طيب الجراح 💚
الجزء الثاني من "حب في الله"💚
بقلم: سارة سامي 💚
جالسة بشرود، تتذكر ذاك الموقف الموجع، تمنت لو أنها لم ترَ مثل هذا الشيء في حياتها، لكنها رضيت بالأمر الواقع مأخرًا، تفكر لو أن الناس يعلمون حقيقة الدنيا، وكم هي موحشة، موجعة، كم من طفلٍ لم يبلغ الحُلُم غادرها بهدوء إلا من تلك الصرخات بقلب أهله، كم أن الموت لا يُؤخذ عليه، لا ينتظر عمرًا محددًا، بل إنه يأتي لأطفال، وشبابٍ، وشيوخ، فينتشله من الدنيا، علي ما كان عليه من فعل، فهل من أحدٍ أصبح كاملًا، ويوافق علي أن يزوره الوقت في وقته هذا؟!!!
قاطع شرودها صوت أختها.
هلا: سهورتي!! ممكن أدخل؟!
سهر بهدوء علي عكس عادتها: اتفضلي يا هلا.
هلا وقد جلست بجوارها: في إيه يا سهر؟! مالك يا حبيبتي؟!
سهر: مفيش.
هلا: سهر، أنا عارفاكي كويس أوي، وعارفة إنك في حاجة كبيرة أوي إنتي مخبياها، بس أنا مش هضغط عليكي، وقت ما تهدي، أنا موجودة يا سهر، واوعي تكتمي جواكي كتير يا سهر.
اكتفت سهر بتحريك رأسها بإيماءة، لتخرج الأخري بعد أن أخبرتها بخروجة الغد.
خرجت أختها، لتظل هي في دوامتها، أتذهب مع العائلة؟! أم ترفض؟! فهي لا تود الخروج حتي لا تثير القلق في قلب عائلتها، ووالدها بالأخص، وعلي الجانب الآخر تود بشدة الذهاب، فهي في حاجة شديدة إلي الجلوس وسط جمال اللون الأخضر البديع، فهي تعلم أنها ترتاح كثيراً وسطه.
💚سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر💚
كان يدق الباب، مقدماً قدماً، ومؤخراً الأخري، بخجل، خوف، تردد، حسرة، ندم، مشاعر كثيرة مختلطة، لكن أثرها واحد، ألا وهو الفتك بالقلب، ليأتيه صوته الذي طالما اشتاق إليه، لكن طريق القسوة، والذنوب، أنساه طعم الأنس والراحة بقربهم.
عباس: اتفضلي يا أم يوسف.
دخل هو لتتقابل عينيه التي تقاوم الدموع بصعوبة، بعيني والده التي تمتلأ شوقاً ولهفة، حاول أن يظهر قاسياً، لكن قلبه، شوقته، رغبته الشديدة في احتضان ابنه، مشاعر الأبوة غلبت مشاعر القسوة، فاستدار ليعطيه ظهره كي لا يلاحظ تلك الدمعة التي هربت من بين أخواتها، ليجري الآخر مائلاً بجسده إلي قدم والده يقبلها بنحيب، دموع تخرج من القلب، ويكأنه كان سجيناً وعاد بعد فترة ليست بقصيرة، لتختلط دموعه بدموع والده التي أبت الصمود بعد، فقد انحني ليرفعه إليه، معانقًا إياه بقسوة، ويكانه يرجوه ألا يكررها ثانية، فبعده يترك في القلب جرحاً ليس بهينٍ، يخبره بلغته الخاصة، والتي فهمها الآخر، أنه لم يكرهه يوماً، وإن كان يظهر قاسياً عليه، يخبره أنه يشتاق إليه بشدة، وأنه كان محنيًا ظهره في غيابه، كان يحتاج إلي العمود الذي يستند عليه، يقيم عليه ظهره، يخبره كم كان يسكن جسده كل الأمراض التي لا يستطيع الأطباء وصفها، أو تخفيفها.
يوسف ببكاء حار: حقك عليا....... ح...حقك عليا يا أبي، أنا آسف، أنا ااااسف، أنا كنت جاهل، بالله عليك ما تزعل مني، أنا كنت مكسور وأنا بعيد عنك، حياتي كانت متدمرة، عمري ما شفت البركة ولا الفرحة في حياتي، أنا اتدمرت في بعدك، أنا دمرت نفسي بنفسي، كنت فاكر إني كدا هرتاح، لقيتني بموت بالبطئ، أنا آسف لكل مرة ظنيت بس إنك بتكرهني، أنا آسف لكل مرة عليت صوتي عليك فيها، آسف..... أنا اااسف، ليستكين في أحضان ووالده، وقد خارت قوته.
عباس بخوف: يوسف.... يوسف.... يا حبيبي، ثم أخذ يصيح مناديًا زوجته بخوف وقلق: يا أم يوسف، ام يووووووسف.
فاتن بلهفة: في ا.... يووووووسف.
عباس: كلمي حد بسرعة يا ام يوسف بالله عليكي، كلمي الدكتور اللي كان متابع حالتي، لتتصل الأخري بالطبيب مترجية إياه كي يأتي مسرعاً.
أتي الطبيب أخيراً بعد فترة ليست بطويلة، لأنه من حسن الحظ، كان في بيته القريب من بيتهم، فأتي في الحال.
مروان: السلام عليكم، خير يا حاجة في إيه؟!
فاتن بقلق ورهبة: يوسف يا دكتور، الحقه ابوس ايدك يابني، مش عارفين إيه اللي حصله.
مروان مطمئناً إياها بعد أن فهم منها ما حدث معه: اهدي يا حاجة، خير متقلقيش، دا أكيد بسبب الحزن بس، وهيكون موضوع بسيط إن شاء الله.
فاتن بتمني: يا رب يا ابني.
فحصه مروان، وسحب منه عينات دم ليفحصها، ذهب كي يأخذ العينات إلي المعمل، بعد أن أفاق يوسف.
ينظر إلي والده ووالدته بعينين دامعتين، ينظر إلي قلقهما، وخوفهما عليه، كيف كان جاهلاً لهذه الدرجة، كيف صدق أن هذين القلبين اللذان زهدا عن الدنيا بكل لذاته، حرما أنفسهما من كل ما قد يحبه المرء في هذه الحياه من أجله، كيف لهما أن يكرهاه، لعن نفسه مرات ومرات، ليقاطع أفكاره الموجعة صوت والده.
عباس بحنو: الحمد لله على سلامتك يا يوسف، وحشتني اوي يابني.
يوسف بدموع: آسف.
عباس وهو يمسح دموعه بحب: عمري ما زعلت ولا هزعل منك يابني، مفيش حد بيزعل من ضناه، بس عايزك تعرف إني مستعد أخسر حياتي كلها علشانك، وانك كل حاجة حلوة في حياتي، أنا اللي كنت بتقطع، وكنت بموت في اليوم ميت مرة في غيابك يابني، حسيت إني مكسور، وظهري محني، مليش سند في الدنيا، بس ربنا كان بيقويني، وكان دائما بيبشرني إنك هترجعلي تاني، هاخدك في حضني تاني قبل ما اموت.
يوسف: بعيد الشر عنك يا أبي.
عباس: الموت مش شر يابني، احنا اللي بقينا نشوفه شر لأننا نسيناه، كل واحد بقي شايفه بعيد عنه، لأن مبقاش حد مستعد ليه، ولا حد بيعمل للحظة دي يابني، اوعي يا يوسف، اوعي يابني تستغل كرم ربنا ليك دا، ربنا كرمك، ورجعك تاني، ودي نعمة كبيرة اوي، احمده عليها، واوعي ترجع تاني يابني، متقابلش كرم ربنا ليك، بعصيانه.
يوسف: ادعيلي يا أبي، ادعيلي، وارضي عني.
عباس: داعيلك يابني في كل وقت، لو مش بلساني، فقلبي مش بيبطل دعا ليك.
"يا بخت من بكَّاني وبكي عليّا، ولا ضحّكني وضحّك الناس عليّا" مقولة تستحق أن تعلق في أذهاننا وقلوبنا، لا تسعد بمن يُبدي إعجابه بما تفعل، ولا تبغض ذاك الذي يصارحك، ويُخبرك بالسئ فيك، وفي الغالب يكونون أهلك، فنصيحة: استمع لهم، ولن تندم، وإذا لم تستمع، فجرح الندم، سيُذكرك بذاك الذنب الكبير في حق نفسك، فانتبه👌👌
💚لا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم 💚
تحدثه في الهاتف كعادتها، تمازحه.
غلا: خااااالي الغااااالي، عاااامل إيه؟!؟
علاء بضحكة: الحمممد لله يا بكاااشة، إنتي عاملة ايه، وأختك؟!
غلا: الحمد لله يا حبيبي، مش هنشوفك بقا؟!
علاء: امممم، عندي مفاجأة ليكي، كنت عايز أأجلها لآخر المكالمة، بس إنتي بقا بتوقعيني دائما بالكلام.
غلا بفضول: ايه؟! إيه؟! قول يا خالي، في ايه؟! عايزة اعرف.
علاء بضحكة: يا بنتي أين فرصتي، أنا لا أراها.
غلا بمزاح: تصدق صح، خلاص اهه، سكت.
علاء: بصي بقا.
غلا: بصيت.
علاء: بصي حلو.
غلا بنفاذ صبر: يا خالي بقا، أفتحلك الكاميرا يعني علشان تتأكد، بس إنت الجاني علي روحي، أنا حاطة ماسك، وشكلي إيه، مرررعب.
علاء بمزاح: لا لا، هقول.
غلا: أيون كدا، يلا.
علاء: إحنا إن شاء الله جايين بعد يومين، أنا والعائلة الكريمة، وهنقعد معاكم لحد الفرح إن شاء الله.
غلا بصدمة، تبعتها فرحة طفولية، لتقفز بفرحة: بتهزززااااار، هييييييه، قاطعتها تلك الضربة التي تلقتها من أختها، التي كانت نائمة بجوارها.
غلا يتالم: اااااااه.
علاء بخوف: في إيه يا لولي؟!
غلا: بنت أختك دي ايدها تقيلة اوي يا خالي.
مروة: إنتي بتنسي نفسك يا غلا، عايزة انااااام يا شيخة.
غلا: تصدقي إني مش قايلالك علي المفاجأة دي، مش هفرحك معايا.
علاء: اديهالي كدا يا لولي.
غلا: مش تقولها.
علاء: خلاص، قلبك ابيض بقا.
غلا: إذا كان كدا ماشي.
أخبرها بتلك المفاجأة التي رقص لها قلبها بعد أن اطمأن عليها، ولم تكن ردة فعلها تقل جنوناً عن أختها، لتضربها الأخري، كي ترد لها الضربة.
غلا بتذمر طفولي: أحسن، بس كدا.
مروة: بالذمة إنتي هتتجوزي كمان كام شهر إنتي؟!
غلا: إذا كان عاجبك، ولا إيه رأيك يا خالي في الكلام دا؟!
علاء الذي كان يضحك بشدة علي تصرفاتهن الطفولية: أنا بقول كل واحد بيته بيته بقا، علشان أنا بطني محتاجها بالله عليكم.
غلا: طييييب، البت مودة الندلة دي سلملي عليها، طالما هي مش بتسأل كدا، أبقي أنا أحسن منها.
علاء: الله يسلمك يا حبيبتي، يوصل، يلا تصبحوا علي خير.
غلا: وإنت من أهل الجنة يا حبيبي.
💚سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر💚
انشطر قلبه حزناً وألمًا علي ما أصاب ابنه، بعد أن أخبره مروان أنه تعرض لحزن شديد، أدي إلي ارتفاع نسبة السكر في دمه، فأصبح مصاباً بالبول السكري.
عباس بحزن: طيب وايه العلاج يابني؟! ولا الحل إيه؟!
مروان: هيستمر علي الأنسولين إن شاء الله، وهياخد العلاج دا، وبأذن الله خير، بس حاولوا إنه ميتعرضش لأي ضغط أو الحزن، الفترة دي بالأخص.
ودعه، بينما خرج الآخر ليشتري الدواء لابنه، ويعود بقلبه المجروح.
💚هل صليت على النبي اليوم 💚
صباح جديد، محفوف بأحداث مختلفة، كما أحوال قلوب أصحابها، فالبعض قلوبهم مشغولة، وآخرون يسكن قلوبهم الحزن، والبعض فرحون فهم لا يعرفون ما بداخل غيرهم من صراعات.
حملوا ما أعدت النساء من طعام، وعصائر، وأمتعة سيحتاجون إليها في يومهم، وخرجوا بعدما هاتف أحمد آسر، كي يخرج ويقابلهم هو وورد في المكان المنشود.
وصلوا إلي المكان الذي يظنه من يدخله أنه جنة منفصلة عن المدينة كلها، يرون فيه جمال الحياة الريفية، الفلاحون بنقاء قلبهم، وجمال روحهم، كل مشغول بحاله، يكد ويتعب كي يطعم صغاره من عرق جبينه، هذا في أرضه يتصبب عرقًا، وهذه تعين زوجها بحب، ذاك الطفل الذي يأخذ الأبقار إلي حظيرتها، تلك الفتاة التي تنظف أمام البيت القديم، يعيشون فيه ويكأنه قصر.
هلا بدهشة: وااااااو.
أحمد: يا بنتي، يا بنتي إنتي إيه؟! "ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله".
هلا بخجل: آسفة، نسيت والله، المنظر بجد خطف قلبي وعقلي، ما شاء الله، ما شاء الله بجد.
نهي: معاكي حق والله يا هلا، ربنا يوسع عليك يا معاذ يا رب.
لم يمر طويلاً، حتي سمعوا صوت آسر المازح: منورين يا جماعة، اتفضلوا اتفضلوا، زي بيتكوا وأحسن.
أحمد بحنق: إنت عايز إيه يلا؟!
آسر: بصبح عليك يا ابو حميد، الحق عليا يعني؟!!
عبد الرؤوف: طيب يلا دخلونا الأول وبعدين هزروا علي راحتكوا، كل واحد فيكوا شايل شيلة أهه.
أحمد بتذكر: تصدق، الأنبوبة تقيلة أوي، أنا نسيت إني شايل أصلا.
دلفوا إلي البيت القديم، الذي يمتلك نوافذا تُطل علي الأراضي الزراعية حوله.
خرجت سهر بعد فترة قصيرة دون أن يراها أحد، لتجلس وسط الزرع بمفردها، تتأمل الشمس بذهبيتها، والسماء بروعتها في الصباح النقي، اللون الأخضر ببهجته يتراقص حولها من كل جانب، هؤلاء الذين خرجوا من ديارهم مبكراً لأداء مهامهم، جلست تتأمل وتتأمل، لا تدري أن هناك من يترقبها، ويكأنها أسرت قلبه من أول نظرة، وإن كانت بغير وضوح.
💚سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر💚
ذهب إلي أرضهم كعادته قبل الذهاب لعمله، وبعد العودة من عمله، كيلا يضيع وقته، أو يسمح لوالده ذاك الذي بلغ من الكبر عتيًا أن يتعب ويهان من جديد، فهو يعلم أنه تعب كثيراً، وها قد آن الأوان، ليرد له جزءًا من جمايلها، وإن كان لا يعادل مثقال ذرة.
يرفع فأسه، ليهبط بها علي الأرض، كي يفسح الطريق أمام تلك النبتة، كي تتوغل، وتخرج بحب، لتملأ المكان من حولها بهجة وأملًا، ليتفاجأ بملاك صغير جالسة، تكور قدميها أمام صدرها، لا يري سوي ظهرها، بذاك الخمار الذي لا يظهر منه شيء، رغم أنه لم يرَ منها شيء، لكن يقسم أن قلبه تحرك بقسوة، يهبط ويعلو صدره بعنف، لا يجد أي مبررًا لما هو عليه.
💚صلي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم 💚