في إحدى المباني بحي السيده زينب ، في الطابق الثاني .
المنزل مزدحم بالأشخاص الذين جميعهم يرتدون ملابسهم باللون الأسود ، يوجد صراخ و بكاء ، هناك من يبكي و هناك من يولول و ينوح و يلطمون على وجوههم ، الحزن يعم أرجاء المكان ، يزداد صوت الصراخ أكثر ، في الغرفه الأولى من المنزل توجد سيده مسنه تجلس على طرف السرير و تبكي كثيراً و بعض من النساء من حولها يواسونها و يقدمون لها التعازي و الدعاء للمتوفي .
في الغرفه الثانيه و التي تقع على الجهه المقابله من الغرفه الأولى ، يوجد سرير و خزانه صغيره و بجانب السرير كومود صغير الحجم أيضاً ذو درج واحد فقط و تسريحه مرآتها مهشمه بعض الشيء ، على الجانب الآخر من السرير يوجد شيء أبيض كالقماشه الناعمه ، إذا أقتربنا أكثر سوف نجد جثمان لشخص ما و هذه القماشه البيضاء تغطي جسده بالكامل .
جاء رجل يركض نحو داخل المنزل بسرعه و هو يلهث و يتصبب عرقاً ، يبلغ من العمر خمسون عاماً ، دخل سريعاً إلى المنزل وهو يلهث بشده من التعب و تاثير الصدمه عليه ، أسرع نحو غرفة عمران وهي الغرفه الثالثه بالمنزل ، ثم أتجه إليه و أمسكه من ذراعيه بشده وهو يصرخ به قائلاً :
ايه اللي وصلني ده ؟ الكلام ده صحيح يا عمران ؟
عمران وهو يبكي : البقاء لله يا بابا .
قالها عمران وهو يبكي كثيراً وهو الآخر لا يصدق ما يحدث حوله ، فقد توفى ماجد أخيه الأصغر ، توفى من كان يلعب و يلهو و يمرح معه في طفولته ، من تقاسم معه الحزن و الفرح .
قال سيد والد عمران :
_أزاي ده حصل ؟
_أمبارح بليل ماما أتصلت عليا بعد ما رجعت من عند خالتي و قالتلي الخبر و محدش عارف أزاي ده حصل .
_________________
كانت عائشه والدة عمران و ماجد و التي كانت تجلس في الغرفه الأولى مع باقي النساء اللواتي أتين لتأدية واجب العزاء في أبنها ماجد ، كانت تسرد عليهن ما حدث وهي لا تفهم كيف و متى حدث كل هذا :
_ أنا كنت عند أختي أمبارح بليل روحت أقعد معاها شويه و سيد كان عند صاحبه و قال هيبات عنده و كنت سايبه ماجد و عمران في البيت لما مشيت ولما رجعت فضلت أخبط على الباب و محدش فتح ، أفتكرتهم ناموا لأن الوقت كان متأخر روحت طلعت المفتاح اللي كان معايا و فتحت بيه الشقه و لما دخلت كان البيت هادي و مفيش صوت فيه خالص قولت أكيد ماجد و عمران نايمين ، دخلت أوضة عمران عشان أشوفه ملقتهوش في أوضته ولا في الشقه كلها و لما دخلت أوضة ماجد عشان أسأله عن عمران لقيته مرمي في الأرض و قاطع نفس خالص و كانت رأسه جايبه دم ، و من صدمتي مكنتش عارفه أتصرف أزاي ولا أعمل أيه ، أتصلت على عمران و أنا بصرخ عشان يجي و يلحقني .
قالت عائشه أخر كلماتها وهي تبكي أكثر .
_______________________كانت ياسمين تتناول طعامها لتذهب بعدها إلى العمل ، رن هاتفها و كان رقم لا تعرفه فقامت بالرد :
_السلام عليكم .
_و عليكم السلام.
_مين معايا ؟
حسام بحرج : أنا حسام ، أقصد الظابط حسام المصري.
ياسمين بتذكر : أه عرفتك مش حضرتك اللي اتصلت عليا لما ريم أختي كانت ع......
سارع حسام بالرد :
_ أيوه بالظبط كده .
ياسمين بخوف :
_أوعى تقول أنك بتتصل عشان ريم هربت من المصحه و رجعت تاني مدمنه وأانتوا مسكتوها ؟
حسام بضحك : أيه ده ، جبتي الكلام ده منين بس ؟
ياسمين بارتياح :أصل بصراحه أتخضيت أول ما عرفت أنه حضرتك .
حسام وهو يحاول أن يفتح أي موضوع للحديث معها : لأ انا بس بتصل عشان أتأكد من حضرتك أن الأنسه ريم مكمله في علاجها ولا لأ .
_أه ريم في المصحه بتتعالج .
_طب كويس ربنا يرجعها بالسلامه .
_يا رب .
عم الصمت بعد هذه الكلمات التي تبادلوها كلاهما و لم يجد حسام ما يقوله لكي يظل يتحدث معها أكثر و يستمع إلى صوتها ثم قاطعت ياسمين هذا الصمت قائله :
_شكراً لأهتمام حضرتك .
_لأ ابدا لا شكر على واجب.
_مع السلامه .
_سلام .
أغلق حسام الخط و ظل يلعن نفسه ألف مره فهو كان ينوي فتح حديث أكثر معها و لكن عندما أجابت على الهاتف و سمع صوتها لم يستطع التفوه بكلمه واحده أكثر مما قاله لها .
_______________________
أكملت ياسمين طعامها و بعدها ذهبت إلى العمل و عندما دخلت الى مكتبها جائت زميلتها و أخبرتها بأن المدير يريدها فذهبت إليه و طرقت الباب ثم دلفت عندما جاءها الأذن بالدخول فقال لها المدير :
_صباح الخير يا أنسه ياسمين .
_صباح النور يا أستاذ .
_عايزك تروحي على حي السيده زينب .
_ليه ؟
_فيه وقعه وفاة حصلت هناك و عايزك تروحي و تعملي لقاء صحفي مع أهل المتوفي .
_جريمة قتل يعني ؟
_و الله هو لحد دلوقتي مش واضح هي جريمة قتل فعلاً ولا لأ .
_يعني أيه ؟
_يعني في ناس بتقول إنها جريمة قتل لأن المتوفي كان جايب دم من رأسه وفي أحتمال أن يكون حد قصد يخبطه على رأسه ده أتسبب في نزيفه و موته لما محدش لحقه و ناس تانيه بتقول أن ممكن يكون هو وقع لوحده أو أتخبط في حاجه و رأسه نزفت .
_و المطلوب مني أيه دلوقتي طالما لسه نوع الحادثه متحددش ؟
_مهو أنتي عليكي بقا تروحي هناك و تعملي لقاء صحفي و تعرفي إذا كان أتقتل ولا مات عادي لحد ما تقرير الطب الشرعي يطلع .
_بس إزاي عايزني أعمل لقاء مع أهل المتوفي و هما في الحاله دي ، يعني أكيد مش هيكونوا فايقين لحاجه زي دي .
_و الله يا بنتي ده شغل .
ياسمين بغضب :
_و هو عشان شغل ننسى أنسانيتنا و مشاعر الناس ؟ و بعدين هما أكيد مش هيوافقوا يتكلموا في حاجه زي دي خصوصاً في الظروف اللي هما بيمروا فيها حالياً .
مديرها بغضب :
_أعملي المطلوب منك يا ياسمين و لازم تعملي تقرير في القضيه دي لو كانت جريمة قتل فعلاً و يكون على مكتبي في خلال أسبوع واحد مش أكتر يا ياسمين فاهمه .
ياسمين وهي تكتم غضبها : تمام يا فندم ، عن أذنك .
خرجت ياسمين من مكتبه و توجهت الى العنوان المطلوب .
____________
كانت رهف تجلس مع صديقتها إيلينا تتبادلان الحديث و الضحك من وقت لآخر ثم جاءها إتصال من حمزه فلمعت عينيها عندما رأت أسمه على شاشة الهاتف و كانت إيلينا بجانبها فلاحظت تبدل حال رهف بسبب إتصال ذلك الشخص بها فقامت رهف بالرد عليه فوراً و لكن لم تكن رهف تريد الأطاله في الحديث معه لأن إيلينا تجلس جانبها و هي لا تريدها أن تشعر بالملل فتحدثت معه قليلاً ثم أخبرته أنها مشغوله فقال لها أنه سوف يقوم بالأتصال بها في وقت لاحق و بعدها أغلقت الهاتف و إلتفتت الى إيلينا و جدتها تنظر لها بخبث و هي تبتسم قليلاً فشعرت أن إيلينا علمت ما بينها و بين حمزه فقالت في إرتباك :
_ده ، ده ... ده حمزه .
فقالتك إيلينا وهي تنظر لها بخبث : مانا عارفه أنه حمزه ، خدت بالي أن أسمه منور شاشة الموبايل عندك و شوفت برضوا وشك اللي نور فجأه أول ما أتصل .
فقالت رهف في خجل : أيه ده هو باين عليا أوي كده ؟
فسارعت إيلينا بالرد عليها : أيوه طبعاً باين ده أنتي مفضوحه أوي أصلاً .
_أنا ؟
_أومال أنا ؟ أيه حكايته بقا عن حمزه ده ؟
_فاكره الشاب اللي وقفنا قبل كده و طلب أنه يكلمني على أنفراد ؟
فسارعت إيلينا بقولها : بس بس أفتكرته .
_هو ده بقا .
_يا سيدي يا سيدي شكلك كده وقعتي و محدش سمى عليكي يا رهف .
رهف بخجل : بصراحه مش عارفه إزاي أتعلقت بيه أوي كده في الفتره القصيره دي .
تنهدت إيلينا وهي تسند يدها على خدها و تقول ساخره : الحب و سنينه .
فلاحظت رهف سخريتها منها فأخذت الوساده التي بجانبها و ضربتها بها فتراجعت إيلينا إلى الوراء وهي تقول من بين ضحكاتها :بس خلي بالك يختي لحسن يطلع خازوق و مش أي خازوق كمان ده خازوق بلمبه .
رهف وهي الأخرى تضحك معها : بس هيكون أحلى خازوق والله و بغمازات كمان و حاجه كده قمر .
__________________
عاد أسامه إلى منزله بعد العمل و كاد أن يصعد إلى غرفته و لكن نادته والدته رجاء و طلبت منه التحدث إليه قليلاً فذهب إليها و جلس بجانبها على الأريكة و أخذ يدها و قبلها في حنان فابتسمت له والدته أبتسامة رضا و مسدت على رأسه في حنان ثم قالت :
_أخبار الشغل أيه ؟
_الشغل ماشي كويس يا أمي الحمد لله.
_الحمد لله يابني ربنا يرضى عنك و يخليك ليا و يحفظك من كل شر يا روحي .
فقبل أسامه يدها مره أخرى قائلاً :
_و يخليكي ليا يا ست الكل أنتي و الحاج ، صحيح أومال هو فين ؟
_نايم يا حبيبي خد الدوا و راح في النوم .
_طب هبقى أتطمن عليه لما يصحى .
_ماشي ، قولي بقا مش ناوي تفرحني بيك يا حبيبي .
_أفرحك بيا إزاي يعني يا ماما ؟
_أنت هتلف و تدور عليا يا واد أنا مش هبله ولا عبيطه .
_مين بس يا ست الكل اللي قال عليكي كده وأنا أقطعلك لسانه .
_أنا بقالي كذا يوم كده ملاحظه إنك متغير شويه .
_متغير إزاي يعني ؟
_فيك حاجه غريبه مش زي طبيعتك يعني وأنا بقا قلبي و إحساسي بيقولولي أن الموضوع فيه بنت .
_بنت مره واحده ؟
_ أه بنت يا أسامه و متكدبش عليا بقا و تقولي مفيش لأن أنا أكتر واحده عارفاك و عارفه أنت بتفكر في أيه وأنا متأكدة أن في واحده في الموضوع واخده عقلك و شغلاك .
تنهد أسامه قليلاً في إرتياح ثم مدد جسده على الأريكة و وضع رأسه على ساقيها و بدأت هي تمسح على رأسه في حنان و قالت :
_ طالما نمت كده و حطيت راسك على حجري يبقى أكيد في حاجه .
_أنتي معاكي حق فعلاً يا أمي أنا بقالي فتره مش بفكر فيها ، مش عارف ده إعجاب ولا يمكن عشان هي مختلفه شويه بس معرفش ليه بقيت أحب أتكلم معاها كتير و برتاح لما هي كمان بتحكيلي كل حاجه مضيقاها .
_شوفت بقا أن أنا أحساسي دايماً صح ؟ ها بقا أسمها أيه ؟
_ أسمها يارا .
_الله أسم جميل أوي .
أسامه بابتسامه : وهي جميله أوي .
_ يا سيدي ع الرومانسيه .
أبتسم أسامه قليلاً ثم قال :معرفش إزاي ولا أمتي .
_مش مهم أزاي و أمتي المهم تكون كويسه و بنت حلال .
_من ناحية كويسه فهي كويسه جداً ، أدب تلاقي ، أخلاق تلاقي ، طيبه تلاقي ، جدعنه تلاقي .
رجاء في سخريه من طريقة أبنها في الحديث :
_ملاقيش عرقسوس بالمره ؟
ضحك أسامه عليها فقال :
_أيه يا ماما بدأنا تريقه بقا من أولها ولا أيه ؟
_كمل يا روح أمك كمل .
_المهم بقا يا ستي ان أنا مش عارف أفاتحها في الموضوع إزاي و خايف ترفض .
_و ترفض ليه يعني هتلاقي زيك فين ؟
_مش دي الحكايه يا ماما .
_أومال أيه الحكايه ؟
_أصلها تقريباً كده هي معقده شويه .
_ ليه يعني متعقده من أيه ؟
_أصلها كانت بتحب واحد و متعلقه بيه جداً و كان أقرب حد ليها و فجأه الواطي ده خزوقها و كان تعبان و محتاج حد يتبرعله بالكليه و طبعاً هي عشان بتحبه مترددتش ثانيه واحده أنها تكون الشخص ده و أتبرعتله بكليتها و بعد ما قدرت تخرج من المستشفى راحتله البيت عشان تطمن عليه و أكتشفت أنه بيخونها .
شهقت رجاء وهي تقول :الواطي بعد اللي عملته معاه ؟
شوفتي الحقير عمل أيه فيها مع انها متستحقش اللي بيحصل فيها ده خالص والله يا ماما دي طيبه جداً .
_لأ هو لو كده بقى يبقى هي مش طيبه هي هبله و بيتضحك عليها بكلمتين .
_كلمتين أيه بس يا ماما و الله دي طيبه جداً و كانت مكتئبه الفتره اللي فاتت بسبب موت صاحبتها اللي أقرب حد ليها .
_لا حول ولا قوة إلا بالله ، ربنا يرحمها .
_ يا رب .
_عارف الواطي ده عمل كده ليه ؟
_ليه ؟
_عشان كانت على علاقه بيه من ورا أهلها و ده في حد ذاته حرام و غلط ، شوفت بقا أن الحرام آخرته وحشه أزاي ؟
ليسارع أسامه في قوله : لأ حرام أيه بس يا ماما ده جوزها .
تصمت رجاء قليلاً ثم ألقت أسامه على الأرض و وقفت بغضب وهي تقول :
_جوز أيه يا عنيا ؟
___________________