تقف ياسمين أمام المبنى المدون عنوانه في الورقه التي بيدها لتتأكد من أنه العنوان المطلوب ثم تدلف إلى داخل المبنى و تبدأ في صعود درجات السلم في توتر شديد ، فهي لا تريد أن تتحدث مع عائلة المتوفي بهذا الوقت لأنهم بالتأكيد ليسوا في حاله يسمح لهم بقول أي شيء و على الرغم من علمها أن هذه العائله لن تقبل أن تتفوه بحرف مما حدث لأبنهم ماجد الذي توفى منذ أيام فقط و لكن كان عليها أن تفعل ما أمرها به مديرها .
ثم توقفت أمام الشقه المدون رقمها في الورقه التي لا تزال بيدها إلى الآن فوجدت باب المنزل مفتوح و هناك بعض الأشخاص يدخلون إلى المنزل و البعض الآخر يخرجون منه بعدما أدوا واجب العزاء إلى أهل المتوفي .
ظلت ياسمين واقفه في مكانها أمام المنزل لا تعرف ماذا عليها أن تفعل فوجدت شاب في أواخر العشرينات يقترب منها و يقف أمامها ثم سألها هذا الشاب :
_مين حضرتك ؟
تلعثمت ياسمين و هي تجيب عليه قائله :
_أنا ... أنا ياسمين من جريدة ....
_اهلاً و سهلاً بس مش فاهم يعني حضرتك هنا ليه ؟
_مهو أنا بعتني مديري عشان أعمل لقاء صحفي مع عيلة المتوفي .
_أنا عمران أخوه .
_طيب يا أستاذ عمران تسمحلي أخد من وقت حضرتك خمس دقايق أعمل فيهم معاك اللقاء الصحفي و مش هطول عليك.
_أه طبعاً أتفضلي .
ثم أدخلها إلى الصالون فقال لها :
_مش عارف إذا كنتي هتعرفي تعملي الحوار هنا ولا لأ بس زي ما حضرتك شايفه البيت مليان ناس عشان العزا .
ياسمين بحرج : أه طبعاً عارفه أني جيت في وقت مش مناسب خالص بس مديري هو اللي أصر عليا أني أعمل الحوار النهارده ، أنا بعتذر ليك بجد .
_ مفيش مشكله تقدري تبدأي .
أخذها عمران و وقف بها في زاوية الصالون بعيداً عن الزحام قليلاً و بدأت ياسمين في إخراج الهاتف و تشغيل مسجل الصوت و بدأت تسأل عن الحادثه .
_أستاذ عمران ممكن توضح بالتفصيل اللي حصل ليلة الحادثه .
بدأ عمران في سرد ما حدث تلك الليله قائلاً :
_ماما كانت في بيت خالتي و بابا قال إنه رايح يزور صاحبه و هيبات عنده و كنت أنا و ماجد اللي في البيت بعديها صاحبي أتصل عليا و طلب يقابلني فنزلت من البيت و سبت ماجد كان في البيت لوحده ، و طولت مع صاحبي و بعدها لقيت ماما بتتصل عليا و هي بتصرخ في الموبايل و منهاره و مفهمتش من كلامها حاجه فسبت صاحبي و رجعت البيت وأنا بجري عشان أعرف اللي حصل و لما رجعت لقيت ماما في أوضة ماجد و بتعيط و تصوت و كانت حاطه راس ماجد على حجرها و باقي جسمه على الأرض و كان غرقان في دمه .
_أستاذ عمران تقدر تقولي المكان اللي كان جايب دم من ماجد فين بالظبط ؟
_من راسه ، الدم كان من راسه لأنه وقع على دماغه و الخبطه كانت شديده فنزف و مات .
_وأانت قدرت تحدد إزاي أنه وقع على رأسه مش حد خبطه مثلاً ؟
_أصل مين يعني اللي هيخبط ماجد و يموته ؟
لتكرر ياسمين عليه السؤال :
_وأنت برضوا اللي يخليك متأكد كده أيه؟
_أصل مش معقول يعني حد هيدخل البيت من غير ما يكسر الباب و يقتل ماجد كمان و كل ده يحصل من غير ما حد من الجيران يحس بحاجه أو ياخد باله .
_طيب مقدمتوش بلاغ ليه عشان تتأكدوا ؟
_بابا راح و قدم بلاغ فعلاً للنيابه عشان تحقق في الموضوع ده و ده غير كمان تحليل الطب الشرعي لما يطلع هو اللي هيأكد بس معتقدش يعني أنها جريمة قتل .
_طيب هو كان متجوز ؟
_ لأ كان خاطب و فاضل شهر على فرحه .
أغلقت ياسمين التسجيل و شكرته على سماحه لها بعمل الحوار الصحفي ثم سألته في أي قسم قدموا البلاغ .
_القسم أسمه ....
_طيب تمام شكراً لحضرتك .
_العفو .
____________________
وضعت ياسمين الهاتف في حقيبتها ثم خرجت من المنزل و فضلت أن تذهب إلى قسم الشرطة لكي ترى اخر ما توصلوا إليه في هذه القضيه و ما أثار تعجب ياسمين هو تأكيد عمران لها أنها ليست جريمة قتل و إصراره على أنه مجرد حادث لا أكثر .
________________________
دلف عمر إلى المصحه التي تتلقى ريم بها العلاج و سار بين ممرات المشفى حتى وصل إلى غرفتها دون أن ينتبه عليه أحد و كاد يفتح باب الغرفه و يدخل لولا يد الطبيب التي أمسكت به قبل فتح الباب فنظر إليه عمر و بلع لعابه و قد عرف ما يريده الطبيب منه فبالتأكيد سوف يرفض الطبيب رؤيته لريم كما حدث في المره السابقه عندما أتى لرؤية ريم و بالتأكيد سوف يظل يلح عليه مجدداً مراراً و تكراراً إلى أن يرضخ الطبيب لرغبته و يوافق على رؤيته لريم و يعطيه خمس دقائق من الوقت كما فعل بالسابق فبادر بالتحدث قليلاً :
_طبعًا أنا لو حلفتلك أني كنت هشوفها من بعيد خمس دقايق و أمشي على طول أنت مش هتصدقني صح ؟
فابتسم الطبيب على طريقته بالتحدث و قال :
_لأ انا هخليك تشوفها و براحتك كمان .
عمر بدهشه و فرحه : أيه ده بجد ؟ أومال أنا داخل بتسحب ليه عشان أدخلها من غير ما حد يحس .
الطبيب بضحك : ما أنت لو كنت جيتلي من الأول من غير ما تتسحب كنت هقولك .
_أسف بس أفتكرت أنك هترفض زي المره اللي فاتت .
_لأ مش هرفض عارف ليه ؟
_ليه ؟
_عشان من ساعة أخر مره كنت أنت فيها هنا وأنا ملاحظ أن نفسية ريم بدأت تتحسن كتير عن الأول و كمان إرادتها زادت في العلاج و جسمها بيستجاب بسرعه كبيره و ده معناه أنها قربت تخف تماماً و هترجع البيت قريب .
عمر بفرحه : بجد يا دكتور ؟
_أه بجد ، بس خد بالك نفسيتها أهم حاجه
_طبعاً عارف ، عن أذنك بقا عشان ادخل أشوفها .
_أتفضل .
دلف عمر في سعاده بالغه إلى حبيبة قلبه و شريكة حياته المستقبليه و ما أن رأته ريم حتى قفزت من سريرها و ركضت إليه بينما فتح عمر أذرعه لأستقبالها في أحضانه و أغمض عينيه لينعم بهذه اللحظه و ما أن ركضت إليه ريم حتى توقفت أمامه بابتسامه بلهاء ، فتح عمر عينيه و نظر إليها باستغراب فقال :
_أيه وقفتي ليه ؟
ريم بجهل :مش فاهمه أعمل أيه يعني عايزني أقعد تاني و بعدين أنت فاتح دراعاتك كده ليه ؟
فنظر عمر ليديه التي ما زالت عالقه في الهواء و هو الذي ظن أنها سوف تقوم بأحتضانه فسرعان ما أنزلهما قائلاً لها وهو يبتسم أبتسامه بلهاء :
_لأ أصل دراعي كان واجعني شويه فقولت أفرده ، المهم أنتي عامله أيه؟
_الحمد لله أحسن كتير أنا حاسه أني بتحسن فعلاً .
_لأ و في مفاجأه كمان .
_أيه هي ؟
_الدكتور لسه قايلي حالاً أن أنتي بتستجيبي بسرعه للعلاج و هتخرجي قريب من هنا و ترجعي بيتك بالسلامه .
ريم بفرحه : بجد ؟
_أه يا ستي .
ريم بفرحه مثل الاطفال : أخيراً هخرج من هنا و أرجع البيت تاني .
عمر بحنيه : هانت يا روحي ، هانت خلاص .
_البيت وحشني أوي يا عمر .
فغمز لها عمر و هو يبتسم بخبث قائلاً : البيت بس اللي وحشك ؟
ريم بغباء : لأ طبعاً مش البيت بس .
فابتسم عمر و قال : مين كمان ؟
_ اللي في البيت .
فتلاشت أبتسامة عمر قائلاً : نعم يختي ؟
ريم بنفس الغباء :
_أه ، ماما و بابا و أخواتي بجد وحشوني أوي .
فقال عمر و هو يعض على شفتيه في غيظ : بجد ؟
_أه ، عارف يا عمر؟
عمر بحنيه : نعم يا قلب عمر .
_في أخر فتره ليا في البيت قبل ما أجي هنا حصل مشاكل كتير أوي و خلافات بيني أنا و أخواتي و كنا على طول ناقر و نقير زي القط و الفار كده بالظبط .
كنت دايماً بضايقهم و أتخانق معاهم على أتفه الأسباب و كنت دايماً برمي اللوم عليهم في أي مشكله بتحصلي زي مثلاً يوم العرض اللي كان في الشركه مع أن أنا اللي غلطانه و عارفه أني غلطانه بس رفضت حتى أني أعترف بغلطي ده قدام نفسي و حملت أخواتي و ماما مسئولية اللي حصل و رفضت أني أتقبل الواقع ، وقتها قولت لياسمين كلام يجرح أوي بس والله مكنش قصدي أنا بحبها أوي و هي غاليه عندي جداً بس معرفش ليه أنا كنت بعمل كده دايماً معاها ، يمكن عشان ساعات كنت بحس بالغيره منها و أحس أنها واخده أهتمام ماما و بابا أكتر واحده فينا هي و يارا وحتى لما عرفوا أني مدمنه فضلت برضوا أرمي الذنب عليهم لوحدهم و أقول أي كلام يحسسهم بالذنب و خلاص عشان مطلعش نفسي غلطانه و ساعتها ملقتش منهم غير كل حنيه و حب و أهتمام و كانوا مصرين أني أتعالج و أخف عشان مستقبلي و لما فوقت لنفسي و الفتره اللي قعدتها هنا لوحدي خلتني أعرف أن العيله هي أهم حاجه في حياة أي أنسان و أننا ساعات كتير مش بنقدر تعب و مجهود أهالينا عشانا و بنفضل نتعبهم أكتر و هما بيفضلوا مستحملين عشان معندهمش أغلى مننا و مع ذلك مش بنقدر قيمتهم ولا مجهودهم و تعبهم عشانا .
بس لازم تيجي خبطه ع الراس عشان تفوقنا من العبث اللي أحنا فيه ده و يا أما بنتعظ و نفوق يا أما بنفضل زي ما أحنا لحد ما العمر يمر في لحظه و يفوت الأوان و منلحقش أي حاجه لأن العمر عدى بينا من غير ما نحس ولا ناخد بالنا من اللحظات اللي كنا المفروض نقضيها معاهم وأحنا بنضحك و فجأة نلاقي نفسنا ضعنا و ضاع العمر بينا .
قال عمر و هو يربت على كتفيها :
_أنك تفوقي متأخر أحسن من أنك متفوقيش خالص يا ريم .
_انا زعلانه أوي على كل اللحظات الي قضيناها أنا و أخواتي في الخناق ، أنا فعلاً ندمانه على كل اللي عملته .
تحدث عمر و هو يمسك بعض الأكياس التي أتى بها أليها و أخرج ما بها قائلاً :
_خلاص بقا يا ست الندمانه هتفضلي كده تضيعي الوقت في الندم لحد ما ألاقي الدكتور داخل عليا و بيطردني من هنا ، مهو مش معنى أنه قالي أقعد براحتي يبقا أستحلاها بقا .
ثم بدأ يضع أمامها الأشياء التي أشتراها من أجلها و كانت عباره عن : حلوى ، شيكولاته ، بعض العصائر و المياه الغازية و المقرمشات .
فقالت ريم في دهشه :
_أيه كل ده أنت عامل غديوه ؟
_غديوه ؟
_أيوه مهو مش معقول كل ده ليا أنا لوحدي .
عمر مصححاً : لأ طبعاً مش ليكي أنتي لوحدك ده لينا أحنا الأتنين متبقيش طماعه بقا .
ريم بضحك : أيه ده أنت جايبلي الحاجات و عينك فيها ولاأإيه ؟
عمر و هو يشير على نفسه : أنا يا بنتي ؟
ريم بضحك أكثر : أه أنت يابني .
ثم شدها من يدها لتجلس جانبه على الأريكة و بدأ في تناول الحلوى .
___________________
نهض أسامه وهو يهندم ثيابه فقال لوالدته مصححاً لها :
_أقصد كان جوزها ، أنتي فهمتي أيه .
فوضعت رجاء يدها في خصرها قائله :
_وأانت كمان جايبلي واحده مطلقه ، مهو ده اللي ناقص .
_في أيه يا ماما مالها يعني المطلقه ؟
_ملهاش يا أسامه بس أنت لسه شاب و لازم اللي تاخدها تكون متجوزتش قبل كده .
أسامه وهو يحاول إقناعها : مالك بس يا جوجو قلبتي كده ليه ما كنتي ماشيه كويس و عايزه تفرحي بيا .
_أه يا خويا ده كان قبل ما أعرف انها مطلقه .
_يعني هي المطلقه دي كخه مثلاً مهي بني أدمه زيها زي باقي البشر .
_مش كخه بس يعني ما تاخد واحد من نفس ظروفها .
_ظروفها أيه يا ماما هو أنا بقولك أنها عندها أربع عيال و عندها أربعين سنة دي لسه صغيره يا ماما في العشرينات .
رجاء بتصميم أكثر : ولو ولو برضوا مطلقه وأنا مش موافقه على الجوازه دي .
أسامه وهو يحاول تهدئتها و إقناعها :
_جوجو أستهدي بالله كده بس و خلينا نتكلم بهدوء عشان على الأقل الراجل اللي راقد فوق ده ميقومش مخضوض على صوتنا .
_طب كويسأانك لسه فاكر الراجل الي فوق وأنه محملك مسئولية الشركه و فلوسه و مستقبلنا كلنا .
_وأنا كنت قصرت يعني في أيه بس يا ماما مانا محافظ على الشركه و الفلوس و الشغل ماشي زي الفل .
_أيوه معنى كده أنك تفضل عاقل بقا و تشوفلك واحده تانيه مناسبه ليك غير يارا .
_هي أوطه يا ماما وأنا هنقي ، أنا بحبها و عايزها .
_ عادي يعني حب غيرها زي ما حبتها .
اسامه وهو يكتم غيظه : والله ؟ بالسهولة دي يعني أروح بكره الشركه و أقف قدام كل البنات اللي هناك و أختار واحده أحبها .
_أنت بتتريق يا أسامه ؟
_ مقدرش يا ماما و الله ما أقدر بس أفهميني أنا بحبها و عايزها ومش طالب من الدنيا غيرها فيها أيه يعني لما نتجوز .
_هي سحرتلك ولا أيه أنا مش فاهمه .
_يا ماما أسمعيني أرجوكي انا مش عايز غيرها و بعدين ده مجرد كتب كتاب بس مش أكتر يعني متجوزوش ولا عملوا فرح فهمتي ؟
هدأت رجاء و جلست مره أخرى وهي تقول :
_مش كنت تقول كده من الأول يا أخي خضتني .
_لا والله يعني لازم أقول كده من الأول ؟
_أه طبعاً لأن ......
لم تكمل حديثها و سرعان ما أن وقفت مره أخرى وهي تقول :
_بس دي بكليه واحده يا أسامه هتتجوز واحده بكليه واحده ؟
ضرب أسامه كف بكف وهو يتعجب من تبدل حالها بهذه السرعه :
_مالها الكليه الواحده يا ماما يعني مهي شغاله مشتكتش .
فقالت رجاء بحده : لأ مينفعش برضوا تتجوز واحده بكليه واحده بس أفرض الكليه دي باظت و يارا ماتت .
فنهض أسامه في غضب قائلاً :
_بعد الشر عنها ، على فكره يا ماما أنا مغلطتش لما أختارت يارا وأنا متأكد أن هي البنت اللي أنا عايزها و محتاجها في حياتي ومش هتجوز غيرها .
_أنت بتكسر كلمتي يا أسامه .
_مقدرش يا أمي والله بس أنا لو متجوزتهاش مش هتجوز غيرها و هتفضلي طول عمرك شايله ذنبي و ذنبها .
رجاء بحده : ده أنت بتحطني قدام الأمر الواقع بقا .
قال أسامه وهو ينظر أرضاً :
_ ده اللي عندي يا ماما و أتمنى متقفيش قدام سعادتي .
ثم تركها و صعد إلى غرفته و أغلق الباب عليه ثم أرتمى على السرير في تعب و ظل يفكر في هذه المشكله فهو لا يريد أن يغضب والدته منه و بنفس الوقت يريد يارا و حتى الآن هو لم يفتح معها الموضوع لكي يعرف رأيها .
__________________