حين دلفت " نور "بداخل هذه الفجوة شعرت بدوارٍ شديد، وكأنها قد سقطت في دوامةٍ إعصاريه، بدأت تدور في تلك الفجوة وهي مُغمضة العينين حتي شعرت بأن قدماها لامست شيئًا صلب، فبدأت تفتح عينيها الرماديتين ببطء، لتجد نفسها علي أرضٍ تفترشُها الخُضرة في كُل مكان فرفعت عينيها لتُطالع وجه السماء، فإذا بها تراها مُلبدةً بالغيوم لاينفذ منها سوي جزءًا ضئيلاً من النور، ثم شعرت ببرودةِ قارصة أصابتها برعشة فحكت يديها ببعضهما؛ لتشعر بدفئهما ومن ثم دارت بعينيها في الأرجاء، فتعلقت رماديتها بهذا الشلال الذي تنحدر منهُ المياه شديدة الزُرقة، فكان منظره خلاب وفوقهِ كانت هُناك سربًا من الطيور تُحلق في حلقاتٍ وكأنها تؤدي رقصةً ما تأملت هذا المنظر بعض الشيء ثم نظرت أمامها، فإذا بها تجد أشجارًا مُتكاثفة حول بعضها فكان هذا المكان أشبه بالغابةِ المُوحشة، ذكرت ربها في قلبها فأطمئنت ثم تحسست حقيبتها وشددت بيديها عليها وتقدمت لتدخل إلي مصيرها المجهول، حين خطت قدماها هذا المكان شعرت بأن الأرض تهتز من تحتها فكادت تتراجع ولكن شيء ما دفعها بخفة نحو الداخل.
في إحدى الممالك التي يحوطها الأشجار والنخيل من كل صوبٍ وجانب وتنتشر من فوقها السُحبَ السوداء، وكأن الشمس لا تزر هذا المكان الذي انتشر فيهِ الظلم والفساد؛ بسببِ غضب ملكهِ منذ فتره من الزمان؛ لرحيل معشوقتهِ بدون سابق استأئذان فبعد أن كان في قلب هذا الملك طيبةً وحنان تحول لنبعٍ من الظلم والأحزان.
وفي هذا القصر العظيم بداخل ساحتهِ بالتحديد، كان يجلس هذا الملك علي عرش كُرسيهِ المصنوع من الذهبِ والفضةِ، ملك ذو البشرةِ البيضاء، والعيون الزيتونيه، التي طغى عليها لون العسلي، إن رأيتُها ودققتُ بها سُحِرت بجمالها، وأصبحت تحت سيطرتها كان يملك شعرًا كستنائيًا تخلل في خُصلهِ المشيب وامتلك لحيةً صغيرةً تُزيدهُ إجلالاً وهيبَّ
كان يجلس بنظراتهِ المُحتدهحتي طُرِق الباب وفُتِح علي مصرعيهَ
ودلف الحاجب ليقول: مولاي لقد وصل الأمير "آسير"
فرفع الملك يداه موافقًا له على الدخول
فدلف شاب قوي البُنيان طويل القامةِ ذو بشرة رماديه، وعيون زيتونيه مخلوطه باللونِ العسلي، وشعرهِ البُني الكثيف، فكانت تتجلى فيهِ كل معاني الجمال والطيب، تقدم من الملك بعد أن أدى السلام والتحية
ثم تحدث الملك وقال بصوتهِ الجوهري:اليوم قد اتمت "إشريا"ميلادها الخامس والعشرين وبالتأكيد قد هبطت علي أرض المملكةِ اليوم!!
رد عليهِ الأمير بجديه: نعم يا مولاي هبطت اليوم
فأكمل الملك: وأنا أريدها، وبالتأكيد قد أنقطع اتصالنا عنها بعد أن رحلت فلقد كنا نُراقبها طوال الوقت في عالمها من خلال الصورةِ التي وضِعت في اللوحه؛ ولكن الأن كيف ستأتي
إلينا بها؟!