1/ 🌺زَهْرَةٌ وَ أَشْوَاكْ🌿: 1 زَهْـرَة.

375 41 5
                                    

~زهرة ~

꧁꧂

في سكون الليل الملكي، حيث تهمس النجوم أسرارها للسماء، اقتربت عقارب الساعة من الرابعة صباحًا.

كان العالم يغفو في سبات عميق، وكل شيء حولها ساكن كلوحة زيتية معلقة على جدار الزمن.

لا شيء يكسر هذا السكون سوى رقصة أوراق الشجر الخافتة، إذ يداعبها نسيم السحر بأنامل شفافة، كعازف ماهر يعزف على أوتار الطبيعة لحنًا صامتًا.

أغصان الشجرة المجاورة للنافذة تتمايل برشاقة، متدلية في حنو كأنها تمد ذراعيها لتعانق زجاج النافذة في لحظة من العشق الصامت.

الهدوء والسكينة يلفان المكان كغلالة شفافة، يغمران كل ركن وزاوية بسحرهما الأخاذ.

وفجأة، كسهم اخترق قلب الصمت، انطلق صوت المنبه حادًا:

ترررن... ترن... ترر...

بخفة الفراشة وسرعة الفهد، مدت يدها لتسكت هذا الصوت المزعج، ثم نهضت من فراشها كغزالة تثب من مرقدها.

توجهت إلى الحمام بخطوات متثاقلة، ووجهها شاحب كورقة خريفية، وجفونها متدلية كستائر ثقيلة من وطأة النعاس.

لكن إرادتها كانت أقوى من إرهاقها، فهي تدرك أن الزمن يسابقها، ولم يتبقَ على موعد أذان الفجر سوى ساعة واحدة تتنفس فيها الأرض أنفاسها الأخيرة قبل مولد يوم جديد.

ارتدت عباءتها السوداء التي بدت وكأنها تحتضن روحها الوضاءة، ثم مدت سجادتها وكأنها تبسط بساطًا سحريًا للعبور إلى عالم الملكوت.

ركعت في خشوع، وصلت ركعتين امتزجت فيهما دموعها بكلمات الشكر والحمد، كقطرات الندى على أوراق الورد.

وبعد أن أتمت صلاتها، جلست تستغفر ربها بصوت يرتعش من صدق المشاعر:

"أستغفر الله وأتوب إليه"، رددتها مرارًا وتكرارًا كأنها تغسل روحها بماء التوبة الزلال.

ثم فتحت المصحف الشريف، وبدأت في تلاوة آياته بصوت عذب، كأنه خرير جدول صاف يشق طريقه بين صخور الوادي.

كانت الكلمات تنساب من شفتيها، فتملأ الغرفة بشذى روحاني، وكأن ملائكة الرحمن تحف بالمكان مستمعة لتلاوتها العطرة.

وما إن ارتفع صوت المؤذن شاقًا عنان السماء:

"الله أكبر، الله أكبر"، حتى وضعت المصحف في مكانه بتبجيل، ثم قامت لتؤدي الفريضة.

صلت في خشوع عميق، ودموعها تنهمر كشلال رقراق، حتى ابتلت عباءتها من فيض مشاعرها النقية.

بعد الصلاة، عادت إلى تلاوة القرآن حتى بزغت شمس الصباح بخيوطها الذهبية، معلنة ولادة يوم جديد.

فصلت صلاة الضحى كدأبها، وفي سجودها غاصت في محيط من الدعاء والابتهال لمدة نصف ساعة، وكأنها غواصة تبحث عن لآلئ القرب الإلهي في أعماق بحر الروح.

إنها زهرة في ربيع عمرها، تتفتح بتلاتها على نور الإيمان وعبق التقوى.

قلبها نقي كينبوع جبلي، ولسانها لا ينطق إلا طيبًا. عندما يُذكر اسم النار أمامها، ترتجف كورقة في مهب الريح وترتفع أكفها بالدعاء مستجيرة بالله، وحين يتردد ذكر الجنة، يخفق فؤادها كجناحي حمامة وتمتد يداها متضرعة إلى الله أن يكتبها من أهلها.

محبوبة بين الناس كزهرة وسط بستان، لرقة طبعها وصفاء سريرتها.

يحبها الناس ويألفونها كما تحبهم وتألفهم، فكأنها نسمة عليلة من نسمات الفردوس هبت على الأرض لتذكر القلوب بعذوبة الإيمان وجمال اليقين.

***

في صباح يوم جديد، امتلأت أرجاء المنزل بصوت عذب ينادي باسم جميل، كأنه ترنيمة شجية تعزفها أوتار الفجر على قيثارة الحياة. كان الصوت ينادي بحب وحنان، يحمل في طياته دفء الأمومة وعبق الياسمين:

"زهرة... زهرة.. عزيزتي حفظكِ الله".

انبثق من غرفتها وجه نوراني، كأنه قبس من نور الفردوس، يشع بالطهر والنقاء. كانت زهرة مرتدية حجابها الشرعي الأسود، يزين رأسها كتاج ملكي منسوج من خيوط التقوى.

خطواتها كانت هادئة ومطمئنة، وكأنها تسير على درب مفروش بالريحان.

التقت بأمها التي كانت تنتظرها بابتسامة تفيض بالمحبة والحنان، عيناها تشعان بنور لا يخبو، وكأن قلبها ينبض بإيقاع الحب الأبدي.

همست زهرة بصوت رقيق كهمس الفراشات:

"نعم... أمي..".

ردت الأم بصوت حنون كنسيج الحرير:

"هاه بنيتي، قبل أن تغادري إلى جامعتك... خذي معكِ هذه العلبة فيها وجبة خفيفة كليها عند فراغكِ مع صديقاتك.. وأضفت لكِ علب عصير كي تستطعن التركيز".

أجابت زهرة بامتنان يفوح كعطر الورود:

"حسنًا أمي... شكرًا لكِ... أكرمكِ الله وجزاكِ خيرًا..".

ابتسمت الأم وقالت:

"هيا غادري.. قبل أن تتأخري..".

ودعت زهرة أمها قائلة:

"حسنًا، السلام عليكم".

ردت الأم بدعاء ينبع من أعماق فؤادها:

"وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته... فتح الله لكِ أبواب جنته".

حملت زهرة ذلك الكيس معها وغادرت المنزل متجهة إلى الجامعة بالنقل الجامعي كعادتها. وفي الطريق، كانت تستغفر الله بخشوع، وعيناها تتأملان السماء الصافية بشغف وبهجة. كان الجو ساحرًا يخلب الألباب، وكأن الكون بأسره يبتسم لها ويشاركها فرحتها بيوم جديد مفعم بالأمل والسكينة.

تذكير: أستغفر الله العظيم واتوب إليه


My insta: lea_tatia

follow me ♡

الصباح المشرق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن