيدها.
فاقترب من طرف المائدة وقال "ولماذا يفعل ذلك رغم رفضها؟"
أخفضت عيونها وقالت "لأنه يحبها، فالحب يحارب كل العقبات حتي يحقق مراده"
اعادته كلماتها إلى مقعده وهو يفكر هل هو أيضا يحبها؟ وحبه لها يحارب تلك العقبات ليصل إليها؟ شرد بعيدا وهو يفكر فيم وصل إليه والحيرة تتخبطه إلى أن سمعها تقول
“ تيم لماذا لا ترد أسألك ماذا ستفعل؟"
قال "لم أفكر بالأمر بعد، ألن نذهب تبدين متعبة؟"
لم تعترض وعادا إلى الشاليه ودخلت الحمام لتأخذ حمام، بينما توقف بالخارج لإجراء بعض المحادثات
خرجت بشعرها المبلل وملابسها الرقيقة لتراه يدخل أمامها، تأملها للحظة وكم بدت جميلة أمامه ولكنه أبعد عيونه وقال وهو ينزع قميصه القطني
“ عمتي سعيدة جداً بعودتك"
لاحظت بالطبع ابتعاده عنها فاتجهت إلي المرآة ومشطت شعرها  "سأهاتفها فأنا أفتقدها"
دخل الحمام وأغلق الباب وهو يتنفس بصعوبة ما يفعله يضغط أعصابه ويحتاج قوة لا يعلم ما إذا كان يملكها أم لا لابد أن يعرف ويفهم ما إذا كان على صواب أم لا.
عندما خرج كانت تمر من أمام الباب فاصطدم بها وكاد يفقدها توازنها ولكن سرعان ما جذبها بيده ليمنع سقوطها وأحاطها بذراعه بقوة ليرى نظرات الفزع بعينيها وهي تحدق به، وشعر بأنفاسها تتسارع وصدرها يعلو ويهبط بسرعة ظاهرة
تسربت قوته منه وشعر بضعف يجتاحه من رائحة عطرها الرقيق، أو من لين جسدها بين يده، أما أنفاسها الدافئة فقد أسقطته دون أي مجهود، استندت يداها على صدره لتشعر بدقات قلبه القوية خلف ضلوعه الكامنة وراء عضلاته البارزة، عاد ينجذب إليها دون شعور واستقر بنظراته على شفتيها التي لم ينس مذاقها الحلو، فاقترب أكثر ولم تستطع أن تقاومه وقد فقدت الاحساس بما حولها ولم تشعر إلا بيده تضغط على جسدها وشفتيه الغليظة تضغط على شفاهها برقة لم تتراجع وهي تتلذذ بقبلته كما كان هو الآخر ولكن..
رنين الهاتف جعلها تفزع بين ذراعيه وتبتعد وهو يتركها وكأنه كان بدون وعي، ابتعد ومرر يده بشعره وهو يتجه إلى هاتفه ويجيب على عمار
****
اليوم التالي كان أكثر جمالاً، ورغم ما حدث بالليل إلا أن كلا منهما تجنب ذكره وهو لم يحاول تكراره وهي هربت بنظراتها منه
تفقدا المدينة والقرية واشترت أشياء كثيرة بطلب منه لها وللأولاد وسبحا بالشاطئ كثيرا ولكن قربه منها كان بحساب كما كان يفعل مسبقاً وتناولا الغداء بمطعم للأسماك وهما ما بين اللهو والضحك وتناست ما أصابها وشعرت بالسعادة وهو يراقبها ويراقب ضحكتها الجميلة وكلماتها البريئة، تصرفاتها الصغيرة ولكن صائبة وأخيراً عادا بالمساء كان التعب قد حل بهما ولكن بدا المكان غريبا فأمسك يدها وأوقفها فنظرت إليه أشار إليها بالصمت
تملكها الخوف من الصمت المحيط ومن قلقه الواضح واقترب هو من باب الشاليه ولم يجد رجل الأمن فتقدم إلى الداخل ببطء إلى أن رآى رجل الأمن ملقى على الأرض فاقد للوعي فانحنى عليه وهو يناديه ولكن لم يستجب الرجل فرفع رأسه وهو يقول
“ ديمة اتصلي.."
ولكنه لم يجدها، ترك الرجل وأسرع إلى الخارج يبحث عنها ولكنه لم يجدها أسرع يجري يمينا ويساراً  وهو ينادي باسمها ولكنه لم يجدها وأدرك بالنهاية أنها اختفت وضاعت من بين يديه وفشل في حمايتها فصرخ بقوة
“ ديمة...."
يتبع...

رواية الليلة الملعونة    بقلمي داليا السيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن