Part 45 - خيوط متشابكة

268 8 8
                                    

في قصةٍ قصيرةٍ وباختصار. السلوك العشوائي، والتنبؤ بالنتيجة،  مثلاً لو كنت تعرف كل ما يمكن معرفته عن نظام ما في وقت معين بتفاصيل كاملة، فمن الصعوبة ان تتمكن من التنبؤ بالنتيجة في وقت لاحق، فيمكنك رمي قطعة نقود مليون مرة، ومعرفة النتيجة في كل مرة، لكن ذلك لن يساعدك على الإطلاق على التنبؤ بنتيجة الرمية التالية.
يتسارع قلبه فيما يركب السيارة، وارتجف يده ليسقط المفتاح أرضاً قرب مكابح السيارة، فيعود ليلتقطه ويضعه مكانه، انطلق ادريس الى مكتب اندريا، لا يدري اي فكرة من التي تمر في رأسه صحيحة، مضت لحظات ووجد نفسه امام المكتب حيث يرى اندريا يجلس لوحده شارداً في بعدٍ اخر، "السلام عليكم يا بني" نطق فيما طرق الباب ليلتفت الاخر سريعاً "اهلاً امجا، تفضل ادخل"، اشار له ليجلس على الكرسي امامه وجلس هو مقابل ادريس، فيما نطق على عجل "اعطني هاتفك قليلاً" اخرج هاتفه واخد هاتف ادريس ووضع كلاهما في غرفة الفحص المجاورة واغلق الباب بينهم، وعاد للغرفة وقام بتشغيل صوت صرير بالغرفة واقترب من ادريس "اعتذر لكن لا يمكن بغير هذا، تعالى الى هذا الطرف لو سمحت سيد ادريس"  جلس ادريس حيث اشار اندريا وهم يحرك مسبحته بتوتر "لقد وترتني يا فتى ماذا يحصل؟" "المكان مراقب" همس في اذن ادريس واكمل "غطيت الكاميرا التي وجدتها، لكن الصوت فصعب، لهذا وضعت هذا الصوت بقرب سماعة التنصت خاصتهم" نظر ادريس له بقلق "من يهددك يا بني؟" ابتسم الاخر بخفة واجاب "من يبقي ابنك عنده" "س صالح! اين هو؟" رفع الاخر كتفيه فيما اعوجت شفته مشيراً له "لا اعرف، في مكان ما بالقرب من البحر" رد ادريس "كل اسطنبول بالقرب من البحر يا بني!" جلس الاخر بالقرب من ادريس "لا اعرف ان كان في اسطنبول حتى، استغرق الطريق وقتاً طويلاً من مكان ما كنا نبقى حتى وصلت" تنهد ادريس بحزن واعاد نظره لاندريا "وصلت! وكنتم؟ هل كنت مع صالح؟" اومئ الاخر مبتسماً "قالوا لي اما اذهب لاراه واخذ مكافئة، او سيكون هناك حلٌ اخر، فاخترت الاول" تنفس الاخر براحة قليلاً واكمل "حسنٌ فعلت، هل هو بخير؟ اقصد صالح، كيف حاله؟" تنهد اندريا واعتدل في جلسته "بخير، تركته بحالٍ جيدة، يعني تم تخديره وتأثر قليلاً بالدخان، لكن تركته وهو بحالٍ جيدة" "وانت؟" "ما بالي انا؟" "هل انت بخير؟ منذ عرفتنا ونحن نتسبب لك بالمصائب فقط، من مشكلة الى اخرى، واصبحت تركض خلفنا" ربت اندريا على قدم ادريس "احببت الاكشن خاصتكم، تغيير روتيني منذ التقينا، انا بخير لا تقلق، لم يمسوني بضرر، فقط اخذوني لاني طبيب صالح واعرف ملفه كاملاً، يعني سيبقى الامر كما كان، وسيبقى يمر من تحت يدي من فترة الى اخرى" نظر ادريس لاندريا بخذلان "فترة! فترة لاخرى؟ ماذا يريد من صالح؟" "لا اعرف، لكن ما اعرفه، انه يريده حياً، ولفترة ليست بقصيرة" مسح على كتف ادريس فيما نهض ليطفئ السماعة "المهم الان، سنعيد الفحوصات كل فترة، حتى نطمئن على مريضنا، ولتكون بالصورة انا لن اكون متاحاً طوال الوقت مثل السابق، تم قبولي لاكمل تخصصي" ابتسم ادريس "حقاً! بالتوفيق يا بني، ما التخصص الذي تريده؟" "جراحة عامة" "الم تكن تختص بالقلب؟" "اجل، وهذا تخصص اخر يرفع قدراتي، فكما ترى، مريضنا دخل تحت اسمي بسبب اصابةً في قلبه وها هو يعاني من كل شيء الا من تلك الاصابة" ضحك ادريس واجاب "فهمت، بالتوفيق يا بني" مد يده مصافحاً اندريا، وخرج من المكان، اكمل طريقه الى قسم العناية المكثفة، حيث يمكث حفيده الاكبر...
في طرف اخر من العالم، في حديقة ذات المنزل، تحت حفيف الاشجار ونسمات الهواء العليل، يجلس صالح على الكرسي مقابل اكوبين، يحدق فيه فيما يعقد حاجبيه "على الاقل ازل القناع لارى وجهك القبيح" ضحك الاخر فيما يحرك مكعبات السكر في كوب الشاي خاصته، طرق المعلقة مرتين في طرف الكوب، وارتشف منه، ثم رفع نظره لصالح "لماذا لم تجهز نفسك الى الان؟" "ولماذا سأجهز نفسي؟" "لاننا سننتقل لمكان اخر، فقد انتهى عملنا هنا" ضحك الاخر فيما رمى بظهره للخلف "هه، قلت عمل، عن ماذا نتحدث بالضبط" "انت اتممت نصف الجزء الذي يخصك" ارتسمت معالم الانزعاج على وجه صالح الذي اردف قائلاً "نصف!، لم نتفق على شيء اخر غير ذلك، لهذا انت ستتطلق سراحي لانطلق في طريقي وانا سأتدبر امري" طرق بيده على الطاولة فيما نهض ليقطع طريقه رجل اكوبين، فيتذمر فيما ينظر له بطرف عينيه "ابتعد من امامي" اشار الاخر له ليجلس مكانه قائلاً "لم ينهي سيدي كلامه" لكن صالح بطبعه العنيد لم يلقِ بالاً لأي منهما والتفت ليذهب من طريق اخرى، ليقطعها ذات الرجل مجدداً، فنفر صالح به بضجر "ابتعد من امامي يا عديم الاسم" لكن لا جدوى، "لا تتعب نفسك لن اتركك تذهب الان" تذمر الاخر بضجر فيما عاد لمكانه "لا حول ولا قوة يا ربي..." جلس واضعاً قدميه فوق الطاولة موجهاً اياها لاكوبين واكمل بنبرة ضجرة "اييه! وماذا تريد أيضاً؟ ها! الا يكفي ما فعلته لاجلك! يعني انظر انا لست نادماً كثيراً، لكني لست مرتاحاً ايضاً.." ضحك الاخر فيما ازال القناع عن وجهه، واقترب من صالح مزيلاً قدميه عن الطاولة، عقد صالح حاجبيه بغضب ورد بنبرة يتصنع بها المفاجئة "تبين ان لك وجهٌ ايضاً، لما تخفيه؟" رد الاخر بجدية "هذا لا يخصك، اما الان، ستجلس وتستمع" رفع الاخر حاجبيه واجاب بنبرة يتضح فيها العناد "يوك، لن اجلس ولن استمع، لا يوجد ما يجمعنا اساساً، هيا كل منا في طريقه، جوليه جوليه" قالها فيما نظر في عيني الاخر، ليضحك الاخر مجدداً فيما وضع كأس الشاي جانباً "انت حقاً تثق بنفسك كتيراً، اخرج لارى، وواجه اخوتك، بعد ما فعلته، الا تذكر كيف اطلقت النار، كيف بحثت عن السلاح بكل جدية؟ كيف خضعت لي بكل سهولة؟ حقاً امرك غريب، حاولت الوصول لك سابقاً، عندما كنت فارتولو الذي لا يخاف من اي كائن كان، لكن الان، شيء ما اختلف بك، لم تعد من الجبابرة كما كنت، لقد لنت، اصبح لديك نقطة ضعف، اصبحت صالح غالباً! الابن والاب والزوج والاخ، لطالما كانت العائلة مصدر ضعف للفرد" انهى كلامه فيما اعتدل وفتح مقدمة قميصه مشيراً الى رقبته "هذه نتيجة افعال اخوتك وابيك" يتابع  صالح ما يجري حوله بصمت، محاولاً ربط الامور ببعضها، خاصةً وهو ينظر لتلك الندبة التي اخذت مكاناً على طرف عنقه الايسر، فيما اكمل اكوبين بعد ذلك "وعائلتي! ها انا لست مقطوعاً من شجرة، على الاقل لم اكن كذلك، فقد تولى ذلك اخوك الاكبر جومالي، مستغلاً عتمة الليل وزحمة المكان، لم يبقي على طفل واحد، اقتلع شجرتنا من جذرها" نهض مغلقاً قميصه ووقف خلف صالح "لم يرحم طفلاً ولا امراة يا هذا"  ابتلع صالح جوابه حين احس بالغصة في صوت الاخر وفضل عدم الاجابة، "هل نسيت ما حصل لك طوال ثلاثين عاماً! لا بل اكثر، كم عمرك الان؟" لكن لاجواب يأتيه فقط نظرات باردة من صالح الذي اجاب بعد عدة دقائق وبكل راحة "هل انتهيت؟ يعني قصتك هذه، التي لن توصلنا لاي مكان، هل تريد الشفقة او ما شابه، لن تحصل، هل انتهيت ام ستكمل بكاءك.." كانت نبرته تثير اعصاب الاخر، الذي صرخ غاضباً مفزعاً الاخر "لا تتصرف وكأنك في مقهى والدك يا هذا" وعاد ليجلس بهدوء امام صالح "انظر" فيما اعطاه هاتفه "اراقب تحركات الجميع، يوجد لي يد في تلك الحفرة الملعونة، وحتى اصل الى داخل ذلك البيت" التفت الى الطرف الاخر واخرج سيجاراً من جيبه فيما عرض اخراً على صالح الذي رفض "افضل، لتبقي على ما تبقى من صحتك، انظر الي يا هذا، انت لن تتحرك اي حركة دون علمي، ولا حتى شبراً واحداً، فانت ستكون تحت امري من الان وصاعداً، وان فكرت مجرد تفكير بتغيير صفك، فتذكر هذا، حياتهم بيدك، والى ان تثبت ولائك، لن تتحرك لوحدك ابداً، لن تخرج من غرفتك حتى" نهض مشيراً لرجله، "لتتجهزوا وسنخرج خلال ساعة" واكمل واضعاً يده على كتف صالح "وانت كذلك، فانا احضر لك هدية بسيطة، حتى تصدقني... يعني لم يكفي ما فعلته الى الان، احسنت لانك وفيت الى الان، لهذا سنجرب مجدداً، اريدك في ظهري، على الاقل حتى انهي العمل الذي في يدي" انصت صالح فيما رد بغضب "لاان ماذا تريد مني يا هذا!" "اريد! ان لاحظت انا لا اطلب منك، بل آمرك يا هذا، ستساعدني لاخذ انتقامي، ثم لانهي عملي، فانت خبير في صنع المخدرات وتهريبها كما سمعت، لكن ليكن بعلمك، انا لا اعمل في بيع المخدرات آو تصنيعها، استقلت من ذلك السوق منذ زمن، ستساعدني في تهريب شيء اخر..." ابتسم فيما اشار لصالح "هيا لتجهز امورك لنذهب" نظر له صالح غاضباً "لتذهب الى الجحيم" "ستذهب قبلي لا تقلق... لا تنسى ما فعلناه معاً ذاتاً"، شعر صالح بغصة تجمع الدمع في عينيه، فيما ابتعد بهدوء الى الغرفة التي كان يبقى بها، اخذ نفساً عميقاً ورمى بجسده على السرير يستذكر ما حدث سابقاً...
سابقاً... اغلق هاتفه بعد ان قرأ رسالة تشير له ليتجه الى طرف المكان، بالقرب من شجرة بجانب اللعبة التي ترك ابنته عليها، تم وضع السلاح بين العاب الاطفال، ترك ابناءه في امانة ابيه وعائلته، لا يعلم كيف سيكون موقفهم بعد ما سيقدم عليه، اخذ نفساً عميقاً ولقم السلاح ثم وضعه في خاصرته، واخذ يرسم طريقه الى طرف الميناء، حيث موعد اللقاء، لا يدور في عقله الا لحظة مقتل امه امامه..
ولحظة اخرى، تدور في عقله، تلك اللحظة التي ابرم الاتفاق فيه مع ابليس، بداية تشابك الخيوط وتكوين العقد، ففي السابق الاقدم عندما التقيا لاول مرة...
-فلاش باك-
كم كان يتألم وهو يحاول اخذ نفسٍ يعينه ليبقى حاضراً في صراعه هذا الذي لا ينتهي، وبجواره اهم قادة جيشه، طبيبه، يجلس بجواره يحافظ على استقرار حاله، فهو منقذه الان بعد الله، يبدل كمادة الماء باخرى ويمده بالدواء واحداً تلو الاخر، كان بشبه وعيه عندما فتح الباب ودخل اكوبين الى تلك الغرفة بينما قام بطرد اندريا ليستفرد بصالح لوحده، وسط رفض اندريا لذلك، الا ان صالح اصر على خروجه، لانه ان لم يخرج فقد يتأذى، وبقي وحده في مواجهة اكوبين...
"لتنهض وتجلس جيداً صالح افندي" كان الاخر ينظر اليه بطرف عيناه، يبدو وكأنه لا يعيره اي قيمة، بينما في واقع الحال، متعب لا يقوى على فعل شيء، لكنه يدقق في كل شبر وكل حركة ونظرة في من امامه، اعتدل وبقي مكانه، اقترب اكوبين منه ليهم بالسؤال "ماذا تريد؟" ضحك الاخر مجيباً ببرودة فيما يلعب بقطعة نقود معدنية بين اصابعه "لنتعرف" "على اساس انك لا تعرف من انا ومن اكون!" ابتسم الاخر متمتماً "اعرف، لكنك لا تعرف من انا، على اي حال، انت لا تبدو بحال جيدة" رفع الاخر حاجبيه "يوك لست" واكمل ساخراً "على اساس انك لم تخطفني من سرير المشفى!" عادت نبرته للجدية حين قال "لهذا اختصر ماذا تريد؟" نظر الاخر للارض واعاد نظره الى صالح واكمل بلهجةٍ شديدة الجدية "سنعقد اتفاقاً" رمى الاخر ظهره على الجدار خلفه، ورد ساخراً "في أحلامك" رد اكوبين متجاهلاً صالح "لقد احضرتك الى هنا لنتكلم" "عن ماذا؟" "سنعقدُ اتفاقاً، بل لنقل سننتقل الى المرحلة الثالثة من لعبتنا، لكن في هذه المرحلة يجب ان تكون انت في طرفي، على الاقل في نظر عائلتك" "يوك، انسى ذلك، لن يحدث" "لتنسى ابناءك اذاً، او اخوتك او كلاهما" صمت قليلاً واقترب من صالح واضعاً الطرف الحاد من عكازه باتجاهه "انظر وركز، اسمعني جيداً وفكر جيداً واتخذ قرارك تبعاً لذلك..." ادار شاشة الحاسوب ليعرض فيديو يتلوه كلام، كان فحوى الفيديو يحتوي على صور لافراد العائلة، تتقلب بسرعة خلف بعضها البعض، ويلي ذلك فيديو مباشر من داخل المياتم، كل ميتمٍ يركز على احد الاطفال "رجالي ينتظرون كلمة مني، فاما نحن واما هم" كانت الشاشة قد قسمت الى اربع جهات، في كل شاشة احد الرجال يقف بجوار احد الاطفال، وفي يده سلاح ابيض (سكين)، توقف الفيديو للحظة وانقسم الى عشرة بدل اربعة، توضحت الصور لتعكس اخوته، واخرى على الحي وعلى غرفة والده واخوه، "اما هم واما نحن، ينتظرون كلمة واحدةً مني والا سينتهي امرهم..." تراجع للخلف قليلاً وترك الفيديو يعمل لبضع دقائق، رفع صالح حاجبيه فيما اتسعت حدقتيه ونظر الى الكوبين هاتفاً "بو نيه! ما هذا! ايها ال*** ما همك!" رد الاخر "همي؟ انتقم، لكن اريد اللعب قليلاً كما ترى، ما قرارك اذاً؟" نظر لساعته واكمل امامك "معك عشر ثواني لتعطيني قراراً، تسعة، ثمانية... ثلاثة" قاطعه الاخر "حسناً كما تريد" ضحك اكوبين واكمل "جيد، لتسمعني جيداً، انا اطلب منك ان تفعل شيئاً واحداً، لا بل اثنين، ستعيد زوجة والدك الى البيت، وستنهي امرها عندما اعطيك امراً بذلك" صمت صالح وهتف مستنكراً "نيه! وكيف سأفعل ذلك؟" "هذا دورك من الخطة، الباقي انا ارتبه" نهض واقترب من صالح وكمل "سأتواصل انا معك" ربت على كتفه وانطلق فيما اشار لرجاله بادخال اندريا واعطاءهم هاتفاً...
- نهاية الفلاش باك- 
الان... عاد صالح لغرفته ورمى بجسده فوق ذلك السرير الضخم، محدقاً بسقف الغرفة، يتذكر تلك الليلة التي اعتقل فيها جومالي، التهديد الذي وصله من اكوبين، فقد كان اعتقاله بمثابة تأكيد او ايصال فكرة ان اكوبين يستطيع فعل ما يريد متى ما اراد وكيف ما اراد، يتنهد شاكياً همه، ليعود ويشرد مرة اخرى، يحاول ان يجد حلاً ليخرج من هذا المكان، او من هذا المأزق، فاي حركة عشوائية وغير مدروسةٍ جيداً ستكلفه كثيراً...
  عودةً الى الحفرة، يجلس ادريس في مكتبه شارداً، عقله عند ابنه، يدخل عليه كل من ايمي وعليشو، "طلبتني امجا؟" "اجل تفضل عليشو، اجلس" جلس الاخر "ماذا هناك يا ادريس؟" سأل ايمي بقلق ليتنهد الاخر مجيباً "عليشو بني، اسمعني جيداً، ما سأقوله لن يخرج من هذه الغرفة، تمام؟، اريدك ان تجد بيتاً، بالقرب من البحر، يطل على منارةٍ قديمة.." واكمل الوصف الذي اعطاه اياه اندريا، وانهى كلامه "يجب ان نجده، اخاف ان يصيبه ضرر ويكون لوحده فلا يجد من يساعده" قاطعه عليشو "لا تقلق امجا، صالح ذكي وقوي يجد طريقه دائماً، لا تقلق عليه، هيا انا سأبدأ بحثي اذاً امجا" تركهم خارجاً ليوقفه ادريس "عليشو" "ايفندم امجا" "سلمت يا بني" "لا شكر على واجب" والتفت في طريقه يبحث عن المكان المطلوب، فيما اقترب ايمي وجلس بالقرب من ادريس "هل من جديد؟" اومئ ادريس مجيباً "ارسل خبراً مع اندريا، ما حدث في مركز الشرطة والجثث ونتائج الحمض النووي، كل هذا كان طريقةً لتمويه خطفه فقط، انه بين يدي اكوبين" ضحك ادريس واكمل "اتكلم وكأن اختطافه اصبح امراً جيداً!" ابتسم ايمي مجيباً "على الاقل نعرف انه حي، هذا يكفي الى حد ما" صمت للحظة واكمل ساخراً من حالهم "لقد خُطف مجدداً! كم عدد هذه المرة؟" "ما عدت اعد بعد الثالثة، يا مجاهد الفتى خطفه جيهانكيز في عمر السابعة ورماه في فارتو، وعد بعد ذلك الكثير الكثير، اما الان فعلى الاقل اعرف ان اكوبين هذا يريده بصحة جيدة لسببٍ ما، فقد أختطف طبيبه معه مرتين، هل تعرف ما الاغرب؟" "ماذا؟" "كافئ اندريا، احضر له قبول لتخصص جراحة عامة، فوق تخصصه الاصلي، لسبب ما اظن ان همه الانتقام منا نحن لا صالح ولا اتوقع انه يريد ايذاءه شخصياً، وانا متأكد كما اراك امامي ان ما حدث، يعني حادثة اطلاق صالح النار على سلطان كان هو خلفها، انظر اثار الفوضى بين بقية اخوته، ماتت سلطان وانتقم صالح، عدة عصافير بضربة واحدة، لاحظ الفوضى بين جومالي وكهرمان، ما ان يلتقيا حتى يتشاجران، وفي كل مرة ذات الشيء محور الشجار، صالح وسلطان" "ولا تريد ان يعلموا ان صالح بين يدي اكوبين" رفع ادريس حاجبيه للاعلى "يوك، او ربما افعل، لم اقرر بعد" نهض ممسكاً بمسبحة صالح التي بقيت معه "يعرفون ويشكون لكن لن يعرفوا، ليس الان، ليبقى الامر بلا فوضى الا حين نكتشف من اكوبين ذلك، لنضمن سلامة اندريا على الاقل، فلا دخل له بمصائبنا التي نجره اليها بشكل مستمر" انهى كلامه مع خروجهم من المكتب ليلتقي بياماش "احضر اخوتك وتعالوا الى المقهى، يوجد ما سنتكلم به" "حاضر بابا"...
بعد نصف ساعة دخل سليم الى المقهى ملقياً التحية على الموجودين، "كيف اصبح اكين يا بني" تنهد سليم مجيباً "لا جديد، لا جديد، يا بابا سأفقد عقلي، اكوبين من طرف وما فعله باكين، ولا ننسى عائشة، صالح وما حصل مع امي، لا افهم لماذا وكيف!" اومئ ادريس برأسه مشيراً لسليم ليجلس بجواره "سيمضي يا بني، ليمدك الله بالصبر" لم ينهي كلامه ليدخل جومالي وهو يتكلم بالهاتف غاضباً "اقول لك لن نستلم تلك الجثة فهي ليست لاخي، كيف اعرف...، لان اقول لك ذلك ليس صالح لتبحثوا عن عائلته وهم يتكفلون بامره،.... اييييهه وماذا بعد، اي كفن واي قبر، لا تكتبوا اسمه عليه، صالح لم يمت وانا اعرف هذا فقط، صالح حي في مكان ما وانتم لم تفلحوا في حمايته.." اغلق الهاتف فيما ركل الكرسي جانباً، ليسمع صوت والده "ما بالك يا بني؟" ابتسم الاخر بخجل "اعتذر بابا، لكن هذا سيفقدني صوابي، كل يوم يتصل مرتين لاذهب وارتب لجنازة صالح" طرق على الطاولة امامه واكمل "لا سمح الله، ويصر انه مات في ذلك الحريق، والله سيفقدونني صوابي" "وبعد ذلك؟" "لا اعرف ليتدبروا امرهم، لكن لن اضع قبراً باسم صالح، ليس بعد، لازال باكراً جداً، فانا اكبر منه، ليضع هو قبراً لي" صمت وشرد للحظة واكمل بنبرة مهزوزة "في اي ارض هو الان يا ترى؟" "في ثلاجة الموتى.." التفت جومالي وكان الشرار يخرج من عينيه "لاان كهرمان! ماذا اقول انا وانت ماذا تقول!" ليجيب الاخر بهدوء "لانهي كلامي قليلاً قبل ان تنقض علي، اقول لنجري فحص حمض نووي اخر للشخص الذي في الثلاجة، في مشفى اخر، حتى نقنعهم" نظر له جومالي باستغراب ليجيب "ممكن، ما رأيك بيبي؟ اصبحت صامتاً على غير عادتك منذ ليلة الحادثة" رفع ياماش رأسه يناظر الاكبر "وهل ما حدث قليل آبي! فقدت امي واخي في ذات الليلة، لا اعرف اين ابدأ واين انتهي! اين ابحث واين اترك، هذا الامر يقف على صدري، هنا (مشيراً لعظمة القص التي تنتصف الاضلاع وتحمي القلب تحتها) يضيق صدري عندما اتذكر ما حدث، لا افهم لماذا! الى الان لا استوعب لماذا طلبها لتعود ويقتلها! يطلق عليها بعد ذلك بعدة اسابيع! ليرديها قتيلة، كنا بحالٍ افضل وهو بيننا وهي تحت المراقبة الدائمة في ذلك المشفى" ليكمل سليم "اين هو الان يا ترى! وماذا يفعل؟" ليأتيه الرد من والده "يدبر امره، اينما كان يدبر امره، فهو لوحده الان، سيجد طريقةً كعادته، لكن هذا لا يعني ان لا نبحث عنه نحن ايضاً" ليكمل جومالي "من اين سنبدأ ال..." لم ينهي كلامه ليدخل كمال المقهى "لاان استأذن قبل ان تدخل" هتف جومالي غاضباً فيما رد كمال "اعتذر، شي بابا، ابيلار، يجب ان ترو هذا" وخرج ليحق به الاخوة، واذا بعامل توصيل يقف وخلفه صندوق كبير "احتاج توقيعك يا عم، هل انت ادريس كوشوفالي؟" "ايفيت، اعطني القلم" وقع على التسليم واخذ الطرد، ووقف مكانه يناظر ذلك الصندوق، حجمه بحجم صندوق شاحنة، وحوله شريط هدايا يحمل اللون الاسود، تنهد واقترب ليسحب الشريط، فتسقط اطراف الصندوق ليظهر له صندوق اصغر، ثم اخر اصغر ، واخر اصغر مجدداً، وصل الصندوق الخامس واخذه للمقهى ليكمل ياماش، فقد سئم ادريس فتح الصناديق، وما ان فتحه حتى وجد كفناً مبلغاً من المال ورسالة، اخرجها واضعاً اياها على الطاولة، ثم جلس مقابل والده "هل افتحها؟" "أقرأ لارى" سعل ياماش فيما فتح الرسالة، وبدأ يقرأ "سلام ادريس كوشوفالي، انا اكوبين شخصياً، وانا من كتب الرسالة، دعك من الثرثرة الان، وانصت جيداً، اعلم انك اعطيت رسالتك لاحد ابناءك ليقرأها، وغالباً اصغرهم، هذا ذاتاً لدي حساب خاصٌ معه بسبب تلك الندبة التي صنعها في رقبتي، بالتأكيد على يمينك يجلس كهرمان، يريد الاحتفال لخلاصه من صالح، لكنه لا يجد فرصة امامكم، وفي الطاولة المجاورة سليم، حقاً اعتذر لما حصل لابنه، كان من المفترض ان يموت، لكن ليكن يتعذب ضميره، وتتعذبون انتم اكثر وانتم ترونه عاجزاً امامكم، واخيراً صديقي العزيز جومالي غالباً يحوم حولك كالغراب ذهاباً واياباً، غاضباً يبحث عن من يضربه او يشتمه، ما اريد ايصاله اني درستكم جيداً، اعرف كيف تفكرون، واعرف كيف ستتصرفون، لهذا لن يتهور ايٌ منكم، فلازلت اللعبة في بدايتها... وقبل ان انهي هذا الكفن للرجل الذي قضى في الحريق اسمه (دوروك) ولقبه (التبارماك) هذه معلوماته والمال الكافي لاقامة جنازة له... اما صالح، فهو عندي، سيكون ضيفي لفترة كم تعلم يا ادريس، وسأحسن ضيافته كما تعلم ايضاً، هيا نلتقي قريباً، وهذا عنوان البيت الذي تبحث عنه، فلا تتعب خاصتك ذو العيون الزرقاء..." وانهى الامر بتوقيعه فيما ناظر الاخوة بعضهم..
"ماذا يعني هذا الان!" هتف ياماش فيما ازال سليم الكفن والرسالة "سنرسل هذه للشرطة، ونطلب منهم عدم متابعة الامر الى ان نرى ما سيحدث" "لتتصل بعليشو وترى اين وصل" قالها جومالي فيما ركل الصندوق بقدمه واكمل عند ادريس "ماذا يعني انك كنت تعلم؟" ليجيب والده "انظر مع من تتحدث!، ثم اجلس قليلاً لاخبرك" واكمل راوياً ما اخبره به اندريا، وانهى كلامه "لم اخبركم حتى اضمن سلامة اندريا، فقط، اما الان كما قال سليم سنذهب لنسلم هذه للشرطة، وانت اذهب مع كهرمان للعنوان الموجود بالرسالة" "تمام، هيا لنذهب..." "اذهب بنفسك، انا لن ابحث عنه معك" شد جومالي على فكة والتفت اليه ممسكاً اعصابه "ليكن، اذهب بنفسي، او مع احد الشباب، جميلك على نفسك، وليكن بعلمك ان وجدناه واعدناه الى البيت، اياك ثم اياك ان تسمعه السم الذي يخرج من فمك" والتفت خارجاً من المكان، وصل الى ذلك البيت واقتحمه الا انه لم يجد اي شيء يربطه باخيه، فالمكان نظيف جداً ولا قطعة اثاثٍ به حتى...
بعد مرور ثلاثة اشهر...
يجلس سليم بجوار ابنه في المشفى، كحاله على مدى اشهر،فلازال يمضي اغلب وقته هناك، منه يهرب من العالم، ومنه يرافق ابنه، يلتفت لحظة دخول كاراجا للغرفة "مرحباً بابا" نهض الاخر معانقاً اياها "ماذا تفعلين هنا، المكان مليء بالجراثيم، ليس جيداً لطفلك" ابتسمت الاخرى واخرجت صورة صغيرة "انها بنت" دمعت عينيها فيما اكملت "وسنسميها عائشة" ابتسم الاخر فيما تجمع الدمع على اهداب عينيه "ليحفظكم الله لبعضكم" "آمين بابا، امين" "اين ازار اذاً؟" "ذهب ليحضر شيئاً لنأكله، اخبرته اني اشتهي البطيخ، وسلم ذهب فوراً بعد ان اوصلني الى هنا" ابتسم الاخر مشيداً بحياتها "هذا افضل شيءٍ حصل، اعني زواجك من هذا الشاب، والحياة خارج لعنة الحفرة تلك" نظرت له الاخرى "هل من جديد؟ اعني عمي صالح؟ الا يوجد اي خبر منه؟" رفع الاخر حاجبيه نافياً "يوك، اختفى تماماً، حتى اندريا لا نراه حتى نسأله كونه الوحيد الذي قد يلتقي به، حتى اكوبين اختفى، اخذ صالح وتبخر بعد ذلك" جلست الاخرى على طرف السرير حيث يرقد اخوها واكملت "الازلنا نجهل هويته؟" "اجل، للاسف، صنع فينا العجائب ونحن لازلنا لم نعرف هويته، انظري الى نتاج افعاله، عائشة، اكين، اصبت انا وجدك، امي انا متأكد ان له يد بذلك، واخذ صالح بالنهاية، ولازلنا لا نعرف ماذا يريد منه او ماذا يريد منا" تنهد نافثاً الهواء عل همه يتناقص، فيما وجهت كاراجا تركيزها لنائم امامها "هل من جديد في حالته؟" "يوك، الطبيب قال انه ان لم يستيقظ من هنا لاسبوع سيعلن انه ميت سريرياً، فقد ازالوا كل الاجهزة والتخدير عنه ولازال لا يستيقظ، واساساً وضعه الصحي غير واضح، يعني الاعصاب وما شابه..." لم يكمل كلامه ليسمع صوت همس "اني..ه" ليقفز الاخر من مكانه الى مصدر الصوت "اكين!" اقترب فيما ارتسمت ابتسامةٌ على وجهه "هل تسمعني اولوم؟" فهمهم الاخر ايجاباً، لتكمل كاراجا "اضغط على يدي ان كنت تسمعني يا اخي" اتجهت نظراته اليها لكن يده لم تتحرك، لسانه ثقيل، وجسده كذلك، امسكت بيده الاخرى لتشعر به يحركها، فابتسمت مجيبةً "جيد على الاقل استعدت وعيك" "ماذا ح صل؟" سأل فيما بان التوهان في عينيه ليجيب سليم "كنت في غيبوبة واستيقظت لتوك يا بني، لا تتعب نفسك، انا سأنادي الطبيب، لتبقى واعياً الى حين اعود" "تما م"... مرت عدة ساعات واجتمع ادريس وابناءه في ذلك المشفى، ينتظرون الطبيب وما سيقوله، والذي بدوره اخذهم الى غرفة خاصة وبدأ بشرحه لهم "ما حصل الان ما هو الا نقلة نوعية وتحسن ممتاز لحالة المريض، لكن.." صمت ونظر في عيونهم واكمل "الجزء القادم هو الاصعب"...
في طرف اخر من المدينة، يقف على باب منزل معزول عن الحياة، بعيد عن جميع مظاهر التحضر، رن الجرس وانتظر قليلاً قبل يُفتح ذلك الباب "انيه" "اهلاً اولوم، هيا ادخل لا تقف امام الباب هكذا" استجاب الاخر ودخل ليجلسا في غرفة المعيشة، حيث حضرت الشاي الساخن "اذاً، كيف اصبحتي الان؟" سأل فيما تناول كأس الشاي خاصته، واكمل "مضى اكثر من ثلاثة اشهر على اصابتك" "بخير، شفيت جميع الجراح" "جيد، اساساً لم يستهدف ذلك الابله اي اماكن حيوية، فحتى هو انصدم عندما سمع بموتك" "لا احد يعلم باني على قيد الحياة، أليس كذلك؟" رفع الاخر حاجبيه "يووك"...
يُتبع...

سيل دماء  <•••>حيث تعيش القصص. اكتشف الآن