3/ تِـلـَاوَة 🌷:

265 31 7
                                    

" لست صالحًا ولست ملتزمًٕا يتقلب حالي بين قرب إلى الله وبين أُنس، ولكني رزقت بنفس لوامة لا تطيق عصيانه، فسرعان ماتضق نفسي عند معصيته لا تنشرح إلا بالتوبة، الشيء الأهم أني لن أترك جهاد نفسي ما حييت ولن أمل يوما من إصلاح ذاتي، حتى يقبلني الله ويتوفني على حال يحبه ويرتضيه "






꧁꧂

وصل رفيق إلى الجامعة وبدأ يتجول في الرواق الجامعي بخطوات متثاقلة، وعيناه تحومان هنا وهناك باحثتين عن ليلى.

لكن انتباهه كان ينجذب رغمًا عنه نحو الفتيات غير المتحجبات اللواتي يتبخترن بغنج وتبرج.

ألقى نظرة خاطفة على إحداهن وقد التمعت عيناه بشرر الرغبة، فهمس لنفسه بصوت شبه مسموع:

"اللعنة، ما كل هذا الجمال! يجب أن أصطاد بعضهن قبل مغادرتي، لكن ماذا لو رأتني تلك الفتاة الغراء وأفتعلت مشكلة؟ آه... أين هي على أي حال؟ أشعر بالإنهاك التام، ولا أدري ما الذي جاء بي إلى هنا من الأساس".

رمق المكان من حوله نظرة سريعة، فرأى مقعدًا يستظل تحت إحدى الأشجار الباسقة.

أسرع نحوه وارتمى عليه بتثاقل، ثم أخرج سماعاته ووضعها في أذنيه، وشغّل مقطوعات موسيقية صاخبة تنضح بكلمات الغزل الفاحش واللهو المحرم.

أغمض عينيه مستسلمًا لتلك الأنغام الآثمة التي تسممت بها روحه منذ زمن بعيد.

لكن القدر كان يخبئ لرفيق مفاجأة لم تكن في الحسبان، إذ كانت زهرة وصديقاتها يجلسن على الجانب الآخر من تلك الشجرة عينها، يتلون آيات الذكر الحكيم في خشوع وصفاء.
يا لها من صدفة عجيبة جمعت بين النقيضين:

ظلمة المعصية ونور الهداية، في مشهد يرمز إلى صراع الخير والشر في النفس البشرية.

التفتت مريم إلى زهرة وقالت بصوت عذب:

"لقد أتممت تلاوتي والحمد لله، والآن جاء دورك يا زهرة. هيا ارتقي بأرواحنا مع تلاوتك الساحرة لسورة يس، فصوتك الفائز علينا جميعًا دومًا".

ابتسمت زهرة بتواضع وقالت:

"حسنًا يا غالية"،

ثم بدأت ترتل الآيات المباركة بصوت رقيق يأسر الألباب، ويبعث في النفس سكينة وصفاء، كأنها تستقي كلماتها من نبع الجنة ذاته.

وبالصدفة المحضة، فيما كان رفيق غارقًا في مستنقع الغناء المحرم، توقفت سماعاته فجأة عن العمل وانقطعت الموسيقى.

أثار ذلك حنقه الشديد فشرع يشتم حظه العاثر قائلاً:

"تبًا لك أيتها السماعات اللعينة، لم يكن هذا وقتك المناسب أبدًا، فلتذهب حياتي التعيسة إلى الجحيم!".

لكن بينما كان رفيق يصارع سماعاته العاطلة، وصل إلى مسامعه فجأة ذلك الصوت الرقيق العذب الذي يتلو آيات سورة يس، فاهتزت لها أركانه واقشعر لها بدنه.

لم يكن قد سمع في حياته شيئًا بهذا الصفاء والروعة، فوجد قلبه يهفو إليه دون اختيار وتتسارع دقاته بعنف كأنها تريد الفكاك من صدره. 

شعر رفيق بانتعاشة روحية مفاجئة، وكأن تلك التلاوة المباركة قد غسلت عنه أوزار الماضي وطهرت روحه من رجس المعاصي.

واختلجت في نفسه ذكرى قديمة وهو طفل صغير، حين كانت أمه الحنون تعلمه تلاوة القرآن وتمسح على رأسه بيدها الدافئة.

فرقت عيناه واغرورقتا بالدموع التي لم تبلل خديه منذ زمن طويل، إذ كان قلبه قد تحجر وقست مشاعره بسبب البعد عن الله ونور الهداية.

وهكذا بقي رفيق هناك، مستظلًا بالشجرة يستمع لتلاوة زهرة الآسرة، وقد أحدثت كلمات الله المعجزة التي ترتلها بإخلاص، زلزالًا في كيانه وهزت مشاعره من الأعماق.






















تذكير: قول الحمد لله 33 مرة في اليوم جزاكم الله خيرا ♡

الصباح المشرق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن