5

52 10 0
                                    

بعد توقيع معاهدة الهدنة مع ملك الهيجاء، بدأ الزبير فورا بالتفكير بخطة للانتقام من حكام الهيجاء وياقوتة على حد سواء.

وما عزز رغبة الزبير، هو تضييق ملك الهيجاء وياقوتة على أهل الكثبة ومنعهم من الاتجار مع غيرهم.

***

أمضى الزبير سنينَ وهو يحبك الخطة حتى وصل إلى أفضل وجه ممكن لها.

وبعد ذلك اتجه على فوره إلى دار أخيه الشيخ دريد.

تبادل الأخوان التحايا ثم جلسا.

ضيف الشيخ أخاه، وبعد حين قال الزبير: أخي العزيز، أريد أن أعرض عليك أمرا.

لقد وثق الزبير أن أخاه لن يرفض طلبه؛ لا سيما أنه في مصلحة أهل الكثبة.

"تفضل، أيها الزبير" رد الشيخ.

فقال الزبير: إن قومنا يعيشون بضنك، وجدنا وملك البقاء وأهله غدر بهم، والبقاء باتت موطنا لأعدائنا يرتعون ويمرحون فيها.

سكت الزبير قليلا، ثم أضاف: علينا أن نفعل شيئا حيال كل هذا.

استغرب الشيخ دريد، وقال: وماذا عسانا أن نفعل؟!

فقال الزبير: لقد أعددت خطة تمكننا من الثأر ومن تحرير البقاء.

زاد استغراب الشيخ، لكنه لم يقلل من كلام الزبير، فقال: أخبرني بها.

طفق الزبير يشرح خطته التي أمضى سنين كثيرة يعد لها، وشرحها لأخيه من أول خطوة حتى أخر واحدة، وذكر أصغر تفصيل وأدق تفصيل قد تحتاجه الخطة لتنجح.

أنصت الشيخ دريد بإمعان للخطة.

لما فرغ الزبير من الشرح بعد زمن طويل، تعجب الشيخ من هذه الخطة التي بدت مستحيلة ومن عالم الخيال، وحكايات السحر والجن التي ترويها نساء الكثبة المسنات لأحفادهن.

حتى إنه هم بالضحك، لكنه كتم ضحكته توقيرا للزبير الذي احترمه بكل ذرة من ذرات قلبه.

قال الشيخ دريد: أيها الزبير... أنت تعلم كم أحترمك، وكم أقدر رأيك، وأني لطالما أنصتّ لمشورتك، وأنني لم أستخف بأي من خططك مهما بلغت صعوبتها ومهما بدت مستحيلة، وما قبولي بخطتك التي أودت إلى مجزرة الطويل إلا أكبر دليل على ذلك.

تنهد الشيخ بحرقة، ثم أكمل: لكن، سامحني... لا أستطيع أن أوافق على خطتك.

فتح الزبير عينيه متعجبا، وتسارعت دقات قلبه وأنفاسه غضبا وغيظا، بينما أكمل الشيخ: خطتك هذه مستحيلة، وتبدو من حكايات الخيال... نحن سنوحد أهل البقاء ونقضي على ملوك الهيجاء وياقوتة! هذا أمر مستحيل... كما أنه حتى لو كان ممكنا فهو خطير جدا، وقد يقود لفناء من تبقى من أهل الكثبة، وأنا – شيخا لهم – لا أستطيع أن أوافق على أمر – غالبا – سيؤدي لاندثارهم. كما أن خطتك هذه تتضمن كثيرا من التفاصيل الدقيقة، وتحتاج لموافقة كثير من الرجال الأقوياء عليها، وفشل أي خطوة صغيرة، ورفض أي رجل من هؤلاء للوقوف معنا سيودي بها إلى الفشل.

سامحني، أيها الزبير، لا أستطيع الموافقة. يبدو أن حياتنا الصعبة في الصحراء قد جعلتك تفكر تفكيرا غير منطقي، قادك إلى هذه الخطة المستحيلة.

ازداد غضب الزبير مع كل كلمة قالها أخوه، حتى بلغ حدا عظيما، ثم قال غاضبا: دريد، خطتي مضمونة تماما، ويستحيل أن تفشل، ويجب أن ننفذها.

فرد الشيخ الذي أحزنه غضب أخيه: آسف، أيها الزبير، لا أستطيع الموافقة.

فقال الزبير: أونسكت على مقتل جدنا؟! أنحجم عن الثأر له؟! أونرضى بأن تظل البقاء محتلة؟! أونرضى بحياة الذل والفقر التي نعيشها بعد أن كنا أسيادا وأهل عز؟!

فقال الشيخ: وأيم الله، إني لا أرضى بأي مما ذكرت، وإن نفسي تتوق للانتقام من أعدائنا شر انتقام، توقَ صحرائنا للغيث... لكن، أيها الزبير، المرء يجب أن يتسم بالواقعية والمنطقية... نحن قلة مقارنة بأعدائنا، وأسلحتنا تكاد لا تذكر مقارنة بأسلحتهم، ولم يتبق لنا مال. وما تبقى من أهل البقاء ليس لنا – أهلَ الكثبة – عليهم سلطان، وربما لن يتبعونا في تنفيذ خطتنا... وهؤلاء الذين ذكرتهم في خطتك من كبار رجال البقاء، من يضمن أن يستمعوا لك.

ولو فرضنا أن كل خطوات الخطة نجحت، وتوحد كل أهل البقاء الأوفياء لها، فإن الاحتمال الأكبر هو أن نخسر ضد ملوك الهيجاء وياقوتة، الذين هم في وضع أقوى من وضع أهل البقاء.

فقال الزبير: دريد، علينا أن نفعل شيئا، لا يمكننا أن نظل هكذا ساكتين على الظلم كالأوثان.

رد دريد: اعذرني، أيها الزبير، وأرجو ألا تلح علي أكثر.

احمرت عينا الزبير غضبا، فقام وغادر دار أخيه.

كانت هذه المرة الوحيدة، التي رفض فيها دريد طلبا للزبير. لطالما كان الزبير الحاكم الفعلي للكثبة بعد مقتل جده، وهو من يحل ويربط، وقد علم الجميع بذلك.

لم يكن دريد – رغم ما يظهر عليه من الحلم وسعة الصدر – امرأ هينا.

لقد تناقض الزبير ودريد كالماء والنار، ولكن تناقضهما هذا لم يعن أن أحدهما قوي والآخر ضعيف. فالقوة لها أوجه عدة، وليست القوة دائما بالشدة والصراخ والقتال وذبح الخصوم، فالحنكة والهدوء في مواضع الشدة، وإظهار الود للأعداء – رغم كرههم- ثم الغدر بهم والإجهاز عليهم على حين غرة، كلها أوجه أخرى من وجوه القوة.

لقد اتسم الزبير بالإقدام في حين اتسم دريد بالحذر. لطالما بحث الأول عن الفوز بكل شيء، في حين بحث الثاني عن الظفر بالمضمون مقابل عدم المخاطرة وخسارة ما لدى المرء أصلا. اتصف الأول بالغضب في حين اتسم الثاني بالهدوء.

لقد كان كل واحد منهما قويا لكن بأسلوبه هو!

***

الزبير يجب أن يقتلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن