تلاقت طرقهم اخيراً، والتقت اطراف سلسلة كانت قد قطعت وتفرقت لعدة اجزاء في اماكن مختلفة ، ووقع كل جزء منها بيد تختلف عن الاخرى، ع امل ان يجد كل طرف منها الاخر، لعلها تلتحم جميعها مجدداً وتعود لتشكل حلقة قوية ولا تنكسر مجدداً...
في ساعات الصباح الباكر، بين جبلين وفي ارضٍ سهلة بينهما تتشابك اشعة الشمس مع الجليد المتكون فوق اوراق النباتات، وتنعكس مشكلةً لمعاناً يخطف الابصار، هواء شديد البرودة، وسماء تلمع بها النجوم بجانب الشمس التي بدأت توزع دفئها لكل ما تصل اشعته اليه، وخجل القمر الذي ينسحب ببطئ في الطرق الاخر منها، كان جومالي يجيء ويذهب في نفس المكان، متوترٌ جداً، يفرك يديه بتوتر وينفخ بداخلها لعله يدفئ قليلاً، كان اخر ما يعلمه انه فقد
اخوين واباً بنفس اليوم، لكن اتضح العكس تماماً اوقفه سليم قائلاً "آبي أهدأ قليلاً" ليجيب الاخر سريعاً "هل كل شيء جاهز؟ عليشو ورجال الحفرة؟" "أجل آبي كل منهم في مكانه، متأهبين" "والفتى الذي سنبادله ع صالح؟" "جاهز" "ايي ممتاز، ارجو ان يسير كل شيء كما نريد..."
مرت ساعة كاملة من التوتر والقلق، بعد ان تأخر الطرف الاخر عن اللقاء، "ارى سيارات قادمة جومالي" كان موجز اتصال بين جومالي وعليشو، "واخيراً" كان يمشي وهو لازال يفرك كلتا يديه ببعضهما، ووقف بكل شموخ امام تلك السيارة التي اصطفت امامه، ليست واحدة ولا اثنتان ولا حتى ثلاث سيارات بل عشرة، وخرج من كل منها ٥ رجال "هل احضرت جيشاً!" سأل جومالي باستهزاء، فرد الاخر "لننهي الامر سريعاً، اسيرنا مقابل اسيركم" "الن نتكلم قليلاً ع الاقل لنعرف ما اسمك ع الاقل؟" "عارف" "ايي اسم سخيف لكن اهلاً بك، اين اخي؟" "في السيارة" "واين رجلنا؟" "في السيارة" "اخرجه لنسلم ونستلم، هيا ورائي الكثير من العمل" رفع جومالي نظرة مدققاً بالرجل فيما اشر لرجاله بجلب صالح وفي الجهة الاخرى يمسك جيلاسون برهينتهم...
ذلك الصوت كلما ازداد تردده اقترب من قلوبهم، صوت يعرفونه، لكن عقولهم تكذب ذلك، فصاحب الصوت ميت منذ زمن، "هيا عندما اقول ثلاثة" مقيد اليدين معصوب العينين، يشعر بدوار وغثيان، وتعب شديد، مفعول ذلك المخدر سيء، شعر بدفع احدهم له ليمشي بطريقه، صوتهم مألوف "هذا صوت جومالي آبي، هل احلم انا! ام ماذا؟ اين انا!" امسكه احدهم بلطف وسحبه باتجاه اخوته "هيا آبي، وجدناك اخيراً" كان صوت جيلاسون، مشى بالطريق الذي دله جيلاسون عليه، واخذه باتجاه اخوته، احدهم ازال تلك العصبة عن عينيه والاخر فك يديه، رؤيته مشوشة تماماً، رفع رأسه ليرى خيال اخوته، امسك احدهم وجهه والاخر يده، "صالح! هل انت بخير يا فتى؟" كان صوت جومالي يتردد باذن صالح، كم اشتاق لهذا الصوت، ليتلوه سليم "اوف، لا اصدق انك حي!" يسألونه الكثير من الأسئلة، لكن لا طاقة له ليجيب، همس بصوت خافت "كهرمان آبي حيي" امسك جومالي به سانداً اياه عندما سمع ما قاله صالح لكنه لم يكن واضحاً "نيه! ماذا تقول صالح!" اعاد الاخر جملته بصوت اشد ضعفاً "اخي كهرمان حيي يرزق" انهى كلامه وانتهت طاقته، لن يقاوم الان ليرتاح قليلاً هناك من سيحميه، شد بيده ع ذراع جومالي قائلاً "آبي، انا لست بخير" قالها بصوت متعب بينما يمسك بيد جومالي، ليسقط بعدها بين يدي اكبرهم، كدمية لا روح فيها، جسده مرهق ومتعب، استنفذ طاقته اساساً، حرارته ارتفعت، اجل اصيب بالحمى كالعادة، حاول اخوته ايقاظه لكن لا جدوى، زاد ثقل جسده بين يديه اخيه الاكبر، "صالح! بني رد علي! صالح افتح عينيك يا هذا! انهض!" كان جومالي يحاول جهده ليوقظ الاخر الذي سقط بين يديه، يهزه ويمسح ع وجهه لكن لا جدوى ولا مجيب، جذبه باتجاهه وحمله سريعاً بدون تفكير وجلس بالسيارة ليتبعه سليم ليجلس بالكرسي الامامي وانطلق للطريق سريعاً بين نداءات كبيرهم "سليم الى المشفى بسرعة، الفتى ليس بخير"...
في وقت سابق...
اجتمع جومالي، اكين وسليم بانتظار عليشو، الذي كان يراقب اخوة التمساح طوال الفترة السابقة، "هل ستنجح هذه الخطة؟" سأل سليم "ممكن، لنجرب ونرى" اجابه اكين بينما كان جومالي يشحذ سكينه ليزيد من حدته، "سنجبرهم، سنعيدهم الى هذا البيت حتى لو انهينا العالم اجمع، سيعود كل من صالح وياماش الى هذا البيت" صمت قليلاً ليكمل "هل توصلت الى شيء بخصوص ياماش؟" ليجيب الاخر بنبرة حزينة "ليس الكثير، وجدنا المشفى التي كان يبقى بها تبعاً للصور التي وصلتنا عنه، كان هناك فعلاً، لكن آبي وضعه لم يكن جيداً ابداً" "ماذا تعني؟" "لم التقي بالطبيب الذي اشرف ع حالته بعد، لكن فهمت انه لم يكن بعقله، كان يرى ويسمع اشياء غير موجودة، تم نقله الى مكان اخر" "الا نعرف ذلك المكان؟" "لا، لكن لم التقي بطبيبه بعد، سنجده لا تقلق" نهض جومالي ووقف امام باب المقهى بينما اقترب ايمي من سليم ماسحاً ع كتفه "شدة وستزول لكن تحتاج الصبر" قالها مخاطباً كلاهما واكمل كلامه مخاطباً سليم "هل ذهبت لرؤية ابنتك؟" ليومئ سليم ايجاباً واكمل "ذهبت، وليتني لم اذهب، عندما رأتني عانقتني كأنها كانت تكتم المها حتى تجد احدنا وتبكي ع كتفه، بكت كثيراً وابكتني معها، ارادت العودة لكن لم اسمح لها، وحتى اريد تغيير كنيتها، حتى نحميها اكثر" ليتسائل اكين "ماذا تعني يا ابي؟" "استشرت ازار، وسنغير كنيتها لتأخذ كنيتهم وتصبح منهم" نظر جومالي الى سليم باستغراب "هل تزوج ابنتك سراً يا هذا!" "مجرد زواج ع ورق يا اخي، لتبقى بعيدةً عن المشاكل" "هل اخذت رأيها؟" فرد سليم بنبرة حادة "لا لكن سيحصل ما اريد ولن اناقش احد، يكفينا خسائر الى الان! يكفي!" "لنحل مصائبنا هنا ثم نرى ماذا سنفعل بامر ابنتك" قاطعهم دخول عليشو الى المقهى "يجب ان نترك سريعاً" نطق بسرعة فيما كان يبادل نظراته مع الاخوة "ماذا هناك عليشو؟" سأل سليم ليرد الاخر "سيتحركون، سينتقلون من المكان هذه الليلة، يجب ان نتحرك سريعاً" نهض جومالي من مكانه متجهاً الى عليشو "كيف علمت هذا؟" "انهم يوضبون حقائبهم، وجدت وصل شراء ذلك بالقمامة خاصتهم، وايضاً سمعت مكالمة بينهم، كانو يتكلمون ع مكبر الصوت سينتقلون الى بيت اخر هذه الليلة، في سامسون، سيسافرون بالطائرة، يحب ان نتحرك" نطق عليشو ليتبادل الاخوة الانظار وانطلق جومالي الى السيارة "سلمت عليشو، سلمت" قالهما سليم ولحق بجومالي "آبي الى اين؟" "لنأخذ غنيمتنا الى اين سنذهب!" "انتظر لننادي جيلاسون والرجال" ...
مرت ساعتين تماماً وكان الاخوة، جيلاسون ميكي متين وكمال امام ذلك الباب، دخلو ساحة المنزل بهدوء، انزلو جميع الرجال وانهوهم بدون اصدار اي صوت ودخلو للداخل ليجدو الفتاة ترتب بملابس اخيها "الى اين؟" سأل جومالي بصوت جهوري، لترتعب الاخرى وترفع نظرها اليه مرتجفة "من انت؟" "لا داعي لأن تعرفي" "ماذا تريد منا؟" ابتسم مجيباً "انتم؟ لا شيء اريد امانة من شقيقكم السحلية ذلك" "وماذا ستفعل ان لم نأتي؟" لم تكمل سؤالها حتى دخل اكين ومعه بخاخ مخدر رشه في وجهها ووجه شقيقها فيما ابتعد الباقون "ستأتون قسراً"... حملوهم الى صندوق السيارة، وكرسي العجلات الى سيارة اخرى وعادو للحفرة، امنو الفتاة ببيت العائلة "داملا سعادات، هذه الفتاة فرصتنا للانتقام من التمساح لن تهرب من هنا، وها قيدتها بذات القيد الذي قيدت صالح به ذات يوم، لن يُفتح او يمس، ولا تعطوها اي شيء حاد، لتأكل بيدها" بينما اخذو الاخر الى بيت صالح ووضعوه ع كرسيه ذو العجلات وربطو يديه لحين استيقظ وبدأ يستعيد وعيه "جونايدين" قالها اكين له، ليفزع الاخر عندما نظر حوله ووجد نفسه محاطاً ب٨ رجال "ميدات، انه امانتك، اعطه شيئاً يأكله ويشربه، لا تدعه يهرب، رجل بلا قدمان لن يهرب منك يا ميدات" "تمام جومالي باي"...
وخلال ساعة كان التمساح ورجاله امام المقهى يوجهون اسلحتهم الى الاخوة "اين اخوتي يا هذا! وكيف علمت بهم! ها!" ابتسم جومال وهو يناظر الارض ثم رفع رأسه وبصوت واضح وعالي "من يوجال قبل ان يموت، الان، اعطني اخي اعطيك اخيك، هذا فقط شرطي، صالح مقابل اخيك عديم القدمين" اشتد غضب الاخر ليصرخ وهو يوجه سلاحه الى رأسه جومالي "اخوك ميت، ادلك ع قبره" "تؤ صالح حي، وانا اعلم هذا، هو ليس بحوزتك لكنك تعرف مكانه جيداً، ستجده وستحضره وانا سانتظرك وسأعيد لك اخاك" رفع سكينه ووضعها ع عنق التمساح واكمل "وتأخذ اختك عندما استعيد ياماش، لنكون عادلين واحد لواحد"، انسحب الاخر غاضباً بينما لاحقه جومالي بنظرات حاقدة وهو يتمتم بنفسه "سأنهي سلالتك يا**** ، سأنهيكم جميعاً"...
تواصل التمساح مع السيد الكبير الذي اعطى عارف/كهرمان امراً باطلاق سراح صالح، وان يقوم هو بتبادل الرهائن وان يحضر اخ التمساح له ولا يسلمه للتمساح، وبالفعل حصل ذلك، وصل كهرمان ليجد صالح قد التقى بوالده، كان ادريس قد تجمد تماماً عندما رأى كلاهما امامه، حتى عارف\كهرمان استغرب الامر ايضاً، لماذا ينظر ادريس له بهذه الطريقة! "لان ماذا فعلت يا هذا ماهذا فعلت! ماذا اعطيته؟" "لا يهمك! لا تتكلم" نطق ادريس بصوت مكسور "دعني اراه قليلاً، احضره الي قليلاً ارجوك" رفع الاخر نظره اليه "بأحلامك، اساساً سأرسله لاخوته لا تقلق، يعتنون به" امر رجاله باخذ صالح وتقييده ووضعه في السيارة "كهرمان" التفت الاخر لصوت ادريس "لا افهم لماذا تنادونني بهذا الاسم انت وابنك، غالباً اشبه احدكم كثيراً" ابتسم ادريس عندما سمع صوته وتأكد من صميم قلبه انه هو، هل حقاً التقى هذه المرة مع ابناءه الاموات ام انه يحلم، غالباً يظن انه يحلم، ماذا يفعل كهرمان هنا وهو غسله بيديه، انسحب الاخر من الغرفة ليبقى ادريس يغرق في افكاره...
وصلو في ساعات الصباح الباكر الى مكان معزول بين الجبال، لا يسمع فيه الا اصوات العصافير، اوقفت السيارة "وصلنا يا سيدي، وضع قناعه وهز الذي بجانبه يحاول ايقاظه "صالح، وصلنا" وضربه ع كتفه بعنف وضغط ع يده التي حرقها سابقاً، حتى استيقظ الاخر متألماً "اقسم اني سأجعلك تندم يا****" قالها بصوت مبحوح ومتعب "هيا سننزل" سبقه وخرج متجهاً للقاء نظيره، فيما تحسس صالح طريقه لخارج العربة بينما يشعر بدوار شديد وحرارة تأكل جسده، "اوف يا! انا لا افهم لما تفعلون هذا! دائماً مخدر وجرعات كبيرة! وانا اعاني بعد ذلك وانتم لا يهمكم! تباً لامر كهذا" كاد يسقط فور وصول قدمه الارض ليلتقفه احد الرجال بعنف ويجره باتجاه عارف/كهرمان، سمع صوتاً مألوفاً كأنه صوت اكبرهم، انه صوت جومالي، حتى هو لا يعجبه اسم عارف، كهرمان اكثر جاهة، ابتسم بخفة، بينما يزداد لعيان معدته والم جسده، يسمعهم يتكلمون لكن اصواتهم تبتعد وتقترب لا يستطيع التركيز ابداً، دفعه احدهم للامام فتقدم قليلاً، لا يرى فقد عصم احدهم عينيه وتلك العصمة تضغط عليه، ويداه مقيدتان، ما حصل في اخر فترة ارهقه وذلك المخدر اتعب جسده، لم يشعر بشيء الا بيدين احاطتا جسده بلطف وصوت لم يسمعه منذ مده "آبي هيا لنعود الى البيت" صوت جيلاسون، قاده ببطئ نحو اخوته، حتى وصل اليهم اخيراً، امسك سليم بيديه يفك الحبل الذي يربطها، بينما قام جومالي بفك عصابة عينيه، في ذلك الوقت انسحب عارف\كهرمان من المكان تاركاً اياهم خلفه، امسك جومالي برأس الذي امامه ورفع نظره اليه "اهلاً بعودتك اصلان بارتشسي، كم اخفتنا عليك" قالها بنبرة سعيدة لكن واضح كمية الألم فيها، كان الاخر يترنح، لا يقوى ع الوقوف، نظر حوله ليتأكد انه بأمان الان، همس ببعض الكلام ثم سقط بين يدي اخوته، او بالاحرى بين يدي جومالي، وسرعان ما انطلقو به الى المشفى "جيلاسون عد الى الحفرة، امنوها وامنو العائلة واخبر سعادات اننا وجدنا صالح، لتأتي الى المشفى لتراه لاحقاً" طلب سليم منه العودة مع الباقيين..
صداع يداهم رأسه، يجلس في السرير يفكر هل ما يفعله صحيح ام انه يتمادى! اختفى طيف صالح وبقي فارتولو يحدق به "سيزول يا عازف الروك اند رول لا تبالغ، ما تمر به طبيعي" ليرد الاخر بنبرة حادة "وانت تتصرف كأنك تعرف!" ليخرج صوت طيف صالح مجدداً "هل تعرف فارتولو؟ كيف شعور انسحاب المخدرات من جسد الانسان، خاصة ان اعتاد عليها!" لينظر ياماش بخوف متبوع بضحكة "هل عدت صالح؟ اين كنت؟ تركتني مع المعتوه هذا! تعال الى هنا لا تتركني لوحدي ارجوك" جلس بجانبه في السرير وسحبه لحضنه يمسح ع رأسه "ستكون بخير، تحمل قليلاً ولا تظهر لهذه المجنونة انك لم تأخذ جرعة امس" كتف فارتولو يديه قائلاً "سيسوء وضعك اكثر لعلمك، كما ان عليك اتلاف تلك الجرعة حتى لا تضعف نفسك امامها وتأخذها مجدداً لاحقاً" ليكمل صالح "او قد تجدها تلك المرأة، هيا اتلفها" نظر ياماش لكلاهما، واعاد النظر الى تلك الحبوب، ثم نهض واتلفها في مرحاض الحمام، عاد الى الغرفة وجلس ع السرير لينام قليلاً لعل صداعه يهدأ، لكن عقله لا يهدأ و جسده يطلب الجرعتين التي لم يأخدها، يضم نفسه تحت البطانية بينما يتجاهل الحوار الذي يدور بين هلوساته، فكلاً من صالح وفارتولو يتكلمان ويتحدثان وهذا الامر لا ينتهي ابداً..
مرت لحظات منذ دخولهما من باب المشفى، جومالي يحمل جسد صالح ويركض في اروقة المشفى منادياً احداً ما ليساعده، صادف دخوله مع انتهاء دوام اندريا الذي رمى ما بين يديه وساعد جومالي فوراً، وضعوه ع السرير "اخبرني ماذا حصل سريعاً" وبدأ اندريا بمساعدة ممرضة بالتدخل اللازم (علامات حيوية، تخطيط قلب، مدخل وريدي، فحوصات شاملة، صور اشعة وغيرها) فينا نطق جومالي "وصلنا قبل عدة شهور صورة له وهو مصاب وينزف، وكنا نظن انه ميت" "هذا ما قلته لي اخر مرة، ماذا حدث؟" قالها بنبرة متوترة واكمل جومالي "لا اعرف ما حدث، لكن اكتشفنا انه حي، وها هو امامك، سقط بين ايدينا بلا حول ولا قوة" "هل كان بوعيه عندما وجدتموه؟" "اجل كان واعياً" "حسناً، هلا خرجت الان لارى ما عملي" يخرج الاخر وهو يكاد يبكي فرحاً لعودة فقيده والماً لحاله وخاصةً انه لا يعلم ما به، ولماذا فقد وعيه..
"صالح هل تسمعني؟" كان اندريا قد اتم عمله مع صالح الذي بدأ يعود تدريجياً الى وعيه، التفت الى صوت اندريا، ونطق بهمس "اين انا؟ ماذا حصل؟" وقف اندريا بالقرب منه يحمل ضوءً ينعكس في عينيه، "هل تسمعني صالح؟" اجاب الاخر بتعب "ايڤيت" "هل تعلم اين انت؟" "اندرو؟ بالمشفى غالباً بما انك فوق رأسي" ابتسم الاخر مطمئناً واكمل "جيد، هل تذكر ما حدث معك؟" "حدد الفترة الزمنية حتى أجيبك" "قبل ان تفقد وعيك" "اعطوني مخدر" اجاب بينما شحب لونه وابتلع ريقه ليسأله اندريا "هل تشعر بالاعياء؟" اومئ الاخر برأسه ايجاباً، وما لبث قليلاً حتى تقيء ما في جوفه، اعطاه اندريا دواءً يخفف من اعراض المخدر ويعكس نتيجته وطلب نقله الى غرفة خاصة، وخرج ليجد سليم وجومالي امامه، يبادلانه نظرات قلقة جداً، نظرات تائهة تبحث عن ضفة الامان قليلاً "سيكون بخير، لا تقلقو" اول ما نطق به محاولاً طمئنتهم، ليمسك سليم بيده طالباً المزيد من الشرح ليجيب الاخر "لقد استعاد وعيه، تم اعطاءه مخدر لهذا فقد وعيه غالباً واعطيته دواء لمساعدة جسده للتخلص من اعراض هذا المخدر" مسح جومالي ع وجهه "مخدر؟" "سننتظر قليلاً حتى تصدر نتائج كامل فحوصاته، ثم نتكلم.. سينقلونه لغرفة خاصة، لتبقيا معه، غالباً سيكون نائماً"، اعتذر منهم وذهب بينما اتجه كلاهما الى الغرفة التي نُقِل اليها صالح، اقترب سليم وجلس ع طرف السرير، ومد يده امسك بكف توأمه، مسح ع رأسه ورتب شعره المتناثر ع وجهه، تنهد بارتياح بينما دمعت عيناه "آبي لا اصدق انه امامنا حقاً" بقي جومالي يقف في طرف الغرفة لا يجرأ ع الاقتراب "ولا انا تشوجوك" قالها بنبرة مكسورة بينما كان يرتكز ع الباب، انتبه سليم لابتعاد جومالي الى طرف الغرفة "ماذا هناك آبي!" كان الاخر ينظر باسى الى النائم في سرير المشفى الابيض، "لم استطع حمايته ابداً، في كل مرة يتأذى، في كل مرة يتصارع مع حاصد الارواح، كم معركة سيخوضها لوحده" اقترب سليم منه "آبي، لم يكن اي منا باستطاعته حمياته، لم نستطع حماية اي منهم، لكن انظر للجانب الجيد، لقد عاد الينا، لا تدعه يفتح عينيه ويراك منهاراً هكذا وتخشى الاقتراب منه، صدقني انه لا يلومك" رفع جومالي نظره الى سليم، لم يقتنع ابداً، لكن تماشي مع كلام سليم، اقترب من صالح و قبل جبهته سحب رائحته الى جوفه "كم اشتقت لك يا هذا، هيا افتح عينيك لاصدق انك امامي" مسح ع شعره وحدق به قليلاً يتذكر معالمه، غاب طويلاً لكنه لم ينسى ذلك حكل عينه اليمنى الذي يميزه عن باقي الناس، شرد بعيداً فلم ينتبه ان من امامه مستيقظ، حتى اخرجه من شروده صوتٌ غاب طويلاً عن مسامعه "آبي!" ابتسم تلقائياً ودمعت عينه بفرح "صالح" سحبه ودفنه في صدره معانقاً اياه، "آبي يواش، ستقتلني" خرج صوت ضعيف من صالح، فتركه جومالي فوراً "هل انت بخير يا هذا؟" "بخير آبي لا تقلق،(ركز قليلاً) لماذا تبكي؟" مسح الاخر دموعه "فرحاً بعودتك الينا يا بني، هل تعرف ما مررنا به خلال الاشهر الماضية، ذهبت روح من روحنا" اكمل سليم "لقد كبر اخي عشر سنوات بعد ان وصله خبركم، انت وابي، سوياً! كسرتم ظهرنا" اعتدل صالح بجلسته بالسرير، كان متعباً وواضح جداً عليه الارهاق، ابتسم ونظر لاخوته "اذا من الجيد اني عدت اليكم، لاني احمل اخباراً سارة وصادمة بنفس الوقت، لكن اولاً اين ياماش انا لا اراه؟" تبادل الاخران الانظار ليكمل صالح "ارجوكما لا تقولا ان شيئاً سيئاً حدث له" ليجيب سليم "انه مفقود، منذ تلك الحادثة، وجدنا اثره في احد مشافي الامراض النفسية، ولازلنا نبحث" انزل صالح نظره للارض بحزن تذكر لقاءه مع والده، وتذكر كلامه عن ياماش ايضاً. "غالباً سنجده عند ايفسون" "ومن تلك؟" "الم اخبركم سابقاً! ابنة بايكال مهووسة بياماش، وبي، هي من خطفتنا في تلك الحادثة" "آااآه فهمت، لم احاسبكم للان ع ما حدث حينها" "يا آبي هل وقته الان؟" "لنجد ياماش وسنحاسبكم ع تلك الحادثة وع هذه ايضاً" "اوف آبي انا اين وانت اين؟" "امزح امزح، اخبرنا الان كنت تقول اخبار سارة وما شابه، واخبرنا بما مررت به، ماذا فعلت خلال الخمس اشهر السابقة" طلب صالح القليل من المياه، واعطاه سليم، مع دخول اندريا "اعتذر عن المقاطعة، لتجيب ع سؤال اخيك ثم اتكلم انا" نظر صالح اليهم جميعاً وتنهد بتعب، واكمل كلامه "كنت بغيبوبة اول ٤ شهور، يوجد شخص اسمه السيد الكبير، ورجل يعمل تحت امرته يدعى عارف، هو من امر باطلاق النار علي، كانت الخطة ان ينهي حياتي هناك، لكنه تراجع في اخر لحظة، واخذني للمشفى، احتجت بعض الوقت حتى استعت القدرة ع الحركة واعتمد ع نفسي، ولا زلت اعاني من ضعف للان، اخذني قبل يومين يريد ان يحقق معي، ربطني بشجرة بوسط الغابة لليلة كاملة، اقسم انه بنصف عقل، ثم عدنا الى مكانه، عندما قررت ان افهم ماذا يريد، تكلمنا قليلاً، كان مصراً ان ابي تسبب بموت زوجته وابناه وصديقه وهو اصيب اصابة بالغة فقد ذاكرته بسببها" قاطعه اندرو "كنت تأخذ دواءك اليس كذلك؟" "اجل، كان يزودني به" "ضغطت ع عرقه (نرفزته) قليلاً خلال كلامنا وتشاجرنا، افقدته وعيه وحاولت الهرب، وصلت الى سرداب والاخر اوصلني الى ما يبدو انه كزنزانة، ولن تصدقو من وجدت هناك، محبوساً خلف بابٍ زجاجي، لم استطع ايجاد طريقة لكسره او فتحه" اجابه سليم "أبي؟" أومئ الاخر بنعم نظر به كلاهما وكأنه ازال جبلاً عن ظهرهما، ثم اكمل جومالي "الحمدلله ع الاقل نعرف ان الجميع احياء، صالح لماذا لم تقتل عارف هذا عندما اتيحت لك الفرصة؟" نظر الاخر الى اخيه بتمعن "لانه كان كهرمان" لحظة صمت عمت المكان، وضع جومالي يده ع جبهة صالح "آبي! ماذا تفعل؟" "اتاكد انك لست مصاباً بالحمى، اي كهرمان يا هذا! هل بدأت تهذي؟" "كهرمان آبي، بذاته، لا اعرف كيف حدث هذا لكنه حي يرزق، لم يتعرف ع اي منا لكنه ذاته حتى رأيت وشمه، الم يكن ع ظهره بين كتفيه؟" "اجل" اجاب سليم الذي تنهمر الدموع من عينيه من الصدمة ام السعادة لا احد يعرف...
في ذلك السرداب، كان صوت صرير عالي يقترب من مكان ادريس، وكل ثانية يقترب اكثر، حتى دخل عارف/كهرمان وهو يجر كرسيه خلفه، وضعه امام مكان ادريس و جلس، وامر رجاله بالدخول وادخال بقية اغراضه للمكان "هل قررت الانتقال الى هنا؟" "ماذا الم يعجبك؟" ابتسم ادريس ونظر الى الذي امامه "سأستفيد من الرفقة" احضر ادريس كرسي وجلس قبالة عارف "تكلم لارى من تكون وماذا تريد مني؟" "انتقام زوجتي وابنتي" واكمل قصته ذاتها التي رواها لصالح بينما كان ادريس ينصت له باستغراب، ابتسم بنهاية حكاية الاخر، بعد ان تأكد من ان الذي امامه هو ابنه، ذات اللهجة وذات النبرة، وذات القامة والمشية "تعرف من داخلك ان ما تقوله غير صحيح اليس كذلك؟" نظر الاخر اليه باستنكار، واكمل ادريس "كهرمان، اي انت بذاتك مهما قاومت الحقيقة، ورفضتها، لا يمكنك انكارها، اذهب وابحث عن كهرمان ستجد نفسك، وللعلامة ابني لديه وشم الحفرة بين كتفيه تماماً كالذي يزين ظهر صالح، وضعه له صديقي المرحوم الحلاق محي الدين امامي" "هذه ليست علامة اي احد قد يعلم بامر ذلك الوشم" "اي يعني انه موجود" "اجل"...
"ياماش" صرخت ايفسون وهي تحاول ايقاظ ذلك الاشقر، نهض الاخر مرعوباً لتمسك بيده وتجلسه ع السرير مجدداً "لقد اخفتني! اني احاول ايقاظك منذ عدة دقائق، هل انت بخير؟ لما وجهك شاحب هكذا؟ هل انت مريض او ما شابه؟" مسحت ع وجهه وامسكت بيده لتأخذه وتغسل وجهه، والاخر لم يبدي اي ردة فعل تبدي رفضه، وانصاع اليها تماماً، اعطته جرعته الثالثة "هيا تناولها امامي" فيما وضغت كأسين من النبيذ امهم وتناولا الطعام، وتركته لاحقاً لينام، وعادت ليلاً ونامت بجانبه...
"ايي اندرو، دورك، ماذا وجدت؟ هل اخينا بصحة جيدة ام لا؟" نظر الاخر اليهما، وجلس امامهم "وضعه جيد الى حد ما، يعني هناك جزء من رئته اليسرى مفقود، لكنه بخير يعني لا يشكل مشكلة" ضحك سليم "نتكلم عنه كأنه لعبة، كل مرة يفقد جزءاً من جسده! وننهي الكلام بانه بخير!" كان صالح يستمع بهدوء، وينقل انظاره معهم، لقد أشتاق لهم حقاً، "يعني ليبقى لليلة حتى يذهب مفعول المخدر ثم بامكانه الخروج، فقط يحتاج القليل من الراحة ويكمل علاجه بدواءه وسيكون بخير" اجاب جومالي سعيداً "ايي تمام، ع الاقل خبر جيد اخر" انسحب اندرو من جلستهم فيما جلس جومال ع طرف السرير معطياً طرف ظهره لصالح "اذا اصلان بارتشسي، ماذا تريد ان تفعل؟" "الان اريد رؤية اولادي وزوجتي، ولاحقاً لنذهب ونجد ابي" "لكننا لا نعرف مكانه" اجاب سليم، ليرد صالح جازماً "نعرف نعرف، انا اعرف بالضبط اين كان يحتجزنا سأذهب انا..." قاطعه جومالي "لان! بالكاد استعدناك الى اين تذهب" "يا آبي! يعني تمام انا بخير كما ترى، وبابا يجلس هناك لوحده ونعرف مكانه لنحضره الى هنا، ع الاقل يبقى ياماش وكهرمان بعني عصفور باليد افضل من ١٠ ع الشجرة" لم يقتنع جومالي كثيراً لكنه تماشى مع خطة الاصغر، قاطع سلسلة افكاره دخول سعادات وابناءها للغرفة برفقة جيلاسون وميدات، الذي وقف متجمداً مكانه، لا يفهم كيف كان صالح حياً والجميع اقام عزاءه ولم يلبث الا ان هجم عليه معانقاً اياه "آبيم" "ميدات وانا استقت ايضاً ولكن والله ذات يوم ستكسر شيئاً في جسدي" ابتعد الاخر معتذراً قيما تقدمت سعادات وعانقت زوجها وعي تبكي بصوت ابكى جميع من بالغرفة معها "الم اقل اكم صالح لم يمت! تام اخبركم بهذا!" "والله ستجعلينني ابكي انا ايضاً" قالها صالح عندما سحبها ومسح دموعها بباطن يده "انا بخير لا تقلقي" "صالح! انت هنا حقاً انا لا احلم اليس كذلك؟" " اجل ساديش انا هنا، وبخير وبكامل عافيتي لكنني جائع" ابتعدت قليلاً وهي تبتسم "هذا ما يهمك! بطنك كالعادة" "استغفر الله جنم، كما انني اشتقت للثرثار الصغير اعطني اياه" حملته ووضعته ع سرير والده"بابا! اين كنت؟" "ذهبت الى العمل يا بني، وها قد عدت" "اشتقت لك كثيراً، اا يوجد احد يلعب معي سوى عمي جومالي، بابا الا يوجد حلاق هناك يا ابي؟" فيما نهض يلعب في شعر ابيه "لا لم يكن هناك حلاق لماذا؟" "شعرك بطول شعر امي، نستطيع وضع مشبك بع كالذي تضعه امي لايسل" ابتسم صالح وسحب ابنه ليعانقه ويلثم رائحته التي أشتاق لها كثيراً، والتفت الى سعادات "اين ايسل؟" "في البيت، كانت نائمة فلم اوقظها" تغيرت معالمه للحزن "يا ساديش، انا لم ارى الفتاة منذ شهور لتستيقظ لساعة لاجلي!" "الله الله صالح افندي، هل تريد ان نحضر الجميع ليستقبلوك؟" رمى جومالي الكلام ليرد الاخر "ايفيت وما الضرر بذلك، نقوي الروابط العائلية" "احضر امي ايضاً!" "ها! يوك لتبقى في المكان الذي تجلس فيه، لا تلتقي طريقي بطريقها" ربت جومالي ع كتفه وهو يضحك "امين، امين، هيا يا سعادات خذي ادريس ومع سليم والاولاد الى البيت، انا ابقى مع طويل اللسان هذا هنا، اساساً يخرج غداً" رفضت بالبداية لكنه اجبرهم ع الخروج... "آبي، لماذا طردتهم هكذا!" جلب جومالي الطعام الذي احضرته سعادات ووضعه ع الطاولة "لترتاح، لكن اولاً ستأكل، ثم ترتاح، وانا لابقى هنا واتاكد انك بخير" تبادل صالح النظرات مع جومالي "شي، آبي... لا تفعل هذا" "ماذا!" "لا تلم نفسك لم يكن بمقدورك القيام بأي شيء، وقعنا جميعاً بفخهم، صحيح كيف حصل التبادل ذاك؟ لم افهم لماذا" وضع الطعام امام صالح وحمل ملعقة ليطعمه "اكل لوحدي" "هيا لتأخذ من يدي وتكمل الباقي بنفسك" ... روى جومالي ما حدث تماماً لصالح الذي انهى نصف طعامه وشبع "ياو هل مات يوجال؟ مؤسف كنت اريد ان اشارككم بذلك" "اجل مات يوجال وبقي التمساح وايفسون، وذلك السيد الجديد، ثم هيا لتنهي طعامك" "يوك شبعت" ليرد جومالي بنبرة حادة "صالح!" فيرد الاخر "ايفندم آبي، هذا حدي، لا تجبرني أكثر" "انظر لنفسك اصبحت بحجم طفل" "اعود لعافيتي بالتدريج لا تنسو اني كنت في وضعيه التحديث لمدة ٤ شهور" ابتسم الاخر "هل انت هاتف يا هذا؟ تحديث وما شابه!، ثم من فعل هذا بيدك؟ ترك في يدك علامة ابدية" "لا تسأل آبي، هذا عمل كهرمان" "لازال يقول كهرمان! مر عامين ع وفاته يا هذا" "اوف آبي حسناً لا تصدقني لكن عندما تراه بعينيك ستعطيني ديني" "هل تراهن!" "اجل" ، مر الوقت سريعاً "هيا لتنام قليلاً" عدل وصعية السرير لينام فيما خلع الاخر من قدميه ومدهما ع الاريكة الجانبية "آبي" "ايفندم؟" "غداً نعيد ابي اليس كذلك؟" "لا اعدك بشيء صالح" "نفعل كما قلت، ثم ربما ستواجهون كهرمان، يعني عصفورين بحجر، يجب ان نتحرك سريعًا قبل ان يغير المكان" "نفكر بالموضوع لاحقاً تشوجوك، هيا اترك التفكير ونام قليلًا..."