عمر السعادة قصير جداً في حكايتنا، فكما اودع هذا الاب عائلته الى ربه، ورفع ذراعيه مستسلماً لسوء قدره الذي سيبعده عن اطفاله، عن حياته، وربما يرسله الى القبر حيث يبقى بقية سلالته، قدره الذي جعله يشهد موت ابناءه فيما يرفع الاخير سلاحه باتجاهه، واطلق ...
مرت تلك الايام شديدة السواد، رجال العائلة بالسجن ووالدهم مفقود مع اصغر اثنين من ابناءه، ذهبو ولم يعرف احد متى عودتهم، أو ان كانو سيعودون اساساً!
مرت ٣ ايام، وعادت النساء للبيت بامان وعاد الاطفال الى حضون امهاتهم، لا علم لهم بما يجري حولهم... ولا احد يعرف شيء عن الاخر سوى ان عدداً منهم اعتقل بجريمة ليس لهم يد فيها، تماماً هناك في داخل تلك السجون الباردة حيث تمت تفرقتهم اغلب بزنازين مختلفة، جومالي لوحده وسليم مع ايمي و الباقي مبعثرين في زنازين اخرى، كانت تتربص بهم اعين خبيثة من جميع الجهات، محاولات القتل تتكرر كل عدة دقائق، لا نوم لهم ولا هدوء...
ذات يوم حدث حالة شغب بالسجن فاخذ الجميع الى قاعة كبيرة حيث التقى الجميع في مكان واحد، تبادلو العناق والنظرات والقليل من الكلام، تباً ماذا يقال في وضع كهذا "الا يوجد خبر عن اخوتك وابيك؟" سألم ايمي موجهاً سؤاله لجومالي الذي نفى سريعاً ماسحاً ع وجهه "يوك، سأجن يا ايمي سأُجن، انشقت الارض وابتلعتهم! بابا اختفى تماماً، ياماش لا احد يعرف اين انتهت طريقه، صالح غير موجود" ليرد سليم "اكين بالكاد يعرف كيف يدير المكان في غيابنا" "ارجو ان لا يكون طريقهم أسوأ من طريقنا" "امين ايمي، لكن قلبي هذا يشتعل خوفاً عليهم، ماذا ان اصيب احدهم او تأذى او مرض، من سيهتم بصالح ان مرض في زنزانة باردة كهذه!" كان جومالي يرتجف متوتراً من الفكرة فقط، فيما مسح ايمي ع كتفه "لو كانو في سجن كحالنا كنا فهمنا ذلك اساساً"... فُرقت طرقهم لاحقاً واعيد كل منهم الى زنزانته وفي ذات الليلة طُرق باب زنزانة جومالي واعطي ظرف وذات الشيء وصل سليم، كم كرهو هذه الظروف التي تسلب منهم الامل فقط، فتح سليم ذلك المغلف بيدين ترجفان، فهم يعلمون ان والدهم وياماش وصالح ليسو بالحفرة ولا اثر لهم، النساء والاطفال بامان بالبيت مع اكين الذي يقف ع رأس الحفرة، فغالباً هذا الظرف يحتوي ع شيء يخص والدهم واخوتهم، اقترب ايمي من سليم فقد كان رفيقه في تلك الزنزانة واخذ المغلف من يد الاخر المرتجفة من ما قد يجده بداخله، ففتح المغلف وسقط منه ٣ صور ما ان لمح سليم ما في تلك الصور حتى غطى فمه وبدأت دموعه تنهمر "هايير هايير هايير غير ممكن" ارتعد جسده وحاول النهوض ليسقط ارضاً ضاماً جسده يرتجف ويبكي، بينما اقترب ايمي و امسك الصور لتسقط من يده صورة لقبر ادريس، واخرى لياماش بما يبدو انه مشفى امراض عقلية، واخرى لجسد صالح شاحباً وقد نزف من الدماء ما نزف ع طرف ذلك الميناء... "اللهم يا ربي ما هذا!" ادار ايمي تلك الصور ليجد جملة خلف كل منها "يوجد كالونيا والعقبى لكم" ع صورة ياماش، "مات وحيداً تماماً كاحد كوابيسه" ع صورة صالح وصورة قبر ادريس حملت جملة "تعازي لكم، دفع جزءاً من دينه والباقي عليكم" شرد ايمي بعيداً قبل ان يخرجه من عالمه صوت زمجرة جومالي الذي ملأ المكان "لااااااان، من يجرأ ع هذا! من يجرأ ع هذا!، لان فرطو بأدريس كوشوفالي فرطو بأب الحفرة، فرطو بابن اب الحفرة، لماذا نعيش بعالم ادريس ليس فيه! هل سمعتم يا ابناء الحفرة! قتلو والدنا وفرطو باخوتنا، لان ماذا فعل لكم هذا الفتى ماذا فعل! (صمت قليلاً، ليعلو صوته مجدداً) بيييبييي! ما هذا ايها الظالمون، اتركوني سأذهب واجدهم، رمو ياماش بمشفى امراض عقلية وادريس كوشوفالي وصالح الى تحت التراااب!" في ذات الاثناء وصل طرد الى البيت يحمل اغراض ادريس و صالح وياماش مختوماً ب"من هنا بداية النهاية"...
كان الجو شديد البرودة في تلك الحفرة كأنها ليلة مثلجة مع انهم لازالو في شهر نوفمبر، رُفع صوت يصدح في ازقة تلك الحفرة معلناً اعلان الحداد ع والدهم وزعيمهم، لا احد يعرف صحة الخبر، لا احد يعرف ان كان صحيحاً فاين دُفن! واي ارض ابتلعته، لا احد يعرف ان كان صالح مات ايضاً فعلاً ام مجرد الاعيب... عاد اكين الى مكتب جده مساءً ليجد مغلف، "هل مجدداً!" لكن هذه المرة وجد رسالة تهديد هي ام معلومات لا يعرف، "اكين العزيز، سنبقي ع حياتك وحياة من بقي منكم، ويبقي سرك في بئر، لكن ستدعنا نقوم بعملنا كما نريد، والا لا تريد ان تعرف ما سنقوم به، هيا بالسلامة، صحيح لا تتسائل كيف وصل المغلف الى هنا، والا ستتعب نفسك بلا نتيجة، هادي جوليه جوليه" اغلق ذلك المغلف وضرب الطاولة امامه، ونهض من مكانه ليتمشى في تلك الحفرة يتمنى ان تبتلعه الارض ويعود كل شيء كما كان، روحه تحترق لكن ما الفائدة الان بعد ان احرق عائلته...
مرت ست اسابيع طويلة، "الم يخرج للزيارة" كان سليم يكلم سعادات وداملا وعائشة في زيادة داخل السجن "لا، اساساً لا يخرج منذ دخوله" "يحمل نفسه ذنب صالح وابي، لكن هل هو وحده من لم يحمي؟" اجاب سليم ماسحاً ع شعره بينما دمعت عيناه "الا يوجد خبر عن ياماش؟" "يوك، اختفى الاخر، سليم ابي، لا اعرف لكن هناك شعور داخلي يقول انه لازال حياً" "كشكيه (يا ليت) يا سعادات، اتمنى ذلك من كل قلبي، روحي تحترق هنا، لا ارى جومالي ابي، الا من خلف ستار، لو ترين حاله كبر عشرات السنوات خلال اسابيع، لم اتخيل يوماً ان يتعلق بصالح بهذه الطريقة، اصبح العالم في كفة عنده..." لترد داملا "وصالح في كفة اخرى، انا اعلم تماماً كم يحبه، قال لي ذات ليلة، ان حصل شيء لصالح، وفقدناه، فان روحه ستصعد معه، فما بالك انه لا يعرف عنه شيء الا انه قتل وحيداً، وارسلو اه قلادته، مضجرة بالدماء" "اوف كارديشم، هل رأه احدكم؟ يعني هل استلمتم جثمانهما او احدهما؟" "يوك، ولا نعرف اين دفنا حتى، لا اعرف لكن هناك خطب ما هنا يا سليم، يعني ما الفائدة من اخفاء اجسادهم؟" "هذا ما لا افهمه، وما اعرفه، اني لن اقيم عزاء اي منهما حتى ارى الجثمان بعيني!" ساد الصمت قليلاً ليكسره سليم "المحكمة خلال اسبوعين او ثلاثة اليس كذلك؟" "اجل، وسيصدر القرار الاخير وقتها" "سنخرج بعدها، هذا ما وضحه المحامي، هل تستطيعون تدبر امر الحفرة حتى يحين موعد خروجنا؟" "بالكاد يسيطر اكين ع الوضع، لكن الوضع ليس جيداً ليكن بعلمكم" "اعرف اخبرني ميدات، دخلت المخدرات للحفرة!" يقاطعهم صوت السجان (انتهى وقت الزيارة) فيما بدأ التدافع في تلك الغرفة وفرقو كل سجين عن عائلته وسُحب الى زنزانته...
(٣. ٢. ١.) صوت اطلاق النيران، ثم كل شيء شديد السواد، استيقظ فزعاً في سريره، ينظر حوله كل شيء ابيض، يتردد صوت والده في رأسه، "اسلمت نفسي لرب العالمين"، نهض من مكانه ودخل الحمام في زاوية الغرفة، وقف بملابسه وفتح المياه تنهمر فوق رأسه حتى اخمص قدميه، يتذكر احداث ذلك اليوم جميعها، منذ خروجهم صباحاً حتى اطلاق النار اخيراً ثم يختفي كل شيء، يحاول ان يتذكر هل اطلق النار ع والده، ام لا لكن عقله لا يقوى ع التذكر، يكاد يعصر عقله لكن لا فائدة، يأخذونه بين الحينة والاخرى الى مكتب الطبيب يحاول فك شفراته؛ لكنه يلتزم الصمت هناك، يخاف جداً من الحقيقة، "هل مات ابي!" "هل قتلت ابي!" فقط هذا ما يدور في رأسه منذ ايام وحتى اسابيع فهو لم يعد يعي كيف يمر الوقت في هذه المكان الغريب، دخلت عليه تلك الممرضة لتجده منكمشاً ع نفسه تحت شلال المياه شديدة البرودة تلك "حان موعد دوائك يا ياماش، هذه ملابس نظيفة ومنشفة" عدلت المياه لحرارة متوسطة الى ساخنة وخرجت "هيا انتظرك بالداخل" وبالفعل نهض واستحم وخرج خلال دقائق "هذا دواءك، هيا لتأكل وتشربه" لم يكن يجادل حتى، كالروبوت تماماً بلا مشاعر، كأن عقله توقف عن العمل، فقط ينفذ ما يطلب منه ويكمل يومه نائماً من الادوية التي لا يعرف ما هي ولماذا يأخذها، هل هي مهدئ ام سم لا يدري، لا يترجم عقله اي من هذا...
بعيداً عن تلك الحفرة في مكان ما يشبه الزنزانة، لا يعرف ليل فيها عن نهار، في طرفها سرير وغطاء، وفي طرف اخر يوجد تلفاز من النوع القديم كبيرة الحجم ، وفي زاوية اخرى يوجد مطبخ صغير، ويجلس في الاطرف اخر ذاك الرجل شائب الشعر، ام ما تبقى من شعره، غائرة عيناه واسود حولهما من قلة نومه وكبر همه، كم بكى الحال التي انتهى بها امره هو وابناءه، اساساً يعيش حداد ابنه فكما قُتل كهرمان، قُتل صالح، يعاد مقطعه الذي يصاب به كل عدة ساعات مرة ع شاشة التلفاز، يبكي فرحاً لسماع صوته ثم حزناً ع فراقه ويعرض مقاطع اخرى من المشفى عن حال ياماش، ويصله تقرير بمحاولات قتل باقي ابناءه، يجلس اغلب الوقت شارداً يتذكر طفولتهم ويبكي، ويعود ليتذكر حالهم ليبكي مجدداً قهراً، وكم قيل في سوء قهر الرجال، "اوف صالح!" "اللهم كن عوناً لابنائي وارحم من اخذت منهم" كان اكثر ما يتكرر ع لسان ادريس... يدعو ليلاً ونهاراً للباقين، يدعو الله ان يحمي الكبار ويساعد صغيره الذي يخوض حرباً لا يعرف بها احد سواه...
- فلاش باك -
بدأ العداد يقترب من النهاية 00:59 وصوت ادريس يعلو وهو يطلب من ياماش ان يطلق عليه "اسلمت نفسي لرب العالمين، هيا اطلق يا بني لا تخاف، احمي عائلتك يا بني، هيا" كان في هذه اللحظات قد تسرب غاز منوم بلا لون او رائحة يسبب الهلوسات... (انتهى العداد واطلق النيران) السلاح كان يحمل رصاص فارغاً اي ذلك الرصاص ذو الصوت العالي فقط بدون نتيجة، هل اطلق النار ع والده؟ اجل اطلق... لكن هل اصابه؟ لم يفعل! لكن عقل ياماش توقف هنا، لا يميز ما حدث حينها، خاصةً ان الغاز كان قد اعطى نتيجة اسرع ع ادريس الذي سقط فاقداً لوعيه امام ياماش الذي جثى ارضاً محاولاً رفع ادريس طالباً الكولونيا، قبل ان يسقط فاقداً لوعيه بجانبه...
- نهاية الفلاش باك-
كم هي حقيرة تلك الحياة التي حطت بجوانحها الحادة ع ادريس وابناءه، بطشت بهم بسوء لا يعرفون كيف اصابهم، وشتتهم عن بعضهم، كان اكبرهم قد تمت محاصرته من جميع الجهات برجال يحومون حوله قاصدين روحه، لكنه باقل تقدير يقال انه جبل لا تهزه رياح، يتفادى هذا ويضرب ذاك، انهاهم جميعاً ليجد سليم امامه "لان تشوجوك، كنت سأجرحك ايضاً" فيما وقف سليم امامه ببرود ولم يجب ليبادله جومالي الصمت والنظرات ومضى من جانبه كأنه لا يراه "آبي!" "ماذا!" "لماذا تفعل هذا بنفسك؟" "ماذا افعل بنفسي!" "الا ارى! الا نرى نحن اصبحت كومة غضب بجسد يتحرك فقط، لا تفعل هذا بنا!" "وماذا تريد مني ان افعل؟ ها!" اقترب من الاخر غاضباً حاشراً اياه في الزاوية "ماذا تريد مني ان افعل تشوجوك!، قتلو والدك واخوك والاخر مفقود!(يصرخ باعلى صوته) ماذا تريد مني ان افعل! لقد ارسلو الي مسبحه ابي وقلادة اخي! الرصاصة قطعت قلادته يا سليم! مرت منها من صدره (مشيراً الى صدر سليم غارساً اصابعه هناك) من هنا، هذا الفتى ما ذنبه يا سليم؟ يخطئ ادريس ويصاب صالح! يخطئ ادريس ويتم تعذيب ياماش، ايي تمام، كان شاباً اهوجاً ولكن لماذا ندفع نحن ثمن هذا!" لم يجب سليم الذي امتلئت عيناه بالدموع ورجفت شفتاه واضح جداً انه يغلي من الداخل، لكن ليحتوي كبيره لعله يبقى بجانبه فقد رحل الجميع اساساً، "آبي انا لن اصدق انهم م ماتو قبل ان ارى ذلك بعيني" يضرب جومالي الجدار بجانب سليم ويكمل "تمام لا يوجد دليل ان والدي مات الا اغراضه وصور القبر لكن، يا سليم اشرح لي كيف سيتحمل صالح اصابة كهذه! ها؟ انسى فارتولو وصالح اشرح لي كيف سيتحمل جسده هذا! الفتى يعيش بمناعة منخفضة، وعطبٍ في قلبه، كيف سينجو من اصابة كهذه! انت رأيت الصور انا لم اراها، انت قلت لي اين اصيب! كيف سينجو!..." "سينجو، صالح نجى من جهنم آبي، هل يستسلم الان!" "لا اعرف يا سليم، لا اريد ان احيى بامل زائف، لا اريد ان اذهب الى غرفته ولا اجده! وان افترضنا انه حي من يعتني به؟ انه كالعصفور ان سقط ارضاً يجرح" "يوك آبي داخل ذلك العصفور خاصتك يوجد فارتولو، لا يكسر بسهولة، ان لم يجد من يسنده يسند نفسه" يمسح جومالي ع شعره ووجه بعنف "اقسم اني سأفقد عقلي هنا، اين اختفى ياماش اذاً! ارسلو الي خاتمه" "انه حي لكن لا اعرف كم هو حي حقاً! ارسلو الي صورة له وكأنه في مصحة عقلية، لا معالم ع وجهه، كأنه في عالمٍ اخر، لا اعرف ماذا فعلو به آبي، انه بحاجتنا وبسرعة" تبادل كلاهما النظرات وهم جومالي بالذهاب ليوقفه سليم مجدداً "آبي، ع ماذا تنوي؟" "سأخرج وسأنتقم" "لن تهرب اليس كذلك؟" "لم لا!" "بالكاد برأ صالح اسمك آبي، دع هذا لا يذهب هباءً منثوراً" "وبما سيفيد ذلك الان! هل صالح موجود؟ يوك هل ابي موجود؟ يوك، هل نعرف اين اصغرنا؟ لا ايضاً، بما تفيد نحن هنا ونحن هكذا! فقط نجلس في طرف الزنزانة بلا فائدة" كان صوته يزمجر في السجن يسمعه اغلب الموجودين، "آبي ارجوك لا تتهور" "تشوجوك لما لا تفهمني! لا استطيع البقاء هنا وقاتل ابي واخي حي يرزق في الخارج" ليرد سليم بنبرة باكية "بل انت لا تفهمني، لا اريد ان افقدك انت ايضاً، فانت اخر ما تبقى لدي، لم يبقى سوانا، ارجوك لا تتركني لوحدي، لا تتركوني لوحدي آبي، روحي احترقت اساساً لا تقتلني انت برحيلك ايضاً" "تشوجوك ..." قاطعهم احد السجانين "ماذا تفعلان هنا! هيا كل الى مكانه"...
في مكان اخر بعيد جداً، تقف تلك الفتاة تمسح دموعها، تقف تماماً ع تلك الشرفة التي اعجبت عمها "ذات اطلالة جميلة" تتذكر وداعها لوالدها وعمها قبل عدة اسابيع، لم تتخيل يوماً انها ستفقدهم بهذه السرعة، "هل كنت تودعني اعمجا!" حاولت سابقاً العودة للحفرة لكن ازار لم يسمح لها قائلاً "انتي امانة صالح لدينا، لا يسمح لي، قال لن تعودي للحفرة الا اذا اخذك احدهم، وهذا يعني انك ستبقين هنا بامانتنا، ثم ان دوامك سيبدأ قريباً" جاراها كثيراً في الكلام وبقيت عندهم بامانتهم وبامان تماماً كما طلبت عائلتها...
في تلك الحفرة اللعينة، يمسك التمساح بيد اكين لاوياً اياها ليس بارض الواقع، لكن بمعنى ذلك "ستفعل ما نريد والا نكشف اوراقك، اساساً مياهك تغلي، ومن الافضل ان تترك الحفرة انت وما تبقى من عائلتك" لا يتخيل لاكين مجرد تخيل ما قد يفعله به اعمامه جده عائلته ان علمو ان له يد بما حصل، انه يحمل ع يديه دماء اكشين، دماء عمه وجده، كادت شقيقته تموت بسببه ايضاً، لا ينام ليلاً، كوابيس ليل نهار، غارت عيناه واسود حولهما، لا ترى عيناه النوم ولا يعرف قلبه الراحة، لكنه تأخر كثيراً، لا يعرف اي شيء عن اي فرد مفقود من العائلة، لكنه لا يستطيع البحث ايضاً، لا يستطيع التحري بالامر، والا سينتهي امره مثلهم تماماً، مفقود، يريد ذلك بشدة لكن ان اختفى هو ايضاً ستذهب الحفرة من بين يدي عائلته، ليخرج والده وعمه من السجن ثم ليختفي...
في طرف اسطنبول و بعد مرور ثلاثة اشهر منذ تلك الحادثة، كان ذلك الرجل يمشي ذهاباً واياباً في مكانه "الم تقولو انه استيقظ؟" "لا قلنا بدأ وضعه يتحسن، يعني بدأ يخرج من الغيبوبة بالتدريج" "يعني متى يستيقظ؟" "لا نعرف بعد ان كان سيستيقظ اساساً، ما نعرفه ان اصابته كانت شديدة الخطورة، لاذكرك باننا ازلنا جزءً من رئته حتى نستطيع انقاذه" "هل استطيع رؤيته؟" "اجل ، لكن لا تعبث باي من الاجهزة رجاءً" "ايي تمام" دخل بهدوء وجلس بالقرب من الاخر "صالح كوشوفالي اذاً ام فارتولو سعد الدين؟ ما قصتك يا ترى ولماذا لديك اسمان؟ لماذا لم استطع التفريط بك يا هذا! حملتك بيدي للمشفى بعد ان اعطيت الامر بالاطلاق عليك!" كان كهرمان يجلس ع حافة السرير معطياً ظهره للنائم وممسكاً كف يده، لا يعرف من امامه ولا الذي امامه يشعر به، امضى ال٣ شهور الماضية بغيبوبة بين عالم الغيب والحاضر...
- فلاش باك -
انتهت طريق صالح في ذلك اليوم الى مكان قريب من البحر، مهجور لا احد فيه توقف بسيارته بجانب الطريق ونزل رافعاً سلاحه لكن لا احد هناك غير صندوق اسود مغلف في الميناء ، اقترب منه وفتحه بحذر، ليجد داخله مغلف فتحه وقرأ ما بداخله "انظر لتمام الساعة ١٢ 🕛" رفع رأسه فيما ابتسم بسخرية عندما وجد نفسه محاصر تماماً يوجد ع الاقل ٣٠ رجلاً مسلحاً يرفعون اسلحتهم بوجهه، "اهلاً بكم، ماذا كل هذا لحمايتي، هل انا مهم لهذه الدرجة" ليجيبه احد الرجال "لا هذا للعرض فقط، والدك سيشهد نهايتك، هيا الى اللقاء فارتولو، شي قبل ان ننهي امرك، لا تقلق والدك سيلحق بك سريعاً، وسنرى كيف سينتهي امر شقيقك الاصغر بعد ان يقتل والده" كلماته علقت في رأس صالح ليصرخ عليه "ماذا تقول يا هذا! ماذا تقول!" "انظر هناك الساعة ١٢..." لم ينهي كلامه حتى علا صوت رصاصة قناص اخترقت جسد صالح اسقطته ارضاً بلا حركة او صوت، هادئاً يداعب الهواء شعره فيما تجمعت الدماء تحت جسده محدثةً بركة من الدماء سريعاً اندمجت مع مياه البحر التي تضرب الميناء بجانبه... كان كهرمان يقف ع بعد عدة امتار، عندما شعر ان الك الرصاصة اخترقت جسده هو لا جسد الاخر، اقترب ببطىء ارتجف قلبه من المنظر امامه الدماء قصة، والاخر الذي رمي امامه ارضاً شاحباً بلا روح قصة اخرى، صرخ ع احد رجاله ليجلب السيارة فيما حمله ووضعه في حضنه "ستكون بخير فقط لا تستسلم، لا اعرف لماذا لكن لا يجب ان تموت" حمله سريعاً الى المشفى وبقي بغرفة العمليات لساعات طويلة "وضعه ليس مستقر ابداً، سنبقيه في العناية المشددة تحت اجهزة التنفس الاصطناعي وغيبوبة طبية لعدة ساعات حتى يستقر وضعه قليلاً ونستطيع اكمال عملنا كما يجب، لا نعدك بشيء فقد لا ينجو، الساعات القليلة القادمة حاسمة جداً"... اصّر الاخر ع علاجه مهما كلف الثمن، ومن طبيب الى طبيب ومن عملية الى اخرى، يتحسن وضعه ويسوء لكنه لا يستيقظ، وربما يأبى الاستيقاظ، لا يريد ان يواجه العالم بعد الان! ع الاقل صالح لا يريد، لكن فارتولو يجلس في طرف المكان يشحذ سكينه ليخرج هو العالم هذه المرة، فقط وصل الامر معه للحد الاقصى...
- نهاية الفلاش باك-
يخرج اخيراً من الغرفة طالباً ان يخبروه بحالته لحظة بلحظة، وانه سيكون اول من يعرف انه استيقظ، لكن كيف انتهى الامر هكذا او لماذا؟ لا احد يعرف، كيف ومن اين اتى كهرمان؟ لا احد يعرف، الم يمت هذا الفتى! اقامو جنازته، غسله والده، كيف لازال حياً يرزق! هو ذاته لا يعرف، فمن زيف موته اخذه لجانبه ومحى ماضيه، كانه لم يعش كل تلك السنوات، ذاكرته لا تعمل كما يجب ذاتاً، فجُل ما يعرفه ان اسمه عارف وانه ليس ابن اب الحفرة، و ان الاخر عدوه، لكنه لا يفهم لماذا لم يفرط بابن اب الحفرة المدلل او المفضل، اساساً كان امره منتهياً، لو تركه كان سيموت خلال دقائق...
نعود الى ذلك المكان شبيه المشفى او المصحة العقلية حيث يبقى هناك جسد ياماش حاضراً وذهنه في مكان اخر، هذه المرة دخلت ممرضة جديد ذات بشرة برونزيه وشعر عسلي غريب اللون وعيون خضراء، "هيا عزيزي سنذهب من هنا" امسكت يده لينظر لها باستغراب، معالم طفل في الثالثة ارتسمت ع وجهه "باردون من انتي؟" فهو لم يراها من قبل، او لا يذكرها لا يعرف، يحاول استجماع شتات عقله وقلبه، يحاول جاهداً لكن طاقته لا تسمح، شرد بعيداً لتخرجه من عالمه لمسات ايفسون "ماذا حدث هيا يجب ان نذهب قبل ان يمسكو بنا" ابتسم الاخر وامسك بيدها ومشى معها... اساساً كان قد حاول الهرب في اخر مرة من بين يديها، وانتهى به الامر هنا...
- فلاش باك-
استيقظ ياماش بعد زوال اثار المخدر الذي انتشر بالغرفة حينها، ليجد نفسه مقيداً في سرير غريب في احدى غرف منزل لم يخطو فيه خطوة من قبل، شعر بريبة واقشعر جسده من برودة الغرفة، حاول فك قيوده لكن لا فائدة فهناك قيد بكل طرفٍ من اطرافه الاربعة واخر يقيده من كتفيه...
لا يتذكر شيئاً كيف وصل الى هناك! لكن يجب ان يتحرك ان يفعل شيئاً ما، كان يتخبط في ذلك السرير، عندما دخلت عليه تلك المرأة ذات الشعر الاسود والنظارات الطبية والقناع الطبي، مسحت ع رأسه واخرجت محقن وعبوة دواء ثم حقنته بذراعه "احلاماً سعيدة" مسحت ع رأسه بهدوء "لتشاهد هذا الان" اضاءت شاشة تلفاز امامه، فيما هو لا زال يتخبط لا يعرف ماذا اعطته لكنه يسبب هلوسات هذا واضح اساساً، ربما مخدر او دواء يسهل عليها السيطرة ع جسده وعقله، راقبته حتى دار الدواء بجسده وسكن تماماً لازال واعياً لكنه بعالم موازي، يعرض امامه ذات المقاطع اطلاقه النار ع والده ثم اطلاق النار ع صالح واعتقال اخوته واطلاقه النار ع والده مجدداً، كانت هذه المقاطع تُرسّخُ في عقله بالتدريج، جلست فوق رأسه تداعب شعره برقة وتبكي "لقد فرطو به" تشير الى صالح وهي تبكي "فرطو به هل تتخيل هذا، لكن لحسن الحظ لم يلمسوك وتركوك لي"...
كانت تمر ايامه بدون ان يدري كيف يمر الوقت لا يميز النهار عن الليل، يغرق في اعماق الاوهام ظاناً انها الحقيقة التي تعلن انه قاتل والده، ففي عقله اطلق النار ع والده ومات بين يديه، واقنعته الاخرى بانه هو من غسله ودفنه بيديه، اصبح كالروبوت تمامًا، لا كلام ولا احساس فقط ينفذ ما تقوله تلك المرأة، والتي ما ان فهمت ان خطتها تمت حتى اخذته وابقته في مصحة عقلية لفترة معينة حتى يتم تشخيصه بمساعدة صديق لها، ثم تأخذه بيدها كونه شخص غير عاقل او غير واعي، وغير قادر ع اتخاذ قراراته فتكون هي المسؤولة عنه بكل صغيرة وكبيرة...
- نهاية الفلاش باك-
مرت ٣ شهور، حتى خضع لها تماماً، لا يستجيب مع احد غيرها، لا يتكلم ولا يسمع حتى، كالدمية تماماً تحركه كما تريد، اصبح ينتظرها بفارغ الصبر فهي ستأتي محملةً بجرعة اخرى كل يوم وربما نوع جديد، كتلك الحبوب التي توضع في سقف الحلق حتى تذوب، تجعلك تستطيع سماع الالوان وترى الاصوات، عجيبة هي تلك الكيمياء التي تلعب في الدماغ البشري بهذه السهولة...
مر شهر اخر وحان موعد محكمة ابناء الحفرة، قِيد كل منهم الى سيارة وانطلقو ، حتى اصطفت جميعها امام تلك المحكمة، نزل كل منهم من السيارة التي كانت تقله، واتجه الى الداخل بمرافقة الحراس، كانت نسائهم تراقب من الخارج ومن ضمنهم سعادات وابنها، المفترض انها في العدة، فآخر ما تعرفه عن زوجها انه قتل ولكن لا احد يعرف حقيقة هذا الامر، مرت ساعة او اكثر ع الاخوة في تلك المحكمة التي برأت اسماءهم، كان واضحاً ان امتلاك السلاح غير مرخص غير قانوني لكنهم لم يطلقو ع احد، هذا ما وضعه الفحص الشرعي، وخروجهم سيكون خلال يومين من تاريخ المحكمة، عم القليل من الفرح ع صدور عائلة ثكلت اثنين من افرادها ولا احد يعرف اي شيء عن الثالث....
يومين فقط، وسيخرج من السجن، سيبدأ انتقامه، سيجد من شتت هذه العائلة "اقسم اني سأنهيك وسأقتلك واقطع جسدك وانشر كل قطعة في مكان لتتغذى عليك حيوانات الغاب" كان هذا مخطط مجنون الحفرة، ليبقى سليم في الحفرة، ولينتقم هو لابيه واخوته، انتبه لتجمع عدد مخيف من الرجال حوله "التمساح يرسلك لك سلامه" "حقاً!" "اجل ويقول لك لترسل سلامه لوالدك واخيك" كان في ايديهم ادوات شديدة الحدة غير تلك المعهودة، تفادى الاولى والثانية، واخذ سلاح الثالث، انزلهم جميعاً، لكنهم لا ينتهون عشرة خمسة عشر عشرون، ولازالو يأتون من كل مكان، باغته احدهم ليزرع سكينه في خاصرته مرة ثم سحبها وغرزها مرة اخرى، استطاع الاخر افلات نفسه وقتل المعتدي لكن ما الفائدة دماءه تقطر ارضاً، ولا احد حوله، امسك جانبه ضاغطاً ع جرحه، وحاول الاقتراب من الباب لكنه مغلق، طرق ع الباب ونادى باعلى صوته لعل احداً يسمعه فيما بدأ يشعر بالغثيان، غالباً سيفقد وعيه، ارتكز ع الجدار وضغط ع جرحه "ايها الحرااااس، اح احتاج مساعدة هنا،،،،" يخفت صوته "اين انتم يا هذا!" لتخور قواه ويسقط جالساً ارضاً يستند ع ذلك الجدار بينما ملئت دماءه المكان...
"صالح!" "آبي! ماذا تفعل هنا؟" اقترب كلاهما من بعضهما بينما تفقد جومالي ابن ابيه من اخمص قدمه حتى خصل شعره "هل انت بخير يا فتى؟" "بخيير آبي، ماذا تفعل هنا؟" "اين نحن اساساً!" "لا مكان، نحن بلا مكان، ابقى هنا وحدي منذ مدة طويلة، وحيداً" لم يجب جومالي بل اقترب وعانق الاخر بشدة ليبادله الاخر العناق بقوة و تبادلا البكاء ايضاً "ماذا حدث؟ كيف انتهى بك الامر هنا؟" "لا اعرف فقط اتذكر اني شعرت بالم شديد هنا (مشيراً للجهة اليسرى من صدره) ثم وجدت نفسي هنا ومر وقت طويل وانا هنا لوحدي" "هل رأيت ابي؟" "يوك آبي اقول لك انا هنا لوحدي مع هذا" "من؟" "فارتولو" نظر جومالي لصالح باستغراب "فارتولو!" "اجل آبي، انه لا يريد الاستسلام، ولا يدعني استريح، روحي تؤلمني، لكنه لا يسمح لي، يريد الخروج، وبالكاد اقنعه بالبقاء" "ماذا تهذي يا بني؟" "آبي، فارتولو سيء جداً لا اريد ان يستيقظ هو، اننا ننام منذ شهور وانا هنا لوحدي اتصارع معه، لكنه يفوز، لا اقدر ع منه بعد الان" "ولما لا تستيقظ انت يا بني ماذا ينقص صالح؟" "لا اريد، انا نلت من هذه الدنيا قدر استطاعتي، لا اريد المقاومة في حرب انا اعرف اني سأخسر فيها" "صالح ما هذا الكلام يا فتى!" "حقاً انظر لحياة صالح كم تعذب، لماذا سيكمل رحلته مع هذا العذاب! ها!" نظر جومالي بدهشة الى الذي امامه واجابه بهدوء غريب "اذاً ليستيقظ فارتولو، ليقاوم هو ويبقيك حياً"...
تماماً في نهاية الشهر الرابع ع تلك المصيبة، اربعة شهور في غيبوبة، كان كهرمان (عارف) يمشي ذهاباً واياباً في غرفة المشفى تلك يتكلم ع الهاتف "هل مات؟ جيد، ع الاقل حصلنا ع نتيجة جيدة، ماذا عن والدهم؟ هل وصله خبره؟ ماذا فعل؟ كم يتصنع القوة هذا العجوز، حسناً اراك لاحقاً، التفت في طريقه ليقترب من النائم بجانبه "هيا لتستيقظ انت ايضاً مللت من الانتظار يوجد الكثير من الاسئلة لتجيب عليها، اولها ما سر هذا الوشم الذي ع ظهرك بين كتفيك في ذات المكان الذي اضع وشمي فيه!" ربت ع كتف النائم وخرج من الغرفة، ولم ينتبه لان الاخر قد فتح عيناه اخيراً...