أستيقظت رهف في الصباح وجدت هاجر صديقة يارا مازالت نائمه فتركتها لكي لا تزعجها و أرتدت ملابسها لكي تذهب لأحتساء قهوتها كالعاده ثم تذهب إلى عملها مثل كل يوم لكن عندما خرجت من المبنى وجدت حمزه بأنتظارها ، تفاجأت من وجوده أمام بنايتها في هذا التوقيت فذهبت إليه و سألته عن سبب تواجده هنا في مثل هذا الوقت ، فرد عليها قائلاً :
_الناس بتقول صباح الخير الاول .
رهف بسخريه : مالك متقمص دور ماما كده ليه ؟عموماً صباح الخير يا سيدي بتعمل أيه هنا بقا .
حمزه وهو يتنهد : أبداً يا ستي حسيت أنك وحشاني و عايز أشوفك و كنت عارف أنك بتنزلي في الوقت ده تشربي القهوه فقولت أعدى عليكي و نشربها سوا .
_و عرفت عنواني منين بقا ؟
رد قائلاً بثقه : يا بنتي أنا عارف كل حاجه عنك .
_حصلنا الرعب يا عم .
_طب يلا بقا عشان متتأخريش على شغلك بقا .
_يلا.قام حمزه بفتح باب السياره لها لكي تجلس فصعدت يارا إلى السياره و صعد هو الآخر و بدأ يقود السياره ، أخرج حمزه من السياره العديد من الحلوى و الشيكولاته و قدمها لها . تفاجأت رهف من كم هذه الحلوى التى أشتراها من أجلها و أخذتها منه وهي مازالت في دهشتها .
_أيه ده أنت إزاي عرفت أني بحب الأنواع دي من الشيكولاته ؟
إلتفت إليها و قال بكل ثقه :
_هقولك نفس الأجابه اللي قولتهالك من شويه لما كنت تحت بيتك .
رهف بسعاده : أنت إزاي كده بجد ، على العموم شكراً .
_لا شكر على واجب يا ستي ، كله عشان خاطر عيونك يا جميل .
أوقف حمزه السياره أمام الكافيه و أسرع بالهبوط من السياره لكي يفتح لها الباب ، دلفوا إلى الكافيه و قام بسحب الكرسي لها لكي تجلس عليه فأسرعت رهف بسحبه هي قائله له :
_يا عم سيبك من حركات الأفلام دي هو انا أيدي مكسوره مثلاً ومش هعرف اقعد لوحدي .
_طب أعمل أيه في لسانك اللي عايز قطعه ده ، بحب دبش يا ربي ؟
رهف بضحك : مانا مبحبش حركات الأفلام دي بصراحه بحسها ملزقه كده وأنا مش متعوده على كده .
قال مصححاً لها : دي أسمها چنتله على فكره .
_طب يا عم الچنتل أطلب القهوه .
_حاضر يا أم لسان و نص .
جاء النادل لكي يدون طلبهما في ورقه صغيره بيده و ذهب لكي يحضره لهما ، فسارعت رهف بسؤاله :
_أومال أنت بتشتغل أيه ؟
_دكتور سنان .
_طب مش المفروض تبقى موجوده دلوقتي في شغلك ؟
_ لسه مجاش معاد شغلي .
_أه فهمت
ثم تذكرت شئ قد جاء بذهنها للتو و قالت :
_إلا صحيح هو أنت متجوز أو مرتبط أو خاطب مثلاً ؟
صمت حمزه من دهشته بسؤالها يحاول فهم ما تقصده فقال :
_أيه السؤال ده و هو أنا لو متجوز أو خاطب أو مرتبط مثلاً كنت هبقى قاعد معاكي هنا بعمل أيه دلوقتي بقرالك الكف مثلاً ؟
_يا عم بتأكد بس أصل دلوقتي بقوا يجيبوا الحق علينا و يقولوا أن أحنا اللي مسألناش من الاول .
ضحك حمزه من حديثها و طريقتها فقال :
_لا يا ستي أتاكدي براحتك لو عايزاني أطلعلك بطاقتي كمان معنديش مانع .
قالت بضحك : لأ خلاص صدقتك يا عم .
جاء النادل و قام بوضع القهوه أمامهما و ذهب مره أخرى فتناولا القهوه وهم يكملا حديثهم .
________________________
كان حسام المصري يجلس في مكتبه ولا يعلم لماذا هذه الفتاه تأتي في خياله من وقت لآخر و يبتسم عندما يتذكرها و يتذكر أول و أخر لقاء لهما و كيف ظل ينظر إليها طويلاً هكذا و يتأمل فيها مع الرغم أنها فتاه عاديه جداً ولا يوجد شىء يميزها سوى ثيابها الفضفاضة و حجابها الذي يزيدها جمالاً أكثر و أكثر ، كيف أستطاعت ببسمه واحده أسره بهذا الشكل و كيف لأحد أن يتعلق بشخص من مجرد لقاء واحد لم يتبادلا فيه الحديث طويلاً بل بعض الكلمات فقط و لكن منذ وقتها وهو يفكر بها من حين لآخر . و لم تكن هذه الفتاه سوى ياسمين .
خرج من شروده على صوت طرق الباب وكان أمين الشرطه هو من طرقه فأذن له بالدخول و قام بتحيى حسام فرد إليه التحيه قائلاً :
_في أيه ؟
العسكري : من شويه لقينا مجموعه من الشباب و البنات مكونه من عشر أفراد و كانوا بيتعاطوا المخدرات سعاتك .
_دخلهوملي يا بني الناس دي أما نشوف حكايتهم أيه .
_تمام يا فندم .
خرج أمين الشرطه و قام بأدخال هؤلاء الأشخاص ووقفوا أمام الضابط حسام المصري، لاحظ حسام أن من بينهم فتاه يبدوا أنها في أوائل العشرين من عمرها و كانت ترتعش بشده و يبدوا عليها الخوف الشديد ، تجاهلها حسام و امغر أمين الشرطه بسحب عينات دم من كل واحد منهم لإجراء التحليل لهم و طلب منه أخذ ارقام هواتف أحد من عائلاتهم لكي يتواصلوا معهم و يعلموا ماذا حدث مع أبنائهم ، فزادت رعشة و توتر الفتاه أكثر من قبل مما زاد تصبب العرق على جبينها ، فأقترب من هذه الفتاه و بدأت هي في التوسل إليه لكي لا يخبر أحد من عائلاتها و أنها لن تفعل هذا ثانية ولن تشتري من هذه المواد المخدره مره أخرى.
لم يعلم حسام لماذا أشفق على حال هذه الفتاه ولكن رفض ما قالته و أصر على التواصل مع عائلتها فزادت دموع هذه الفتاه أكثر و ظلت تتوسله أكثر و لكن لم يستجب لها ثم وجه حديثه لها قائلاً :
_و لما أنتى خايفه أوي كده على أهلك وأنهم يعرفوا أحنا لقيناكي فين و بتعملي أيه عملتي كده ليه من الأول ؟
لم يأته رد من الفتاه بل زادت دموعها أكثر و زاد نحيبها فأكمل حسام :
_مش حرام واحده زيك وفي سنك ده تمشي مع الناس دي و تعمل في نفسها كده و تضيعى عمرك في القرف ده ؟طب أهلك ذنبهم أيه اصلاً أن يبقى عندهم بنت زيك مش مقدره تعبهم فيها وفي تربيتها عشان في الآخر تبهدلهم معاها و تدخلهم أقسام على آخر الزمن ، أنتي اللي زيك يستاهل الدفن بالحيا .
خجلت الفتاه من نفسها فهو معه حق فيما يقوله ، هي وحدها السبب في كل هذا ، وهي التي تعرفت على هؤلاء الأشخاص و سارت معهم في طريقهم الذي تعلم جيداً نهايته .
______________________
في دبي :
أخذ أسامه يارا في مكان هادئ و أجلسها على المقعد و جلس في المقعد المقابل لها و ظل ينظر لها مطولاً ولكن لم يتفوه بحرف فهو يريدها أن تحكي له ما في قلبها دون أن يضغط عليها في الحديث .
ظلت يارا صامته قليلاً وهي تتذكر كل ما حدث معها في الماضي وما تعرضت له بسبب إيهاب زوجها السابق ، فشعرت أنها بحاجه إلى الحديث و إخراج ما في جعبتها و الإفصاح به لكي ترتاح قليلاً .
_مش قادره أنسى اللي حصل ، حاسه أني رجعت لنقطة الصفر تاني وهعاني نفس المعاناه ، كنت فاكره أني نسيته خلاص ومش هشوفه تاني في حياتي بس شكل كده الدنيا مصممه أنها تفكرني بكل لحظة سعاده مزيفه عشتها معاه وكل دمعه نزلت مني عشانه ، هو بجد إزاي قدر يعمل فيا كده ؟ إزاي هونت عليه للدرجادي بالطريقه دي ، طب مفتكرش أي لحظه حلوه بينا ، إزاي جاب الجبروت ده كله و قدر يعمل فيا كده ؟
صمتت قليلاً وهي تسترجع ما حدث معاها فمسحت دموعها بيدها و أكملت :
_كنا زمايل في الجامعه بندرس مع بعض أتعرفنا و بقينا أصحاب و بقا أكتر حد قريب ليا و بنخرج سوا و نذاكر سوا و نتكلم كتير لحد ما حبينا بعض ، أو بمعنى أصح أنا حبيته وكنت فاكره أن هو كمان بيحبني ، أتقدملي و أتخطبنا بعد محايلات كتير مني على أهلي عشان يوافقوا على الخطوبه دي وأحنا لسه بندرس وآخر ما زهقوا من زني وافقوا .
فضلنا نقرب أكتر من بعض و أتعلقت بيه أكتر و مبتقتش أقدر أستغنى عنه أبداً ، كنا بندرس هنا في دبى أيام الجامعه و نرجع مصر في الأجازه و بعدها كتبنا الكتاب في أخر سنه لينا في الكليه و كنت أسعد واحده في الدنيا و حسيت أني مش عايزه أي حاجه غير وجوده معايا و حواليا هو و بس ، بقيت أسمع كلامه دايماً في أي حاجه يقولها من غير تفكير ولا نقاش عشان مزعلوش مني و يفضل يحبني ، و بعدين هو تعب و أضطرينا نعمله عملية أستئصال كليه من الأتنين و كانت حالته حرجه جداً و محتاج العمليه دي بأسرع وقت عشان حياته كانت في خطر ولو كنا أتاخرنا في أجراء العمليه كان ممكن يموت وأنا طبعاً مكنتش هستحمل حاجه زي دي تحصله ومن غير تردد ولا تفكير لحظه واحده قررت أني أتبرعله أنا بكليتي عشان يفضل معايا و ميسبنيش و طبعاً كل ده حصل وأحنا في دبي و محدش من أهلي يعرف حاجه عن اللي عملته وقولت ده جوزى و من واجبي أني أساعده عشان كده مكنتش ندمانه وأنا داخله العمليه ، بعد ما العمليه خلصت هو خف قبلي و خرج من المستشفى و أنا كان لازم أفضل عشان حالتي الصحيه متسوئش و لما خرجت من المستشفى روحتله البيت عشان أتطمن عليه وأقوله أني خرجت أخيراً و كان معايا نسخه من مفتاح الشقه فحبيت أعمله مفاجأه و أفتح و أدخل على طول عشان أشوف رد فعله لما يلاقيني قدامه .
ثم صمتت قليلاً تحاول أستجماع باقي حديثها .
_دخلت لقيته في حضن واحده تانيه و بيخوني معاها ، طبعاً وقتها مكنتش مستوعبه اللي أنا شيفاه قدامي ، كل اللي قدرت أعمله هو أني أمشي و فضلت أجري في الشوراع زي المجنونه و بعدها رجعت مصر و أهلي عرفوا اللي حصل و أتطلقت منه و كانت حالتي النفسيه بتسوء كل يوم أكتر من اليوم اللي قبله لحد ما دخلت مصحه نفسيه عشان أتعالج لأن كان بيجيلي نوبات صرع ومش بقدر أتحكم في نفسي ولا في أعصابي و فضلت ست شهور بتعالج لحد ما خرجت .
و بعد ده كله تلف الأيام وأرجع أشوفه تاني في نفس البلد اللي قابلته فيها زمان و حبيته فيها و برضوا نفس المكان اللي سابلي أسوأ ذكريات مقدرتش أنساها ولا أتخطاها في حياتي ، حسبي الله ونعم الوكيل فيه بجد على اللي عمله فيا وعلى كل لحظه مزيفه حسسني فيها أنه بيحبني ، أنا عمري ما هسامحه .
و بعدها حكت له ما حدث مع إيهاب وما حكاه لها في الغرفه .
لم يشعر أسامه بنفسه إلا وهو يقترب منها بحنيه لكي يجفف دموعها بيديه ثم قال لها بحنان :
_يمكن ربنا أراد ليكي أنك تمري بكل ده عشان تدوقي حلاوة فرجه و كرمه ليكي ده حتى قال (أن مع العسر يسر )ثم أكمل :
_أحمدي ربنا على خطوات مكملتش وأنك أكتشفتي حقيقته قبل ما تعيشي معاه تحت سقف واحد و ساعتها يكون إلاوان فات .
تنهدت يارا قليلاً ثم قالت :
_الحمد لله .
أكمل أسامه حديثه قائلاً : أختاري الحب اللي يرفع قلبك من وسط همومك مش يغرقك في هموم أكتر ، فهماني يا يارا ؟
يارا بأبتسامه : فهماك ، أنا عارفه أن الدنيا مش بتقف على حد بس لما يكون الحد ده هو كل حياتك و دنيتك نفسها . صمتت قليلاً ثم تابعت :
_هو في لحظه إداني كل حاجه وفي لحظه خد كل حاجه برضوا .
قال أسامه بحنيه : مع مرور الأيام و السنين يا يارا هتتعملي أن اللي عايز يفضل جمبك هيفضل من غير ما تديله حاجه ، واللي عايز يمشي هيمشي برضوا مهما عملتي علشانه .. كل حاجه متوقفه على مكانتك في قلوب الناس .
أبتسمت يارا من حديثه فقالت :
_شكراً بجد أنك سمعتني أنا فعلاً كنت محتاجه أتكلم وحد يسمعني من غير ما يلومني و يقولي أنتي السبب و ده أختيارك من الأول فلازم تستحملي نتيجى أختيارك .
_كلنا بنغلط و بنتعلم يا يارا مهو مش معقول هناخد خبره في الحياه من غير ما نمر بتجارب حلوه و وحشه و إلا بقا محدش هيتعلم حاجه .
يارا بابتسامه : أنت شخص جميل أوي بجد و كلامك جميل .
أبتسم أسامه و هو يتصنع الخجل قائلاً :
_أعتبر دي معاكسه ؟
ضحكت يارا على طريقته فقالت :
_أعتبرها كده .
_طب يلا بقا عشان نلحق نلف شويه في دبي و تعملي شوبينج براحتك لأن عندنا بكره طياره .__________________
هبطت الطائره في مطار أرض مصر و نزل أسامه و يارا ومن كان معهم من أجل الإجتماع ، أصر أسامه على إيصال يارا إلى منزلها بسيارته فوافقت أمام إصراره الشديد .
أوقف أسامه السياره أمام بناية يارا فهبطت يارا من السياره و أنزل أسامه حقائبها من خلف السياره وكان سوف يرحل ولكن يارا أصرت على أن يصعد معها لكي يرتاح قليلاً و بعدها يغادر فصعد أسامه معها وما أن وصلوا إلى الطابق الخاص بمنزلها حتى وصل إلى آذانهم صوت القرآن الذي كان يخرج صوته من منزل يارا فشعرت بحركه غريبه في المنزل و أيضاً وجدت الباب غير مغلق ، فسارعت ببطء و خلفها أسامه ومعه حقائبها فدخلت إلى المنزل وعندما رأوها أهلها تفاجأوا من وجودها لأنها لم تخبرهم أنها سوف تصل اليوم لتفاجاهم ، فضمتها والدتها في حنان وحب و بعدها جاءوا إخوتها ياسمين و رهف ولكن لم يكن من بينهن ريم والتي لم تعود إلى البيت منذ أمس ولكن سعاد ظنت أنها عادت إلى البيت وهما نائمين و ذهبت في الصباح إلى عملها .
أحتضنتهم يارا بشده و بعدها رحبوا بأسامه ثم قالت يارا في سعاده :
_أنا جبتلكوا شوية حاجات من دبي أنما أيه هتعجبكوا جداً و منستش أي حد فيكوا .
فذهبت إلى الحقيبه الأولى و فتحتها ثم بدأت تخرج الهدايا واحده تلو الأخرى ، فأخذت أول هديه و أعطتها لوالدتها و قالت :
_خدي دي هديتك يا ماما وفيها كمان هدية بابا .
و بعدها بدأت تعطي كلاً من إخوتها الهدايا و سألت عن ريم فأخبرتها سعاد أنها ذهبت إلى العمل باكراً اليوم وهذا ما ظنته حقاً ، فأخرجت بعدها يارا آخر هديه و قالت :
_دي بقا لهاجر ، هي فين البت دي إزاي متجيش تسلم عليا و تستقبلني ؟
فعم الصمت المكان ولم يأتها رد ، فذهبت إلى غرفتها فلم تجدها فطرقت على باب الحمام ولم تجدها أيضاً به فعادت إليهم مره أخرى متعجبه :
_أومال هاجر فين هي مش في البيت ولا إيه ؟
فذهبت إليها سعاد و أحتضنتها بين أذرعها قائله :
_شدي حيلك يا يارا ، البقاء لله .
شُلت يارا في مكانها ولم تستوعب ما سمعته أذنها الآن فلم تشعر بنفسها ورأت كل شىء حولها بصوره مهشمه و وقعت مُغشى عليها من أثر الصدمه .
_________________________________