الفصل (٥)

560 38 0
                                    


*أمام مصلي الجامعة*
غلا بعينين حزينتين: ادخلي انتي يا هلا، وانا منتظراكي هنا لما تطلعي.
سألتها هلا بتعجب، ويكأنها تجهل سبب رفضها: ليه بس يا غلا، مش احنا جايين سوي، هندخل سوي بقا، وبعدين مش هتصلي انتي كمان معايا.
غلا: بصراحة..... مش بصلي.
هلا بابتسامة حانية: لا بأس، بس قدامك الفرصة اهه، لحين ما نتكلم.
غلا: بس يا هلا أنا مش هينفع ادخل المسجد كدا.
هلا: يلا يا بنتي، دا بيت ربنا، وكفاية انك ندمانة، حتي لو مش عرفتي تصلي، بس ادخلي وابدئي عهد جديد، ثم أكملت مازحة: وانجزي بقا الدكتور هينفخنا سوي سوي.
دخلت الفتاتان إلي المسجد، منهن من تبذل قصارى جهدها كي لا تفوتها صلاتها فقد أصبحت أمرا واقعيا في حياتها، وأخري من تحارب نفسها، تندم علي تركها لصلاتها، انحيازها وراء شهواتها الخادعة، نادمة، آيبة، تائبة، وكلها يقين بأن الله لن يردها خائبة، وكما هداها للطريق الصحيح، سيقبل عودتها، وكثيرات من يحاربن اليأس، وغيرهن، فالجميع يضع قدمه في بداية هذا الطريق، لكن الثبات لمن عزم عليه.
دخلت الفتاتان وسط نظرات البنات لغلا، فبعضهن من تنظر إليها بأسف، وأخري بازدراء، حتي سقطت دموع غلا.
" لسنا بملائكة، كلنا أخطاء، لا يحق لنا محاسبة غيرنا، فإذا ما أردنا المواجهة، فلنواجه أنفسنا أولا، فلنحاسبها علي ما بدر منها، فهذا سيجعلنا لا نلتفت لغيرنا".
هلا بفرحة: الله يا غلا بصي، في اسدالات صلاة هناك اهه، في بنات متبرعين بيهم.
غلا وقد سعدت أساريرها، ابتسم قلبها قبل وجهها، معلنة عينيها عن فتحها باب دموع الفرحة بعد حزن طويل، وكيف لا وهي تتأهب لتذهب بين يدي خالقها، تحدثه، تبوح له ما بداخلها من أنات.
غلا: أنا هدخل اتوضي والبس يا هلا.
هلا: ماشي يا جميلة، يلا، وانا هصلي السنة.
خرجت بعد قليل كملاك برئ، قد أخفت مستحضرات التجميل براءة ملامحها الطفولية الجميلة، فقد كانت جميلة القلب والقالب، طيبة المنظر، رقيقة الملامح، كالفراشة في إسدال الصلاة.
هلا: اللهم بارك بجد، اللهم بارك يا غلا، انتي قمر اوي اللهم بارك.
غلا: الله يعزك، والله انتي اللي قمر.
هلا: هقولك حاجة بس مش تزعلي مني.
غلا: عارفة يا هلا هتقولي ايه، ومش هزعل منك، لأني متأكدة من كدا، عارفة اني كدا احلي، بس بقا عندي عدم ثقة في نفسي، شايفة نفسي دائما مش حلوة.
هلا: طيب يلا صلي، علشان مش باقي كتير علي المحاضرة.
مر الوقت سريعا، أنهت هلا صلاتها، وقرأت أذكارها، منتظرة انتهاء غلا، لكنها كانت ساجدة، تبكي وتنتحب، تتحدث بأريحية، ويكأن بداخلها جبال من الهموم تنتظر هذه السجدة لتخرج، قررت هلا تركها، وتذهب هي إلي محاضرتها، ثم تعود إليها بعد الانتهاء، فكتبت لها. رقة وضعتها بجوارها لتخبرها، وذهبت هي.
*في المعمل الذي تعمل به رغد*
السلام عليكم، ازي حضرتك يا دكتور.
الدكتور: بخير الحمد لله، بعتذر جدا يا دكتورة رؤي إني طلبتك، بس كنت محتاجة من حضرتك خدمة يعني.
رؤي بوقار: اتفضل يا دكتور.
لؤي: أنا كنت عايز حضرتك تجيبيلي رقم والد دكتورة رغد، أنا كنت هطلبه منها انا، لكن خجلت، علشان مش يكون فيها احراج ليها ولي، ولقيت أن حضرتك اكتر واحدة قريبة ليها، وكمان أمينة.
رؤي: شكرا لحضرتك يا دكتور، دي شهادة اعتز بيها والله، وانا هبلغها بإذن الله.
لؤي: شكرا يا دكتورة.
#عند رغد#
رغد: اااااه ياني يا ركبي، ايه دا، هي العينات كتير ليه النهاردة كدا، دا أنا مش لحقت اقعد حتي.
رؤي: اديكي اخدتي استراحة وقعدت اهه، المهم يا عم، ابقي اتوسطلنا بقا ينوبك ثواب فينا.
رغد باستغراب: دي مجنونة دي ولا ايه؟! احنا بنقول ايه وهي بتقول ايه، وبعدين اتوسطلك في ايه يا ام الهنا!!
رؤي: دا انتي ولا اللي سألتي حتي الدكتور كان مناديني ليه.
استدارت إليها رغد بطريقة مضحكة، تدل علي فضولها الشديد: اه صحيح فكرتيني يا بت، عايزك ليه صحيح، هه.
رؤي: عايز يكمل نص دينه.
رغد: طيب وانتي مالك...... أيوة بقا، هيبقي عندنا فرح قريب إن شاء الله.
رؤي: بس انتي توافقي بس علشان اتعبتينا معاكي، وهاني رقم عمي عبد الرؤوف بقا.
رغد: عايزة رقم ابي ليه ياختي؟؟!!
رؤي: انتي ذكية اوي يا رغد، وبتفهميها وهي طايرة صحيح، بقولك عايز يكمل نص دينه، وعايز رقم ابوكي يبقي معناه ايه، صبرني يا رب.
رغد فاغرة فمها: ها، يعني مش عايز يخطبك انتي، فكرت...
رؤي: متجيبي رقم ابوكي بقا، الراجل مستني.
رغد: مش عارفه اديهوله ولا لا؟!
رؤي: بصي هو مش رضي يطلبه منك انتي علشان الاحراج، وطلب اني اجيبه، بحيث يحدد مع والدك ويدخل البيت من بابه، ويبقي في رؤية، ارتاحتي كان بها، مش كدا يبقي كأن شيئا لم يكن، زيه زي أي عريس.
رغد: بصي هبلغ أمي الأول، هرن واسألها.
رؤي: تمام، شوفيها لحد ما اجيب حاجة نأكلها واجي.
........
رغد: السلام عليكم، ازيك يا أمي، أخبارك إيه؟!
نهي: الحمد لله يا حبيبتي، جاية دلوقتي ولا ايه؟!
رغد: لا شوية، لأن في شغل كتير النهاردة فهنتأخر شوية.
نهي: طيب يا حبيبتي، ربنا ييسرلك الحال.
رغد: يا رب يا امي، اللهم امين، بقولك يا امي!
نهي: معاكي يا حبيبتي.
رغد: قصت عليها الأمر
نهي، بعد أن سألت زوجها الذي كان بغرفة بالبيت: ماشي يا رغد اديه الرقم.
رغد: تمام يا أمي، السلام عليكم.
نهي: وعليكم السلام يا حبيبتي، في رعاية الله.
أنهت مكالمتها، وقد عادت صديقتها.
رؤي وهي تعطيها الطعام الذي أتت به لتأكله: ها ايه الاخبار؟!
رغد: قالولي تمام، خدي الرقم اهه بقا.
رؤي: تمام.
*عند هلا*
عادت هلا، وكانت قد انتهت المحاضرة، لتجد صديقتها ترتدي جيبة فضفاضة، وطرحة عليها، لا يوجد أي من مستحضرات التجميل علي وجهها.
هلا: اللهم بارك، انتي غلا صح؟!
غلا بابتسامة فتانة: أيوة أنا.
هلا: قمر اوي بجد، شبه البدر خالص اللهم بارك.
غلا بفرحة: كنت لسة بعيط وبقول يا رب مش عايزة اخرج من هنا زي ما دخلت، ومش عايزة اخرج باللبس دا، لقيت بنوتة كانت بتصلي جنبي.
#فلاش باك#
كانت ساجدة، تبكي وتبكي، دموع صادقة تملأ جبينها، تتحدث إلي الله، حتي نسيت بوجود بشر حولها، فقد ظنت أنه لا يوجد في العالم هذا غيرها هي وخالقها، علا صوتها، وأنين قلبها.
غلا: يااااارب، جئتك تائبة، آيبة، أرجوا مغفرتك، أعتذر منك عن كل ما بدر مني، فأنت أعلم بحالي وبما مررت به، يا رب سامحني، أنا اسفة يا رب، أقسمت عليك ما تزعل مني، أنا مش قد زعلك يا رب، مش هعمل حاجة تزعلك تاني، حتي أنا مش عايزة اخرج من هنا باللبس دا تاني، بإذنك انت يا رب مش هلبس اللبس اللي يزعلك تاني، بس أقسمت عليك تسامحني، أنهت صلاتها، وكانت هناك آذان تسمعها بتأثر شديد، تبكي لبكائها.
وجدت يد تربت علي كتفها بحنين.
الصوت: ازيك يا جميلة، اخبارك ايه؟!
غلا وهي تمسح دموعها: الحمد لله يا حبيبة.
الفتاة: ممكن تقبلي الهدية دي مني، كنت جبتها وقلت اللي هلاقيه في المسجد هديها ليه، بس مش تفتحيها غير لما امشي، ثم وضعت يدها علي كتفها ثانية: ربنا يثبتك ويزيدك يا جميلة، ثم تركتها وغادرت.
بعد ذهابها، فتحت غلا الحقيبة لتجد بها جيبة فضفاضة، وبلوزة لها، وطرحة طويلة، كانت ملابس رغم بساطتها الشديدة، إلا أن لها رونقا جماليا جذابا، مع ملامحها الهادئة الجميلة.
ظلت غلا تدعوا لهذه الفتاه، تدعوا لها وهي تبكي تارة وتبتسم تارة أخري، تدعوا وتكرر دعواتها.
"افعل الخير، فإنه باقٍ لك مهما تغيرت الحياة، سيبحث عنك، ويأتيك ثانية"
#بااااك#
هلا بفرحة: اللهم بارك، دي بنوتة قمر اوي، وعملها عظيم جدا بالله، ربنا يعزها يا رب ويجعله في ميزان حسناتها اللهم امين.
غلا: يا رب يا رب اللهم امين، دا انا دعيت ليها كمية دعوات وانا بصلي، وهفضل ادعي ليها كل ركعة.
هلا: يلا نمشي بقا، ولا ايه؟!
غلا: لو ينفع عايزة اقعد اتكلم معاكي شوية الاول ممكن؟!
جلست هلا مربعة قدميها بطريقة مضحكة: ممكن اوي، ينهار ابيض، اهبطي يلا، هههه.
ضحكت غلا، جالسة بجوار صديقتها، لتحدثها عن كل ما يدور ببالها.
#حب_في_الله
#سارة سامي

حب في اللهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن