لطالما عاكست هذه الدنيا جميع المخططات التي ترسمها لحياتك، حياتك تلك التي تمشي تبعاً لقرارت تأخذها وأخذتها تبعاً لظروف مررت بها، ان كان القرار خاطئاً سيترتب عليه عقاب ع حسب حجم خطأك الذي ارتكبته، وان كان سليماً ستتحمل نتيجته ايضاً...
سقط صالح فاقداً لوعيه بين يدي سليم، غير واعي عن الدنيا حوله، ملئت دماءه ملابسه وملابس سليم، حملوه الى السيارة حيث يجلس سليم الذي يضع صالح في حضنه ويضغط ع جرح رأسه، وفي الامام يجلس جومالي، اضاء السيارة وكاد يتحرك حتى فتح كهرمان باب السيارة ودخل، وضع حزام الامان ونظر لاخيه الاكبر "هيا بسرعة، الفتى يفقد الدماء وانت تنظر الي كمن رآي شبحاً" ليرد عليه جومالي شاتماً "**** لكل ما تجعلوني امر به يا هذا! ما هذا! ابتلاء لا ينتهي" انطلق سريعاً الى المشفى، الذي اصبح مكاناً لابد من زيارته بين الحينة والاخرى، كأنه سينما يقطون تذكرتها كل فترة مرة، فور وصولهم، نزل كهرمان طالباً المساعدة، فخرج عدد من الطاقم الطبي مع نقالة وضعو صالح عليها وبدأو باسئلتهم ليعرفو ما به فاقد الوعي هذا، "اندريا هل هو موجود؟" اجابته احدى الممرضات "ناديته انو قادم" يبدو ان جميع من يعمل بذلك المشفى يعرف الكوشوفالي وان اندرو او اندريا طبيبهم، مرت لحظات حتى اتى رد السلام واكمل ممازحاً اياهم فيما كان يقم يديه ويستعد للدخول "مرت فترة بدون قدومكم الى هنا" ثم نظر للسرير "ماذا حدث مجدداً؟" فاجابه سليم "رماه ياماش عن الشرفة" ضحك الطبيب بداخله "هذا ما ينقصه اساساً" و اكمل "كم مضى ع فقدانه وعيه، وخل فقده مباشرة بعد تلقيه الضربة؟" "نهض بعد سقوطه لثواني معدودة ثم فقد وعيه، حدث ذلك من حوالي عشر دقائق" كان اندريا يقلب الاخر يفحصه من كل مكان "اول شيء صورة طبقية لرأسه، ثم نكمل عملنا، وضعي له محلول او ما شابه" ترك التعليمات للممرضة وتركهم يأخذونه لقسم التصوير، فيما اتجه هو الى اخوة المصاب ونظر بغرابة لكهرمان "لم نتعرف؟" "كهرمان كوشوفالي" ابتسم اندريا "انت الاخ الميت الذي اتضح انه حي وفاقدٌ لذاكرته؟" "تماماً" "لندعو ان لا يفقد الاخر ذاكرته" "كيف علمت بي؟" سأل كهرمان باستغراب بينما اجابه جومالي "انه طبيب صالح، وغالباً الاخر اخيره عنك فهو كالراديو المعطل (الخربان)، يتكلم بكل شاردة وواردة" ضحك اندو "لا ليس هكذا، الا يوجد دواء كنت تأخذه واتى صالح بمضاد له؟ لقد استشارني به، لم يتحرك من رأسه" "اهاا، فهمت" "استأذنكم، سأذهب لانهي عملي مع شقيقكم الان" دخل الى الغرفة وطلب من الممرضة تنظيف مكان الجرح وتعقيمه حتى يباشر باغلاقه، نظر لصور الطبقية "ارتجاج غالباً، هلا ناديتي ع طبيب الاعصاب لاخذ باستشارته ايضاً" خرج لحيث الاخوة بعد مرور ساعة ومعه طبيب دماغ واعصاب ،كان منظرهم يبشر بمصيبة "لا تقلقو سيكون بخير" اول ما قاله اندرو ليشير لزميله بالكلام "اصيب بارتجاج قوي للدماغ لهذا فقد وعيه، ضمدنا جرحه، وسنعيد الصورة خلال ساعات لنتأكد ان الامور جيدة، ثم نخرجه بعد استيقاظه ب٢٤ ساعة" ضحك سليم "يوم كامل بعد استيقاظه!" فاجابه اندريا "وظيفتكم ابقاءه هنا مع انني اعرف ان الطريقة الوحيدة لإبقائه تلك المدة هنا هو ربطه، لكن لنرى متى يستيقظ وكيف سيكون حاله، قبل ان نستبق الاحداث"، سأل جومالي "ومتى نراه؟" "بعد قليل" ...
اخرجوه بعد دقائق الى غرفته حيث دخل جومالي وجلس بجواره، عدل غطاءه وجلس بهدوء يحدق للنائم، "تنام بهدوء الان! الى متى تنوي رميي من جهة الى اخرى! تركض من مصيبة لكارثة! كم مرة علي ان احملك الى المشفى كالجثة! فقط اعرف انك لست ميتاً هو انك لازلت تتنفس! ماذا كنت تفعل بالمنزل يا فتى؟ كم مرة علي ان اخبرك لا تقترب من ياماش! الفتى عقله ذهب، كنت بواحد اصبحت بثلاثة!" مسح جومالي ع وجهه واكمل "اللهم امدّني بالصبر لاتحمل جنونهم" نظر لتبك الضمادة ع رأس الاصغر، وتألم من حجمها، قاطعه صوت كهرمان "٢١ غرزة احتاج حتى اغلقو الجرح" حول جومالي نظره الى كهرمان "ليستيقظ ولكل حادث حديث" "ابي يسأل عنه" "سنتصل به عندما يستيقظ، اخبر سليم ليعود للبيت لا يبقى ابي لوحده مع ياماش" "حسناً"...
في نفس الوقت لكن في البيت، سحب ادريس ياماش للداخل، عانقة وضمه محاولاً تهدئته، فيما بتخبط الاخر بين يديه، ويصرخ ع كل من امامه، اشار ادريس لسعادات لتأخذ الاطفال والنساء ويخرجن من هناك... وفي طريقها التقت سعادات بجيلاسون وعدد من الشباب بالقرب من باب البيت "اذهبو لابي بسرعة يا جيلاسون، جن جنون ياماش" ركض جميعهم للداخل، كان ياماش لازال يتصارع مع ادريس حتى افلت من بين يده وصرخ باعلى صوته "ماذا تريدون يا هذا! ماذا تريدون؟ من هذا! من كان هذا!" "ياماش اهدأ يا بني" امسك الاخر باول ما وجده امامه ورمى مزهرية باتجاه والده، الذي تفادى الاصابة المباشرة "ياماش ماذا تفعل؟" "من كان هذا! صالح مات" "لا احد يا ياماش لا احد" كان الاخر يصرخ بهيستيرية، و يبكي لا يريد ان يخوض في امرٍ كهذا فالميت بالنسبة يجب ان يبقى ميتاً، لا حل اخر، ع الاقل الان حتى يبدأ عقله يعمل بطريقة سليمة، "تمام ياماش كما تريد لكن أهدأ ارجوك" اقترب ادريس منه بهدوء لعل الاخر يخفف من هستيريته قليلاً، جلس الاخر ارضاً ضاماً جسده ع بعضه، ويبكي كالاطفال، "لا تفعلو ذلك مجدداً، والا سنخسر بعضنا، اتريدون اصابتي بالجنون؟" كان ادريس يراقب حال ابنه ويتألم لألمه، فطر حال ياماش قلب ابيه، اقترب منه وعانقه ثم مسح ع شعره "مضى وانتهى اولوم" "لا يمضي يا ابي، لا ينتهي، هذا الكابوس لا ينتهي، لا يكفي انني خسرت اخي، الا انني اراه في كل مكان، حرفياً في كل مكان" ابعده ادريس عنه قليلاً "ياماش انهض واغسل وجهك وتعال حدثني عن ما تتكبم عنه، عن من تراه" تزامن ذلك مع دخول جيلاسون "ادريس بابا! ماذا حدث هنا؟" "لا شيء، لينظف احدكم هذه الفوضى، ويوجد دماء بالاسفل لتنظفو ذلك ايضاً، لا اريد ان يرى ياماش ذلك" "امرك لكن ماذا حصل؟" "لا اريد أسئلة جيلاسون هيا تحركو"... دخل ايمي بعدهم الى البيت "هل صحيح ما قالته النساء؟" اومئ ادريس وكان واضح انه يحمل هماً بثقل الجبال، "اجل يا مجاهد، ياماش رمى صالح عن الشرفة، دفعه وسقط معه بل فوقه" "هل هما بخير؟" "لا اعرف، لم يصلني خبر عن صالح بعد" عاد ياماش واشار لوالده "بابا يوجد شيء بيدي" اقترب ادريس وامسك بها، فتأوه الاخر متألماً، "الى المشفى اذاً، يبدو انك كسرتها او ما شابه" ثم نادى ع جيلاسون ليوصلهم الى المشفى...
في الطريق للمشفى اقترب ادريس من ياماش فقد كانو يجلسون بجاور بعضهما بالكرسي الخلفي من السيارة "اخبرني الان ماذا كنت تقول عن صالح؟" اجاب الاخر بهمس "بابا، ارى خيال صالح في كل مكان، يوجد اثنان واحد فارتولو والاخر صالح، اعرفهم، اتكلم معهم، بل يرشدانني في اتخاذ قراراتي، يعني كانت ايفسون تعطيني مخدرات عدة مرات باليوم، كنت كالآلة بلا قرار يا أبي، لكن فارتولو أرشدني، وصالح ساعدني لتخطي إدماني وبقيت آخذ جرعة واحدة فقط باليوم" "ألازلت تراهم يا بني؟" "اجل، حتى رأيتهم ع الشرفة قبل الحادثة، ورأيت احداً يشبههم كثيراً، لكن صالح مات وهؤلاء خيالاته، فمن كان الثالث انا لا اعرف، ولا اريد ان اعرف" توقف عن الكلام لحظة وصولهم المشفى حيث التقو لحظة دخولهم مع سليم دخولهم ع الباب الرئيسي كان الاخر في طريقه الى البيت "ماذا حدث؟ ماذا تفعلون هنا؟" "جئنا لنطمئن عليه، يبدو انه كسر ذراعه او ما شابه" نظر لهم سليم بقلق "هل انادي طبيب ص... الطبيب اندريا؟" اجابه ادريس "تفعل خيراً"، عاد بعد دقائق ومعه اندريا، اخبره بوضع ياماش وحذره من ذكر صالح امامه "مرحباً ياماش، كيف حالك؟" ابتسم ياماش للطبيب واجابه "بخير، يبدو اني اذيت يدي" "وكيف حدث ذلك يا ترى؟" "لقد سقطت عن الشرفة، ويبدو انني اذيت يدي او ما شابه" "فهمت، هيا تعال لنجري بعض الصور والتحاليل"، ذهب كلاهما وبقي سليم وادريس وايمي بمكانهم، "مجاهد ابقى هنا، انا سأذهب لارى صالح، ان عاد ياماش وسأل عني قل ذهب لدورة المياه او ما شابه" ثم اشار لسليم "كيف حاله؟" "لا اعرف، يقولون ارتجاج وما شابه، لكنه لازال فاقداً لوعيه" "خذني اليه اذاً" "هيا"...
دخل ادريس لغرفة ابنه ليجد ابناءه الاكبر يتناقشان بصوت عالي ع ذات حادثة المداهمة التي قام بها كهرمان برفقة صالح، "اخفضا صوتكما، لاذكركم اننا في مشفى هنا" التفت اليه كلاهما معتذرين، ثم اكمل "ماذا قال الطبيب؟" مشيراً للاصغر الذي ينام بالسرير فاجابه جومالي "ارتجاج دماغ، لهذا فقد وعيه وجرح رأسه كبير يا ابي" اكمل كهرمان "٢١ غرزة حتى اغلق الجرح، يعني ياماش قصد قتله عندما رماه من الشرفة، ماذا كان يفعل هناك اساساً!" التفت جومالي لسليم "حقاً ماذا كنتما تفعلان هناك؟" فاجابه الاخر وكأنه هو السبب " ظننت انكم خرجتم، وهو اتصل بي لا اعرف لماذا، قال هناك شيء مهم يجب ان نعرفه، ثم خرج ياماش من حيث لا ادري، وحصل ما حصل" اقترب ادريس من ابنه ومسح ع ضمادته بطرف يده واقترب منه مقبلاً جبهته "صالح هيا يكفيك نوماً، استيقظ، افتح عينيك لارى" كان ادريس يمسك بكف يد ابنه ذو الحظ القليل جداً، فيما اجابه كهرمان "جربنا معه كل الطرق لكنه لا يستيقظ، يبدو ان اصابته سيئة" نكزه جومالي بكوعة "ماذا تفعل يا كهرمان؟" "ماذا؟" "هل تريد زيادة قلقه ام ماذا؟" كان احدهم يسترق السمع ع كلامهم، حين فتح عيناه اخيراً، نظر حوله، ليجد والده واخوته، نظر لهم مطولاً بنظرات غريبة "اولوم هل انت بخير؟" سأل ادريس ليسمع الاخر يتسائل بين بصوت خافت "اين انا؟" "بالمشفى يا بني، لقد اصبت فاتيتنا بك الى هنا" "ومن تكون انت؟" ثم نقل انظاره بين اخوته واعاد سؤاله بنبرة واضح بها التيهان "من انتم؟" تناقل الموجودين النظرات بقلق ورعب، فيما اقترب سليم ووضع يده ع رأس صالح "هل انت بخير كارديش؟" لكن الاخر ابعد سليم عنه، ابعده بطريقة تعكس خوفه منهم، نظر لهم برعب واكمل كلامه "من انتم؟ وماذا تريدون؟" "أهدأ صالح" اقترب جومالي ليتراجع الاخر خائفاً الى حافة السرير لكن جومالي امسكه قبل ان يسقط "ع مهلك" سأله سليم "هل تذكر من تكون؟" نظر الاخر اليه بتوهان وهز رأسه نافياً، اجاب جومالي "صالح اسمك صالح، يا هذا هل فقدت ذاكرتك انت ايضاً! الا يكفينا واحد بعقل يذهب ويجيء؟" التفت كهرمان الى سليم "لتنادي الطبيب هذا حقاً لا يتذكر اي شيء" هم ثلاثتهم خارجين من الغرفة، ليتوقفو ع صوت ضحك صالح ووالدهم "امزح امزح، اعرف من تكونون يا هذا، لا حاجة لتنادو الطبيب، ابيلار" عاد ثلاثتهم "لان صالح! هل كنت تمثل علينا يا هذا!" ابتسم الاخر مجيباً "يعني، آخذ جزءً من انتقامي" ليرد عليه سليم "وانا ما ذنبي يا هذا! لقد توقف قلبي، الا يكفي مصائب ليبقى وضعك مستقر قليلاً حتى نحل مسألة ياماش ثم امرض كما تشاء، لا سمح الله طبعاً" "لا قدر الله" اجاب ادريس الذي طرق ع الطاولة، "هل كنت تعلم يا ابي؟" تسائل كهرمان فرد عليه ادريس "اجل همس لي سابقاً، استيقظ وانتم تتشاجرون" "احمد الله انك ع فراش المشفى والا.." قاطعه صالح "الا ماذا؟ ألا تكفي الخريطة التي رسمتها ع جسدي؟" ابتسم الاخر واقترب "تكفي، تكفي، هل انت بخير تشوجوك؟" "بخير، فقط صداع" قبل رأسه واكمل "لهذا ستبقى هنا الليلة وتعود للبيت غداً" "نيه!" اجاب صالح بنبرة عالية، واكمل بنرة اعلى "ماذا يعني سأبقى الليلة هنا! الا يكفي اني اختم الكرت هنا كل فترة والاخرى، والآن ستبقونني هنا غصباً! انا بخير كما ترون لا علة بي، اوف آبي دائماً ..." تفاجئ بكهرمان يغلق فمه ليهمهم بكلام غير مفهوم وحاول ابعاد يد اخيه عن فمه لكن الاخر يأبى "أهدأ لن نغصبك ع شيء لكن هذه اوامر الطبيب، لتجلس مكانك وتصمت قليلاً يا هذا، منذ استيقظت وانت بر بر بر تتكلم وتصرخ فقط" كان ادريس يراقب ابناءه ويضحك ع حالهم "ابعد يدك عن فمه قبل ان يعضك" قالها سليم وهو يمازح الاخر، رد عليهم صالح متذمراً "يعني واحد حاول خنقي، والاخر لتسلم يده لم يترك في جسدي اي جزء سليم، والثالث حاول قتلي ورماني من ارتفاع، سليم هل تريد ان تنهي عملهم، ثلاثة محاولات قتل فاشلة، ربما تنجح انت" رد عليه الاخر "توبة، يا ربي" فاكمل صالح "انا اقول لاعود لبيتي ذلك في ريزا..." قاطعه جومالي "بدأ يهذي مجدداً، حقاً حدث شيء لدماغك هذا..." ...
في طرف اخر من ذلك المشفى، في قسم التصوير اتضح وجود كسر في رسغه وعظمة الترقوة في الجهة اليسرى لدي ياماش، لكن الأسوأ هو وجود مادة مخدرة في جسده، وبنسبة جيدة، تدل ع انه لازال يتعاطى بطريقة ما، قام اندريا بتجبير يد ياماش وتثبيتها ع رقبته "كسر الترقوة مؤلم ولا جبيرة له سوى عدم لحركة، ولحسن حظك الكسر ليس كاملاً، يجب ان تلحم خلال ثلاثة اسابيع، لم يناقش معه موضوع المخدرات لكن تركه مع صديق له طبيب نفسي ليقيم وضع ياماش، فيما خرج يبحث عن العائلة ليجد ايمي أمامه "مرحبا امجا، اين اجد السيد ادريس وابناءه؟" "عند صالح، ذهب ليطمئن عليه، اخبرني هل ياماش بخير؟" "جسدياً يوجد كسر في رسغه واخر في الترقوة لكنه سيكون بخير لكن صحته النفسية سيئة جداً، لا يجب ان يبقى طليقاً، وصلت يده الى المخدرات بطريقة ما" تركه وانطلق الى غرفة صالح...
"كيف حال ياماش يا ابي؟" "اوف صالح اوف، اخوكم ليس بخير ابداً، عقله في عالم غير عالمنا، يرى هلوسات بشكل دائم، لا اعرف ماذا سنفعل له" نطق كهرمان "لا تفهموني خطأ، لكن لما لا نجرب مصحة او ما شابه، ع الاقل طبيب نفسي" "يوك لن نرميه بمصحة او ما شابه" اجابه صالح بغضب فاكمل الاخر شرح وجهة نظره "آذاك اليوم،و لا احد يدري ماذا قد يفعل غداً، ان تسبب باذية احد اخر مجدداً يجب ان يذهب لمصحة" كان كلامه يغضب صالح الذي نهض من مكانه باتجاه كهرمان "اولوم ماذا تفعل؟ لا تنهض" حاول ادريس ايقافه لكن عبثاً، "اصمت يا هذا، اساساً كله بسببك، تباً ل** سيدك الذي تسبب بكل هذه المصائب" وما ان نهض من سريره حتى اختل توازنه وكاد يسقط لكن امسكه جومالي واعاده لمكانه "لوجه الله أهدأ انت الاخر، ماذا تفعل!" تزامن هذا مع دخول اندريا الذي قاطعهم "لم اقصد الاستماع لكن كهرمان محق" صرخ فيه صالح "ماذا تهذي انت ايضاً، ياماش بخير، ليس بحاجة الى مصح او ما شابه، لا تزيدو صداعي الماً يا هذا" اقترب اندريا من صالح وبدأ يفحصه "اتبع الضوء بعينيك واسمعوني جيداً، اولاً (اشار لسليم) هلا اطفئت الانوار حتى استطيع انهاء الفحص، ثانياً، لازالت المخدرات موجودة بنسبة جيدة بجسد ياماش، يعني انه يصل لها بطريقة او باخرى، يعني جميع ما حدث بدون اعراض انسحابية، فكما قال كهرمان مجدداً ان تسبب باذية شخصٍ اخر يجب ان يذهب لمصحة ونجد حلاً لوضعه او نضع خطة مع مختصين" تبادل جميعهم النظرات، فاجابه صالح "لكن.." قاطعه اندريا "هذا لمصلحته يا صالح، ثم الا ترى فقط لمحك بالقرب منه فانتهى بك الامر بارتجاج دماغ سيء، ثم ستبقى هنا حتى انهي اوراقك بنفسي، مرت فترة منذ اخر فحوصات لك، لنعيد تلك ايضاً" تذمر الاخر واعتدل في السرير "انا بخير، فقط صداع بسبب الحادثة" "لهذا سنتأكد من انك بخير تماماً قبل ان نخرجك من هنا، ولن اسمح لك بالخروج ع مسؤوليتك" ضحك جومالي وهو يضيء النور "واخيراً احدهم يعرف كيف يتعامل مع كومة العناد هذه" "اوف آبي، لا تزيد الطين بلةً الان، وشي لا تنير الاضواء انها مزعجة" نظر جومالي له بقلق فاجابه اندريا "لا تقلق هذه كلها اعراض الارتجاج" اعتذر منهم وانسحب طالباً منهم اللحاق به عند ياماش... "ليبقى احدنا هنا" قالها سليم لاخوته فاجابه كهرمان "سأبقى انا مع سليط اللسان هذا، انتبهو ع ياماش جيداً" فرد ادريس "وانت انتبه ع صالح وع نفسك جيداً" واقترب من صالح وقبل جبهته "لا تجبر نفسك، ارتاح ولا تجبر نفسك اولوم" "حاضر بابا" ، خرجو واغلقو الباب واخذو ياماش الى البيت..
حل المساء واقترب منتصف الليل الجميع نيام، "كيف الوضع عندك؟" "هدوء، انه بخير، يعني كما تركتموه، نام قبل قليل، يا آبي لماذا هذا الفتى طويل اللسان هكذا!" ضحك جومالي "لم ترى شيء بعد يا كهرمان، لم ترى، احدثك لاحقاً، هيا انتبهو ع انفسكم" اغلق الخط ونظر لزوجته التي تضحك فضحك الاخر ع ابتسامتها "تتذمرون من مشاكساته لكنكم لا تستطيعون العيش بدونه، اعتدتم عليه بشكل سيء" "ليمده الله بالصحة" "امين" هدأ الصوت بالبيت ونام الجميع...
تعدت الساعة الثانية او الثالثة صباحاً واستيقظ ياماش ع صوت بكاء ابنه الذي رآى كابوساً غالباً، لكن الاخر اختلط الامر عليه تماماً، سمع صوت ايفسون "ياماش جيم" التفت ليجدها بجانبه ع السرير، فزع وبدأ يتنفس بسرعة، يتعرق بشدة، الاصوات تبدو متضخمة، يسمع صوتها يتكرر من جميع اطراف الغرفة، رفع نفسه وانقض ع ايفسون التي تنام بجانبه، امسك بها وامسك عنقها باحكام، وضغط عليه بقوة، سينهي امرها اخيراً، هذا ما كان يفكر به فقط، لا يعي ع الواقع انه ببيته وبين زوجته وابنه، لا يميز اي من الواقع، تختلط الامور تماماً برأسه، ع الطرف الاخر استيقظت سنا ع احدهم يجثو فوقها بالسرير، يحيط رقبتها بيديه، ويضغط بشدة، حاولت مقاومته لكنه اقوى منها، صوت بكاء ابنها يعلو وهي لا تستطيع تخليص نفسها حتى، كانت تتخبط في ذلك السرير بشدة، حتى بدأت تفقد طاقتها ووعيها ايضاً، شعرت بضغط في وجهها ورأسها وكأن الدماء ستنفجر منها، "ارجوك توقف" كانت تنظر لابنها الذي لازال يبكي، بدأ صوته يختفي، اخر ما سمعته كان صوت بكاء طفلها...
"ياماش! ماذا تفعل؟" كان ادريس قد اتى ع صوت بكاء اياز، له بالعادة ع الاعتناء باحفاده ان لم يستيقظ اباءهم او امهاتهم عليهم في الليل، دخل الى الغرفة ووجد ياماش يكاد يقتل سنا، ابعده جانباً فيما تعارك الاخر معه، كان يتحارب مع والده "يجب ان تموت، ايفسون يجب ان تموت" حاول ادريس السيطرة ع الاخر لكن لا جدوى "ياماش، استيقظ يا بني، ايفسون ليست هنا، ليست هنا، ياماش" لكن الاخر يحاول فك نفسه من بين يدي والده ليعود ويكمل عمله، اقتاده ادريس الى خارج الغرفة واغلق الباب وعاد ليطمئن ع سنا التي ابتعدت عن السرير فور مساعدة إدريس لها، كانت قد انكمشت ع نفسها و تسعل بشدة محاولة اخذ نفسٍ سُلب منها، انهمرت دموعها وبدأت تبكي خوفاً ع حياتها، وخوفاً من جنون زوجها وحبيبها، "هل انتي بخير؟ سنا اجيبيني يا ابنتي هل انتي بخير؟" كان ادريس قد اخذ حفيده الذي يبكي خوفاً، فيما اقترب من سنا، ليتفقدها، تأكد من سلامتهما، في هذه الاثناء كان ياماش يضرب الباب بقوة يريد الدخول، صوت الطرق ايقظ اخوته الذي اتو ع صوته، حاولو معه كثيراً، لكن لا فائدة، "ياماش! ماذا تفعل! استيقظ، ارجوك ياماش لا تفعل هذا" كان الاخر يصرخ باسم ايفسون، لا يعير اي منهم انتباه، حتى اعاده للعالم الواقعي صفعة قوية من جومالي كادت تتسبب بتناثر اسنانه، سقط ارضاً وصمت، هدأ اخيراً، فتح ادريس الباب وخرج اليهم، اقترب جومالي من ياماش الذي تراجع للخلف "لا تقترب لا تلمسني، ارجوكم ابتعدو عني لا اريد احداً" دخل الى الغرفة واغلق الباب ع نفسه، نظرت سنا الى ادريس "بابا، ما الحل؟" فيما تبادل الانظار مع ابناءه "هذا الانذار الثاني، وضع صالح بالمشفى والان كاد يقتل زوجته، حادثتان في ٢٤ ساعة، ليحاول أحدكما الدخول والبقاء معه" واشار لسليم تحديداً، "سنا، خذي اياز وابقيا في غرفتي حالياً" "حاضر بابا" اوقفها قليلاً واكمل "انتي بخير اليس كذلك؟" "ايفيت لا تقلق" تركهم وخرج ليتنفس قليلاً ع الشرفة، يعيد جري الامور في رأسه، اعاد كل شيء من البداية، من تلك الليلة المشؤومة التي تفرقت بها العائلة الى الان، وضع الحسنات مقابل السيئات، تمام الجميع حي، لكنهم ليسو بخير، خاصةً ياماش ليس بخير...
في المشفى، في ذات الوقت استيقظ صالح، وهو يتألم من صداعه الذي ازداد مع مرور الوقت، ولفت انتباهه هلوسة اخيه النائم بطرف الغرفة، نهض من مكانه ،لازال يشعر بدوار، استجمع نفسه ووصل الى كهرمان ووضع يده ع كتفه "كهرمان، اخي، استيقظ.." نهض الاخر فزعاً تماماً ودفع صالح، اسقطه ارضاً، وهو يصرخ "لم افعل، لم اقصد" انتبه انه بغرفة المشفى ونظر لذلك الذي يتأوه الماً "لان كهرمان، اقسم اني سأجعلك تدفع ثمن كل هذا، ما هذا ياو، كل ما تحلو لك الفرصة تجد طريقة لتضربني، وتجد سبباً كي لا انتقم منك" نهض متذمراً وهم يتمتم مع نفسه، "ويقولون اني انا من حاول قتل اخي، وهذا يستغل كل فرصة يجدها امامه" "هل انت بخير؟" كان الاخر قد قلق عليه، نهض صالح وهو يتكئ ع كهرمان "لا لست بخير، رأسي يكاد ينفجر وانت دفعتني ارضاً! ما هذا لتحترموني قليلاً، اوف كل منكم **** ل****، سأترككم واذهب، وعد مني لك" ابتسم الاخر "وانت لا تصمت ابداً تشتم الاصغر منك والاكبر، لا تفرق معك ابداً!" نظر اليه ليجده شاحباً "صالح ما بك يافتى؟ لماذا اختفى لونك فجأة هكذا!" اختل توازن الاخر فاسنده الاكبر واعاده لسريره فوراً "تكلم معي صالح" كان الاخر قد احس ببرودة سرت بجسده وتعب غريب سيطر عليه، لا يتجاوب مع كهرمان، والاخر شحب لونه خوفاً، وطلب المساعدة فوراً، "لا تقلق انخفض ضغطه فقط، سنأخذه لنعيد الصورة الطبقية" قالها الطبيب المنواب حينها، مرت نصف ساعة وكحيل العين نام مجدداً، لم يفهم كهرمان ما حدث، لكن النوم طار من عينيه، جلس بجوار الاصغر وشرد بالكوابيس التي كان يراها، مرت ساعات وحل للصباح وهو لازال شارداً، يبكي ماضية وعائلته وامواته، كان يبكي حقاً بصوت يسمع كصوت النحيب، بتألم داخله وخارجه، اخرجه من شروده صوت صالح "كهرمان" "ايفندم، هل تحتاج شيء؟ هل تتألم او ما شابه!" اعتدل الاخر بجلسته "بخير، انا بخير لا تقلق" صرخ الاخر به "كيف لا اقلق! كيف بخير؟ وانت كدت تفقد وعيك بين يدي" امسك الاخر به "أهدأ يا هذا لم يحصل شيء" قاطعهم دخول اندريا "صباح الخير يا سادة" "اهلاً" "كيف اصبحت اليوم؟" اجابه صالح "بخير جداً، متى اخرج من هنا؟" "سمعت ما حصل ليلة امس" "ارجوك لا تقل انك ستحبسني هنا يوماً اخر والا اهرب" "دائماً تهدد بالهروب، ثم تأتي محمولاً ع الايدي" لم يعجب الاخر الكلام، اخرج الاخر عدة انابيب ووضعها جانباً، وجهز عدته "اعطني يدك لارى" مد الاخر يده مجيباً "الم تأخذو حاجتكم امس؟" "لا تتذمر، ستجري جميع فحوصاتك بشكل دوري، والا اتصل باخيك جومالي وهو يحل الامور معك" ابتسم الاخر "هل اصبحت من فريقهم!" "يخافون عليك فقط" وضع الابرة بالوريد وبدأ يملئ انبوب خلف الاخر، نظر اندريا لكهرمان "لا تقلق هذه الفحوصات لا دخل لها بما حصل امس، كان ذلك احد اثار الارتجاج، انه بخير الان" "لقد انهيت دمي" "انتهيت من هنا اساساً، تخرج خلال ساعة، وساتواصل معك بشأن نتيجة الفحوصات" اجاب الاخر متذمراً "ايي تمام" نهض اندريا بعصبية "دائماً تتذمر"... اقترب كهرمان من الاخر وهو ينظر له بقلق "هل سنعيد ذات السيناريو معك مجدداً، انا بخير كما ترى، لكن انت بك شيء" جلسا سوياً "ما حالك هذه اخبرني" "لا شيء فقط عندما ايقظتني صباح اليوم، كنت ارى كابوساً ام ذكرى لا اعرف، نيدرات اكشين واجار، اوف صالح، لنخرج من هنا الان، هل نتصل باخوتي؟" "يوك اتصل بميدات ليأتي"..
حل المساء، كانت سعادات قد اخذت ابناءها وذهبت الى زوجها، "من انت؟" سأل ادريس كهرمان وهو يجلس بينه وبين والده "عمك كهرمان" اجابه صالح "هل واحد جديد؟" "لا بل قديم لكنه كان مسافراً" "اين كان؟" تدخل كهرمان واجابه "كنت بدولة اخرى، الان اجبني، ما اسمك؟ وكم عمرك؟" "ادريس، اسمي ادريس صالح كوشوفالي، وعمري اثنان" ورفع اصبعان لكهرمان الذي جذبه وكاد يعض اصابعه الصغيرة، ليهرب الاخر خلف والدته "لماذا تريدون جميعاً اكلي، بابا قلت انكم لا تأكلون الاطفال لكن كهرمان هنا حاول اكلي" ضحك صالح واجاب كهرمان "ساعة كاملة ونحن نقنعه اننا لا نأكل الاطفال تلك الليلة، ماذا تفعل ياو!" "وما ادراني انا" ... قاطعتهم سعادات وهي تشير الى سطح بيت والدهم "اليس هذا ياماش!" نظر الاثنان الى المكان الذي تشير عليه، دب الفزع ع قلوبهم وانطلقو سريعاً الى البيت، صالح يركض وكهرمان يركض خلفه وهو يصرخ باسم ياماش، دخلا الى البيت والى السطح سريعاً، ووصلا عنده "ابتعد عن الحافة ياماش" هتف كهرمان فيما نظر ياماش له وابتسم "كهرمان آبي!" ونظر للجهة الاخرى "صالح! هل اتيت ايضاً! هل اتيتما لتأخذاني معكم؟" وصل جومالي وسليم الى السطح ايضاً ليجدو ياماش يقف ع حافة الهاوية، يتأرجح بين طرف السطح والهواء، وبقربه كل من صالح وكهرمان، "ياماش ماذا تفعل؟ تعال الى هنا" اقترب جومالي منهم فيما بقي سليم بعيداً يرجف خوفاً من حال اخيه الصغير، اقترب كهرمان وصالح اكثر من ياماش الذي خاف وارتعد جسده "لا تقتربو، ابتعدو، لا اريد.." لم يكمل جملته حتى انزلقت قدمة وسقط عن الحافة، صرخ جومالي وسليم باسمه قبل ان ينتبهو ان من كهرمان قد امسك به باخر لحظة "جوماالي ابي، بسرعة انه ينزلق" هب الاخر للمساعدة وسليم ايضاً حتى سحبو ياماش واجلسوه ارضاً، اقترب سليم معانقاً ياماش، فيما جثى صالح بالقرب منهم وهم يتمتم "لقد فقد عقله تماماً" رفع ياماش نظره اليهم وابتسم بطريقة مخيفة، في حين رفع سكيناً حاداً وضرب به معصمه، حاول سليم سحبه ليطعنه بيده هو الاخر وفتح جرحاً طويلاً وعميقاً جداً في ذراع ورسغ سليم، وزرع تلك السكين في خاصرته، سيطر جومالي وكهرمان ع ياماش واخذو السكين منه وربطو ع رسغه، فيما بقي سليم مكانه ينزف بغزارة مخيفة، دماءه تقطر ارضاً، سمع صوت صالح وهو يناديه "سليم!" لكن الاخر لا يستجيب الدماء شكلت بركة بسرعة تحته، ذراعه كحنفية مفتوحة، وخاصرته تنزف ايضاً، خلع صالح حزامه سريعاً وربطه باحكام بمنطقة العضد، ليوقف الدماء التي تنهمر بالمعنى الحرفي من يد الاخر و ضغط ع جروحه قدر الامكان، لكن الاخر خارت قواه، وسقط رأس سليم ع صدر صالح الذي لم تبقى به ذرة دماء من شدة خوفه "سليم ابقى معي سليم!، لان ماذا يحدث هنا!" وصل ادريس واكين سويةً الى السطح ليجدو ياماش مكبلاً بين ايدي ابناءه الكبار وسليم بحضن صالح، توقف دنيا ادريس مجدداً هناك، يُبتلى باولاده فقط، تؤلمه هذه الدنيا بابناءه، "بابا!" صرخ اكين لدى رؤيته كمية الدماء التي تزفها والده، "اتصل بالاسعاف يا اكين بسرعة"...
مرت ساعة، كان صالح يمشي ذهاباً واياباً لا يدري باي مصيبة يشغل رأسه، من عبث معهم يجيد اللعب جيداً، يمشي شارداً حتى اصطدم بوالده بالنهاية الذي اشار له ع الكرسي بجانبه "اجلس، لقد اصبتني بالصداع" "وهل انا سبب صداعك يا ابي!" "اوف صالح كل ما يحصل حولنا يسبب الصداع، ماذا قال اندريا عن ياماش؟" "لا يوجد حل الا العزل بمصحة نفسية يا ابي، سيساعدونه ع الاقلاع عن المخدرات، بابا، لقد جعلو من ياماش مدمن مخدرات، وانظر لافعاله، سأجن يا ابي سأُجن" ربت ادريس ع قدم ابنه بلطف "يكفينا جنوناً الان، لا اريد المزيد رجاءً" ابتسم مجيباً "حاضر بابا" "انت بخير اليس كذلك؟" "بخير، وسأكون افضل ان اخبرني احدهم عن حال اخي..." قاطعهم خروج الطبيب...