4

60 11 0
                                    


ظل الزبير يقترح على أخيه الشيخ دريد أن تستمر هجرة أهل الكثبة في الجزء الشرقي منها. فعلى العكس من الجزء الغربي المبسوط السهل، امتلأ الجزء الشرقي بالوديان السحيقة والجبال الشاهقة والأراضي الوعرة. وقد اقترح الزبير ذلك؛ لأن أهل الكثبة اعتادوا مثل تلك المناطق، في حين أن فيلق الهيجاء سيعاني إذا توغل فيها؛ لأن لا خبرة له فيها.

وقد استجاب الشيخ لمشورة أخيه، وهذه باتت عادته أن يستجيب لأي شيء يشير به الزبير، الذي كان هو القائد الحقيقي، فلطالما كان أهم رجل في الكثبة بعد جده.

وعلى الرغم من كل هذه التدابير التي اتخذها أهل الكثبة للفرار والنجاة بأرواحهم، فإن الحقد والطمع أعمى ملك الهيجاء، وظل مصرا على احتلال الكثبة كلها وحتى ما بعدها من مناطق. وظل فيلق الهيجاء يتوغل بإصرار شرقا في الكثبة.

وبسبب هذا، أدرك الزبير أنه لا بد لأهل الكثبة أن يوجهوا ضربة قاسمة لفيلق الهيجاء ليردعوهم، وأدرك أنه لا بد وأن يتحول أهل الكثبة من مدافعين إلى مهاجمين. ولكن بالطبع امتاز الزبير بالواقعية؛ وقد علم أن أية مواجهة مباشرة بين مقاتلي الكثبة وفيلق الهيجاء ستنتهي بالفشل، وستتكرر مآساة الحرب التي قتل فيها جده. ولذا فكر وفكر حتى وصل لفكرة عبقرية تعتمد على الخدعة والمكر والدهاء.

خطط الزبيرللخطة جيدا، ودرس كل تفاصيلها، ثم أشار على أخيه الشيخ بها وأطلعه على التفاصيل من أصغرها إلى أكبرها. وكالعادة أنصت الشيخ لمشورة أخيه.

عندما تتجه شرقا في صحراء الكثبة، لا بد أن تمر بواد اسمه وادي "الطويل". وقد سماه أهل الكثبة بذلك لأنه طويل جدا. وقد امتاز إلى جانب ذلك بأنه سحيق وضيق جدا بحيث لا يستطيع أن يتجاور بداخله أكثر من امرئين وهما يركبان دوابهما، ويحده من الجانبين هضبتان شاسعتا الارتفاع. وقد مر به أهل الكثبة أثناء هجرتهم، وكان لا بد على فيلق الهيجاء أن يمر به ليستمر في حملته شرقا. ونظرا للعدد الهائل من جنود الهيجاء، كان من الصعب جدا عليهم أن يصعدوا الهضبتين المجاورتين للوادي الطويل، فذلك سيستغرق أضعاف الوقت بعشرات المرات مقارنة بمرورهم بالوادي، حتى إنه قد يحتاج شهورا، لا سيما مع الأسلحة والمؤن التي نقلها الفيلق معه حيثما ارتحل.

قبل تنفيذ الخطة، توجهت نساء قبائل الكثبة وجمعن ما استطعن من حشائش الصحراء، وعدن بها إلى خيامهن، وقد جمعن كميات كبيرة جدا منها. كما أنهن ملأن عددا كبير من القدور بالزيت.

اتجه عدد كبير من مقاتلي الكثبة بقيادة الشيخ دريد، ومعهم الزبير، وصعدوا الهضبتين المحيطتين بالوادي الطويل، وقد اصطحبوا معهم كل الحشائش والقدور المملوءة بالزيت. بالطبع امتاز الأمر بالصعوبة نظرا لعلو الهضبتين، لكن عدد مقاتلي الكثبة الذين توجهوا هناك كان ضئيلا جدا ويكاد لا يرى مقارنة بعدد جنود الهيجاء، مما جعل مهمتهم أكثر سهولة، كما أنهم توجهوا هناك قبل أيام كثيرة من قدوم فيلق الهيجاء.

الزبير يجب أن يقتلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن