هواءٌ عليل ونسمة باردة لصباحٍ خريفي ماطر، لكن النشرة الجوية ذكرت عكس ذلك، وفي الجريدة كُتب ان الجو سيكون صحواً اليوم مع شمس دافئة وحياةٌ تملئها الضحكات، اجتمع افراد تلك العائلة مجدداً ع مائدةٍ واحدة، زاد عددهم ونقص كثيراً في الفترات الماضية ،ذلك الهدوء الغريب الذي لا ينذر بالخير ابداً، كان قد مر ٦ اشهر كاملة ع اخر مصيبة وقعو بها، هدوء جميل لكن واضح وضوح الشمس ان ما بعده سيدفنهم في همومهم لاعوام وربما للابد، جلس ادريس ع رأس تلك المائدة متفقداً كل فردٍ منهم، مستمعاً لضجيجهم الذي يدعو ان لا يتوقف ابداً، كان ذلك اليوم اساساً اخر يومٍ لكاراجا بينهم فهي ستنطلق في طريقها بعد عدة دقائق، برفقة والدها وعمها، فحقائبها جاهزة عند الباب، وغرفتها اصبحت فارغة تماماً، فقط السرير وهو ايضاً لا غطاء عليه، ستنقص هذه العائلة فرداً اخر مجدداً، لكن لسبب جيد هذه المرة، ربما ستفتح طريقاً يسلكه ابناء عمومتها لاحقاً، اكمل ادريس تفقده لباقي العائلة من صغيرهم لكبيرهم بدأ بالاطفال، اسيا، اصغرهم، ابنة اكبرهم، عنيدة كوالدها وتبكي حتى تأخذ ما تريد، تسبقها بالعمر ايسل ابنه والدها تماماً، تحتال ع الجميع حتى تأخذ ما تريد، فهي تعرف تماماً كيف تستجذب الاهتمام، وتعرف تماماً كيف تتعامل مع كل شخص منهم كاد عمها يلقبها بفارتولو لكنه لم يلق بفتاة، خاصةً انها تحمل كحل عين والدها، نقل نظره الى اياز ابن طفله الاصغر، متى كبر طفله ليصبح له طفل!، كان يحبو بسرعة، يبكي بسرعة وبكاءه لا ينتهي، اخذوه الى عدة اطباء لعل بكاءه لمرض لا سمح الله، لكن صحته ممتازة، اذاً هذه شخصيته، لن يتغير كثيراً، والده كان يشبهه عندما كان في مهده، لكن هذا أسوأ يتدلل اكثر باحثاً عن الاهتمام ، نظر لجانبه ليجد الاكبر قليلاً يمد يديه نحوه يقصد الجلوس في حضنه، حفيده الذي يحمل اسمه، يدعو الله كثيراً ان لا يحمل قدره ايضاً، ولا حتى قدر والده، فهو كبر يتيماً وابنه كبر يتيماً، لا قدر الله لهذا القدر ان ينتقل له ايضاً، ادريس شديد الذكاء، وكثير الكلام، لطالما استغرب ادريس كثرة كلام هذا الطفل واسئلته، واتضح لاحقاً انه ليس غريباً فبعد حادثة بسكويت الحشيش فهم ادريس من اين له جينات كثرة الكلام هذه، شرد قليلاً تذكر اجار واكشين، قُتلا بلا ذنب لكن لربما البقاء بجوار والديهما ارحم لهما، "رحمهما الله" رفع نظره لكاراجا بعد ان وضع ادريس بحضنه، كم كبرت بسرعة هذه الفتاة، اصبحت فتاة جامعية الان ستنفصل عن العائلة "ليحميها الله" اكمل نظره الى الحفيد الاكبر اكين هذا الفتى يخفى امراً عظيماً، ارجو ان لا يكلفنا كثيراً، يدقق النظر به كان واضحاً انه ليس مرتاحاً بين كل هؤلاء، حتماً سيخرج امر من تحته، تفقد النساء، عائشة داملا سعادات وسنا ترحم ع المفقودين مجدداً عندما افتقد ندرت، دعا الله حمايتهن ايضاً، اخرجه من شروده صوت ابناءه "لان بيبي لا تنظر الي هكذا، انا لم اعاقبكم بعد" "وع ماذا ستعاقبنا!" "سأُعاقبكم ع اختطافكم" "وهل اختطفنا بارادتنا! الله الله" "لان صالح لا تتدخل والا.." "والا ماذا؟ ماذا ستفعل؟ هل ستربطني مجدداً!" "اجل اربطك واغلق فمك ذو اللسان الطويل هذا" ابتسم ادريس بخفة وهو يراقب ثلاثتهم يتشاجرون كالعادة، ثلاثتهم ذو حضور صاخب دائماً هناك شجار او مناقشة كما يسميها ياماش وما هي الا مسمى حضاري للشجار، وبينهم يجلس ذلك الفتى ذو الظل الطويل، هادئاً جداً ولطالما كان هادئاً لا يُسمع صوته ابداً... "بابا لماذا لا تأكل؟" سأل جومالي عندما اخرج ادريس من شروده "شردت قليلاً" ما ان انتبه حتى رأى ادريس الصغير يحمل الطعام من صحن جده ويأكل بنفسه "آكلك يا هذا" "بابا لاخذه عنك حتى تأكل" نهض صالح ينوي اخذ ابنه حتى اوقفه ادريس "يوك انا مرتاح هكذا لتأكل انت ايضاً" شرد مجدداً عندما تذكر سلطان وبطشها، كيف كبرت افعى مثلها في حجره دون ان يعي ذلك، لا ينسى ما فعلته بابنه مع ان الاخر يتناسى ذلك كثيراً، يتذكر تلك الليلة التي حاولت ان تسممه بها وما حدث باليوم الذي يليه او حتى الفترة التي تلته، اقشعر بدنه وتجمع الدمع ع عينيه، لكن اعاده لوعيه للحاضر تحركات ادريس في حضنه وهو يحاول ان يطعم جده، تناول من يديه وقبله من رقبته، حتى ابعده الاخر قليلاً متألماً "جدي يكفي لحيتك تؤلم" ابتسم و بدأ تناول طعامه واطعم حفيده بيده، كان اكين في طرف الطاولة يتابع ما يحدث بالتفصيل، يعرف ماذا سيحدث قريباً كيف لا وكان موجوداً ع طاولتهم، "انا اعطيكم المكان وانتم تنهون الباقي" "بالطبع يا اكين، هل نأخذك معهم؟" "لا لابقى انا وادير الحفرة، حتى لا تنشغلو بها ايضاً" "ممكن" كان يتذكر لقاءهم في اليوم السابق، خطة محكمة ستنهي ادريس، وتنهي وجوده ووجود ابناءه، وقد لا يعني بهذا موتهم بالضرورة، لكن طبعاً لابد ان يصيبهم سوء يبعدهم عن طريقه، ما مدى خباثة هذا الفتى! هل يؤذي الشخص عائلته لكي يحقق طموحه! الى اي مدى يمكن للطمع ان يعمي صاحبه!...
"جومالي انت سترتب العشاء سنجمع كل افراد الحفرة ع مائدةٍ واحدة، خذ من تريد من الرجال، سليم وصالح ستوصلان كاراجا بما ان ازار صديقك انت (مشيراً لصالح)، اكين ستبقى بجانبي، ايمي انت وياماش عندكم امان الحفرة ستوفران الحماية بحيث لن تطير ذبابة دون ان نعلم مكانها" كان ادريس يوجه نظره الى اكين خلال الفترة السابقة، كأنه ينبه اكين انه ان تحرك باي خطوة خاطئة سيكون هناك عقاب او لربما يحاول ان يجعله قريباً من افراد هذه العائلة، تذمر ياماش قليلاً من ذهاب اخوته لتوصيل كاراجا "يعني بابا، هل يلزم ان يذهب كلاهما لاجل توصيل كاراجا! ليبقى احدهم يساعدنا" "لا تتذمر، احدهما والد الفتاة والاخر صديق الرجل" مرت ساعات قليلة وانطلق كل منهم الى عمله، بقي ادريس بالمقهى وبجانبه اكين "هل يمكن ان اذهب يا جدي؟" "لا ابقى بجانبي، هيا ستأتي معي اريد ان نتكلم قليلاً" استغرب الاخر طلب جده، بينما سحبه ادريس بجانبه وبدأ يتمشى بالحي ويشير له لكل زاوية وكيف بُنيت "هذا البناء اكبر من والدك يا بني، كان يعيش فيه رجل اعمى مع ابنته كان لا يرى ضوء النهار لكنه يرى ابنته افضل من بقية سكان الارض، كان قلبه جميلاً ومعطاء لكنه لا يستطيع ان يقدم لابنته ما تريده هي، فكانت تخرج ليلاً وتفعل ما تريد كانت بمثل عمرك تقريباً او اصغر قليلاً كانت هوجاء طائشة تظن انها ملكت الدنيا وما عليها بمجرد كلمة من شاب طائشٍ بمثل عمرها، تشاجرت كثيراً مع والدها، فقرر بالنهاية عدم التدخل في ما تفعله ابنته فكانت علاقتهم تفتر بعد كل شجار، وتزداد بروداً مع بعد المسافات، مر ع حالهم هذا سنوات حتى اصبح والدها كالغريب عليها لا يعرف عنها شيئاً وهي تكرهه وتكره وجوده حولها، وان سألها احدهم عن من يكون تخبرهم انها ترعاه صدقة عن نفسها، المهم يا بني، جارت بها الدنيا وتزوجت رجلاً اغترت به، ضربها مراراً وتكراراً، حتى كاد يقتلها فما كانت ترى مكاناً تهرب اليه الا والدها، حتى اتى يوم وعاد زوجها وحاول قتلها في بيت والدها، لانها لم تخبره بانها تحمل ابنه في رحمها، لم يكن بينها وبين سلاحه الا مسافة الاصبع، لكن والدها رمى نفسه امامها، قُتل بين يديها، هل تعرف تلك المرأة التي كنتم تخافون منها في طفولتكم؟" "اتقصد ليلى المجنونة؟" "اجل اكين انها هي ذاتها، فقدت والدها وابنها وعقلها تلك الليلة" اكمل سيره قائلاً "اعرف انك تتسائل كثيراً عن هدف ما رويته لك قبل قليل يا بني" أومئ الاخر ايجاباً فاكمل ادريس "ما اريد قوله، هو اننا وان لم نوضح ذلك فاننا نحبك فانت تماماً كضلع من ضلوعنا، اترى كم قريب هذا الضلع ع القلب، وكل فرد منكم يأخذ مكاناً حول قلبي، لعلك تراني اميز بين اولادي قليلاً، لكن محبتهم واحدة، لكن ظروفهم تختلف، اعرف انك قد تكون غرقت في بحر الظلمات في ذلك السجن، لكن لتعرف ان اخبارك كان تردني كل يوم بيومه، ودواءك كنت اتاكد من وجوده بقربك، وتأكدت ان مصروف جيبك لن ينتهي وانه لن يضرك احد في ذلك المكان، صحيح دخلت السجن، لكن تذكر ماذا فعلت حتى عاقبناك بهذه القسوة، لطالما كانت القسوة لدى هذه العائلة ردة فعل تساوي لمدى المحبة بيننا، انظر كيف يعامل عمك جومالي اخوته، ان تأذى احدهم لا يمسح ع جرحه قبل ان يضربهم، لتكن هذه الفكرة هي ما تحوم بعقلك للمدة القادمة، خذ وقتك وفكر بما رويته لك جيداً" لعل ادريس تأخر ليعبر عن ما يجري بداخل عقله وقلبه قليلاً، لما انتهى اكين في ذلك المكان المظلم حيث بدأت الافكار تتصارع بعقله حتى اختنق بها فغصت روحه قليلاً وبدأ يسعل، الا ان النفس الذي يدخل لا يخرج، هل هي نوبة هلع ام نوبة ربو لا يفهم، هب جده اليه خائفاً، كانت علامات القلق مرسومة ع وجهه، اخرج جهاز الربو من جيبه واعطاه اياه ساعده ع تخطي تلك الازمة، وبقي بجانبه يمسح ع ظهره حتى هدأ، ساعده جده هذه المرة بدأت الامور ترتبط امامه، يتذكر تلك الفتاة التي اطلق النار ع عدد من الناس لاجلها ودخل السجن، تلك المشاحنات والمشاجرات، هل احتاج الامر لكل هذا التمرد!، يتذكر كيف تشاجر معهم في زيارتهم له وطلبه المتكرر لعدم رؤيته خيالهم بالقرب منه، يلومهم ع دخوله السجن بعمر صغير، يلومهم ع عدم حمايتهم له ، تباً هل حقاً كان اغلب غضبه من نسج خياله!
مر الوقت وحان وقت العودة للمقهى، مر ما يقارب ال٣ ساعات وهما يتجولان بالحي ويتفقدان اهلها ... في ذات الوقت وصل سليم وصالح وكاراجا الى بيت ازار، واستقبلتهم والدته كونه لم يعد من عمله بعد "اهلاً بكم يا ابنائي تفضلو" ارشدتهم الى غرفة كاراجا بجانب غرفتها تماماً ولها شرفة ذات اطلالة، حتى يوجد حاسوب متنقل و هاتف جديدان ع المكتب، وقفت كاراجا بوسط الغرفة تشعر بالخجل لتغمزها المرأة "ناديني خالة فاطمة او فاطمة انيه كما ترينه مناسباً، انتي ابنتي من الان وصاعداً وابنة هذا البيت لن افرق بين ابنائي وبينك، ستلتقي بهم خلال اليوم، وسيكون ازار مرشدك طوال هذه المدة... ولا تتسائلي هذه من عمك (اقصد الحاسوب والهاتف) والباقي من والدك وجدك وليست منا" "يا امجا! الا يكفي جامعة وسكن وهذا ايضاً" "لا يكفي" اقتربت معانقةً اياه بشده ثم عانقت والدها شاكرةً اياه ع كل شيء جيد بحياتها حالياً ليبادلها الاخر العناق بدفئ "انتبهي ع نفسك كزم، ولدراستك، اخرجك من الحفرة لتيعشي الحياة التي لطالما تمنيتها لنفسي، فلتعيشيها بهدوء وامان بعيداً عن صخب الاسلحة، ان حدث ووصلتكِ اخبار سيئة عنا لا تعودي الى تلك الحفرة حتى يأتي احدنا ليأخذكِ بيده الى هناك، احبكِ جداً" "انتبها ع نفسكما جيداً، لا تمس شوكة اي منكما، بل اي منكم، انتم في امانة بعضكم بابا، جدي في امانتكم" اقتربت من صالح قائلة "امجا" "ايفندم ايها الوردة السوداء" "لا تمرض مجدداً رجاءً، وان حصل ومرضت مجدداً لتخبر أحدنا، دعنا لا نقلق ولانخسر احداً" "تمام كزم لا تقلقي" كانت تمسح دموعها فيما يتصنع الاخران القوة، انتظرا قدوم ازار ليستلم امانته وخرجا...
"هل تبكي سليم جيم؟" تسائل صالح ساخراً فيما خرجت من البيت "ألا يحق لي صالح افندي! حتى انت دمعت عيناك" "ها ها امسك ستقود انت" اجاب وهو يرمي مفتاح السيارة لسليم "يووك لم تخمن جيداً، انا اكبر منك، احدد انا من يقود" "انا قدت ونحن قادمون دورك، يعني المسافة ليست طويلة" قالها وهو يصعد بالمقعد بجانب السائق مجبراً سليم للتوجه لمقعد السائق "لا ليست طويلة فقط ثلاث ساعات" "هيا لا تتذمر" "اوف بيه! الا تحترم كبيرك يا هذا!" "سليم، بيننا اشهر لا تعاملني كأنك اكبر مني بقرون، هيا انطلق وايقظني عندما نصل الى البيت" الا ان الاخر بقي يتذمر "ع الاقل ضع حزام الامان حتى يصمت صوت الانذار" "وضعته هل تم الان!" "اقسم انك تتصرف كالاطفال" اشعل الاخر التدفئة بالسيارة وغطى رأسه ووجه تقريباً بغطاء الرأس من سترته وغط بنومٍ عميق بينما ترك سليم يحترق بحرارة السيارة، ما ان مرت عدة دقائق حتى اطفئه وتفقد النائم فغريب ان يشعر ببرد شديد بلا سبب، او يعني عادةً ما تتصاحب هذه الحالة بالحمى، لكنه بخير لا حمى ولا حرارة ولا قشعريرة، اساساً صحته جيدة منذ مدة منذ ان اختطفتهم ايفسون..
ركن سليم السيارة بالقرب من المقهى، "صالح استيقظ لقد وصلنا" فتح الاخر عيناه متكاسلاً "هل بسرعة!" "اي سرعة يا هذا مرت ساعتين ونصف، هيا لنخرج" خرج كلاهما ودخلا المقهى وهم يتناقشان، ليدخل صالح متأفأفاً بينما يناقشه سليم "كم تتذمر" "انا من يتذمر!" "اجل انت من تركني اقود كل تلك الفترة بينما نمت طول الطريق، وفوق ذلك كانت السيارة تشتعل في الداخل" "لكنك اطفئت التدفئة لاذكرك بذلك" "بعد ان انشويت تماماً" "الجو بارد ماذا افعل!" "ليس بشدة البرد الذي تصفه" "مشكلتك ان كنت لا تبرد" "حقاً من يبرد يرتدي ملابس ثقيلة، ماذا يفعل من يشعر بالحر! ها؟" يجيب الاخر مبتسماً "يخلع ملابسه" بينما دخلا للمقهى حيث والدهم ينظر اليهم باستغراب و اكين يجلس في زاوية المقهى شارد في ما اخبره به جده "ع ماذا تتشاجران هكذا!" "لا شيء مهم بابا" ليرد صالح "لا شيء مهم لكن الجو بدأ يبرد مجدداً، وسليم باشا يشعر بالحر" ابتسم ادريس الذي أشر ع الكرسي بجانبه لصالح ليجلس بجانبه وسليم امامه "انت بخير لم تصب بالحمى او ما شابه!" "يوك بخير" "وانت سليم هل كل شيء بخير؟" "ايفندم بابا كل شيء بخير" "جيد، صالح هيا لنذهب وتساعد اخوتك، وانت اجلس مع اكين وتكلم معه قليلاً كوالده، الفتى كبر من يد ليد ولا كأن هناك اباً فوق رأسه، لا تريد ان ينتهي به الامر كهذا (مشيراً لصالح)" ليتذمر الاخر "بابا!" بينما يكمل ادريس مخاطباً سليم "ليعلم انه ليس لوحده ع الاقل" "حاضر بابا" مسح ادريس ع ظهر الاخر "هيا لنذهب نحن" خرج كلاهما وبقي سليم الذي اتجه لاكين وجلس امامه... خرج صالح وادريس من المقهى متجهين الى مكان اخوته "صالح من الجيد ما قمت به لاجل كاراجا" "ليس بشيء كبير، لطالما حلمت بان اكمل تعليمي، لكن كما تعلم تخرجت من الابتدائي وانتهت رحلتي هناك" كان يتكلم بنبرة مازحة الا ان جملته جرحت والده "اوف تشوجوك، انت لم تتعلم وتتقن عدة لغات ماذا كان سيحدث لو تعلم!" "كنت سأعمل كدكتور بالجامعة، او ادخل عالم السياسة، تخيل فقط" ضحك ادريس "كانت ستحصل مصيبة ... هيا امشي ولا تثرثر بلا هدف، ماذا فعلت بفحوصاتك؟" ابتعد الاخر قليلاً متذمراً "لن تنتهو من هذا الموضوع! والله لم يبقى احد غير سلطان لتسألني" ابتسم ادريس مجيباً "لا تقلق هذه لن تسألك فصحتك لا تهمها" "يوك تهمها لكن لسبب اخر" "لم تجب ع السؤال" "ذهبت مع ياماش امس صباحاً وكانت النتائج جيدة، هل سأبقى كفأر التجارب تحت ايديهم! والله سئمت" توقف ادريس ورفع نظره الى الاخر "من تكلم يا هذا! اجل ستبقى تحت يديهم كفأر التجارب هل سنحملك كل يومين الى الطوارئ لتعتني بنا قليلاً، ثم وصلنا، هيا لتساعد اخوتك" نظر صالح امامه فوجد عملاً كثيراً "يا يوك هل تجعل ابنك المريض يعمل بابا!" "صالح لا تدلل وتتمارض الان! اجل اجعلك تعمل، هيا لتحرك عضلاتك قليلاً" ليجيب متذمراً "حسناً" وقف ادريس مكانه متأملاً ابناءه وهم كانهم روح واحدة جُزئت الى مجموعة، لم يمر كثير من الوقت حتى انضم اليهم سليم واكين وحضرت النساء مع الاطفال، كان هذا حلم ادريس الذي تحقق ورأى احبابه في نفس المكان حتى لو كانو ناقصين قليلاً، صوت ضحكاتهم ومزاحهم حتى شجارهم يريح روحه، ع الاقل انهم حوله وفي بيته جميعهم بأمان، راقبهم فرداً فرداً من جومالي الذي يقسم الطعام ع اخوته وعائلاتهم الى سليم الذي يمازح ابنه بجانبه ثم صالح الذي يتشاجر مع كبيرهم ع كمية الطعام المهولة التي وضعها في صحنه، لعل صحته تعود كما كانت سابقاً لكنه بخير الان، ثم اصغرهم ذلك الاشقر انه سعيد جداً حاملاً طفله بين يديه، انهم مجرد اطفال، او ذلك ما يراه ادريس لانهم تفرعات جذعه، نظر اليهم طويلاً، كان سعيداً جداً، يدعو الله ان لا يمسهم ضر، فكما هو معروف ان الدعاء يغير الاقدار، لكن ماذا يحمل القدر في طياته لهذه العائلة يا ترى؟
انتهى العشاء وتفرق اهل الحفرة، وبقيت العائلة "هلا عزفت لنا شيئاً" كان ياماش يقف بجانب سليم حاملاً الساز، احمر وجه الاخر ليسمع ادريس يطلب منه ان يلبي طلب ياماش، " تمام، ماذا اعزف؟" "ما تراه مناسباً تشوجوك" اجاب ايمي فيما رد جومالي "القطار الاسود" ليجيبه صالح "يا آبي ليعزف شيئاً جميلاً لماذا تريد ان تكتئب الان!" "لا تتدخل صالح، انا لن تجادلك اليوم، ليمر بهدوء" ابتسم سليم واضعاً الساز ع قدميه وبدأ عزفه وبصوته الشجي انصت اليه الجميع "لقد انتظرت لفترة طويلة، وقلبي في محنة، إما أن تأتي أو إرسل بعض الأخبار، سمعت أنك كتبت رسالة صغيرة، وأعطيته إلى القطار، وتم نسيانها، القطار الأسود قد تأخر، ربما لن يأتي ..... وسوف ألتف على طول الجبال دون معرفة مخاوفي وسوف أنفخ من الدخان دون أن أدرك وضعي، أشعر بالحزن والدموع لا تنتهي أبداً، أنا في الم وكنت أنت العلاج. إما أن تأتي أو إرسل بعض الأخبار، سمعت أنك كتبت رسالة صغيرة وأعطيتها إلى القطار، وتم نسيانها.... القطار الأسود قد تأخر، ربما لن ياتي " لم يكد يبدأ حتى انتهى، مر الوقت سريعاً تأخرت الساعة فطلبت النساء العودة للبيت، وبالفعل، انسحبت النساء مع الاطفال الى البيت وبقي ادريس مع ابناءه وبعض رجاله، "اعزف شيئاً اخر آبي" كان صوت كمال اتى من الخلف متحمساً ليرد سليم "يوك والله اكتفيت" "ارجوك مرة اخرى رجاءً" نظر لوالده ليومئ له الاخر ان لا يرده مكسوفاً، فعاد ليعزف مجدداً، لينهي اغنيته بقوله "لتدوم هذه الايام علينا طويلاً" ليرد صوتهم "امين" "ان شاءالله" ليكمل ادريس الذي علا صوته صوت المدعويين والموجودين، ليكون صوته موجوداً فقط "من الان وصاعداً ستكون هذه الحفرة في امانتكم جميعاً، وستكونون يداً واحدة لمواجهة كل الاخطار التي تحوم حولها، ستكونون كالجسم الواحد ان تألم جزء منه سيسنده الباقون، كونو عوناً لبعضكم، وليحمي الكبير صغيره ويحمي الصغير كبيرة، ادعو الله ان لا تمس اي منكم حجرة صغيرة، لكن ماذا نقول هذه الحياة ليست عادلة، من الان وبشكل رسمي سيكون ياماش اب الحفرة، وانا سأترك له الكرسي وكل صلاحيات ومسؤوليات هذا الكرسي من الان وصاعداً، ليأخذ كل ذي مهمة مهمته، ستتقاسمون العبئ جميعاً، ولن تتركوه لوحده، سيكون احدكم يده والاخر ذراعه، هذا الحي امانةٌ لديكم.." كان كلامه ثقيلاً ع قلوب ابناءه، كأنه يودعهم، او كأنه يودع هذه الحياة... حتماً ان هناك خطباً ما سيحدث... تبادل ابناءه النظرات باستغراب وخوف ليهم سليم بالسؤال "خيراً بابا تتكلم وكانك تودعنا؟" ليبادله ادريس النظرات ويجيبه "لا تعرف ما المكتوب بقدرك يا بني" نظر لهم وهم واقفاً واكمل كلامه "ان حصل وافترقت طرقنا انتم في امانة بعضكم، وصالح في امانتكم، فلتبقى اعينكم عليه (ويكمل مشيراً اليه بحدة) لا تهمل نفسك مهما عصفت بك الدنيا، جميعكم لا تهملو انفسكم، لتكونو كتفاً وحضناً لبعضكم"...
نهض اخيراً قاصداً العودة الى البيت، اشار لابناءه ان يركبو سويًا قاصدين البيت، "ماذا يعني هذا كأنك تودعنا يا ابي؟" تسائل ياماش في حين رد والده عليه "لا احد يعلم ماذا يخبئ له القدر يا بني" ليرد صالح ممازحاً "بالضبط قد اموت انا قبلك يا ابي" يبدله ادريس نظرات حادة ليجيب سليم "ليش مضحكاً ابداً، هيا اركب" ليتبادل النظرات مع ياماش "الست انا من يبقى اغلب وقته بالمشفى!" فيجيبه الاخر "ايفيت وغالباً هذا النوع من الناس هم من يعيش الى الابد" يقطعهم صوت جومالي طالباً منهم الصعود في السيارات ليعودو الى البيت، ركب في كرسي السائق ووالده بجانبه واخوته في الخلف، ابتسم للحظة فيما يراقبهم وهم يتشاجرون من سيجلس بالمنتصف ليحل الامر قائلاً "صالح الى المنتصف" ليجيب الاخر بتمرد "الله الله ولماذا عجباً!" "لاني اقول هذا لا تناقش اخوك الكبير" "لن يحدث، ياماش انت الاصغر لتبقى انت بالمنتصف" انطلقو لاحقاً الى البيت...
بعد دقائق فقط رُكنت سياراتهم امام البيت، خرجو فزعين الى المنظر امامهم وقف جزء منهم متجمداً مكانه ينظر برعب، خائف من العواقب كانو ينظرون الى السيارات التي امامهم تلك التي كانت فيها نساءهم واطفالهم عائلتهم، قد تم رشقها بالرصاص وقتل السائقين في كلا السيارتين الابواب مفتوحة، فزع كل من سليم وياماش الى البيت لكن لا اثر لاحد والمكان مدمر تماماً بالداخل، كأن حرباً قامت بالداخل، "لااان ماذا حدث هنا؟" صرخ جومالي من قهره، فيما كان الصمت سيد موقفهم، توتر عالي، نبضات قلوبهم تكاد تسمع وهي تتراقص بداخل حجرات صدورهم، خوف بل رعب سيطر ع عقولهم، من يتجرأ ع الاعتداء عليهم هكذا! من بهذه الوقاحة!
جلس ادريس محني الظهر ع عتبات منزله ترتجف روحه خوفاً ع المفقودين، فيما اقترب ايمي يحاول مواساته، لكنه لا يعرف بما سيواسيه اساساً، انكمش سليم بجانب احد الاشجار فيما كان جومالي يحترق من الداخل يذهب ويأتي غاضباً "آبي أهدأ قليلاً" قالها صالح الذي يستند الى يرتكز ع احلى السيارات، ليرد الاخر بنبرة شديدة الغضب "لان كيف اهدا كيف أهدأ! لقد اخذو نساءنا واطفالنا لان صالح! كيف أهدأ" "ستهدأ لنفهم كيف حدث هذا اساساً" يقترب الاخر منه غاضباً كأنه يبحث ع ما يفرغ به غضبه "لان صالح ابتعد من طريقي كي أؤذيك، لا تضغط علي" يمسك الاخر بذراع اخيه محاولاً التخفيف عنه "تمام آبي"..
خرج ياماش من البيت ولازال صوت الصرير يعلو في رأسه لا يعرف بماذا يفكر فقط يُصاب بالهلع... جذبهم صوت رنين هاتف من احدى السيارات ليقترب اكين ويحضره بينما ترتجف يديه، يعرف تماماً من خلف هذا، يخاف من ما سيحدث بعد قليل، لقد تراجع عن ما يريده تماماً، لكن ما الفائدة بعد الان بعد ان سقطت الفأس وحصدت رؤوس الموجودين، رفع جومالي الهاتف واجاب عليه "الو!" ليرد عليه صوت الة..
- (الهاتف) اهلاً عائلة كوشوفالي الاعزاء، اه اه انتظر لا تشتم الان، انتظر قليلاً حتى انهي كلامي،،
- (جومالي) من انت؟
- (الهاتف) نساءكم شديدات الجمال، طويلة القامة ذات الشعر المجعد، والاخرى ذات الشعر البني الطويل، والاثنتان الباقيات ذوات البشرة البيضاء والشعر شديد السواد... انتظر لحظة يوجد اطفال هنا ايضاً صبيان وفتاتان، اكبرهم لا يصمت ينادي ع والده وجده باستمرار... (كاد يرد الاخوة ع الاخر لكنه قاطعهم) آه اششت لا تقاطعو، لترتاحو لعدة ساعات وسنتواصل صباحاً سنترك هدية ودية لكم بالقرب من مقهاكم... هيا الى اللقاء"
تبادل جميعهم النظرات بقلة حيلة، عدد كبير من الرجال لكن لا قدرة لهم اعمل اي شيء، رفع ادريس رأسه ع اصوات شباب الحي الذي وصلو للتو للمنزل شاهدين ع مصيبة العائلة... مضت ساعات وهم يبحثون في كل مكان لكن لا جدوى، حتى اشرقت شمس اليوم التالي بعد ليلة طويلة انتهت اخيراً، ورد اتصال لياماش عن وجود شيء غريب امام المقهى، لم تمر لحظات حتى اصطفت سيارات ابناء ادريس امام المقهى وخرج جميعهم ينظرون الى ذلك البالون اسود اللون المعلق فوقهم، من وضعه هناك يا ترى! قطع تساءلهم صوت رصاص صالح التي اطلقها ع البالون لينفجر و تسقط منه مغلفات سوداء، هل مجدداً! الك المغلفات اللعينة! تباً لهذه الصدف التي لا تنتهي...
تساقطت تلك المغلفات ارضاً كاوراق الاشجار في الخريف البارد، رفع كل منهم مغلف وفتحه ليجده يحمل اسمه او اسم احد اخر منهم، تبادلو المغلفات وانطلقو سريعاً، لم ينظر اي منهم ماذا كان في مغلف الاخر، اوقفهم ادريس قبل ذهابهم "لتنتبهو ع انفسكم جميعاً" اومئ الاخرون له وانطلقو، كلٍ في طريقه الى المكان الذي حدده ذلك المغلف، توقف جومالي في نهاية الطريق ليجد نفسه في طرف الغابة، ترجل من سيارته ورفع سلاحه واكمل مشياً ع الاقدام، وانتهت طريق سليم بطرف اخر من تلك الغابة، جيلاسون، ميكي، ايمي، متين، كمال جميعاً انتهت طرقهم في اطراف تلك الغابة...
انتهت طريق ياماش عندما وصل الى المقبرة، وخصوصاً قبر اخيه كهرمان وجد هناك مغلفاً اخر يحمل مواصفات مكان يختلف كلياً عن سابقه، "هل نلعب هنا يا هذا" كان يكلم نفسه عائداً لسيارته منطلقاً للموقع الاخر، فيما كان ادريس قد وصل الى مكانٍ ناءٍ خالٍ من الناس، حفر فيه ٥ قبور حملت اسماء ابناءه (جومالي كهرمان سليم صالح ياماش) المه صدره من رعب منظر القبور التي تحمل اسماء فلذات كبده، ورعب الفكرة التي تدور في رأسه وتحرق روحه، لا يتخيل ان يدفنهم ويبقى حياً لا يتحمل الماً كهذا، لا يتخيل ان يخسر احد اخر منهم، التفت اللي الجهة المقابله ووجد قبراً حفر اسمه عليه وفوقه مغلف كتب عليه "دور من التالي؟" فتحه ليجد عنوان اخر، لم يفكر لدقيقتين حتى انطلق سريعاً الى ذلك العنوان وقلبه يتصارع في صدره بوتيرة متسارعة، يخاف مما سيجده امامه، وصل اخيراً ليجد نفسه في طرف المدينة يقف امام هذا المستودع الكبير الذي يتردد امامه هل يدخله ام لا، حتى صدح صوت من داخله "اهلاً بك ادريس كوشوفالي تفضل وادخل"، وصدح صوت من الطرف الاخر ينادي ع ياماش ليدخل الاخر من الطرف الاخر للمستودع، اغلق الباب تلقائياً خلفهما، المكان معتم جداً لا ترى يديك فيه ، هادئ لا نفس ولا صوت فيه...
انيرت طريقهم اخيراً، بضوء الشاشات التي تعرض فيديو مباشر لجميع نساءهم، وتنير طريقهم الذي كان الطريق ملتوياً واضح انه كالمتاهة، وفي كل زاوية يوجد شاشة تعرض احدى الاطفال او النساء تحت تهديد السلاح، يتخبط كلاهما في طريقهما في تلك المتاهة حتى انتهى بهم الحال امام بابٍ اخير، ظهرت عليه شاشة "اودعو امانتكم بالصندوق وادخلو" اي ضعو اسلحتكم في الصناديق قبل ان تكملو طريقكم، فتح الباب فور اغلاقهم تلك الصناديق، دخل ادريس اولاً واغلق الباب خلفه وامامه جدار، وحدث ذات الشيء مع ياماش، لكن وضع امامه سلاح مع ملاحظة معناها ان افلت السلاح من يده يموت اخوته وان لم يطلق سيموت الجميع، كان قلبه يتصارع في جوفه بينما تتصارع الافكار في رأسه.... قاطعهم صوت عالي وضوء ساطع لمع بالغرفة بينما ازيل الستار من بينهما، كان الضوء قد سطع من الشاشات التي تنقل البث المباشر لنساءهم واطفالهم والباقين الذين انتهى بهم الطريق في وسط الغابة... دخلو اليها حذرين رافعين الاسلحة ليتفاجئو لاحقاً بانهم يوجهون الاسلحة الى بعضهم وسط عدد ليس بقليل من الجثث، بينما علت اصوات صفارات سيارات الشرطة، كان كل من ادريس وياماش يقفان مقابل بعضهما البعض ينظران بقلة حيلة للموقف الذي انتهت طريقهما به وحال الباقيين امامهم... "احم احم، ادريس وياماش كوشوفالي اهلاً بكما في ضيافتي التي ستكون قصيرة للاسف، اولاً ياماش كوشوفالي ان تركت هذا السلاح من يدك ستموت النساء جميعاً، عليه حساس نعرف تماماً كيف تمسكه، وكما ترى اخوتك بيد الشرطة، معك عدة دقائق كما ترى في العداد فوق الشاشة امامك ان لم تطلق ع من بجانبك ستنفجر الارض التي يقف عليها جماعتك يعني سيموت اخوتك والشرطة سوياً، وطبعاً سننهي امر النساء والاطفال ايضاً، ان حاولت الاطلاق ع نفسك سننهي الجميع ايضاً..." كان صوت يوجال فقط ما يتردد في سماعات ذلك المكان يتكلم بفخر وكانه ملك الارض وما عليها، ليصرخ ادريس "ماذا تظن انك فاعل!" "اخذ انتقامي، كما اخدت مني والدي سآخذ منك كل شيء" "صالح يوك، صالح غير مرجوج بكل هذه الفيديوهات، ماذا فعلت يا ابن ال****" كان ياماش يردد بصوت خافت قلقاً، ليرد الاخر بينما يضحك بصوت مرتفع "هنا انظر لهذه الشاشة" ما ان التفت اليها كلاهما حتى اتسعت عيناهما غضباً... كان الاخر قد قادته طريقه الى مكان قريب من البحر، مهجور لا احد فيه توقف بسيارته بجانب الطريق ونزل رافعاً سلاحه لكن لا احد هناك غير صندوق اسود مغلف في الميناء ، اقترب منه وفتحه بحذر، ليجد داخله مغلف فتحه وقرأ ما بداخله "انظر لتمام الساعة ١٢ 🕛" رفع رأسه فيما ابتسم بسخرية عندما وجد نفسه محاصر تماماً يوجد ع الاقل ٣٠ رجلاً مسلحاً يرفعون اسلحتهم بوجهه، "اهلاً بكم، ماذا كل هذا لحمايتي، هل انا مهم لهذه الدرجة" ليجيبه احد الرجال "لا هذا للعرض فقط، والدك سيشهد نهايتك، هيا الى اللقاء فارتولو، شي قبل ان ننهي امرك، لا تقلق والدك سيلحق بك سريعاً، وسنرى كيف سينتهي امر شقيقك الاصغر بعد ان يقتل والده" كلماته علقت في رأس صالح ليصرخ عليه "ماذا تقول يا هذا! ماذا تقول!" "انظر هناك الساعة ١٢..." لم ينهي كلامه حتى علا صوت رصاصة قناص اخترقت جسد صالح اسقطته ارضاً بلا حركة او صوت، هادئاً يداعب الهواء شعره فيما تجمعت الدماء تحت جسده محدثةً بركة من الدماء سريعاً اندمجت مع مياه البحر التي تضرب الميناء بجانبه، "صاااالح!" صرخ ادريس فيما تجمد ياماش مكانه يردد بصوت خافت "هايير هايير هايير هايير، هذا مجرد كابوس مجرد كابوس" أطفأت الشاشة امامهم وبدأ مكانها عدد عكسي ٤:٥٩، لازال ياماش ينظر للشاشات ومنظر ابن ابيه الغارق بدماءه لا يخرج من رأسه "من سينقذه انه لوحده هناك بابا!" نظر ادريس لياماش والدموع تنهمر من عينيه "لا اعرف يا ياماش، لا اعرف اساساً ان كان جسده سيحتمل اصابة كهذه، اوف صالح" وصل العد الى ٣ دقائق، "هيا اولوم انهي ما عليك فعله" رفع ياماش نظره برعب الى والده "نيه! انهي ماذا!" "اطلق النار علي لتنقذ الباقيين يكفيني ما حدث مع صالح، لا اتحمل ذنب احد غيره" "ذنبي! ستحمل ذنبي! هل ستجعلني اقتلك يا ابي! هل ستفقدني عقلي! الا يكفي ما مررت به! الا يكفي ما امر به! انا اقف هنا احمل سلاحاً محرم علي تركه، اوجهه الى ابي، وان لم اطلق سيموت الجميع ونبقى نحن، اخذو صالح اساساً انه ينازع روحه لوحده هناك، وانا هنا (يضحك وهو يشير للسلاح) يريدون ان اقتل ابي" كان يتكلم مع نفسه مراراً وتكراراً لا يسمع ادريس الذي يقف امامه حتى ايقظته صفعة من والده "بقي ثوانٍ قليلة هيا" "سلمت روحي لرب العالمين" قالها ادريس بينما رفع يديه في الهواء بينما رفع ياماش السلاح ووجهه الى والده، انتهت الارقام ع الساعة 00:00 "سامحني يا بني ارجوك"، وخرج صوت تنبيه منها tot tot tot تُبع بصوت ثلاث رصاصات واختفى كل شيء بعدها، لا صوت ولا حركة ولا حتى اي اثر ع الحياة... الا صوت ذلك الجريح، روحه تتألم يحمل جسده والده "كولونيا، هل يوجد كولونيا!"...