9

47 10 0
                                    


أنصت الملك قصي لنصيحة القائد الهيثم، وهرب من الفريدة إلى الغرب إلى جبال اليبس، واصطحب معه بالطبع زوجته وأبناءه. وكذلك ذهب معه كثير من أبناء عمومته من آل الضياغم بالإضافة إلى عدد من أبناء خؤولته.

نصح الهيثم الملك بجبال اليبس؛ لأنها أوعر منطقة وأخطر منطقة في البقاء كلها؛ فهي مليئة بالجبال والوديان والمغارات والأشجار الكثيفة، ولا يعرفها جيدا إلا أهل البقاء، وعلاوة على هذا كله امتازت بمساحة شاسعة. ولهذا كله يستحيل لأحد أن يصل إلى الملك إذا آوى إلى هناك.

وصل الملك ومن معه إلى جبال اليبس، وجعلوا يصعدون باتجاه أعلى جبل فيها، وظلوا يفعلون ذلك ما يقرب الأسبوعين حتى وصلوا أعلى الجبال واستقروا هناك.

الملك ساءه هذا المكان، فبعد أن تعود على حياة الترف والرفاه في القصور ما يزيد على أربعين عاما، ها هو يجد نفسه في هذا المكان البائس. مكان ليس به طرق واضحة المعالم، مليء بالعراقيل والحفر والمطبات والصخور، مليء بالأفاعي والكلاب والقطط والحيوانات الضالة التي كان معظمها شرسا، وتصعب الحركة فيه بسبب حدة الطلعات والنزلات فيه، حتى إن بعض مناطقه لا يمكن التنقل فيها.

وبينما جلس في الليلة الأولى في أعلى الجبال، يستمع إلى عواء الذئاب والكلاب الضالة، حزن على عائلته أكثر من حزنه على نفسه، فكيف لامرأة وأطفال - هم زوجته وأبناؤه - اعتادوا رفاهية القصور أن يتأقلموا مع مثل هذا المكان المزري؟!

لكنه ظل يخبر نفسه، بأن هذا هو الخيار الوحيد، وأنه إذا اضطر لعيش الضنك هذا، فإنه قد استمتع بطيب العيش لساعات وأيام بل سنين، في حين أن كثيرا من البشر عاشوا مثل هذه الحياة طيلة عمرهم، ولم يذوقوا ساعة من ساعات الترف التي ذاقها ولن يذوقوها أبدا.

ورغم محادثته لنفسه بهذا الكلام، ظل الأمر مرا صعبا، لا سيما وهو يرى البؤس على وجوه زوجته وأبنائه.

قرر الملك أمرا وهو ألا يستقر في مكان واحد في جبال اليبس، بل اتخذ مراكز كثيرة ظل يتنقل بينها؛ حرصا على ألا يعرف أنه يستقر في مكان واحد، فيشي به خائن، ويسهل على أعدائه الوصول إليه. لم يكن الملك امرأ سهلا، وقد حَذِرَ الجميع حتى أقرب المقربين إليه، وتذكر جيدا نصيحة الهيثم بأن يفعل ذلك.

وظل الملك هناك، ومع مرور الوقت ظل يأتي أتباعه ويتجمعون في الجبال إضافة إلى مزيد من أبناء عمومته وخؤولته.

بعدها وقعت الحرب بين جيش البقاء وجيش ياقوتة، وانتصر جيش ياقوتة انتصارا مؤزرا، وقتل ما يقرب نصف جيش البقاء الذاهب إلى الحرب، وهرب النصف الآخر وتشتتوا في البلاد، وقُتل القائد الهيثم الباسل الذي ظل يقاتل لآخر لحظة وهو يذود عن البقاء. وتبع ذلك احتلال معظم أراضي البقاء من قبل ملك ياقوتة وملك الهيجاء، باستثناء أجزاء بسيطة امتازت بالوعورة وشدة بأس أهلها، ومن بينها جبال اليبس. وأطلق أهل البقاء على هذه الحرب اسم الحرب المقيتة.

الزبير يجب أن يقتلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن