15

29 10 0
                                    

*العام 476.

أعاد الزبير سهيلا إلى أمه سالما، موفيا بوعده لها بحمايته. وبعد أن حصل على موافقة الملك الهارب على خطته، حان الآن موعد تنفيذ الخطوة الثانية من الخطة.

اتجه الزبير نحو مدينة الروضة، بالتحديد إلى أكبر قصر فيها، حيث يسكن أمين.

لما وصل هناك أخبر أحد الحراس على باب القصر أنه يريد أن يلتقي بأمين، وأنه شيخ قبائل الكثبة.

غاب الحارس قليلا إذ توجه لإخبار حاجب القصر بذلك، ثم أتى الأخير ورحب بالزبير وسمح له بدخول القصر.

أمين – رغم غناه العظيم – اتسم بتواضع شديد؛ وذلك يعود لأنه كان رجلا فقيرا عاديا قبل أن يحوز كل هذه الأموال، وأيضا هو لم يكن من شخصيات الحكم والسياسة التي تحرص على أن تعزل نفسها عن الناس وألا تختلط بهم خشية أية ضربة غادرة.

صحب الحاجب الزبير، حتى وصلا إلى إحدى باحات القصر الخلابة، حيث وجدا أمينا هناك واقفا.

وبينما سار الزبير من بوابة القصر حتى تلك الباحة، بهر بجمال ما رآه، شيء لم ير له مثيلا قط، ولم يخطر على خياله الواسع أنه يمكن أن يوجد شيء مثل هذا.

كان القصر أرضيته وجدرانه وسقفه من الرخام الثمين، وامتلأ بالتحف والجرار المصنوعة من الخزف والأثاث المصنوع من الخشب الفاخر والمزخرف أجمل زخرفة، وكذلك من الذهب الخالص. وهذه التحف والجرار والأثاث الذهبي، لم يكن له مثيل في البقاء كلها حتى في قصر الكثبة.

سر الزبير لما رأى أمينا، الذي ابتسم ابتسامة عريضة، ثم قال: أهلا وسهلا، بالشيخ. لكم تشرفني زيارة شيخ الكثبة البطل إلي شخصيا!

وقد قصد أمين بالبطولة ما فعله الزبير بجيش الهيجاء.

ابتسم الزبير، وسلم على أمين، وقال: بل الشرف لي بلقائك، يا أمين.

كان أمين وسيما، متوسط الطول، أزرق العينين، وغطى شعر أشقر خفيف رأسه، بينما خلا وجهه من الشعر.

"تفضل بالجلوس" قال أمين.

فجلس الزبير، ثم جلس أمين.

انتشر في القصر خدم كثيرون ملؤوا المكان ولبسوا ثيابا أنيقة، رغم كونهم خدما، مما دلل للزبير على الرفاهية الهائلة التي عاش بها أمين.

وفور جلوس الزبير، ضيفه أحدهم قهوة، ثم ضيف أمينا.

"أهلا بك" قال أمين من جديد.

فرد الزبير: أهلا بأمين.

تحادث الاثنان قليلا، وتساءل كل منهم عما حدث للآخر في السنوات الأخيرة، وظل الخدم يحضرون ما لذ وطاب من الفاكهة والحلوى والشراب لأمين وضيفه.

وظلا يتحادثان ومر الوقت، حتى قال الزبير: يا أمين. هنالك أمر جلل أريد أن أحادثك فيه.

فقال أمين: دعنا نتحدث به لاحقا بعد أن ترتاح.

رد الزبير: بل الآن، أرجوك. إنه لا يحتمل التأجيل.

"تفضل، إذاً" قال أمين.

بدأ الزبير بشرح خطته لتحرير البقاء لأمين، وذكرها كاملة بأدق تفصيل. وذكر أنه سيجمع عدة أشخاص هامين لتنفيذ الخطة.

ثم أخبره الزبير أنه نجح بتنفيذ أول خطوة بالخطة عندما التقى بالملك الهارب.

مع كل خطوة بالخطة ذكرها الزبير، زاد ذهول أمين، لكن عندما ذكر الزبير أمر الملك، وصل ذهول أمين أقصاه، ففتح فاه مدهوشا، وقال: ماذا؟... قابلت الملك الهارب؟!

لم يصدق أمين نفسه، الملك الهارب كان أسطورة ولم يظهر رغم مرور السنين لدرجة أن أمينا ككثيرين، بدأ يساوره الشك أن الملك الهارب قد مات أو ألمت به مصيبة ما.

"نعم" قال الزبير مع ابتسامة عريضة، وأكمل: ولقد أخبرته عنك وعن بقية الأشخاص الذين أحتاجهم لتنفيذ الخطة.

ثم أضاف: يا أمين، أنت أهم رجل بعد الملك ممن أبحث عنهم. نحن بأمس الحاجة إليه. سأكلمك بصراحة، نحن بحاجة ماسة للمال، لكميات كبيرة منه. وأنت ستكون مصدر هذا المال.

تنهد الزبير، ثم أضاف: ما قولك؟ أستساعدنا؟

انضم إلى إعجاب أمين بقسمات الزبير الجادة، إعجابه بفطنته وشجاعته وطموحه. لقد ارتاح للزبير كثيرا وابتهج بخطته أشد ابتهاج.

نظر أمين إلى عيني الزبير حيث لمع الطموح واضحا، وقال: بالتأكيد أنا معكم.

ابتهج الزبير بدوره بموافقة أمين. فالأخير ماله لا غنى عنه في تنفيذ الخطة، وقد وثق به الزبير أكمل ثقة؛ لأنه رفض الاستمرار بالاتجار مع المملكتين العدوتين بعد الحرب المقيتة.

أقام الزبير عدة أيام في ضيافة أمين في قصره الفاخر، استمتع خلالها بما لذ وطاب من الولائم والطعام والشراب، ثم اتجه لتنفيذ الخطوة الثالثة في خطته.

***

الزبير يجب أن يقتلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن