33

19 7 0
                                    


*العام 476

" لقد مللت من تكرار هذه المسألة معك، أهذا آخر كلامك، يا دريد؟" هذا ما قاله الزبير لأخيه دريد، في آخر مرة يصر فيها عليه بأن يسمح بتنفيذ خطته الضخمة لتحرير البقاء.

ولكن أخاه رفض من جديد ومن جديد ومن جديد، ومع الضغوط الهائلة من الجميع وأكثرهم صديقه قيس، ولا سيما ضغط عقله عليه، بات الزبير يعيش في ضائقة وبات سجين الصراع في عقله، وتوجب فعل شيء للتخلص من هذا العذاب والصراع الداخليين.

وفي مساء أحد الأيام توجه الزبير إلى دار دريد، ودعاه إلى مأدبة عنده في عصر اليوم التالي، فوافق دريد.

وفي اليوم التالي أتى دريد لدار أخيه الذي استقبله بترحاب عارم.

وجلس الاثنان في غرفة الضيوف على الأبسطة المفروشة على الأرض، وتحادثا أحاديث عادية. ومنذ مقدم دريد علت علامات الحزن والكآبة وجه الزبير، فسأله دريد: ما الأمر، أيها الزبير؟! أحس أنك غير سعيد!

ارتبك الزبير، ثم استجمع قواه وأجاب بحزم: لا عليك، يا دريد. لا يوجد أي خطب.

وبعد مدة جلب الخادم إناء كبيرا مليئا بالرز واللحم، فدعا الزبير أخاه للبدء بالأكل ففعل ثم تبعه في ذلك.

جعل الزبير ينظر إلى أخيه بحزن عميق؛ وكأنه يشاهده يضرب أو حتى يقتل من قبل أحدهم. وبدأ الزبير يأكل ببطء وكأنه يأكل رغما عنه. لم يفهم دريد ماذا يحدث لأخيه؛ لكنه تناسى الأمر؛ فلم يرد أن يزعج أخاه بالمزيد من الأسئلة عن حاله وسبب حزنه.

وحالما فرغ الاثنان من تناول الطعام أتى الخادم وأزال الإناء ونظف المكان، وفورا استأذن الزبير من أخيه ودخل إلى غرفته وأخرج قارورة صغيرة بها سائل، فشرب السائل بسرعة ثم عاد إلى غرفة الضيوف ليجلس مع أخيه.

ذلك السائل لم يكن إلا مضادا للسم الذي دسه الزبير في المأدبة التي أكل منها هو والأهم أخوه! نعم، فالزبير تفكر وتفكر وتفكر في حل للمشكلة بينه وبين أخيه الذي ما فتئ يرفض تنفيذ خطته، ولم يجد أفضل من قتل أخيه، لكن بالسم ودون أن يعلم أحد. كان ذلك شيئا قذرا! خلا من المروءة والشجاعة والشهامة، لا سيما أنه تجاه أخيه! امتلأ بالخيانة والغدر! امتلأ بكل ما يتناقض والرجولة والمبادئ التي تعلمها الزبير بل وتشبع بها منذ نعومة أظفاره! نعم، لقد عرف الزبير كل ذلك، واعترف به لنفسه وبكل صراحة، لكن لم يوجد هنالك حل أنسب.

احتار الزبير بين خيارين، الأول أن ينقلب على أخيه، والثاني أن يقتله بالسم. وفي النهاية استبعد الخيار الأول؛ لأنه إذا ما انقلب على أخيه فسيجلب العار لنفسه ولجده وكل عائلته ولقبيلته، وربما تنقسم القبائل – بما فيها قبيلة الأسد نفسها - بينه وبين أخيه. فأي رجل في التاريخ مهما أحبه من حوله، فلا بد من وجود أعداء وكارهين له حتى من أقرب المقربين له، والزبير ليس استثناء. والأهم من هذا كله، أنه لم يرد أن يعلم أخوه - الأعز على قلبه - أن الزبير خانه وانقلب عليه، الأمر الذي من شأنه أن يفطر قلب الزبير.

الزبير يجب أن يقتلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن