في تلك الليلة المعتمة ذات الاجواء المتوترة يواجه الاخوان بعضهما البعض بعد تحريض اهل الحي الذي تعمه الفوضى و النزاعات بينهم ، و التي قسمتهم لقسمين قسم يقف خلف جومالي و الاخر خلف صالح ... مما يعني ان صراع اهل الحي امتد لابناء اب الحي ...
هواء تقشعر له الابدان من شدة برودته ، و عتمة يشقها ضوء القمر يكشف ما في تخفيه تلك العتمة، و التي تحمي في طياتها ما يترصدهم بخبث .
يتواجه الاخوان و اهل الحي يحيطون بكل منهما ، كأنهما اعداء و من حولهم مشجعين، يخرج احدهما سلاحه و يوجهه للاصغر الذي بدوره اخرج سكينه ووجهها الى ذلك السلاح ، فالاول ينوي القتل و يرى الدماء اما الاخر فيريد الحماية و الامان اللذان لطالما افتقدهما في حياته ...الرصاصة سريعة جداً غدارة و قاتلة تنطلق للهدف ولا يوقفها شيء ... اما السكين فهي بحاجة ليحملها احد ويوجها لهدفها او كما يقال الى مبارزة ...
يتبادلان النظرات مطولاً ، الاول غاضب جداً يتطاير الشرار من عينيه و الاخر هادئ ينظر بحدة غاضب لكن هدوءه طغى ع غضبه .
هدوء غريب لا احد يصدر صوتاً يكاد ان وقع دبوس لسمعو صوته لكن الجو متكهرب متوتر جداً ... ما يحدث هو بالضبط ما اراده الاعداء ... الذين يترصدونهم في كل زاوية و دقيقة ... يقف احدهم ع ظهر احد الابنية يراقب ما يحدث و بيده بندقية قناص ... بينما يتواصل مع رجله ( الافعى ) الذي يقف فوق بناية قريبة من الاخوة لينقل له ما يحدث بالحي ...
يقطع ذلك الهدوء صوت رصاصة اطلقها سليم بالهواء و الذي جاء مع ياماش ..
ياماش بغضب و هو يترنح بالكاد يقف بمساندة عليشو من جهة و سليم بالجهة الاخرى ، فقد كانت اصابته حديثة ، ليصرخ بغضبٍ قائلاً : لا اموت هكذا يا اخوان ارمو صاروخاً ، لعله ينهي الامر بسرعة اكبر ، او اكثر دموية لكن نتيجته مضمونة بالنهاية ، و يرمي بينهم صواريخ صغيرة و يعاتبهم بنبرة متألمة و حزينة ...
صالح : اه ياماش ، هيا يا بني ! ماذا تفعل هنا !
ياماش يتكئ ع عليشو و كانت جروحه قد بدأت تنزف : لا تقل ، لا تقل هيا اذهب و نم مكانك ابداً ، كنت نائماً و الاسلاك بفمي و انفي ، لماذا ! لانهم اطلقو علي ... لم نمت بعد ، لانهم لم يستطيعوا قتلنا لكن انتم ستفعلون ...
صالح : ياماش ، هيا ...
يأخذ ياماش السلاح من سليم و يرميه امام صالح و جومالي : هيا اطلقو ع بعضكم ثم علي لننتهي من هذه المهزلة ...
جومالي ينظر لصالح : يوجد ثأر بيننا لا دخل لكم بنا ...
ياماش يصفق و تعلو نبرته: لتنهي الامر اذا ! لتطلق علينا جميعاً و لتعطي سليم حصته ايضاً و بهذا تنتهي هذه العائلة المشؤ .. ومة ..
يقاطعهم صوت اطلاق نار عالي جداً ، صوت رصاص ربما قناص! تمر ثواني قليلة جداً ليسمعو الاخرى ... يحاول الجميع الاحتماء فيما بينهم و الابتعاد عن المكان ... تعم الفوضى ... لا احد يعرف من اين يأتي الرصاص لتنتهي برصاصة ثالثة استهدفت الارض امام ياماش ...
سليم يبعد ياماش و يحاول حمايته ، لكن ياماش متصنم مكانه فهو كان اول من لاحظ ذلك الضوء الذي كان يتحرك بين اخويه لمدة اقل من ثانية قبل الرصاصة الاولى ...
ياماش : سليم .. سليم .. ارجوك اصيب احدهما ...
سليم لم يفهم : من اصيب يا ياماش !
ياماش : لا اعرف ، صا صالح او جومالي ..لا اعرف ... احدهما او كلاهما ! ارجوك ...
تمر لحظات اخرى حتى تتوقف الفوضى ليتقدم ياماش الذي نزف جرحه لدرجة انه يشعر بالدوار الشديد و التعب ، لكنه خائف ، خائف مما سيرى عند ابتعاد ابناء حيه ، فهناك شخص مصاب حتماً ...
يتقدم ياماش و سليم بخطوات بطيئة جداً ، ليصلا الى اخويهم ، تكاد اقدامهم لا تحملهم ، يرمي ياماش بثقله ع سليم ، الاخر يكاد يخرج قلبه من مكانه ... الايدي ترتجف و يكاد لا يسمع شيء الا صوت نبض القلب الذي يكاد يخرج من مكانه معلناً انتفاضة من هول المنظر الذي امامهم ...
الكثير من الدماء ...
ياماش بصوت يرتجف : ارجوك اخبرني انه حي ... لم يمت ! لا يمكن ان يموت ... ليس هكذا !
يرد الاخر : لا اعرف ! لم ارى ... لم اقصد ... لم اكن اريد هذا ....
يقترب ياماش من اخوته ،يسقط ع ركبتيه ارضاً : لنذهب للمشفى ، بسرعة ... ما كل هذه الدماء ! لم تمض دقائق ع اصابته ! سيموت ان بقينا هنا ... ان لم يمت اصلاً ...
يختل توازن ياماش ليسقط بحضن سليم الذي جثى ع ركبتيه و لا يتحرك فقط ينظر لاخوته لكنه فعلياً ذهب بعيداً ينظر بالفراغ يعيش بداخله صراعات عديدة كأن كهرمان مات امامه مجدداً، الالم ذاته ... كيف يتحمل المرء تكرار وجعٍ كهذا ! ليخرجه من عالمه سقوط ياماش بين يديه ..
سليم : ياماش ! لقد نزفت كثيراً يا بني ! ارجوك لنعد للمشفى ...
ياماش يقاوم قبل ان يفقد وعيه : لن يموت احد ! لن يموت احد ... لا تتركوه هنا ...
ليصرخ سليم : ليجلب احدكم سيارة ، بسرعة
..............
قبل دقائق...
يوجال الذي يقف خلف قناصته ، يكلم نفسه " أحسنتميا هذا ! لم اكن اتوقع ان تنقلبو ع بعضكم بهذه السرعة "
يوجه يوجال السلاح مستقصداً صالح و جومالي : ابتعد قليلاً يا عزيزي لارى اين اطلق ، لا اريد قتلكم بهذه السرعة ، لتتعذبو قليلاً ..
يقف و يتكلم مع رجله : هيا اخرج من هناك انا سأتولى امرهم ...
يوجه سلاحه ناحية الاخوان و يردد : صالح جومالي ، جومالي صالح ، فارتولو ام الكبير ، الكبير ام فارتولو !
لا يسمع اصواتهم بسبب بعده عنهم لكنه يرى ما يجري ، يرى ياماش يرمي سلاحاً بالقرب من اخوته ...
يوجال يراقب بالمنظار خاصته الاخوة : ابتعد من امام اخيك يا هذا ... الا ستموت ...
لكن الاخر يغطي عليه الرؤية فقرر ان يطلق عليه رصاصتين لعل احدهما تخترق جسده و تصيب الاخر ...
يوجال يضحك بصوت خافت و يطلق الرصاصة الاولى ثم الثانية ... كان صوت القناص يكفي ليدب الرعب في قلوب الجميع ليبدأ كل منهم يبحث عن مكان امن يختبئ به فتعم الفوضى و الكل يركض في كل الاتجاهات ، ليسمعو الصوت نفسه مجدداً ليحتمي كل منهم بمكان بينما بقي عدد قليل منهم يحمي ابناء ابي حفرتهم يخرجون ما معهم من اسلحة ... يعيد نظره الى المنظار الخاص بسلاحه و يدقق ، ليراهما لازالا واقفين امام بعضهما لبضع ثواني ثم يسقط احدهما و يلقفه الاخر ليسقطا معاً ...
يوجال يبتسم بفخر : تم بنجاح ، الان لنرسل رسالة للاخرين و يطلق بين قدمي ياماش ...
...............................
تمر دقائق قليلة لتهدأ هذه الفوضى التي عمت المكان ، ذهب الجميع و بقي عليشو يقف كان الزمن توقف به يقف في مكانه و يكرر " فخ فخ ابتعد قائدي فخ " يتقدم بخطوات ترتجف و عاد يكرر " دم كثير ، فخ ، ابتعد " ليعود لعقله بعد مرور مهلة من الوقت و يتذكر بان هناك قناص كان يلعب بهم و هو من نصب فخاً ليبدأ بحثه بكل جديه عن مكان ذلك القناص ...
........................
مرت تلك الدقائق كسنين ع الاخوة الذي وصلو المشفى برفقة ميكي و كمال ، يلاقيهم ادريس و من معه امام باب المشفى ... بينما يأخذ الممرضون ياماش ليضعوه ع النقالة ،
ادريس بلهفة : ماذا حدث ! كيف حدث هذا ؟ لماذا اخرجت اخوك ممن المشفى ! هل جننت يا هذا !
سليم بصوت مرتجف : ب بابا ... ابتعد قليلاً هناك مصاب اخر ... لقد نصبو لنا فخ ...
ينصت ادريس لسليم ليجيبه بتوتر : ماذا تعني بفخ ! من المصاب ؟
سليم بالكاد يتماسك و يقف فاعصابه ترتجف ، يكاد يبكي من شدة خوفه ...
ادريس الذي تكاد تنفذ اعصابه : سليم ، اجبني من المصاب ؟ لتتوقف السيارة امامه و يرى الممرضين و الاطباء يحملون ابنه الاخر من السيارة لناقلة اخرى و ذهبو يركضون به الى الطوارئ للسيطرة ع وضعه قليلاً ...
ادريس بصوت خافت و بدون تفكير " هايير ، لا تفعل ! لماذا يحدث هذا ! ما ذنبهم ؟ "
يخرج الاخر من السيارة بهدوء و بطئ و كأن احداً قد اطفئ مشاعره يقف و يرتكز ع السيارة و ينظر ليديه و ملابسه صبغت باللون الاحمر ... " كم هو مشؤوم هذا اللون " يحاول ازالته عن يديه لكن هناك الكثير " ب بابا ! انا اكره هذا اللون ، اكرهه ، لا تراه الا عندما يموت احد ما " ليبتسم و يكمل " لم اقصد ، لم ارد لهذا ان يحدث "
ادريس لازال يقف مكانه قلبه يبكي الماً لحال ابناءه ، فاثنين يصارعان الموت في الداخل و الاخران هنا امامه يصارعان افكارهما ...
يقترب سليم من اخيه : انت تنزف ؟ ام ان هذه كلها دماءه ؟
ليرد الاخر : لا اعلم ، لم اشعر بشيء ... لا اشعر بشيء ... لم افهم كيف حدث هذا ! لم استطع حماية احد ...
ادريس يحاول الصمود امام ابناءه و ابناء الحفرة الذين تجمعو امام المشفى : سليم خذ اخوك و تعالو للداخل ...
اثار الدماء التي امتدت من باب السيارة و ع طول الممر حتى غرفة الطوارئ ، حتى عجلات النقالة رسمت طريقها بالدماء ...
يقفون امام غرفة الطوارئ و الانعاش تلك و ينظرون من نافذة لتلك الفوضى بالداخل تتعالى اصوات تقول ...
" ابدأ بسحب فحوصات دم و تركيب محاليل و العلامات الحيوية "
" اعطي خبر لبنك الدم نحتاج الكثير من وحدات الدم ووحدات مكونات الدم "
" هل اعطيتي ketamine ، سندخل انبوب التنفس !"
" ضغطه منخفض جداً و نبضه يتسارع بغير انتظام "
" ابدأ بعمل cpr حالاً "
" اعطي واحد ادرينالين "
" اننا نفقد المريض ،ماذا حصل مع بنك الدم !"
" الى العمليات فوراً قبل ان يسوء وضعه مجدداً "
يخرجو يركضون به بالممر تحت انظار ادريس و ابناءه ، وكانو قد توجهو بياماش مسبقاً لغرفة العمليات ...
سليم يجلس ع الارض يرتكز ع الحائط : اللهم ساعدنا ، يا ربي
تضارب المشاعر و الافكار في عقول الجميع ، كيف حصل هذا ! من ينوي انهاءهم بهذه الطريقة الدموية ! لماذا ينصب فخاخ و لا يظهر لهم وجهه ! ينظرون لتلك الغرفة التي اخرجو ابنهم منها قبل قليل الدماء في كل مكان كأن حرباً حصلت بالداخل ...
تعصف الدنيا بادريس الذي يختل توازنه و يسقط فيمسك به ابناءه حتى يستعيد طاقته " خذوني لاخوتكم "... و يتجهون لغرفة العمليات... حيث يبقى هناك باقي افراد العائلة ، سلطان ، سنا ،سعادات ، داملا ...
سليم كان قد انتبه لنزيف شقيقه : اخي تعال ليراك احدهم فانت تنزف
لكن الاخر لا يستجيب ...
سليم : اخي، هيا ... لن نستطيع فعل شيء هنا ... لنتطمأن عليك الان ...
.........................
في غرفة الفحص ..
يطمئنه الطبيب ع حاله : جرح سطحي ، سأخيطه لك الان ، انت محظوظ جداً الرصاصة بالكاد دخلت ١ سينتميتر للداخل لو اكملت طريقها كانت ربما ستصيب العمود الفقري لاصبت ع الاقل بشلل نصفي
ليرد الاخر : اساساً كان هناك درع امامي
الطبيب : يجب ان تكون متشكراً لمن وضع الدرع فقد حماك من مصيبة حتمية ... سأخدر الجرح الان لاخيطه ...
يتمتم الاخر بينما تدمع عينه : لقد كان اخي من حماني ...
يدخل سليم بعد خروج الطبيب ليجد الاخر يلبس ملابسه ...
سليم : الم اخبرك انك مصاب ايضاً !
ليرد الاخر بغضب : مصاب !بالكاد خدشتني،الرصاصة مرت من جسده و دخلت في جسدي ...
سليم : اخي ، لن يفيد غضبك هذا الان ! لن تفعل شيء او تتحرك لوحدك... هيا لنعد و نقف بجانب ابي ...
تمر عدة ساعات ...
ادريس الذي لم تعد تحمله قدماه و جلس ع احد الكراسي ، سليم يمشي ذهاباً و اياباً : لقد تأخرو كثيرًا ليطمئنونا ع احدهم ع الاقل ...
سلطان سنا و سعادات يجلسن بجانب و بالقرب من ادريس ، التوتر و الخوف ظاهر ع سيماهم ... لا يسمع شيء الا صوت اقدام سليم و صوت تمتمات واضح جداً انها ادعية لعل الله يساعد من في الداخل للفوز في صراعهم ، صراع الحياة و الموت ...
بعد مدة يخرج طبيب : عائلة ياماش كوشوفالي ؟
يتجه الجميع نحوه ، سليم : ارجوك اعطناً خبراً جيداً ؟
الطبيب : لقد نجى لكن فعلتكم هذه لا تغتفر ، لقد رميتم حياته للتهلكة بخروجه هكذا ! المهم الان اننا استطعنا انقاذه و ترميم القطب الداخلية و الخارجية ... سيبقى في العناية قليلاً ... بالسلامة ...
يوقفه ادريس : هل عندك معلومات عن وضع اخيه ؟
الطبيب : للاسف لا ، لكن ..
سليم : لكن ماذا ؟
الطبيب : الذي اعرفه ان وضعه أسوأ بكثير من ياماش ، توقعو كل شيء ...