هدوء تلك الليلة كان مقدمة للعاصفة التي اطاحت بابناء كوشوفالي ، فمن يترصد بهم يعلم جيداً كيف يتحرك و متى و يعرف كيف يؤذيهم باحبتهم او بانفسهم ... هو يريد الانتقام و سيتخذ اي طريقة لذلك ... سيجعل الدنيا تعصف بتدريس و سيشاهده يحترق هو و عائلته ، سيتأذى البريء مع المذنب ، سيتحرق الجميع ...
لازال الجميع امام باب غرفة العمليات ، حتى خرج الطبيب المسؤول عن حالة ياماش ، طمئنهم عليه و عاتبهم قليلاً ...
سلطان : هل نستطيع رؤيته ؟ اقصد ياماش ..
الطبيب : بالطبع لكن لندعه يستيقظ ثم ترونه ... و يذهب ليتركهم في دوامه احتمال فقدان ابن اخر من ابناء ادريس ...
عم الصمت الذي كسره صوت بكاء ادريس الصغير مما يلفت انتباه جده ...
ادريس : سعادات كزم ، اعطني الصغير لارى ... يتمتم بصوت خافت "هل يشعر بما يحدث هنا يا ترى ؟ "
ادريس يكلم الطفل : ماذا هناك يا بني ! هل جعت (يقبله) ، ام اشتقت لوالدك ؟ عليك ان تكون قوياً مثله ، ليدمه الله سنداً و غطاءً لك يا بني ... و ليدمك الله سنداً و عوناً له هو ايضاً ، لتحفظها لبعضهما و لي يا رب ...
تمر ساعات اخرى ، انتهت طاقة الموجودين و املهم يتلاشى مع كل دقيقة تمر ...
" هل سيعيش ؟ " هذه الفكرة فقط تدور في عقولهم ... ليقف ادريس " لقد مرت ٨ ساعات ! ماذا يحصل بالداخل ؟ "
سليم : اهدا يا ابي ، سيكون بخير ، ان لم يخرج احد حتى الان هذا يعني انه لازال حياً ، و يكمل بصوت خافت "ع الاقل آمل هذا "
بعد مرور ساعة اخرى ... يخرج الطبيب ...
جومالي يقف من مكانه بسرعة : و اخيراً !
الطبيب : اهل صالح كوشوفالي ؟
ادريس : ايفيت ، كيف وضعه هل نجى ؟
الطبيب : لازال حياً للان ، لكن وضعه حرج جداً احدى الرصاصات اصابت رئته بضرر جاد و الاسوأ انها استقرت في جدار القلب ، يعني لو دخلت مليمترات للداخل لكنتم تأخذون عزاءه ، توقف قلبه لعدة دقائق في الداخل بالكاد اعدناه ... بينما الرصاصة الاخرى اصابت كبده ، لن اقول اصابته بل دمرته ، استئصلنا ٧٥٪ من كبده و ممكن ان نزيله تماماً اذا لم يتوقف النزيف خلال الساعات القادمة ... يعني ما اعنيه انه لازال يصارع الموت ، سيطرنا قليلًا ع وضعه ووضعناه في غيبوبة طبية حتى يستعيد جسده القليل من قوته ليقاوم ...
ادريس نزلت دمعه يتيمة من عينه : ماذا يعني كل هذا ! هل سينجو ؟
الطبيب : ارجو ذلك ، لكن احتمال حدوث مضاعفات وارد جداً خاصةً ان طبيعة اصابته قاتلة ، او حتى ان نضمن استيقاظه بعد انتهاء الغيبوبة الطبية ، شيء اخر ، نزف الشاب كثيراً و فقد كميات دم كبيرة فقد نقلنا له ما يقارب ٢٠ وحدة دم و مكونات دماء ... يعني ان امكنكم تعويض بنك الدم قليلًا سيكون الامر جيداً ، و لاكون واضحاً معكم ، نزيفه هذا و توقف قلبه لمدة زمنية بالطوارئ و العمليات ممكن ان يكون قد سبب نقص اكسجين ع دماغه ...
جومالي و بعد ان فرك وجهه بيديه : آييه دكتور، باختصار ماذا تحاول ان تقول ؟ هل سينجو ام لا ؟
الطبيب : لا استطيع الاجابة عن ذلك الان ، سيبقى تحت المراقبة لعدة ايام ،اي مضاعفات ستقلل من نسبة نجاته ، و سيكون جيداً لو بحثتم له عن متبرع بالكبد في حال احتاج ، و تبرعو بالدماء ايضاً لتعويض بنك الدم قليلاً ، فعلنا ما علينا و الباقي ع الله ثم ع صالح ، زال البأس و يذهب ...
تأتي سنا و سلطان من عند ياماش الذي استيقظ لتوه ...
سلطان : الحمدالله ، لقد نجا ابننا يا ادريس ..
سنا : هل خرج الطبيب ؟
سليم : خرج ، و ياليته لم يخرج ...
سنا : هل ؟
سليم : لا لازال حياً ... لكن وضعه حرج جداً
سنا : اوف ، لا نخرج من مصيبة لندخل باخرى !
سليم : هل سأل عنه ؟
سنا : يوك ، لم يكن لديه طاقة للكلام اساساً
سليم : جيد ، كان اخر شيء رآه هو صالح بين يدي جومالي غارق في دماءه وفاقداً لوعيه ... ليستعيد قوته ثم نخبره ، اذا سأل لن تخبروه ان وضع صالح غير مستقر ،ليعرف انه مصاب ولا يستطيع القدوم فقط ...
جومالي : لماذا ! هل سنكذب عليه ! و ان لم ينجو صالح كيف ستخبره بهذا ! برأي انه يجب ان يعرف الحقيقة ...
تقترب سنا من سعادات التي لازالت تقف كانها تجمدت مكانها ، تنهمر دموعها بدون توقف فها هي تقف امام فكرة خسارة عشقها و حبيب طفولتها ، تنظر لسنا للحظات تقول بصوت لا يسمع " هل ذهب ؟ هل تركنا !" قبل ان تفقد وعيها و تسقط ارضاً ... لتركض اليها ممرضة و يتم نقلها لغرفة بقيت سنا بجانبها بينما اخذت داملا ابنها و جلست بجانب زوجها، و ما ان فتحت عينيها مجدداً حتى تنهار باكية بصوت عالي و تصرخ قائلة "لن يموت لن يذهب ، لا حق له بذلك ! هل ارتحت جومالي باي ها قد حصل ما تريد " و بقيت تتخبط بحضن سنا التي تبكي هي الاخرى ع بكاء سعادات ، امر الطبيب المعالج لها باعطاءها مهدئ فما مرت به منذ لحظات ليس سهلاً...
ذهب ادريس ليرى ياماش لعله يخفف عنه قليلاً بينما كان الاخر بين الوعي واللاوعي من تأثير المخدر يكرر " لا تتركوه لن يموت احد"، يمسك ادريس يد ابنه و يقبل جبينه و هو يدعو الله ان يساعد ابناءه للنهوض مجدداً ...
جومالي كأنه في بعد اخر ، فكان يستمع للكلام الذي يدور حوله و يشعر كأن السقف و الجدران اطبقت عليه ، مشاعر لا يعرفها ، قبل ليلتين كانا يتشاجران في المقبرة كادا يقتلان بعضهما البعض ، ع الاقل هذه كانت نيته لا يعرف نية الاخر ... اما اليوم فهو حي لان صالح كان يقف امامه لان صالح قرر حمايته ! ما هذه الصدف ؟ بالامس اراد قتله لكنه اليوم يختنق لان الاخر يصارع الموت !يتذكر كلام صالح في المقبرة " لم يكن لدي اخ كبير يحميني " "اوف صالح اوف ما الذي مررت به بحياتك ، لتصبح ع ما انت عليه اليوم ، ذنب من دفع كهرمان عندما قتلته " ينظر للاسفل بينما يفرك يديه ببعضها "لم احمه لكنه حماني" يفرك كفيه ببعضهما بعنف و الشرار يكاد يخرج من عينيه ، ليقف قائلاً " من يفعل هذا ؟ من يتجرأ ع محاولة قتل اخوتي يا هذا !ياماش ! ما ذنبه ؟ قلبه ابيض لماذا يحاول احدهم قتله ؟ و صالح حسناً انا اردت قتل الفتى قبل فترة لكن لن اسمح لاحد بايذاءه !
تقترب داملا منه و تضع ادريس بين يديه ، لينظر الاخر لعمه و يبتسم ، تدمع عين جومالي بدون ان يشعر ليرفع الطفل و يقبله و يشم رائحته تمر ربع ساعة كان ادريس قد نام بين يديه ، يتذكر كل ما حدث منذ ساعات و يتذكر كلام سعادات " لن يعيش ابني قدر والده ، ان كنت تريد قتله فعليك العبور مني و من ابنه ثم اليه " ليهمس قائلاً " اللهم ما هذا العذاب !" فيعيد ادريس لدملا قائلاً "لن يكبر هذا الطفل يتيماً لن اسمح بذلك " و يخرج مسرعاً ...
داملا : جومالي ! الى اين ؟
ليلحقه سليم : آبي الى اين ؟
جومالي : سآخذ انتقامهما ...
يدخل كمال و متين في تلك اللحظة ، و يرون سليم يركض خلف جومالي...
كمال : الى اين ؟ ماذا حدث ؟
سليم : ابقيا هنا بجانب ابي رجاءً
كمال : هل حدث شيء ؟ياماش ابي ؟
سليم : ياماش بخير ، لكن صالح ...
كمال : هل ؟
سليم : لا سمح الله ... لا لكن وضعه حرج جداً ... ابي عند ياماش ابقيا بجانبه ... و يلحق باخيه ...
سليم : حباً بالله توقف ...
جومالي : لماذا ؟ لماذا اتوقف ؟
سليم : لاجل ابي ،كاد يفقد اثنان من ابناءه خلال ساعات ، لنبقى بجانبه ع الاقل يطمئن قليلاً ...
ادريس الذي كان قد لحقهم و سمع اغلب حديثهم : سليم محق لن يذهب اي منكم لاي مكان ، كدت افقد اثنتان منكم في غضون ساعات ، احدهم مصيره غير معروف ، لم اشبع منه يا هذا ! بالكاد تعرفنا ع بعضنا ، هل يشبع الاب من ابنه ! ماذا عن ياماش انه اصغركم يحتاجكم بجانبه لا بجانب كهرمان ... هؤلاء الاولاد يدفعون ثمن اثامي و اثم ماضيي ، كما دفع كهرمان ثمن انانية امكم و غباء الباشا رحمه الله ... يكفيني الماً ، قلبي يتمزق ع حالهم يا هذا ... الى اين تذهب و تترك والدك بهذه الحالة !
يصمت قليلاً ثم يجلس ع المقعد الذي امامهم : لكن الان اجلسا و اخبراني ماذا حدث بالضبط ، لماذا اخرجت ياماش و هو بتلك الحالة من المشفى و كيف اصيب صالح ... اريد التفاصيل ...
يبأ سليم بشرح حال الحفرة و اهلها و النزاعات التي بينهم و كيف ان جومالي بدلاً من توحيد صفوفهم كان قد زاد الفرقة بينهم ، دون قصد منه ... و عن محاولة صالح ايجاد هدنة بين الاهالي ... نهاية بملاحقة الحملات السود ... و كيف انهم تفاجئو من الحشد المتجمهرين حول صالح و جومالي ...
ادريس : هناك دخيل ، حتماً هناك من يلعب بنا و بأهل الحي كلعبة الشطرنج ... و كيف اصيب صالح ؟
- فلاش باك -
جومالي ينظر لصالح : يوجد ثأر بيننا يتكلم بينما ياماش الذي لم يكد ينهي كلامه: لتنهي الامر اذا ! لتطلق علينا جميعاً و لتعطي سليم حصته ايضاً و بهذا تنتهي هذه العائلة المشؤ .. ومة ..
( في تلك اللحظات )
يلمع ضوء الليزر في عيني صالح الي انتبه لمصدره ، يركز بمصدره و يرى رجل يقف بالظلام ، و يفهم ما يجري يلتفت لجانبه و يدفع جومالي من جانبه ليسمعو صوت الرصاصة التي باغتتهم بصوتها العالي
سريعة جداً كانت عندما دخلت جانبه الايمن و اخترقت جسده لتشق طريقها وسط جسد جومالي الذي وقف خلف اخيه ع بعد خطوات ... من حرارة الصدمة جسده لم يشعر بحرارة تلك الرصاصة التي احدثت فجوة به " آبي انتبه " كان هذا اخر ما قالها "هناك قناص انتبهو"لكن صوته لم يخرج فالرصاصة الثانية كانت قد استقرت في الجانب الايسر من صدره ... ألم و حرارة تسري في كامل جسده الذي وقف متسمراً مكانه ... لا يشعر بما يجري حوله لكنه يشعر بروحه تسلب منه ، تبدأ رؤيته تتشوش و الاصوات تدخل في بعضها ، سبحته انزلقت من يده ، تمر لحظة يرى خيال شخص التف امامه لكنه لا يسمع صوته ... يثقل جسده و يهوي ارضاً لتلقفه ايدي ذلك الشخص ...
جومالي : صالح ! صالح هل تسمعني ؟
لا رد من الاخر فقط ينظر بالفراغ يحاول الكلام لكن صوته لا يخرج
جومالي بخوف : صالح ، ابقى معي .. لما فعلت هذا ! لماذا حميتني يا هذا !
صالح يسعل دماء و يحاول الكلام بصوت متقطع بالكاد يسمع : آبي ، انا اعتذر ... سامحوني ..
جومالي : ع ماذا تعتذر ! ابقى يقظاً ابقى معي ستكون بخير يرفع جسده و يضع رأسه ع حضنه بينما يحاول السيطرة ع نزيف الاخر ، يحاول الضغط ع جرحه ليلاحظ انه ينزف بشدة من عدة اماكن ..." صالح افتح عينيك ، لا تستسلم للظلام يا بني ، صا صااالح ، لن تموت ليس هكذا ، افتح عينيك "
شعر في تلك اللحظة بالغضب و العجز الشديد ، الفوضى تعج حوله ، لا يدري ما وضع اشقاءه الاخرين ،الاخر بين يديه يواجه مصيراً غير معلوم ...
يلتفت ليرى اخوته يتقدمون باتجاهه ...
ياماش بصوت يرتجف : ارجوك اخبرني انه حي ... لم يمت ! لا يمكن ان يموت ... ليس هكذا !
يرد الاخر : لا اعرف ! لم ارى ... لم اقصد ... لم اكن اريد هذا ....
يسقط ياماش ع ركبتيه ارضاً و يقترب من اخوته : لنذهب للمشفى ، بسرعة ... ما كل هذه الدماء ! لم تمض دقائق ع اصابته ! سيموت ان بقينا هنا ... ان لم يمت اصلاً ...
- نهاية الفلاش باك -
ادريس ينظر لجومالي ثم للارض : اذا قام بحمايتك ؟
جومالي بخجل : ايفيت ... و انا لم استطع حماية احد ... لم استطع ! ، يمشي ذهاباً و اياباً ، سأجن و الله سأجن ، من يتجرأ و يقوم بإيذاء ابناء ادريس كوشوفالي!
ادريس جلس ع الكرسي ينظر للارض بحزن يمسح دمعته التي خانته و نزلت ، يشد ع يده و سبحته ..
جومالي الذي يفرك يديه و يهذي بصوت عالي : دماءه لا تذهب عن يدي ... اخر ما سمعه مني كان ان بيننا ثأر ... تعذب هذا الفتى كثيراً ، و لم يكن هناك احد ليحميه ، قال لي لم يكن هناك احد يحميه يا ابي ، و لم نحميه نحن ايضاً ! هل سيموت ؟
سليم : آبي ، أهدأ من يراك لن يصدق انك كنت تنوي قتله ! و تأخذ انتقامك ...
جومالي : هذا شيء و ذاك شيء اخر ...
ادريس الذي يبكي بصمت و يناظر الارض ينتبه لعليشو القادم ببطئ ...
ادريس : عليشو
عليشو بعيون حمراء و نبرة باكية : عمجا! هل هما بخير ؟
ادريس يحاول اقناع نفسه ، و بنبرة باكية : سيكونان بخير بإذن الله
يمد عليشو يده و يعطي ادريس سبحة صالح التي وجدهما ع الارض تسبح في دماءه ... ثم يمد يده الاخرى و يعطيه اغطية ٣ رصاصات كان قد وجدها ع السطح الذي اطلقت منه الرصاصات ...
ادريس : هل هذه الرصاصات ؟ لما ٣ صالح اصيب باثنتان !
سليم : شي ، اطلق رصاصة ع الارض بالقرب منا انا و ياماش... كانها رسالة تحذيريه ...
ادريس : فهمت ، يضغط بيده ع سبحة ابنه
يكون ايمي قد انضم اليهم و جلس بجانب ادريس يربت ع كتفه ، كان قد خرج لتوه من عند ياماش : حسناً ياماش بخير سينجو الحمدلله ، قبل خروجي نام بفعل الادوية ، اساساً استيقظ للحظات فقط ، لكنه يسأل عن صالح باستمرار ، كيف سنخبره بوضع الاخر ؟
سليم : لنتركه بدون ان يعلم حتى يشتد عوده قليلًا ، يكون وضع صالح قد اصبح واضحاً اكثر ...
ايمي: ماذا قال الطبيب ؟
سليم : قال ان صالح سيحتاج لزراعة كبد لان خاصته تهشم و ان الرصاصة الاخرى انحرفت و اصابت رئته و استقرت بقلبه ، لن تعرف وضعه تماماً قبل ان يستيقظ و لكن هناك احتمال كبير ان لا يستيقظ، يعني ، احتمال بقاءه ع قيد الحياة ضئيل ...
جومالي : صالح سيموت ، لانه قام بحمايتي ... يضحك بخفوت و يقول "يال سخرية الاقدار قتل احد اخوته و مات عندما انقذ الاخر "