الفصل الرابع والعشرين
جميلة
بالطبع ثار جنونه بضياعها منه وأدرك أنه وجدي يلعب نفس اللعبة الخسيسة مرة أخرى ولكن هذه المرة مع زوجته ولو فعلها منذ عدة شهور مضت لما أهتم ولتركها إليه، ولكن اليوم أصبح يعلم ماذا تعني تلك الفتاة بالنسبة لقلبه ولحياته
بالطبع اتصل بعمار وتحرك بسيارته عائدا إلى الفيلا وكله غضب لا حدود له ولا يعلم من أين يمكنه أن يبدأ البحث عنها فقد رحلت دون أي علامة أو إشارة على مكانها وإن كان يعلم أنها ستمنحه أي إشارة فهي أذكى من أن تستسلم.
تلقته جميلة بقلق وهي تقف بجوار عمار وهو يدخل ويقول "عمار أريد كل مكان خطا إليه وجدي بقدمه وأماكن تواجد رجاله"
ثم صمت قليلا إلى أن نظر إلى عمته وقال "أين فادي؟"
حدقت به جميلة وقالت "فادي؟"
نظر إلي عمار وقال "هل أبعدت الرقابة عنه؟"
ارتبك عمار قبل أن يقول "لا مستر تيم، ولكنه أختفى بعد إصابة وجدي الأخيرة"
قالت جميلة "ابتعد عن فادي يا تيم، الأمر بيننا وبين وجدي"
قال بغضب "عمار اذهب الآن"
ثم التفت إلى عمته وقال بنفس الغضب "الأمر بينه وبيني عمتي إنها زوجتي"
قالت بغضب "وفادي ابني يا تيم"
لم يهدأ وقال "الآن ابنك وهو لم يعرفك إلا من أجل تحقيق أغراضه الدنيئة"
قالت "وجدي السبب هو الذي دنس رأسه بتلك الأفكار لذا معركتنا مع وجدي"
تقدم منها ونظر بعينيها بغضب وقال "معركتي مع كل واحد تسبب بألم لأي فرد من أسرتي وحسابه لن يكون سهلاً"
ثم تحرك إلى الخارج وعمار ينتظره ركب سيارته وعمار بجانبه يمنح أوامره إلى الرجال وانطلق هو بغير هدى إلي أن وصل إلى أحد الملاهي الليلية التي يسهر بها فادي ونزل إلى الداخل يتبعه عمار بدون تردد
بالطبع كان يعرف من أين يبدأ فالطيور على أشكالها تقع، واتجه إلى مجموعة من الشباب توقفوا عن المرح عندما اندس بينهم، أخذ ينظر إليهم ثم قال
“ أين فادي وجدي؟ الشاب الأجنبي الذي انضم لكم بالأيام الأخيرة"
أجاب أحدهم "من أنت أصلاً؟ ومن سمح لك أن تنضم إلينا أو تسأل عن أحد يخصنا؟"
أخفض رأسه وهو يستدير تجاه الشاب الذي تحدث ثم رفع رأسه ونظر إليه بقوة واقترب منه غير مبالي بتلك الفتاة التي كان يحتضنها بوقاحة ثم قال
“أنا أفعل ما أشاء وقتما أشاء"
ابتسم الشاب بسخرية وقال "من الواضح أنه شخص مغرور ويحتاج لأن يتعلم التواضع يا شباب"
ابتسم تيم له وقال "وأنت من سيعلمني التواضع"
وفجأة أمسكه تيم من ملابسه بقوة وجذبه إليه وقال "وأنا أريد أن أتعلم حقا"
حاول الشاب تخليص نفسه من تيم بينما انتبه أصدقائه الثلاثة واعتدلوا ولكن تيم لكم الشاب بقوة بوجهه فأسقطه أرضا وهجم شاب آخر عليه فتصدى له بيد ولكمه باليد الأخرى فسقط الشاب على المائدة ليسقط بها وتوقفت الموسيقى وتعالت صرخات البنات وكاد الشاب الثالث يتحرك لولا أن تدخل عمار ودفعه بقوة بعيداً، لم يتوقف تيم وهو يتجه إلى الشاب الأول وينحني عليه ويمسكه مرة أخرى من ملابسه ويقول بغضب نابع مما بداخله من خوف على امرأته الأولى
“ والآن هل تعلمت الدرس جيدا أم بحاجة لإعادة تأهيل؟"
وضع الشاب يديه أمام وجهه ليدفع عن نفسه أي لكمة وهتف "أنت مجنون ماذا تريد؟"
لم تنتهي نظرات الغضب بعيونه وهو "الآن أكيد ستسمعني جيدا، أنا أريد فادي وجدي أين هو؟"
****
تحركت جميلة بخوف وقلق وهي تموت خوفاً على ابنها وشعرت أن الدنيا تتنازعها بين شخصين يحتلان مكانة كبيرة داخلها.
أوقفتها زينة وهي تقول "عمتي هل يمكن أن تهدأي؟"
قالت "وكيف أهدأ وتيم وضع فادي برأسه"
قالت زينة "لا تغضبي مني ولكن تيم لديه كل الحق"
حدقت بها جميلة وقالت "أي حق، إنها فتاة من الشارع أنا التي أحضرتها وصنعت منها امرأة وزوجتها لتيم أنا من فعل ذلك ولن يكون المقابل أن يضيع مني ابني بسببها"
ابتعدت زينة وقالت "ليس بسببها عمتي وأنتِ تعلمين ذلك وديمة أفضل من ذلك بكثير نحن أكثر من عرفها"
قالت جميلة "لا أفهم ماذا تعنين؟"
نظرت إليها زينة وقالت "بلى تفهمين عمتي إنه وجدي سبب كل ذلك، وفادي يخطو نفس خطوات والده دون أن يبالي بكِ لابد أن تدركي ذلك، صحيح هو حاول أن يبدو ابن مرة ولكن هذا ليس بصدق عمتي فادي لا يعرفك أصلا، وإلا أين كان بالأيام السابقة إنه لم يراكِ ولم يبحث عنكِ"
ابتعدت جميلة وهي تعلم أن كلمات زينة صحيحة هي نفسها لا تعرف ذلك الشاب الذي بدت فقط ملامحه كابنها ولكن كلماته، نظراته، تصرفاته كل شيء لا يدل على أنه يكن لها أي مشاعر للأمومة والبنوة.
جلست على أقرب مقعد بينما اقتربت منها زينة وقالت "ربما ديمة فتاة من الشارع فقيرة مال ولكنها ليست فقيرة بقلبها وحنانها، الفقر ليس فقر مال عمتي بل فقر إخلاص وصلاح وصدق وأنتِ من وثقتِ بها وآمنتِ بأنها تستحق ودافعتِ عنها وأردتِ منها أن تكون زوجة مناسبة له، فماذا حدث الآن عمتي؟"
أسندت جميلة رأسها على يدها وقالت بحزن "إنه ابني يا زينة لن أجلس وأشاهد تيم يقضي عليه بسببها"
أمسكت يدها وجلست بجوارها وقالت بحنان "لن يفعل أنا أثق أن تيم ليس بهذه القسوة ولكنها زوجته عمتي أم أولاده وتستحق أن يفعل أي شيء من أجلها ولقد ساعدتنا في إعادتك"
نظرت إليها جميلة وهي تعلم أنها على حق وهي أصلا من داخلها تحب الفتاة وتثق بها وتعلم أنها تستحق ولكن شعور الأمومة يطغى على صوت العقل ويضللها عن الصواب.
****
كسر عمار باب تلك الشقة التي وصفها لهم الشاب ودخل تيم وعمار خلفه وجال بنظراته بالمكان وانطلق إلى الممر ليفتح الأبواب باب يلي الآخر إلى أن رأي اثنان بالفراش فتقدم بقوة إلى داخل الغرفة ورأى ملامح فادي واضحة، أمسك تيم بشعر فادي وجذبه بعيدا عن المرأة العارية بالفراش كما كان فادي ورفع وجهه إليه بقوة وهو يقول بغضب
"انهض يا كلب وارتدي ملابسك"
التفت الفتاة بالغطاء وكادت تصرخ لولا أن وجه عمار مسدسه إليها فكتمت صرختها، بينما ظهر الفزع على ملامح فادي وهو يحاول أن يخلص نفسه من يد تيم القوية وصرخ بلكنته الركيكة
“ تيم، ماذا تريد مني؟ وكيف دخلت هنا؟"
انحنى تيم عليه ونظر بعينيه بنفس الغضب وقال "لا يهم كيف دخلت المهم أن تنهض وتطيعني بدلا من أن اكتفي برأسك دون جسدك"
ارتجف جسد فادي وهو يحاول أن ينهض وقال "اتركني إذن لأرتدي ملابسي"
قال تيم بقوة "ستفعل أمامي ولن تتهور لأني لا أهتم بحياتك"
ما أن قذف تيم بفادي داخل السيارة بعد أن قيد يده وكمم فمه، حتى أخرج هاتف فادي وجعله يفتحه وبحث عن رقم وجدي واتصل لحظات وأجاب وجدي:
“ ماذا فادي؟ ألم أخبرك أن تركب الطائرة فلماذا لم تفعل؟"
أجاب تيم بصوت يحمل كل الغضب بين طياته "كان ينتظرني كي أقوم بتوصيله بنفسي يا وجدي"
أتاه الصمت لحظة قبل أن يقول وجدي "فادي خارج اللعبة يا تيم"
صرخ به تيم بصوت كالرعد "كما هي زوجتي وجدي"
أجابه غضب وجدي "هي باللعبة منذ أن أطلقت علي الرصاص يا تيم ولن أرحمها، وابني ستعيده كما أخذته هل تفهم"
اجاب تيم بقوة "وكأنك لا تسمع نفسك وجدي، فادي بين يدي ولا تهمني حياته لو مسست زوجتي بشيء أقسم أن أحضر رأسه إليك وألقي جسده للذئاب تلتهمها فأعد التفكير جيدا، أعد زوجتي تفوز بابنك"
وأغلق الهاتف وهو يضغط بنزين بغضب واضح، وقد قتله الخوف عليها فقد أدرك أن قلبه تعلق بها ولم يعد يريد إلا قربها إلى الأبد.
ألقى بفادي بمكان لا يمكن لأحد أن يتوقعه، ثم عاد إلى الفيلا وهو يعلم أن عمته بانتظاره وقد كان مستعد، وبالفعل ما أن دخل حتى رآها تنتظره وقد وقفت تنظر إليه فلم ينظر إليها وهو يتقدم إلى الداخل فقالت
“ ماذا فعلت؟"
جلس وهو يشعل السيجارة ثم قال "لا شيء انتظر وجدي"
اقتربت منه وهي لا تفهم إلى أن وقفت بجانبه وقالت "لا أفهم"
قال ببرود "عليه أن يقرر ماذا سأفعل أنا بابنه"
ارتجف قلبها وقالت "أخبرتك ألا تلعب بالنار يا تيم"
نظر إليها من بين الدخان وقال "أنا من يتلاعب بالنار عمتي؟ وماذا عن وجدي يجلس ويشاهد؟"
ابتعدت وقالت "أنت تفهم ما أعني، ما دخل فادي بالأمر؟"
قال "ابن وجدي، ووجدي يحتاج لمن يعيده إلى صوابه ويوضح له أن اللعب معي ليس لصالحه"
التفتت إليه وقالت "ليس بفادي يا تيم لا علاقة له إنه ابني"
نهض وقال محاولا أن يتماسك ويبعد غضبه "وهي زوجتي، أم أولادي"
قالت بغضب "بل فتاة من الشارع تخلت معك عن شرفها ولولا ابنها لما أحضرتها أنا هنا أنت نسيت؟"
اقترب منها واشتعل الغضب بعينيه وهو يقول "لا عمتي لم أنس ولكن أنتِ التي نسيت، نسيتِ أنكِ من أتى بها هنا وألقاها بطريقي وكنتِ تدافعين عنها، أنتِ التي مهدتِ لها الطريق لتدخل حياتي وتكون زوجتي فلم الآن تتراجعين؟"
قالت بنفس الغضب "لأنها لا تقارن بابني يا تيم ولو كان يجب الاختيار لن اختار سواه"
تراجع وقال "ابنك؟ الآن ابنك، أي ابن هذا الذي تتحدثين عنه؟ الابن الذي اختفى واحد وعشرين عاماً لم يفكر يوماً بالسؤال عنكِ وعندما عاد كان ليتاجر ببنوته معكِ، أي ابن الذي تضللين نفسك وتحاولين الاقتناع بأنه قرة عينك وهو شاب فاسد أفسده وجدي بسوء تربيته كل يوم مع فتاة ويدمن مخدرات ولا مستقبل له، هل هذا هو الابن الذي تمنيته وعشتِ عمرك تنتظرينه؟ هل هذا هو الابن الذي تريدين التضحية بزوجتي أنا ابنك الحقيقي من أجله؟ أفيقي يا جميلة هانم وعودي لنفسك إنكِ بالنسبة له اسم بشهادة الميلاد فقط"
دمعت عيونها غصبا عنها وهي تعلم أن كلماته صحيحة ولم تجد أي كلمات ترد بها بينما ابتعد هو وأكمل "وتريدين مني أن أترك زوجتي المرأة الوحيدة التي رأيت بعينيها الإخلاص والصدق والبراءة، المرأة التي تحلت بالشجاعة من أجل حماية ابني وحمايتي وحمايتك أنتِ أيضا، المرأة الأولى كما أردتِ أنتِ أن أدعوها، نعم هي المرأة الأولى بحياتي أول من عرفت وعاشرت ولولا موت تميم لاختلف واقعها معي لأني أردتها من أول لحظة والآن أصبحت أريدها ولا أريد امرأة سواها نعم أريدها ولن أتركها عمتي أنا لن أتركها ولن أتخلى عنها مهما كان الثمن"
نظرت إليه وقالت "حتى ولو كنت أنا الثمن"
اهتز من كلماتها وضاقت عيونه وتراجع وهو يحدق بها ثم قال وهو يشعر بالخطر يدق الأبواب "أنتِ؟ لا أفهم هل تخيريني بينكِ وبينها؟"
كانت تدرك أنها خطأ ولكن قلبها لم يقبل غير ذلك فقالت "نعم يا تيم إما أنا كأم أريد ابني وإما زوجتك يا تيم"
ظل ينظر بعينيها مباشرة بصمت وهو لا يصدق أنها تفعل به ذلك ثم أخيرا قال بألم مكتوم "تمام عمتي أنتِ من اختار لن أفعل به أي شيء سأعيده إليكِ سليما بمجرد أن أصل لزوجتي، ولكن بعودته إليكِ لن يعد لي مكان بحياتك"
ثم اندفع خارجا من الفيلا وقد تلألأت دمعة بعينه لم تراها لأن الدموع كانت تغشي رؤيتها من ألم قلبها الذي صرخ معترضا على أفعالها..
قاد السيارة بجنون والدموع تغشى عيونه، كان لابد أن يدرك أنها ستختار ابنها الحقيقي فما هو وأخته إلا ضيوف بحياتها مجرد أولاد يتيمة أشفقت عليهم وأحسنت إليهم بتربيتهم واليوم أدركت أن هناك من هو أولى بحبها وحنانها سواهم، ابنها أولى بذلك لذا عليها أن تتخلى عنهم وعن سعادتهم في سبيل ابنها الضال، مسح دمعته بقوة وهتف
“ ستدفع الثمن غاليا وجدي"
بنفس الوقت وصلته رساله ففتحها على الفور كان لا يعرف مصدرها ولكنها على الايميل الخاص به قرأها في الحال
يتبع..
أنت تقرأ
رواية الليلة الملعونة بقلمي داليا السيد
Romanceليلة واحدة، ليلة دمرت حياتها وألقت على عاتقها مسؤوليات لم تكن فتاة بالساعة عشر يمكنها أن تتحملها وكل ذلك بسبب ذلك الرجل، اليوم وبعد خمس سنوات على تلك الليلة الملعونة تقابله تصطدم به بوجه آخر وجه من القسوة والكره والكبرياء والرفض لأي امرأة بحياته، ال...