*في بيت آسر، بعد أن غادر بيت عمه*
كان آسر مضطجعا علي سريره تأهبا للنوم.
آسر: يااااه جو العيلة دا كان واحشني اوي، بإذن الله مش هبعد عنهم تاني، ربنا يجزيك الجنة يا عمي عبد الرؤوف، ويباركلك في ذريتك كمان وكمان، اللي انت عملته معايا مش شوية.
# فلاش باك#
رحمة (والدة آسر): اسر، يا آسر.
آسر: أيوة يا أمي، خير.
رحمة بتألم شديد: روح يابني لعمك جمال، وقوله علي ١٠٠ جنيه سلف، لأني تعبانة بقالي ييجي اسبوعين، وكل يوم اخد مسكن، بس لما مفعوله بيروح التعب بيزيد، والفلوس اللي ابوك كان سايبهالنا خلصت.
آسر: متقوليش أن فلوس أبي خلصت يا امي، احنا اصلا مش شفناها، يلا حسبي الله ونعم الوكيل، وانا هروح لعمي عبد الرؤوف لأن هو اللي هيرضي يساعدنا.
رحمة: اسمع الكلام يابني، بيت عمك عبد الرؤوف بعيد، وانا مش قادرة استحمل، لازم اخد المسكن.
آسر متضررا: حاضر يا أمي.
*في بيت جمال الفخم*
آسر: السلام عليكم، ازي حضرتك يا أبلة هبة.
هبة(زوجة جمال): خير يا آسر، عايز إيه؟!
آسر: كنت عايز عمي جمال بعد اذن حضرتك.
هبة بطريقة سيئة: طيب اقعد لما اناديه.
مرت نصف ساعة تقريبا، حتي خرج إليه عمه، ويكأنه طالبا صدقة منه، لكن آسر حينما رآه هب واقفا احتراما لعمه.
آسر: ازي حضرتك يا عمي؟!
جمال: كويس، عايز إيه؟؟
قص عليه آسر ما طلبته أمه، شارحا حالها له.
جمال بصباح: قول لامك اوعي تفتكري أن بيخيل علينا الكلام دا، فاااااهم؟! يلا يا شاطر.
تركه آسر، قاصدا بيته مرة أخري، والدموع قد نحتت لها مجري علي خديه، راجعا إلي أمه بأسي، لا يدري ماذا يفعل، وسرعان ما عاد لبيته، لكنه وجد أمه تتأوه بشدة ومن ثم لفظت أنفاسها الأخيرة بين يديه، ويكأنها كانت تنتظر قدومه، تنتظر رؤية أخيرة له، تريد أن تتركه وهي بين يديه؛ ومن بعدها تحمل عبد الرؤوف مسؤولية تربيته، فقد كان فردا من أفراد عائلته الجميلة، ابنا سادسا له، لم يشعره يوما أنه يتيم، وكذلك زوجته، فقد كانت أمه التي لم تنجبه.
أفاق آسر من شروده علي صوت صياحه وأمه بين يديه ملقاة لا حول لها ولا قوة.
آسر: أنا عمري ما هسامحك يا عمي جمال، انت ولا زوجتك، هكون خصيمك قدام ربنا سبحانه وتعالى، مش هقول بقا انتقام وجو الافلام دا، لا أنا هقول حسبي الله ونعم الوكيل، لأن أنا مهما اعمل أو اعاقب، عمري ما هقدر اعمل ربع عقاب ربنا، أنا وكلت ربنا امري، وهو هياخدلي حقي، لانه مش بيظلم حد.
*في بيت عبد الرؤوف*
هلا: بقا يا بت يا سهر بتعاكسي الراجل، وكمان بتقولي عليه واد، الله يهديكي يا شيخة.
سهر: وانا اعمله ايه؟! الله، مش هو اللي باين عليه حلو.
هلا: باين؟! خلاص يا احمد سيبها المرة دي بالله عليك.
لم تكمل هلا كلمتها حتي وجدت سهر قد هبت واقفة علي سريرها وهي تصيح: عبو شكله، الهي يا رب يتجوز واحدة مجنونة، زي ما هو جايبلي التهزيق كدهون.
لم يكن من هلا إلا أنها انتابتها نوبة من الضحك الهستيري.
*في صباح يوم مشمس جديد، يحمل بين طياته الكثير والكثير، أحزان للبعض، وفرحة كبيرة لآخرين، نعرف أشخاصًا جددا، طباع جديدة، وغيرها الكثير، وكيف لا؟! وكيف لا وقد أشرق الصبح الجميل، بهوائه العليل*
بعد أن تناول الجميع فطارهم، متجها كل منهم إلي حيث تقبع مصلحته ونجاحه، مودعين أهلهم بابتسامة لا تفارق وجوههم، يشاركون الصباح بسمته ونقائه.
عبد الرؤوف: عندك كلية النهاردة يا أحمد؟!
أحمد: لا يا أبي، براءة النهاردة.
عبد الرؤوف: طيب معلش تقدر تيجي معايا الكتاب النهاردة، لأني مصدع جامد، فمش هقدر اسمع اكله لواحدي.
أحمد: خليك انت يا أبي وأنا هروح.
عبد الرؤوف: الله يكرمك يابني.
ورد: يا ماما أنا نازلة الشغل.
رغد: استني خديني معاكي يا ورد، سلام يا امي.
نهي: سلام يا حبايبي.
عبد الرؤوف: يا أمي، متنسيش تصحي سهر معلش لان عندها درس، وشكلها هيروح عليها نومة كالمعتاد.
نهي: حاضر يابني.
أحمد: يلا سلام، أنا نازل أنا بقا، السلام عليكم.
عبد الرؤوف: وعليكم السلام، في رعاية الله يابني.
*في الكتاب*
أحمد: السلام عليكم يا شباب.
الأطفال: وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته.
أحمد: يلا علشان نسمع، مين حافظ بقا؟!
رفع الأطفال يديهم بفرحة، فهم يحبون أحمد كثيرا، حيث أنه يحن عليهم، يأتيهم بالحلوي، والجوائز من حين لآخر، يشجعهم علي الحفظ والإتقان.
أحد الأطفال: يا شيخ أحمد.
أحمد: اتفضل يا شيخ معاذ، كيف حالك.
الطفل: بخير الحمد لله، هو صح يا شيخ لو أنا جيت ماشي، ولقيت حد محتاج فلوس، وبيطلب من الناس، فقمت اديتله مصروفي، كدا غلط؟!
أحمد بابتسامة، متعجبا، ومعجبا بسؤال هذا الطفل الصغير: مين قال كدا يا معاذ؟!
معاذ: أمي بتقولي دول بيضحكوا عليك علشان ياخدوا فلوسك، وبتزعق فيا.
أحمد: بص يا حبيبي، دا مش حرام ولا حاجة، بالعكس دا انت بتاخد عليه حسنات كتييير اوي، بس عايزة اقولك حاجة، مش كل يوم تطلع مصروفك كله، علشان أنت محتاجه انت كمان، علشان تجيب اكل صح؟!
معاذ: امال اعمل ايه، هم بيصعبوا علي.
أحمد: اديهم جزء من مصروفك حتي لو صغير، بس متمنعش العادة دي لانها كويسة، اديهم كل يوم، بس لو انت بتاخد جنيه اديهم نص وخلي ليك نص، أو اقولكم علي فكرة كويسة بردو؟!
الأطفال بلهفة: أيوة يا شيخ.
أحمد: كل واحد فيكم يجيب برطمان ويحط فيه كل يوم من مصروفة جزء صغير، ربع جنيه، او نص حتي، وكل اسبوع تجمعوا فلوسكم كلها هنا، ونجمعها سوي، وانا هحط بردو زيكم، ونعمل حملة، كلنا نروح للناس المحتاجة ونديهم بس هيكون شوية كتير.
معاذ: الله يا شيخ، الفكرة دي حلوة، أنا هحط في الحصالة بتاعتي، وبعض الأطفال أخبره بأنه سيضع في مقلمته، كل من الأطفال سعد بالفكرة، وتفاعل في عمل جميل.
"لا تمنعن الخير فيهم، فهم ينبت داخلهم نقاء وطيبة نفس، فلا توقفن نموها، بل اعطوهم ما يحتاجونه؛ لتنموا هذه النبتة الجميلة سريعا، فهم أساس المستقبل، وجمال الحاضر"
*في كلية هلا*
بعد انتهاء محاضرتها، كانت خارجة؛ لتذهب لتصلي الظهر قبل بداية المحاضرة الأخري، حتي قاطع سيرها ذاك الصوت الذي يهتف باسمها.
الصوت: يا آنسة... يا دكتورة هلا.
التفتت هلا لتجد تلك الفتاه التي لا تستطيع تحديد ملامحها الحقيقية، بسبب ما يحويه وجهها من الألوان، وتلك الملابس الضيقة.
هلا باستغراب: خير.
الفتاة: أنا اسمي غلا، معاك في القسم، أنا بحبك اوي، وبحب لبسك، وأخلاقك.
هلا: بس انتي تعرفيني اصلا علشان تحبيني.
غلا: أنا متابعاك من يوم ما دخلتي الكلية، نفسي اتعرف عليكي اوي ونكون أصحاب ممكن، أنا محتاجاكي جدا.
هلا برفق علي حالتها: ممكن جدا يا غلا، دا حتي اسمك على وزن اسمي.
غلا: يا رب اكون كلي زيك والله.
هلا: كلنا بنغلط يا بنتي، أنا مش ملاك يعني.
غلا: لا انتي ملاك.
هلا: طالما انتي مصممة علي كدا ماشي، بس عايزة اقولك أن مفيش بشر معصوم من الخطأ، لكن اللي بيميز حد عن الثاني، أن في واحد تلاقيه بيواجه نفسه، مش بيمشي ورا اللي هو بيحبه، إنما بيمشي ولا اللي بيرضي ربنا، مش معني كدا أنه مرتاح ومش بيعاني، لا كلنا بشر، والشهوة شئ طبيعي عند كل البشر، لكن في بشر بيتحمل تعذيب شهوته دا ابتغاء مرضاة الله.
غلا بحزن: معاكي حق، أنا محتاجة مساعدتك يا هلا، نفسي اتغير، أنا اللي موصلني للحالة دي امي للاسف.
هلا: ازاي يعني؟!
غلا: من وانا صغيرة بقت تغرس فيا مبادئ وافكار غلط، تكرهني في الفضفاض، تحبيني في البناطيل، لحد ما وصلت لمرحلة اني بشوف نفسي وحشة في أي حاجة غير اللبس دا، وعندي اقتناع كدا اني مش هعرف اتحرك لو لبست جيبة.
هلا: بصي يا غلا، اولا ربنا يهدي والدتك، ويهدينا جميعا يا رب، بس انا لسة قائلة ليكي، انتي المفروض تكوني عارفة الصح من الغلط، انتي كبرتي، تاخدي قرارك بنفسك، مش تخلي حد يتحكم فيكي، انتي تتحكمي في نفسك، تلبسي اللي يعجبك، واللي يرضي ربنا بس.
غلا: أنا ناوية اني اتغير بأذن الله، بس محتاجة تشجيع.
هلا: أنا معاكي اكيد ومش هسيبك بأذن الله، ويلا بقا خلينا نسرع شوية علشان نلحق نصلي.
نظرت غلا نظرة حزن، إلي هلا مرة، والي نفسها مرة اخري، حتي فهمت هلا ما تود التحدث به، فهي تخشي دخول المنزل بثيابها هذه.
ربتت هلا علي كتفها بحنان محدثة إياها: يلا ومتقلقيش، هنلاقي حل.
سارت غلا بفرحة، وأمل.
"كم من كلمة أخرجت شخصا من دياجير الظلام، إلي عالم النور، وكم من كلمة أخرجت صاحبها من نور الحياة، إلي ظلامها وظلمها، فانتقوا كلماتكم، فإن الكلمة الطيبة صدقة"