Part 50 - السايكوباتية

123 10 9
                                    

مخيلة المريض النفسي، حيث تعصف الدنيا بجميع انواع الافكار والمشاعر هناك، لنبدأ بالسايكوباث، من يرى ان العالم يجب ان يسير بطريقة معينه والا لا داعي لوجوده من الاساس، لهذا، لنفتتح قصة اليوم بالكلام قليلاً عن السايكوباث، ومن يكون...
في حين أن هوليوود غالبًا ما تصور المرضى النفسيين على أنهم قتلة متسلسلين، إلا أنه ليس كل المرضى النفسيين بهذا القدر من الشر. فيظهر الكثير منهم سمات سيكوباتية بدرجات أقل بكثير.
في الواقع، من المحتمل أنك واجهت عددًا قليلاً من المرضى النفسيين في حياتك الواقعية. فالمرضى النفسيين منتشرون جدًا في العالم. في حين أن حوالي 1% من عامة السكان يظهرون سمات سيكوباتية، فقد سجل حوالي 15% من نزلاء السجون يستوفون معايير كونهم مرضى نفسيين.
قبل أن تتمكن من اكتشاف مريض نفسي، عليك أن تفهم ما يعنيه ذلك حقًا. إن المرض النفسي ليس تشخيصًا طبيًا حقيقيًا. يقع المرضى النفسيون - جنبًا إلى جنب مع المعتلين اجتماعيًا - تحت تشخيص اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.
قد ينشأ اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع من مجموعة متنوعة من العوامل الوراثية والبيئية. تميل الأعراض في الوصول إلى ذروتها خلال أوائل العشرينات.
ليس من السهل دائمًا اكتشاف المرضى النفسيين حتى بالنسبة للمعالجين المدربين. فهم غالبًا ما يكونون محبوبين جدًا - على الأقل في البداية. لكن مع مرور الوقت، تصبح طباعهم الحقيقية واضحة بشكل متزايد.
وفيما يلي خمس علامات تدل على أنك تتعامل مع مريض نفسي:
1. إنهم ساحرون للغاية.
غالبًا ما يكون المرضى النفسيين محبوبين. لقد ظهروا كأشخاص مبهجين بارعين في إجراء محادثات قصيرة. ذكائهم السريع يميل إلى جذب الناس إليهم. عادة ما يكون لديهم قصص مثيرة للاهتمام أيضًا. تصورهم لحكاياتهم المقنعة وفي ضوءٍ ملائم وقابل للتصديق و يشعرون من حولهم بالارتياح.
2. لا يشعرون بأي ندم.
قد يكون عدم الشعور بالذنب هو أول علامة حمراء تشير إلى أن شخصًا ما قد يكون مريضًا نفسيًا. فلا يتحمل المرضى النفسيون أي مسؤولية عن إيذاء مشاعر الآخرين. وبدلا من ذلك، فإنهم يلومون الآخرين وينكرون أي مسؤولية. قد يقول المريض النفسي أن شخصًا ما "يستحق" أن يُعامل معاملة سيئة. أو قد يتجاهلون التقارير التي تفيد بأنهم أساءوا إلى شخص ما بقول أشياء مثل، "حسنًا، يجب أن تكون أقل حساسية" أو "أوه، حسنًا، أعتقد أنها لا تستطيع التعامل مع الحقيقة". إنهم غير قادرين على الشعور بأي ندم حقيقي.
3. إنهم متعجرفون حقًا.
المرضى النفسيين لديهم شعور متضخم بالأهمية. مثل النرجسيين، يعتقدون أن القوانين والقواعد المعتادة لا تنطبق عليهم.
كما أنهم يميلون أيضًا إلى امتلاك أفكار عظيمة حول إمكاناتهم. إنهم يعتقدون أنهم يستحقون أن يصبحوا المديرين التنفيذيين أو أنهم مقتنعون بأنهم الأفضل في كل ما يفعلونه. (محور المجرة)
4. يخوضون مخاطر كبيرة
لا يهتم المرضى النفسيون كثيرًا بقضايا السلامة، وخاصة سلامة الآخرين. غالبًا ما يكذبون ويغشون ويسرقون للمضي قدمًا. يمكن أن يكون سلوكهم سامًا بشكل خاص.
في حين أنه ليس كل المرضى النفسيين ينخرطون في أنشطة غير قانونية، فإن أولئك الذين يقومون بذلك يخططون لجرائمهم مسبقًا. عادة ما يكون سوء سلوكهم منظمًا بشكل جيد، ولا يتركون سوى القليل من الأدلة وراءهم. يميل المرضى النفسيون إلى أن يكونوا أذكياء للغاية، مما يجعلهم محتالين رائعين.
5. إنهم متلاعبون بارعون
لا يشعرون بمشاعر حقيقية تجاه الآخرين. لكنهم يستطيعون تقليد مشاعر الآخرين، وغالبًا ما يبدون صادقين جدًا. ونتيجة لذلك، لا يكون لدى أحبائهم في كثير من الأحيان أي فكرة عن أنهم غير قادرين على رعاية الآخرين حقًا.
السايكوباثيين بارعون حقًا في التلاعب بمشاعر الآخرين. إنهم يتملقون الآخرين بطريقة خفية لكنها فعالة، وسرعان ما يُقنع الآخرين بفعل أشياء لا يريدون القيام بها...
والان لنعود الى قصتنا...
فُتح الباب، لربما بالمصادفة، ولربما بسبب كثرة المحاولات، فتحت الباب وتحركت بهدوء شديد، تخطو على اطراف اصابعها، حتى سمعت صوت ياماش يأتي من الاسفل "في اي رف تضعينه؟" "الرف الثاني" "تمام وجدته" انتظرت حتى تأكدت انه عاد لغرفة المعيشة وتسللت بهدوء الى الطابق السفلي وخصوصاً المطبخ، والى الباب، فتحته بهدوء، وخرجت، وما ان خطت للخارج توقفت ونظرت حولها، ثم قررت المضي في فعل لا رجعة منه، ففي قاموسها جميعهم مخطئون بحقها ويجب عقابهم، عادت ادراجها بهدوء الى المطبخ، واخذت اكبر سكين واكثرها حدة، تكاد تشابه سكين الجزار، اقتربت لتقف خلف الجدار، وانتظرت ياماش حتى خرج من الغرفة وابتعد قليلاً، فخطت خطوة الاولى في مخططها، ودخلت للغرفة حيث سنا، تخبئ السكين خلف ظهرها، "انيه! ماذا تفعلين هنا؟" سألت سنا بنبرة مرتجفة فيما نهضت بتوتر ظاهر لدرجة انها كادت تتعثر بخطواتها، الا ان الاخرى لم تجب بل حدقت بها بلا معالم، لتتلعثم الاخرى بالكلام "ه هيا لتجلسي حتى يأتي ياماش" تراجعت ينا للخلف قليلاً فيما اشارت لسلطان ان تجلس عبى الاريكة، فردت الاخرى بصوت يقشعر له البدن من بروده ثم ابتسمت بهدوء ونطقت "يوك، لا داعي، متى موعد الولادة؟" اقتربت ومدت يدها الفارغة الى بطن سنا "قريباً، لا اعرف متى لكن قال الط..." لم تنهي كلامها حتى صنعت السكين طريقها في بطنها "هايير (صرخت) ارجوكِ لا تفعلي!" كانت الضربة الاولى، ثم الثانية والثالثة، تركزت في بطنها، استهدفت اجنتها، سحبت سلطان السكين وتركت سنا لتسقط ارضاً بلا حراك، فاقدة الوعي ولربما الحياة، سقطت بوجهها على الارض، فيما صنعت الدماء طريقها من اسفل جسدها، "لنشتري عربة كالتي بالفلم، تنفع للتوأم، عندما نخ.." صمت واعتلت ملامحه الصدمة عندما رأى ذلك المنظر امامه، زوجته وحبيبته الحامل مرمية ارضاً في بركة دماءها! هتف باسمها واقترب منها، لكن قدماه تجمدتا وتجمد هو مكانه، يخاف من حقيقة ما يراه، بل يرتعب من الفكرة، تشوش عقله لا يستوعب كيف ومتى حدث هذا! كل ما خطر في عقله انها تنزف واغمي عليها بسببٍ يخص الحمل او الولادة، الا ان تلك الفكرة تبددت تماماً حين شعر بحركة في البيت، بل وصنع ذات السكين طريقه في ظهره وخاصرته، "تماماً كما تفكر يا بني، بالضبط هكذا، فلتذهبوا الى الجحيم جميعاً" همست في اذنه فيما سحبت هاتفه من جيبه ثم سحبت سكينها من جسده، بقيت امامه حتى سقط ارضاً بقرب سنا، ثم خرجت من هناك وكانت قد رمت هاتفه  في الغرفة الاخرى، ثم عادت الى المطبخ لتغسل يديها، لتخرج وكأن شيئاً لم يحدث، الا ان صوت البوابة وهي تُفتح قطع صفو تفكيرها وعكر مزاجها، فما كان منها الا ان قطعت التيار الكهربائي في البيت وانتظرت بقرب الباب، والسكين في يدها، قررت في اخر لحظة ان تفتح الباب كأن هناك من اقتحم المكان، فما هي الا لحظات ودخل سليم للداخل يبحث عن اخيه الاصغر، ويتكلم عبر الهاتف، ما ان خطى داخل البيت حتى هتف "ياماش! اين انتم؟" لكن لم يأتيه جواب "انتظر لحظة يا صالح، لارفع الكهرباء الله الله، وترتني والله" اشعل ضوء هاتفه ومشى في البيت الى او وصل قابس الكهرباء، ورفعه، ليُصدم من المنظر امامه، رائحة الدماء والموت التي ملئت داخله، ارتعدت اوصاله وارتجفت يداه، ثم سمع صوتاً مألوفاً من خلفه "ألن تتصل بالاسعاف؟" تلاها صدمة قوية اطاحت به مغشياً عليه، فيما تسربت الدماء من رأسه لترسم خيطاً بل خيوطاً على وجهه، ثم فقد وعيه بالتدريج وكان اخر ما سمعه هو صوت امه وهي تكرر  ذات العبارة فيما اعادت انزال قابس الكهرباء "سأنهيكم، سأنهيكم جميعاً، لكن ببطئ، فرداً فرداً، من الصغير للكبير، لن يبقى غيرك يا ادريس وسأقتلك بعدهم" ثم اختفى الصوت تماماً، ودخل في سواد اغشى نظره ووعيه، لم يبقى الا صوت صرير الباب الذي فتحته سلطان وخرجت منه، وصوت صالح الذي يأتي من الهاتف الملقى جانباً "سليم! هل تسمعني! سليم ماذا يحدث!"  لكن لا جواب يأتيه من اي مكان، يصرخ ولا يجد من يسمعه، خرجت سلطان وتركت الباب مفتوح خلفها واثر الدماء ترسم طريقها الى نصف الممر ثم السكين التي رمتها في طرف المكان..
على الطرف الاخر من الخط، جن جنون من قطع الاتصال به وهو على بعد اميال وامتار، يقود سيارته بجنون، لكنه يعرف ان طريقه على الاقل ستحتاج ساعة ونص او حتى ساعتين، فما كان منه الا ان اتصل بالدفاع المدني والطوارئ "الو" "مئة وواحد ما حالة الطوارئ؟" تلعثم قليلاً واكمل راوياً ما جرى ضمن محادثته مع اخيه، ثم استرسل واصفاً عنوان بيت ابيه، وما هي الا دقائق حتى دخلت دورية الشرطة اليه والتي وجدت الباب مفتوحاً والدماء في كل مكان فقامت فوراً باستدعاء الاسعاف، والتي تزامن وصولها الى البيت مع وصول الاخوين الاكبر، اللذان تبددت كل امالهما عندما لمع ضوء الاسعاف في عينيهما، ركنا السيارة جانباً وهرولا الى البيت، الا ان ضابط الشرطة اوقفهما "الى اين؟" "بيتنا" "اتفهم ذلك، لكنه مسرح جريمةٍ ايضاً" نظر كل منهما للاخر فيما احتلت معالم الصدمة والرعب على وجههما "عذراً حضرة الضابط، لكن ماذا تقصد بجريمة؟" سأل جومالي مرعوباً ليأتيه جواب اكثر رعباً من الضابط، "وردنا اتصال من الجهة الاخرى من المدينة، من شخص يدعى صالح كوشوفالي.." "اجل هذا اخونا ايضاً" اكمل الضابط بعدها "فهمت، وطلب توجه دورية الى هذا العنوان، وعندما وصلنا وجدنا ثلاث ضحايا، رجلان وامراة حامل، فطلبنا الاسعاف فوراً، ولهذا سنغلق هذا المكان لعدة ايام فيما نجري تحقيقاً في ما حدث، من كان في البيت؟" الا ان الاخرين شردا في كوكب اخر، فانسحب الضابط من المكان "نيه! آبي ماذا يقول هذا؟ ماذا حدث؟ لا افهم!" الا ان الاخر لم يجب فقط صامت، فلا كلام يخفف من هول ما حدث فنادى على الضابط مجدداً "هل هم احياء؟" اقترب ضابط اخر وابتسم بدفئ ورد عليهم بهدوء "احياء، لكن اصابة المرأة حرجة، والشابين خطيرة الى متوسطة، سنأخذهم للمشفى فوراً ان كنتم تفضلون السير خلف سيارة الاسعاف" "اي مشفى؟" سأل ضابط الاسعاف " سنذهب الى مشفى المدينة، بسبب خطورة جروحهم" اومئ جومالي وعاد الى السيارة فيما شحب كهرمان وتجمد مكانه، وانطلقوا خلف سيارات الاسعاف، "اتصل بصالح" هتف جومالي ليجيبه الاخر "ماذا؟" "اقول اتصل بصالح حتى لا يتسبب بحادثٍ الان" الا ان الاخر لازال في جموده، ينظر في الفراغ، ويبكي حالهم بلا دموع، فاخرج جومالي هاتفه، واتصل ع رقم صالح "ارجوك رد على هاتفك هذه المرة فقط، ولا تقل اكوبين اخذه منك.." فسرعان ما اجاب الاخر "آبي! ارجوك قل انك وصلت في الوقت المناسب" "اين انت يا صالح!" "في الطريق" "وكم السرعة التي تقود بها!" الا ان صوت مكابح سيارة الاخر طغى على صوته الذي اختفى تماماً...
"ادريس بابا، ادريس بابا، الحق..." صوت سالم كان قد ملأ المكان، شعر ادريس وكأن قلبه انقبض وتوقف للحظة من نبرة صوت سالم، الذي وصل لادريس وهو يلهث من تعبه "ياماش ابي وسنا ابلا، وسليم ابي ايضاً.." فهم ادريس فور سماع اسماءهم ونهض منتصباً بل متعثراً واشار لايمي ومتين وسحب سالم من يده، "اخبرني، ماذا حدث" "لا اعرف، كنت قد ذهبت لدورة المياه وعندما خرجت كانت سيارات الشرطة في كل مكان، وبعد لحظات حضرت سيارات الاسعاف، بابا يوجد الكثير من الدماء، يقولون ان احدهم قام بطعنهم، لا اعرف.." نظر ادريس لايمي ومتين الذي احضر السيارة فوراً "متين، لتخبر ميدات وكمال ليأخذوا النساء والاطفال الى بيت صالح، اخبرهم باي سبب ولا تخبرهم بشيء حتى نفهم ما حدث، نحن سنذهب الان، جيلاسون تعال لتقود انت السيارة، هل نعرف الى اي مشفى اخذوهم؟ سالم!" رد سالم متلعثماً "قال الضابط مشفى المدينة" فانطلق جيلاسون فوراً الى عنوان ذلك المشفى..
"صاالح!" هتف جومالي عندما سمع صوت تحطم ثم اختفى صوت صالح من الطرف الاخر، لكن لا جواب، "يا صاالح!.." لحظات كادت توقف قلبه من الخوف "اسمعك آبي، من امامي تسبب بحادث، وسقط الهاتف من يدي،  اعتذر" تفادى الاخر حادثاً مميتاً بصعوبة، "ليلعن...، لن اشتم الان، لاراك امامي ثم نتحاسب ايها الاهوج، اين انت؟" "على بعد ساعة من الحفرة" "اها، اسمع، نحن سنذهب الى مشفى المدينة، لتتواصل مع اندريا ليرتب هو الامور هناك، بما انه يعمل في تلك المستشفى" "ما مدى سوء الوضع؟" "لا اعرف، لم ارى، لكن يبدو انه سيء، هيا لتنتبه لطريقك وتتمهل، لا تتسبب بحادثٍ اخر، يكفينا ما حل بنا" "تمام.." "لتصل بسلامة لافهم كيف كنت انت من ارسل الشرطة للمنزل، كيف علمت؟" "لاصل ونتطمئن على حالهم واخبرك.." "نحن وصلنا، اتصل بي عندما تصل الى هنا" "حسناً" "قد بحذر" "تمام ابي" واغلق الخط فيما راقب الطاقم الطبي ينتظرهم بالخارج...
تم توزيعهم على ثلاثة غرف معاينة، الاولى، سنا، طاقم طبي شمل طبيبة نسائية وجراحة وطوارئ، من تركيب انبوب تنفس ومراقبة العلمات الحيوية، الى تركيب مدخل وريدي واعطاء السوائل وسحب الفحوصات، الى فحوصات تتعلق بالاجنة، وصور اشعة طبقية والتراساوند والعديد غيرها، وخلال دقائق تم اقرار ادخالها لغرفة العمليات فوراً مع اخبار جراح الاطفال ليرافقهم، الى الغرفة الثانية، ياماش، طبيب طوارئ وجراحة، قناع الاكسجين، اجهزة المراقبة، العلامات الحيوية، مداخل وريدية، صور اشعة والتراساوند سريعة، ثم استدعي طبيب الجراحة العامة وطبيب تخصص الكلى، ثم الى غرفة العمليات التي أُخذ عليها، واخيراً الى سليم، من صور طبقية لرأسه الى خياطة جرحه وايجاد مدخل وريدي للسوائل، كان قد فاقداً لوعيه كحال الاخرين مما زاد خوف الاطباء لاحتمال نزيف داخلي، ولحسن حظه لم يكن، فأبقوه في غرفة الطوارئ حتى يستفيق ويعاينه طبيب الاعصاب...
"يبدو انها لم تكن تنوي على صالح فقط.."
نكران مصيبة، لربما تحدث ولربما لا تحدث، وانتظار معجزة تثبت ان تلك المصيبة لم تحدث من الاساس، وصل كبير العائلة وهو يدعوا ان ما يدور برأسه فقط في رأسه ولن يتحقق، الى ان رأى معالم وجهي ابنيه الاكبر ففهم ان المصيبة قد حدثت فعلاً، "ماذا حدث؟" سأل بصوت يرتجف فالتفت له جومالي فوراً "بابا!" ثم نظر الى ايمي "كيف علمتم؟" "سالم" "والباقيين؟" "ارسلناهم الى بيت صالح" "جيد" قاطعهم ادريس هاتفاً "اقول ماذا حدث؟" "لا نعرف" اجاب كهرمان فيما اقترب ليمسك بيد ادريس ليجلسه على كراسي الانتظار، الا ان الاخر سحب يده بغضب، "قلت لكم ان هذه المريضة يجب تُحبس، لكنك اصريت على ابقاءها في البيت! انظر الى اين وصلنا" "لكن لا نعرف ان.." "أتحتاج دليلاً اكبر من هذا! هذه المرأة يجب ان تُقتل واليوم قبل غد، يبدو انها لا تنوي على صالح فقط" قاطعهم خروج الطبيب من غرفة الطوارئ الى قسم الاستقبال "اين اقارب كوشوفالي؟" فاشارت له الموظفة "هناك" تزامن وصوله مع وصول اندريا واخته "زال البأس" نطقا فيما التقيا مع ادريس وابناءه ثم اعتذر اندريا ساحباً اخته "نحن سنلقي نظرة ونرى كيف نستطيع المساعدة" اومئ الاخوان فيما اختفى اثرهما من ناظرهم، لحظات وعاد برفقة الطبيب "مرحباً" اقترب ثلاثتهم منه فيما بدأ كلامه "لندخل الى الغرفة هناك ونجلس لنتحدث" وما ان وصلوا حتى استرسل بالكلام "وصلنا ٣ حالات، احداها حرجة والاخرى خطيرة، والثالثة متوسطة، لنبدأ من هنا، سليم، اصيب غالباً بارتجاج بسبب تعرضه لصدمة عنيفة على رأسه، تسببت بجرحٍ غائر، بعد الفحوصات تبين انه لا يوجد نزيف لكنه لازال فاقداً لوعيه، ننتظر استيقاظه، سنجري له الفحوصات اللازمة حينها قبل ان تطلبه الشرطة للتحقيق، والاخر ياماش، تم طعنه مرة واحدة في خاصرته اليمنى، غالباً اصابت كليته اليمنى ومن الممكن ان هناك ضرر باعضاء اخرى، سنفهم طبيعة حالته عندما يخرج الجراح.." اخذ نفساً عميقاً واكمل "اما سنا، فحالتها خطرة، لا نعرف حالة الاطفال، لكن جروحها خطيرة فالطعنات تركزت في البطن والحوض، واختلاط دماء الاطفال والمياه التي تحيط بهم مع دماءها يعتبر خطير جداً، ما اقوله ان تتوقعوا كل شيء، لكن لا تفقدوا الامل بالله" ثم نظر لاندريا "طلبت من اختك ان تشرف على حالة سنا، وانت لتبقى بجوارهم" "الن تحتاجوا لي؟" "لا، الطاقم يكفي في الداخل، ان احتاج الامر تدخلك نخبرك فوراً، ثم سننقل سليم الى غرفةٍ خاصة لننتظر استيقاظه، لهذا انتظر هنا معهم" اومئ الاخر فيما انسحب الطبيب، مرت عدة دقائق، وعاد الطبيب مجدداً وقادهم الى غرفة في قسمٍ اخر، الى غرفة سليم، حيث بقي ادريس وكهرمان فيما عاد الاكبر وبقي بقرب قسم العمليات...
مرت ساعة، بعد الاربعين دقيقة، ركن السيارة في مكان ما، وهرع للداخل، اصطدم بجيلاسون، في طريقه "آبي، لقد وصلت؟" وعانقه جيلاسون الا ان الاخر مغيب العقل، لا يعرف كيف وصل الى هنا، لا يذكر اي شيء الا دوامة الافكار التي صدعت رأسه منذ فقدانه الاتصال مع سليم الى وصوله الى هنا، ذكريات مشوشة فقط، تختبئ خلفها العديد من المشاعر والافكار التي تتصارع في جوفه، فابعد جيلاسون هاتفاً "اين هم؟" "في العمليات، اخي سليم بخير، لكن ياماش ابي و سنا ابلا..." الا ان صبر الاخر نفذ سريعاً فصرخ بمن امامه "تكلم جيلاسون لماذا تتلعثم هكذا!" نظر للجهة الاخرى واكمل غاضباً "اين قلت مكانهم؟" "العمليا.." تركه وهرول مسرعاً الى ذلك القسم، فهو يحفظ اجزاء هذا المشفى اكثر من طريق بيته بسبب رحلة علاجه، يتسارع نبضه مع انفاسه مع كل خطوة اقترب بها من ذلك القسم، يكاد يقسم انه يكاد يفقد نفَسه من سرعته وضحالته، وكأن كل نفس يأخذه يُحبس في جوفه ولا يخرج، وحرارة تشتعل في جوفه، تحرق داخله، لربما هذا حال باقي الاخوة أيضاً، جميعهم، وصل الى قسم العمليات ولمحه اخوه الاكبر، التقى بصرهما فوقف مكانه، كان قد تجمد تماماً، بل تصنّم جسده، وبقي في مدخل القسم، "صالح!" همس جومالي الذي نسي ان اخاه الاصغر في طريقه الى هنا، اقترب وجذبه الى المكان الذي كان يقف فيه "صالح هل انت بخير؟" الا ان الاخر اجاب في امر اخر، رفع رأسه ورد فيما ارتجف  صوته "هل قتلتهم؟ هل جنت الى هذه الدرجة!" نظر له جومالي بقلق وسحبه الى كرسي في طرف المكان وفتح قنينة ماء بارد ورمى بعضاً منها في وجه الاخر، ثم اقترب و انحنى ليجلس القرفصاء امام الاخر "صالح، انصت لي، هذا ليس وقت نوبات هلعك، استجمع نفسك، لم يمت احد بعد، سليم بخير، اصيب بارتجاج فقط، ولا نعرف ماذا سيحصل بعد الان لكن لن نقفز الى استنتاجات ونتائج الان، لازال الوقت باكراً لذلك" نهض وجلس ع الكرسي بجوار صالح مربتاً على قدمه "لا تدع ابي يراك بهذه الحال" سحب الاخر نفساً عميقاً وزفره بتنهد "هل نعرف اين هي؟" رد الاخر برفع حاجبيه للاعلى "تؤ، وهذا ما سيفقدني عقلي" صمت للحظة وعاد ليكمل "لكن كيف علمت انت؟" "اكوبين، اخبرني انها تنوي انهاء الجميع ولو احتاج الامر ان تنهي حياتها، يعني ان الامر لم يعد يقتصر علي انا فقط" رد الاخر بنبرة عالية "ولماذا انتظرت طوال هذه المدة لتخبرنا!" "لم اكن اعلم، مع ذلك حذرتكم منها، هل تذكر عندما رميتها امامكم، عندما اخبرتك انها هي من دبر موتها، من اوقعنا في دوامة اكوبين، لا ترمي الامر علي الان! انا لم اكن بينكم حتى" صمت كلاهما للحظة قبل ان يكمل صالح "اتصلت بسليم بعد ان اخبرني بذلك، وبقيت ع الخط، الى حين دخل البيت ثم اختفى صوته، فهرعت الى الحفرة، تبين بالنهاية انني لم الحق، ولن الحق، فاتصلت بالشرطة لتتفقد الامر، فتبين انه كارثة وليس.." "حسنٌ فعلت" تنهد كلاهما بحرقة تترجم الحروب التي تجري في داخلهما،حل ابصمت بينهما لدقيقتين قبل ان ينطق جومالي "يجب ان ترى طبيباً" "لماذا؟" "اقصد طبيباً نفسياً لاجل نوبات الهلع هذه، فقدت وعيك في المرة السابقة" نظر صالح لاخيه بطرف عينيه "نذهب سويةً اذاً" "هل انت طفل لان! ستأخذني الى كل مكان تذهب اليه! الله الله" رد الاخر ممازحاً محاولاً تلطيف الجو "يوك، انت ستذهب بسبب نوبات الغضب.." رد الاخر غاضباً "لا تجعلني اضربك الان، المكان والزمان غير مناسبين، لننتهي من هذه المصيبة وسيكون لك حساب اخر، انتظر فقط"  ابتسم الاخر بسذاجة ثم تحولت ابتسامته من وجهٍ سميح الى وجه امتزجت به معالم الحزن والخوف...
ساعةٌ ونصف مرت، بل تلتها ساعةٌ اخرى، قبل ان يخرج احدهم بخبر لمن ينتظر في الخارج، "هل من خبر؟ طال غيابهم" سأل ادريس الذي عاد للتو من غرفة سليم، فاجابه جومالي  بالنفي، فيما اشار بعينيه للشاب الذي يقف في زاوية المكان شارداً في كمية المصائب التي حلت على رأسهم، فالتفت ادريس اليه "لقد اتيت اذاً!" رفع الاخر نظره ليلتقي بنظر ابيه، فاقترب بخجل مقبلاً يد والده، يعرف تماماً مدى غضب ادريس منه، ويتفهم ان غضبه هذا لن يزول سريعاً، فلو تبدلت الادوار لغضب هو ايضاً، "بابا.." نظر له الاخر قاطباً حاجبيه فيما يرتسم في عينيه الاشتياق والراحة  مدمجاً بالحزن بكل انواعه، "هل انت بخير؟" "بخير" "جيد، لتبقى كذلك حتى نجد حلاً لهذه المصيبة..." قاطع كلامه خروج الطبيب منادياً باسم ياماش، رافقه اندريا الذي ترك العائلة وفضل البقاء بالداخل، خرجا واتجها الى ادريس وابنيه، الذين للحظات شعروا وكأن قلوبهم  تكاد تقف، يراقبون ملامح وجه الطبيب ان كان مرتاحاً فأخباره جيدة، وان كان عابساً فلا خير سيخرج من فمه، لربما قدم ما يستطع لكنه ليس كافياً، تقدم الطبيب بلا ملامح واضحة، وطلب منهم الجلوس، وهذا بذاته اشارة سيئة، هل مات مريضهم؟ فكرة تدور في عقولهم لكن طرحها بينهم مرفوض، بدأ الطبيب كلامه ب"فعلنا ما باستطاعتنا، لكن.." لا شيء جيدٌ سيأتي بعد لكن فهي حرفٌ للاستدراك، يأتي مع النهي والنفي، ان فعلوا ما يستطيعون ثم نُفي! يعني ان ما فعلوه لم يكفي لانقاذه، تنهد الطبيب بهدوء واكمل "لازال في حالةٍ غير مستقرة" اذاً هو حي، لكن لا نعرف ان سيبقى او لا، واتبع "فقد الكثير من الدماء، واصابته تسببت بتضرر بالكلية اليمنى وطرف الكبد، لكننا نخاف ان تكون قد وصلت الاعصاب، عالجناه بقدر الامكان، لكن سننتظر استيقاظه ونرى" صمت واتبع "سننقله لغرف العناية المكثفة، سنراقب وضعه ووضع الكلية المصابة، حتى ان تكرر النزيف مجدداً نتدخل فوراً، طبعاً لتكون بالعلم سنبقيه مخدراً في البداية ثم نزيل التخدير بالتدريج، وهذا الامر سيستغرق يومين، ان نجى فيهما، فسينجوا باذن الله" نهض ولتفت الى جهتهم "لتدعوا له بالشفاء، فنحن بيدنا الدواء، وبيد الله الشفاء" ابتسم بدفء وانسحب من المكان...
بعد ساعتين، كان الموعد مع طبيب سنا، الذي خرج وبرفقته كارينا، شقيقة اندريا، الطبيبة النسائية، عيونها الدامعة شرحت سوء الحال بالداخل، لكن ابتسامتها عندما اقتربت منهم اراحت القلوب قليلاً، فبدأ الطبيب كلامه بدلاً منها "للاسف، فقدنا احد التوأمين، نحاول جاهدين الابقاء على الاخرى" "اخرى!" سأل ادريس بنبرة مكسورة لتبتسم كارينا بحزن واجابت "ايفيت التوأمين فتيات" "كان.." "لازالت الاخرى على قيد الحياة" "والام؟ سنا!" "في وضع حرج" رد الطبيب الذي بدا اكثر حزماً من كارينا، ثم اتبع "لنجلس واشرح لكم الامر بالتفاصيل" واشار اليهم ليذهبوا الى غرفةٍ هادئة قبل ان يبدأ شرحه "ثلاث جروح، صنعت طريقها في بطنها وواحد تبين انه في رقبتها، لحسن حظها انه اصاب مكاناً يبعد مليمترات عن الشريان السباتي، الاصابات الاخرى استهدفت البطن وتحديداً الاجنة، تم طعن الاجنة في بطن امهم.." تردد هذه الجملة في عقول ثلاثتهم بل عقول الجميع، فحتى كهرمان وصل فور خروج الطبيب من عملية سنا، اكمل الطبيب راوياُ "اولاً فقدت من الدماء ما يكفي لتقليل كمية الاكسجين التي تصل للدماغ، مما يعني احتمالية الضرر في تلك الناحية، اختلط دماءها بدماء الاطفال مما تسبب بتكسر لخلايا الدم، مما يرفع نسبة مادة البليروبين وبالتالي زيادة الجهد على الكبد، لكن الاسوء هو اختلاط دماءها مع الماء او السائل الذي بحيط بالاجنة، والذي قد يتسبب بتجلطات دموية تسير في الشرايين وبالتالي قد تتسب باغلاق احد الشرايين في الجسم، واهمها القلب والرئتين والدماغ، فتتسبب بفشل بجهاز التنفس والقلب، حاولنا انقاذ الرحم، لكون المريضة صغيرة في العمر، لكن ان تدهور حالها فحلنا الوحيد هو استئصاله، لحسن الحظ ان السكين لم تصل الى اعضاء اخرى" صمت ونظر للحضور ليأتي سؤال من كهرمان "ما احتمالية نجاتها؟" "نحاول جهدنا، قدر امكاننا، لكن لا نعرف ان كانت ستنجو او تنهض مجدداً، لهذا سنبقيها على اجهزة التنفس الاصطناعي وتحت التخدير الى حين نرى اثر تحسن، او الى حين يتم الإعلان انها ميتة دماغياً، فحينها يكون لنا تصرف اخر، نطلعكم عليه حينها، زال البأس باذن الله" ونهض خارجاً من الغرفة فيما بادل الاخوين يلماز نظراتهم ونطق اندريا "دعونا لا نفقد الامل الان، فلازالت الطريق في بدايته، امجا تذكر كيف عاد صالح من حافة الموت، وليس مرة واحدةً ايضاً" رد الاخر "هل هذا وقتي الان!" "يوك، لكنك اوضح مثال" ضحك ادريس على كلامهما ثم تنهد ونظر لمن حوله "انا سأكون بجوار سليم، وانتم لتخرجوا وتتنفسوا قليلاً" زفر الهواء ونهض فيما استجمع نفسه وذهب، لحقه صالح فاشار له ان يبقى لوحده، وذهب تحت انظارهم، التفت صالح الى جومالي "كيف حال سليم؟" "جيدة، استيقظ لعدة دقائق وسأل عن ياماش لكنه عاد للتوم بعد ذلك، سيكون بحال افضل غداً باذن الله" "ان شاء الله" ترددت على السنتهم جميعا، فيما اعتذرت كارينا التي عادت الى دوامها، وخرج الباقون مع اندريا الى باحة المشفى...
لا يسمع بينهم الا صوت حفيف الشجر، يقف اربعتهم لوحدهم في عتمة الليل الحالكة، فحتى القمر اختفى في محاقه، وترك ساحته للنجوم، ولربما للعيون التي تحيط بهم من كل طرف، نطق جومالي موجهاً كلامه لصالح "تستطيع البدء في روايتك" "اي رواية؟" "من اكوبين؟ قلت ان هناك جزءً مهماً لا نعرفه" وما كاد ان ينطق حتى انضم احدهم الى المحادثة، "مساء الخير يا سادة" كان يحمل صينية فيها شاي للجميع ووزع عليهم وعرف عن نفسه "اسمي اصلان" اومئ ثلاثتهم لكن صالح عرف هويته فوراً، فأكمل كلامه "ليشفِِ الله مرضاكم" ثم اتبع فيما ارتشف الشاي "من لكم في الداخل؟ فانا اخي وزوجته مريضان في المشفى"،  رفع صالح نظره له فيما بدا وكأنه يقول اذهب من هنا، تبادلوا القليل من الكلام، الا ان قاطعهم اقتراب سيدة في عقدها السابع، تضع وشاحاً على وجهها، وتقف قبالتهم، تراقب تجمع ابناءها، وفي منتصفهم شخص تتمنى لو تراه في كفنٍ ابيض، رفعت سلاحها، "انيه!" همس كهرمان ثم علا صوته يهتف باسم صالح "صااللح انتبه.." مما لفت نظر الاخرين لها فجذبه احدهم باتجاهه والاكبر قفز امامه لعلها لا تفعل، لعلها تتراجع عن خطتها، الا ان سلاحها الموجه اليهم و صوت الرصاصة كان كافياً ليفهمهم ان ارواحهم لم تعد تعني اي شي لها، فكل منهم فدى الاخر لا فالرصاصة لم تعرف من ضحيتها، ولا المُصاب معلوم،  تدافعوا فوق بعضهم وامام بعضهم وفي منتصفهم رصاصة، لكن الدماء التي نُزفت تشرح خطورة الاصابة، فمن استقبل تلك الرصاصة ؟ هل صالح؟ اصلان؟ جومالي؟ كهرمان؟ ام الطبيب!...

سيل دماء  <•••>حيث تعيش القصص. اكتشف الآن