47

32 8 0
                                    


تجمع مقاتلو الهيجاء في الفتناء عبر الشهور الماضية؛ فقد أتوا إليها بقوارب وسفن من خلال بحر الدم.

وطلب الزبير عقد اجتماع في القاعة الذهبية. وحضر الاجتماع قيس وداهية الكثبة وسائر قادة جيش الزبير وقادة عيونه، إضافة لقائد جيش الهيجاء المتجمع في الفتناء.

بادلوا الزبير التحايا، وبادل بعضُهم بعضا التحايا.

جلس الزبير على كرسي المُلك في القاعة وحوله النسور السوداء، في حين وقف سائر الحاضرين.

فقال الزبير بهدوء: لقد جمعتكم اليوم هنا؛ لأنني أريد أن أخبركم بأمر، هو أهم أمر في هذه الحرب على الإطلاق.

فأنصت الجميع بمتعن وتركيز.

وأكمل الزبير: عندما ننتصر، لا أريد لأحد أن يقتل سمية مهما حدث...

تفاجأ الجميع من هذا الطلب؛ فالزبير الرجل القاسي الشرس، يجمع كل هؤلاء القادة لإخبارهم بأمر كهذا!

وتابع الزبير: هذا الأمر هام جدا، ومن يفعل ذلك سأقتله هو وكل أهله وقبيلته وسأدمر مدينته... أما إذا فعله واحد من جيش الهيجاء أو ياقوتة، فسأنقض اتفاقي مع المملكة المعنية.

سكت الزبير قليلا، بينما عم الصمت في القاعة، ثم سأل: هل هذا مفهوم؟ هل لأحد أي اعتراض؟

ثم نظر لقائد جيش الهيجاء، فأجاب الأخير: لا اعتراض لدي. هذا شأن داخلي لكم أنتم أهلَ البقاء.

فقلب الزبير نظره بين قادة جيشه وعيونه، وسأل: هل لأحد اعتراض؟

قيس، لأنه قريب جدا عاطفيا من الزبير، التزم الصمت ورضي بقراره.

أما داهية الكثبة، فرغم قربه الشديد من الزبير؛ غير أنه أقل قربا منه من قيس؛ لذا هو لطالما فكر بعقله ولم يحكم بعاطفته في مثل هذه الأمور.

هذا جعله يعترض قائلا: لم لا نقتلها، وهي السبب في كل هذا؟! السبب في إضاعة ملكنا، السبب في إضاعة البقاء، السبب في كل هذه الفتنة المقيتة!

فغضب الزبير، وقال مخاطبا الداهية بغضب: لا يهمني أي من هذا. أنا تهمني سمية وحسب. لا أريد قتلها وهذا أمر نهائي.

ثم صرخ في كل الحاضرين: لا أحد يقتلها، هل هذا مفهوم؟

فالتزم الداهية الصمت، وحزن كثيرا؛ لأن الزبير وبخه لأجل المرأة التي أضاعت ملك الزبير، والبقاء بأكملها.

جميع الحاضرين استعجبوا كيف أن الزبير، الرجل القاسي جدا القوي جدا يسامح امرأة ضيعت كل ملكه! وأدركوا حينها أنه يحبها حبا جنونيا لا مثيل له، وأنه لا يوجد في البقاء كلها رجل يعشق امرأة بالجنون والزخم نفسيهما، اللذين عشق بهما الزبير سمية.

ثم أرسل الزبير – عبر الحمام الزاجل – رسالتين إلى سهيل وقائد جيش ياقوتة، اللذين حاصرت قواتهما معسكر ريان. أخبرهم عبر الرسالتين بقراره بعدم قتل سمية. فعاود كلاهما إرسال رسالة – عبر الحمام الزاجل- إلى الزبير يخبره – من خلالها – بأنه موافق ومتفهم للأمر.

الزبير يجب أن يقتلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن