بارت ١٢
أسوأ يوم في حب شخص ما هو اليوم الذي تفقده فيه، و الاسوا ان يكون هذا الفقدان ابدياً لا عودة منه، تحترق روحك باستمرار حتى تتعود ع هذا الحريق او ينهي هذا الحريق كل ذرة امل فيك...
يلتفت كل من صالح و سليم الى ياماش "هادي كارديشم" قالاها سوياً و بصوت واحد، راقبهم حتى اختفو و تلاشى اخوته الثلاثة و ابيهم و عاد لينظر للقبور، فلم يجد اي منها، فزع وبدأ يحفر بيديه المكان الذي وضع سنا فيه برجفة يديه المتوترة تلك لكن لم يستطع فكأن المكان قد تحول الى صخر الحفر فيها مستحيل، "ياماش ماذا تفعل هناك؟ لقد اتى طفلنا لهذا العالم و انت لازلت تحفر بالصخر" يلتفت خلفه ع صوت يعشقه، ليجد سنا خلفه تبتسم له بدفئ "انتم بخير ؟" لتجيب الاخرى "بخير لم يصيبنا اذى" ليخرج طفل صغير من خلفها كستنائي الشعر الا انه يشبهها تماماً "هيا لنعود للبيت" تمسك بيده وبيد ابنها وتسوقهم خارج المقبرة "مكاننا ليس هنا ليس هنا"....
يستيقظ فزعاً ع رنين هاتفه الذي تجاهله بسبب خروج الطبيبة من باب غرفة العمليات "لم يمت احد لم يمت احد" كان يتمتم هذه العبارة حتى وصل الطبيبة التي خرجت لتوها "الحمدلله ع سلامتهما، لقد انجبت صبي بكامل صحته مع انه ولد باكراً قليلاً، اجرينا لها عملية قيصرية بسبب اصابتها بحادث السير ، اصيبت برضوض و كسرين في ضلعين من صدرها لكنها مجملاً بخير حتى لم نخدر تخدير كامل في العملية لكنها نائمة الان ، سنخرجها لغرفتها في قسم النساء و الطفل لقسم الخدج، مبارك قدوم الطفل" لم يصدق ياماش ما سمعه للتو، فقد كان يعيش في عالم دفنهم فيه و دفن روحه معهم... فرحة ياماش تكاد تعم المكان ليعانق والده فوراً بدون ان يفكر حتى ليبادله الاخر العناق مبتسماً ضامه لصدره تزامناً مع مجيء اخوته الذين يبتسمون لمجرد فرح اخيهم "هي بخير غالباً" " الحمدلله" بينما يعانقهما واحداً تلو الاخر" "لقد اصبحت اباً ،(يكاد يقفز فرحاً بنجاتها، فلازال يكرر)كلاهما بخير كلاهما بخير ، الحمدلله الحمدالله، اقسم اني سأذبح عجلاً بيدي لانهما بخير" يراقبهم و هم يأخذونها للغرفة و يلحق بهم ليطمأن انها لازالت بجانبه و تتنفس ليسأل والده "انها بخير ؟ لازالت حية! انا لا احلم" بينما يضغط ع يده بقصد ليشعر بالالم و يتأكد انها لازالت معه حقاً وانه ليس حلماً ،ليرد عليه والده بنبرة مشجعة مؤكدة ان مخاوفه غير حقيقية "انهما بخير يا بني... "
- بداية فلاش باك -
كان لدى داملا مراجعة مع طبيبها ، كانت قد انتبهت لسنا التي لا تبدو بخير ابداً فمعدتها بوضع سيء من الصباح "هيا تعالي معي لنذهب للمشفى فانا لدي موعد و نتطمئن عليك ايضاً" توافق سنا و تنهض لتشعر بانقباض في بطنها لتتنفس بعمق محاولةً تخفيف الالم الذي يذهب و يعود كل فترة منذ الصباح كانت كآلام انقباض الحمل الزائف او ما يسمى ببراكس اند هيكس، تنتهي زياتهم سريعاً بقول الطبيبة بان وضع التوأم بخير و ان سنا بخير ايضاً لكن يبدو انها قد تكون في علامات مبكرة للولادة و ان بالعادة الحمل الاول يأخذ وقتاً قبل الولادة لكن لا يعني انه من الغريب ان تلد و هي ببداية الشهر التاسع، و ان عليها ان تعود ان اشتد الالم و كان بين الانقباض و الاخر ٢-٣ دقائق... في الطريق "هناك سيارة اسعاف خلفنا ان تطور وضعك نوقفهم" قالتها داملا ممازحةً سنا التي امسكت بيد داملا بشكل مفاجئ بينما تحاول الاخرى السيطرة ع المقود و تصرخ بفزع "لنعوود" بعد ان ملئ ملابسها سائل "هل ماء الرأس؟" لتومئ سنا بالايجاب "لاتصل بياماش لنخبره ان........." لم تنهي جملتها حتى اصطدمت عربة اخرى بسيارتهما...
- نهاية فلاش باك -
لازال هاتفه يرن باستمرار ليسحبه سليم مجيباً "الو .." تتغير معالم وجهه و يفتح مكبر الصوت ليسمعو صوت الة "مرحباً آل كوشوفالي كيف كانت هديتي لكم؟ افضل من المغلفات اليس كذلك؟ لسوء الحظ لم يمت احد، لكن لو قصدت لاخذتهم جميعاً، لعلمك يا جومالي زوجتك تقود ببراعة تفادت حادثاً مميتاً، والله زوجة اخيك الاصغر تدين لها بحياتها ...." يتبادل الجميع نظرات يملئها الخوف و القلق و الغضب ليرد جومالي "من انت يا هذا و ماذا تريد من نساءنا و اطفالنا... اين انت، سأجدك و افصل جلدك عن عظمك!" ليرد الاخر ببرود "دائماً متهور ، هل سألت لما لم تجد فارتولو يا ترى!" ليهفت قلب ادريس مجيباً "ماذا تعني ؟" ليرد "لا تخف لازال حياً هرب الاخر من بين يدينا بصعوبة هو و ابنه و لم يعد لبيته حتى .... غالباً اصيب احدهما كان هناك اثر دماء في المكان ..." و يغلق الخط....
ليقول ادريس فزعاً بنبرة عالية و كان قد شحب وجهه خوفاً "اتصلو به بسرعة او باي احد معه و ليذهب احدكم و يحضره الى هنا بسرعة" مرت عدة دقائق ولا احد يجيب "انا سأذهب و ابحث عنه" قالها جومالي هاماً الخروج ليوقفه سليم "اين ستبحث عنه حباً بالله!" "لا اعلم لكن كان يجب ان يبقى احدنا حوله" يدور جومالي حول نفسه بينما يغرق الاخرين بافكارٍ سوداء اتوقع الأسوأ، يقاطعهم رنين هاتف ياماش ليتنهد مجيباً "سعادات ابلا ، (ينظر لاخوته) انتظروا ، الو "
سعادات : مرحبا ياماش ... اسفة لم استطع الرد عليك لاننا مشغولون قليلاً ...
ياماش : ابلا هل انتم بخير ؟ صالح و جونيور بخير ؟ هل صالح بالقرب منكِ؟ لقد اتصل احد ما و قال انه اطلق عليه ...
سعادات : انه امامي ، صالح يريدون الكلام معك ... يومئ الاخر رافضاً بحاجبيه لتكمل قائلة) لقد اصيب في ذراعه لكنه بخير...
جومالي: افتحو مكبر الصوت لنسمع صوته...
ادريس : صالح هلا اجبت رجاءً لاسمع صوتك ليجيب صالح بصوت متعب قليلاً محاولاً طمئنة والده : انا بخير لا تقلقو مجرد خدش
سعادات : اي خدش! لازلت تنزف بغزارة للان ، انه يرفض الذهاب للمشفى ...(كانت تضمد جرحه للمرة الثالثة خلال اقل من ساعة)...
جومالي : انا قادم ارسلي لي موقعكم ...
صالح : لا حاجة لقدومك انت بالذات ...
جومالي : ليس وقت عنادك يا صالح، اين انتم!
صالح لا يعيره اهتمام : بابا ، هل سنا و داملا بخير ؟ قالو انهم حاولو ايذاءهن ايضاً...
ياماش: سنا بخير الان و داملا ستكون بخير لكن وضعها لازال غير واضح بعد...
سعادات: صالح ارجوك لنعود الى هناك رجاءً لنطمئن عليهم قليلاً...
سليم: صالح اين انتم حباً بالله...
سعادات: نحن بالقرب من اسطنبول ميدات يقود السيارة...
ادريس : صالح تعال الى هنا فوراً هذا امر غير قابل للنقاش ...ليستسلم صالح لوالده : تمام بابا سنأتي... انتم بالمشفى اليس كذلك ؟ اي واحد؟
- فلاش باك -
انتبه صالح انه تتم ملاحقته منذ مدة بينما يتواجد مع عائلته في حديقة عامة ، فيتجه الى ميدات "ميدات خذ زوجة اخيك و اتجه الى السيارة و انتظراني هناك، لا تشعل انوار السيارة ولا تحدث ضجة" ثم يكمل لحيث سعادات و يطلب منها ان تأخذ ادريس و يخبرها انو سيلحق بهم لكن الاخر انفجر باكياً لان والده يريد تركه "ايها المدلل، حسناً اذهبي مع ميدات و لتكن حركتكم خفيفة و سريعة قدر الامكان" لترد الاخرى بقلق "صالح ماذا هناك؟" ليقبل جبهتها "نحن مراقبون، و ليس جومالي من يراقبنا، هيا لنتحرك" يذهب هو باتجاه و ميدات و سعادات باتجاه اخر حتى وصلا السيارة و بقيا يستنظرانه، بينما تبع الرجال المجهولون صالح الذي يضم صغيره لحضنه و يكاد قلبه يخرج من مكانه من شدة الخوف لحسن حظه ان الشمس كانت قد غابت لتوها ليسهل هروبهم ،لن يخاف لو كان لوحده لكن المشكلة ان صغيره بحضنه اخذه معه حتى لا يحدث ضجة تقود هؤلاء الى سعادات، يمشي بوتيرة سريعة جداً يدخل هنا و يخرج من هناك حتى انتهى به الامر بزقاق بعيد يخرج سلاحه بيمينه و ابنه بيساره، يحاول الخروج من هناك بدون اي اشتباك لكن الطرف الاخر غير راضي عن الامر "سلم نفسك و استسلم ايها الكوشوفالي ماذا تفعل خارج مستنقعك؟ اساساً جففنا نسل اخوتك و نساءهم و حان دورك الان انهى جملته بعد ان صوب السلاح ناحية صالح "تلتها رصاصة استقرت بالجدار بجانب رأسه ، يطلق عليهم عدة رصاصات ليختبئو و يهرب هو بينما يستمر تبادل النار اصابت احدى الرصاصات ذراعه ليستمر راكضاً للسيارة التي وصلها بعد دقائق يعطي سعادات ابنه بينما يصرخ ع ميدات انطلق بسرعة و اخفضو رؤوسكم ... يختفي الاخرون بعد مدة وجيزة من المطاردة و تبادل النيران ليتوقفو اخيراً عند محطة وقود بعد مرور ثلث ساعة ع انتهاء الاشتباك، انتبه امهم وصلو حدود اسطنبول، كان صالح يضغط ع جرحه الذي ينزف كثيراً لينتبه ميدات له "آبي ذراعك انها تنزف" لتصرخ سعادات قلقاً "نيه! متى اصبت يا صالح؟ لماذا لم تقل شيئاً!" بينما تخرج و تتجه اليه "يوك بشي ساديش مجرد خدش، ميدات هلا احضرت صندوق اسعافات" ما ان انتهت من تضميد جرحه وغسلت يداها "صالح تعال و اجلس هنا عندي" كان زجاج السيارة الخلفي محطم تماماً، تنتبه سعادات لهاتفها الذي يكاد ينفجر ولا يتوقف عن الرنين، "ياماش ٦ مكالمات سليم ٨ مكالمات و جومالي ٣ مكالمات" لينظر لها صالح قائلاً "اتصلي ع احدهم"...
- نهاية الفلاش باك-
تمر ساعتين قبل وصول صالح و من معه ليوقف ميدات السيارة كان جونيور معانقاً والدته و كلاهما نائم، ينزل صالح من السيارة متجهاً لوالده معانقاً اياه و مقبلاً يده "الحمدلله انكم بخير" قالها ادريس بعد ان اخذ نفساً عميقاً اخيراً ...
سليم : ما حال السيارة هذه ؟
صالح : حصل اشتباك ومر الحمدالله، ماذا حصل مع زوجاتكم؟
يخبره ياماش بما حدث، ليرد الاخر "جاء ولي العهد اذاً! الحمدلله ع سلامتهما" "سلمت ابن ابي" ... سليم "هل انت بخير؟" "بخير"
يضع جومالي يده ع ذراع اخيه بعد ان لاحظ الدماء التي تقطر ببطئ من يده و تختلط بالتراب "بخير! ها! لازلت تنزف يا بني! هيا ليراك طبيب" يسحب ذراعه من يد جومالي بعنف آلم نفسه لكن كبرياءه لا يسمح له ان يضعف امام اخوته، فلم يعر جومالي اهتماماً "لاتتدخل" ليقل الاخر متجهماً "حسناً كما تريد لكن عندما تفقد وعيك من فقد الدماء لا تلوم احد سأحملك حينها الى الطبيب برغبتك او بدون" ليرد الاخر دافعاً جومالي جانباً و يقول ببرود فارتولو "لا اريد لا احتاجك حقاً لا احتاج مساعدة اي منكم، فقط ابعدو اذاكم عني و انا سأكون ممتناً" لم يتفاجئ اي منهم من ردة فعله ابداً فهو يتصرف هكذا منذ اكثر من اربعة اشهر يعاملهم كغرباء او اقرباء من الدرجة الرابعة يعني يعرفهم بالاسم فقط لكن ليس كأخوته... يمسح جومالي ع وجهه بغضب "عناد عناد" لكن الاخر بالفعل فقد كمية ليست بالقليلة من الدماء و ان بقي هكذا سيفقد وعيه، اساساً شحب لونه و يعي اخوته هذا لكنه يكابر ع نفسه حتى لا يظهر ضعيفاً امام احد... يمر الوقت صالح بجانب والده و اخوته ذهبو ليحضرو قهوة فالليلة طويلة و كانو قد مرو ع زوجاتهم قبل ان يعودو ليقف ادريس ويقف معه صالح الذي دارت به الدنيا و اختل توازنه تماماً و اسود كل شيء امامه، اساساً الظلام حالك و الوقت متأخر تعدى منتصف الليل، امسك ادريس بيد ابنه و اعاده لمكانه "يا اولاد تعالو الى هنا، احدكم سيوصل سعادات الى بيتنا و شددو الحراسة هناك، كما ان صالح ليس بخير، هل تستطيع حمله لانه قد يفقد وعيه ان وقف و مشى بنفسه" مخاطباً جومالي الذي وقف امام صالح و نزل لمستواه يمسك رأس الاخر بين يديه يبعد شعره "صالح هل تسمعني؟" كان الاخر قد خارت قواه و رمى بثقل جسده ع كتف والده، يبعد نفسه من بين يدي جومالي... لينهض الاخر غاضباً "اللهم بما ابتليت انا!" يتمتم بنفسه ليعود اليهم "بابا ابتعد قليلاً رجاءً و احدكم يفتح لي الطريق و نادو طبيبه، صالح انظر فقدت الكثير من الدماء لا نعرف ماذا اصابت هذه الرصاصة في ذراعك لتنزف طول هذه المدة. هيا ليسعفوك او يخيطو جرحك ع الاقل، وجهك شحب لونه واعلم انك تتألم... لا تريد ان يلتهب ايضاً" يبادله الاخر نظرات غاضبة ليمسك جومالي ذراعه الاخر ورفعه منها ليستقيم الاخر مستنداً بشقيقه الاكبر، كانت حركته كافية لينخفض ضغط دم الاخر (انخفاض انتصابي -orthostatic hypotension) و يفقد وعيه فيستغل جومالي الفرصة ليحمله للداخل بينما نادي ياماش الطبيب اندريا الذي وصل فور وضع جومالي اخيه ع السرير الابيض "ماذا حدث؟" "كما ترى اصيب بذراعه لكن نزيفه لا يتوقف و لم يسمح لاي كان باسعافه حتى فقد وعيه الان" "كم استمر نزيفه؟" "اكثر من ٣ ساعات" ينظر لهم اندريا بدهشه ليرد جومالي "لا تسأل انه يرفض الكلام معنا حتى" لينظر له بخيبة "ماذا فعلت له ليبقى غاضباً منك كل هذه المدة !، المهم لتخرجو الان لاسعفه"...
ليخرج بعد مرور ساعة "لقد اعطيته سوائل ووحدتين من الدماء، سنبقيه بالمشفى لمدة يوم و نص تقريباً حتى ينهي كورس مضاد حيوي مكثف حتى لا يحدث التهاب بجرحه وسنعوضه بما فقده" "هل استيقظ؟" "اجل انه بكامل وعيه لكن ليرتاح قليلاً لا تتعبوه"... ليسأل ياماش "هل هو بخير ؟ يعني فقدان كمية دماء بوضعه؟" ليرد اندريا "اجريت بعض الفحوصات و كانت جيدة حتى ان دمه لم ينخفض كثيراً بسبب النزيف و هذا جيد..." يقاطعه ياماش مجدداً "ولما نزف كل هذه المدة؟" ليرد الاخر "الرصاصة اصابت شريان في يده و خدشته لهذا استمر نزيفه فترة، لحسن الحظ كان مجرد خدش وليس قطع و الا لنزف خلال اقل من نصف ساعة" ثم يكمل "سيد ادريس تستطيع رؤيته قال انه لن يستقبل غيرك" و يستأذن منهم...
يخاطبهم ادريس طالباً منهم توفير حماية للنساء و الاطفال في المشفى و البيت و لصالح ايضاً : جومالي ستبقى بقربه حتى يخرج من المشفى... لينظر الاخر لوالده باستغراب "انه لا ينظر لوجهي حتى يا ابي" ليرد ادريس معاتباً "و ان يكن! حمايته مهمتك الست اخاه الكبير؟ ليراك تحمي ظهره عله يلين باتجاهك قليلاً كما ان هذا نتيجة افعالك، انت زرعت و انت ستحصد، هيا كل منكم الى زوجته" و يدخل للغرفة بهدوء ليجد الاخر جالساً ينظر بالفراغ ليقترب منه ماسحاً ع رأسه لينظر الاخر له نظرات فارغة بدون ان ينطق بكلمه "هل انت بخير ؟" ليضحك الاخر باستهزاء "هل يجب ان اكون بخير؟ انظر رصاصة في ذراعي وضعتني هنا مجدداً جرح بحجم عقلة الإصبع وضعني بهذا الفراش الابيض مجدداً، اي خير هذا يا ابي! اصبحت كاللعبة الزجاجية اكسر بسرعة" يجلس ادريس بجانبه "ما هذا الكلام يا بني!" "هل كذب؟ اصبحت لا اعرف نفسي، من اكون اين انا! و لما انا هنا؟ هل انفع نفسي! هل سانفع ابني! انني ادور و ادور و اجد نفسي هنا مجدداً" كان يحاول النهوض يعيش صراعاً داخليًا لم يعد يعرف من فارتولو و من صالح ما يعيشه هو اندماج الشخصيتين لتخرج شخصية ثالثة فهو صالح مع والده و زوجته و ابنه و فارتولو مع اخوته و العالم فكل مرة يحصل شيء يتأذى صالح و يقوى فارتولو كأنه يتغذى ع عذاب صالح... "صالح توقف ماذا تفعل ؟ الى اين حباً بالله" كان يحاول ازالة المصل من يده ليمسك ادريس يده يعي تماماً الصراع الذي يعيشه ابنه من نظرته التي كانت توضح محاولة فارتولو حماية صالح، كانت نظراته باكية بلا دموع ، يسحبه ادريس لصدره و يعانقه "انت بخير ، لا تفعل هذا بنفسك ،صدقني انت تكفي ابنك و عائلتك" بقي فوق رأسه حتى غفت عيناه... خرج ليجد عمي يجلس خارجاً بجانب سليم "اذهب و احضر شيئاً نشربه يا بني" يومئ سليم و يذهب ... لينطق عمي "ما حالك هذه يا ادريس؟" لينظر ادريس ارضاً مجيباً "هذا الفتى كل مرة يكسر قلبي بطريقة جديدة يا مجاهد، لا يفعل قاصداً لكن هذه الدنيا تضربه بشكل سيء، اخاف عليه كثيراً" ليرد عمي "لم تكن حياته سهلة" ليجيب ادريس بعد ان اومئ بموافقة عمي الرأي "بتاتاً، كل مرة اكتشف اشياء أسوأ من سابقتها، لو جمعنا كل معاناتنا بالكاد تكفي اول ١٠ سنوات من حياته" ليسأل عمي "هل هو بخير الان؟" "ليس بخير ابداً، اعرف عندما يستيقظ سيكابر و سيقول انه بخير سيتصرف كأنه بخير لكن لا اعرف يا مجاهد" ليجيبه الاخر "ستكون بجانبه اذاً و ستتأكد انه بخير ع قدر المستطاع" ...
يحل الصباح و يعود ادريس للمشفى ليجد جومالي يجلس ع الكرسي بغرفة صالح بينما السرير فارغ، ليصرخ مفزعاً جومالي "لان جومالي، اين صالح ؟" ليجيب جومالي الذي اعتدل بجلسته "انه بالحمام يا ابي" ليخرج الاخر و يجد والده امامه "انا هنا يا ابي و الله هذا نام امام الباب لا يسمح لي بالتحرك ... لما لا يذهب لزوجته انا لا افهم!" ليقف جومالي الذي تم استفزازه بنجاح يهم خارجاً ليجيب صالح بعصبية "لان من تكلم انت! و يقول هذا! اليس لدي اسم! عديم تربية ... انا ذاهب اساساً" و يخرج بعد ان اغلق الباب بعنف لينظر الاخران لبعضهما "انت تستمتع باذلاله اليس كذلك ؟" ليجيب الاخر مبتسماً "يستحق ذلك ،ثم اجل الامر ممتع" "تذكر انه اخوك الكبير وفوق هذا له طرقه ليستد منك" بينما يكمل الاخر طريقه عائداً للسرير و يتربع فوقه "متى اخرج اذاً؟"
ادريس بينما يتفقد حرارته : غداً..
صالح بتذمر : لن يحصل، ماذا يعني حبسي هنا! لاجل جرح صغير!
ادريس : سيحصل، ستبقى هنا حتى يأذن لك الطبيب بالخروج (يصمت قليلاً ثم يكمل) لو عالجت جرحك مبكراً لما احتجت ان تأخذ كورس مضاد حيوي مكثف هكذا...
صالح: ليأتي ادريس الى هنا اذاً لكن سعادات لتبقى بالبيت فهي حامل و المكان مليء بالامراض هنا ...
ادريس : الا اكفيك انا؟ ليرد صالح "يا بابا!، تكفي و تزيد ايضاً لكن لا ضرر من اثنين من ادريس" ...
في مكان اخر في ذلك المشفى كان يجلس بجانب زوجته تبكي روحه ع حالها، كانت قد استيقظت مساء امس للحظات ووضعها استقر، فاستيقاظها دليل ع ان النزيف توقف تم فحصها و اجراء صور ولحسن الحظ لم يترك النزيف اي ضرر الا صداع سيذهب مع مرور الوقت،لكن لا علم لهم بوضع اطفالها، تفتح عيناها مجدداً لتجد الجبل الذي اعتادت وقوفه بشموخ يحني رأسه و ظهره و كأنه يحمل هموم جميع سكان الارض...
- جومالي (بصوت متعب)
- جولوم ، هل انتي بخير؟
- بخير يعني أتألم قليلاً ، هل اطفالي بخير؟
- لا اعلم ، لا يخبرني احد بشيء
- هل انتَ بخير ؟ كبرت عشرة اعوام في يومين...
- بخير، كدت اخسرك، تخيل هذا وحده يؤلم بشدة، سنا و ياماش لقد طار عقل الولد حتى تأكد انهما بخير، هجمو ع صالح ايضاً و اصيب و لم يكن اي منا حوله لحمايته، لم استطع حماية اي منكم، كيف سأكون، الحمدلله انني اتنفس و هذا يكفي حالياً...
- شدة و ستزول لا تفقد نفسك في تلك المدة و آمن بان كل شيء سيكون بخير،
يقاطعهم دخول الطبيبة التي كشفت ع حال داملا و تفقدت وضع الاجنة و فحص سونار لتقول "الحمدالله ع سلامتك داملا، سنخرجك بعد قليل لغرفتك الخاصة، لقد فقدنا احد الاجنة من التوتر الذي عاشه جسدك لكن الحمدلله الفتاة الاخرى لازالت تقاوم ، ليبتسم جومالي معانقاً ذراع داملا مقبلاً ظاهر كفها حامداً ربه، بينما تغادر الطبيبة و تضع داملا يدها ع شعره و كلاهما يبكي ... يتذكر اللحظة التي علم انه سيصبح اباً عن طريق صالح "هل تعلمين كيف علمت انني اصبح اباً؟" "اليس عندما اخبرتك انا!" ليومئ الاخر بلا "لقد اخبرني صالح لكي اعود من ذاك المركز" "الله الله و كيف علم هو قبلك!" "سعادات غالباً" "لا ينبت في فمها فولة هذه الفتاة تخبره بكل شاردة وواردة" ليرد جومالي "طبيعي زوجها" يصمت قليلاً ويتذكر كيف يعامله الاخر بجفاء مخيف "اخاف ان لا يسامحني" لتسأل داملا "من!" "من سيكون ! صالح انه لا ينظر لوجهي، قضيت الليلة بين غرفتك و غرفته كان يدعي النوم و عندما يكون مستيقظاً يتصرف كأني لست بالغرفة" لتمسح داملا ع وجهه ماسحةً دموعه "سيسامحك، لا تقلق، اعطه وقته و كن حوله دائماً، لقد تأذى كثيراً لكنه يسامح و يعفو و لا تزال اخوه الكبير"
ينهض ليغسل وجهه ويساعد ع نقل زوجته لغرفتها الجديدة مع ساعات المساء...
في قسم اخر يقف ذلك الشاب ذو الشعر الكستنائي يحمل طفله بين يديه مغنياً ترانيم الاطفال بصوته ذو اللحن الشجي، بينما الطفل نائم لا يدري عن الدنيا التي حوله بشيء، يعيده لمكانه لتأخذه الممرضة لغرفة الاطفال حديثي الولادة و يتجه هو للنائمة بجانبه فقد جاء موعد الافطار لتتناول شيئاً يمدها بالطاقة "سنا، هيا استيقظي" استيقظ الاخرى لتجد اشقرها فوق رأسها يمسح ع شعرها مقبلاً جبهتها "جونايدن" "جونادين اشكم"
- كيف اصبحتي؟
- بخير، لكني جائعة جداً
- جيد اساساً وصل الفطور
يساعدها لتعتدل بجلستها و تتناول طعامها بينما غرق هو في عينيها ابتسامتها الحفرة التي بجانب فمها... يغرق الى قاع لا نهاية فيه ليخرجه من عالمه "ياماش! هيا اريد ان انزل قليلاً لقد قالت الممرضة انه يجب ان اتحرك و لا ابقى جالسة هيا"...
يتوجهان لقسم الاطفال حيث اخذت الممرضة ابنهم ، ليلتقو بجومالي في الطريق "الحمد لله ع سلامتك سنا" "سلمت جومالي ابي " "كيف اصبحتي الان ؟"
- الحمدلله افضل، سأكون افضل عندما ارى ابني، كيف اصبحت داملا
- الحمدلله ستكون بخير لقد نقلوها لغرفتها و انا ذاهب اليها..
- و الاطفال؟
- بقي واحد فقط
- لعله خير يا آبي ... هيا اذهب و ابقى بجانبها ستحتاجك بالقرب منها
- (ياماش) آبي ، هل رأيت صالح؟ هل هو بخير؟
- اجل كنت عنده صباحاً، لازال عديم تربية ذو كبرياء لا يحترم احداً لسانه اطول منه...
ليضحك ياماش "يعني انه بخير" "بامكانك قول هذا، هيا لاذهب انا ولا اتاخر ع داملا"..
يدخلان لغرفة الاطفال لتلتقي سنا بابنها مجدداً فاول لقاء لهما كان مساء امس عندما ولد ووضع ع صدرها، تسحب رائحته لجوفها... ليصادف وجودهما دخول طبيب الاطفال الذي اخبرهم ان بامكانهم ابقاء طفلهم بغرفتها بعد الان لان صحته جيده و كان بقسم الخدج للتقييم فقط و بامكانه الخروج مع والدته من المشفى... يمضيان بعض الوقت هناك حتى يحين موعد دواء سنا فيخرج كلاهما من الغرفة هناك ليصدم ياماش بطفل صغير يتعثر بخطواته ليقع الطفل و ينفجر باكياً, ينحني ياماش ارضاً و يلتقطه "اعتذر يا بني لم اقصد ان اوقعك لم اراك" يقبله ثم يرفعه ليرى ان كان قد تأذى "ادريس!" ليرد الاخر بصوت صغير و لطيف "امجا" يرفع رأسه ليرى صالح امامه وبجانبه والدهم "بابناولو! هل انت بخير ؟" ليجيب الاخر بهدوء بعد ان اخذ ابنه من ياماش "بخير، كيف اصبحتي يا سنا و كيف اصبح الطفل؟" اتجه لسنا متجاهلاً ياماش.. فاجابته "الحمدلله افضل و سنخرج خلال يوم او اثنين" "الحمدلله ع سلامتكم، ليكبر و يكن عزوةً لوالديه" "امين" ...
تمر تلك الليلة و يحل نهار اليوم التالي، عادت سنا لبيتها و ادريس لأمه بينما ينهي والده اوراق خروجه ليلاقي ميدات خارجاً ،صعد بالسيارة ليدخل اخوته خلفه ،ليسأله سليم"هل ستقود و انت خرجت لتوك من المشفى!" ويكمل ياماش "هيا انزل انا سأقود" يبدلهم صالح النظرات يريد ان يهرب من المواجهة القادمة، يفتح ياماش بابه و يمسك بيديه "هيا الى جانب سليم و انت يا ميدات الى الحفرة سيتصل هو بك"...
استسلم لهم ولم ينطق بحرف طول الطريق الذي لم يتعدى ربع ساعة ع الارض الواقع لكن كانت ساعات بالنسبة للثلاثة الذين يتبادلون النظرات الغريبة فيما بينهم ... "لقد وصلنا" قالها ياماش بعد ان سحب مفتاح السيارة "هيا سنتكلم قليلاً يا ابن ابي" "لن يحدث" قالها رافضاً بعد ان درس المنطقة المحيطة بنظراته "اين نحن اساساً! هيا انا سأذهب، تحدثا كما تريدان" ليمسك سليم بطرف ملابسه "انت من سيتحدث يا بني" ليرد الاخر ببرود "و بما سنتحدث؟ حالة الطقس!، هادي كل الى طريقه الم ترزق بطفل حديثاً يا ياماش اذهب و انفعه بشيء، و انت ما هو دورك بجانب ابنك! هل تعرف ماذا يفعل بحياته! هيا ليكن كل منكم فوق رأس عائلته و اتركوني بحالي" يتبادل ياماش مع سليم النظرات بحزن، ليصرخ ياماش "فارتولو! عد الى هنا سنتكلم" يلتفت صالح بنظرة حادة تبادلها مع ياماش "قل ما تريده لا وقت لي لاجادلك!" ليكمل ياماش بنبرة باكية "الى متى! ستتصرف و كأن شيئاً لم يكن! و كأنه لست فرداً من هذه العائلة! و كأننا لسنا اخوتك يا هذا! الى متى؟ عشت وحيداً و كبرت يتيماً آمنا لكننا امامك الان، لا تفعل هذا بنا" ليضحك الاخر بتمرد "وحيداً و يتيماً اجل لم يكن احد بجانبي تعلمت مساندة نفسي و الوقوف بمفردي، لكن فرداً من ماذا! عن اي عائلة تتكلم؟ هل تركتم في شخصاً يقول اخي! هل فرطت انا بكم ! لا لم افعل لاني اعرف تماماً معنى ان تكون وحيداً و كل الاصابع تتجه ناحيتك... لكن ماذا فعلتم جميعاً! كيف رددتم هذا لي! امك حاولت قتلي! اخوك الكبير، سلم شرب السم بدالي لكن ليته لم يفعل! لقد احرق روحي تماماً بعدها، لو لم يفعل لكنت ارتحت انا من عذاب هذه الدنيا التي لم ترحم صالح يوماً! و انتم ماذا فعلتم؟ لم تحركو ساكناً! هل قال احدكم صالح لا يفعل! صالح لن يفعل! لا لم لم يحدث، اما جومالي ف يصب غضبه علي فلم تكونو كبش فداء من قبل لكن هذه مهمتي انا بهذه العائلة! انظر جرح صغير لا يذكر وضعني ليلتين بالمشفى، لماذا؟ لانني لم افرط بجومالي لكن لكنه فرط بي بدون ان يفكر حتى... سليم توأمي غير الشقيق كنت مستيقظاً تلك الليلة سمعت ما قلته! لكن لا شيء يرجع كما كان بعد ان كُسر، اعلم انك تحاول لكن لا ينفع لا استطيع القبول بكم هنا كأخوتي مجدداً! لست مستعداً بعد... و انت الاشقر المدلل، لا اعرف لكن ربما دافعت عني لاحقاً لكن الاوان كان قد فات، هنا (مشيراً لمنتصف صدره) قد حُطِم" تدنو نبرته "انا كشخص كان دائماً يبحث عن دفئ العائلة الذي لم احظى به ابداً لم اجد ذلك بينكم ايضاً لطالما كنت اللون الاسود بينكم، و كأنكم منزلون من السماء بلا اخطاء!" "هيا ياماش لا أؤلمكا اكثر ... الى هنا تفترق طرقنا"
- (ياماش) و هل سنتركك لوحدك تصارع الدنيا يا هذا! ستسامحنا و سنكون اخوتك شئت ام ابيت .
- (سليم) لا تفعل هذا بنا يا صالح، لا تتركنا نغرق بذنبنا... لا اعرف كيف اجعلك تسامحنا، لكنك ستفعل... اعرف ذلك فقلبك يختلف عن خاصتنا، تسامح و تعفو...