الـبـَارْت 15 🌷

209 25 3
                                    

"نحنُ لبعضنا أرزاق، فاللهم سخِّر لنا من الناس أخيرهم وأطيبهم وأنقاهم."


꧁꧂

في ليلة حالكة السواد، عادت زهرة إلى منزلها وقد أثقل كاهلها هم ذلك الشاب الضائع.

لم تذق طعم النوم تلك الليلة، وظلت تناجي ربها بخشوع وتضرع، تبتهل إليه أن يفرج هم رفيق ويهديه سواء السبيل، وأن يصلح حاله ويرشده إلى طريق الخير والصلاح.

***

وفي صبيحة اليوم التالي، كان رفيق جالسًا على أحد المقاعد في حديقة الجامعة الغنّاء، وقد استبد به اليأس وخيّم عليه القنوط.

وفجأة، لمح من بعيد ثلاث فتيات يتجهن نحوه بخطى ثابتة، يرتدين جلابيب فضفاضة تستر جمالهن وتصون حياءهن.

رفع رفيق رأسه ليتبين هويتهن، فإذا بهن زهرة وصديقتاها كوثر ومريم.

هبّ رفيق واقفًا من فرط دهشته، وقال بصوت متلعثم:

" لا... لا أصدق..."

أجابته زهرة  بصوت هادئ وعينان تنظران إلى الأرض حياءً:

"أنا لا أتحدث مع الرجال إلا للضرورة القصوى، فأنا أخشى الله عز وجل وأتقيه. لكنني اليوم أكلمك شفقةً على حالك لا غير... بالأمس لم أستطع الرد عليك لأننا كنا بمفردنا، وهذا لا يجوز في ديننا الحنيف. أما الآن، فيمكنني ذلك بوجود صديقاتي وبعض الناس حولنا".

قال رفيق بامتنان:

"لقد أحسنتِ صنعًا... أشكرك من أعماق قلبي".

فردت  بتواضع:

"لا تشكرني، بل اشكر الله عز وجل، فهو وحده المستحق للشكر والثناء".

أومأ رفيق برأسه وقال:

"صدقتِ... الحمد لله على كل حال".

واصلت  نصحها الحكيم قائلة:

"عليك أن تلجأ إلى الله سبحانه وتعالى طالبًا العون والهداية، وأن تتأمل أخطاءك الماضية وتسعى جاهدًا لتصحيحها وتقويمها. فالله يريد منك أن تتوب وتستغفره وتنيب إليه".

تساءل رفيق بحيرة:

"أتعنين أن الله يدعوني للتوبة، ولذلك أشعر بهذا الانزعاج من تصرفاتي وتأنيب الضمير المستمر؟ وتلك الأحلام الغريبة تراودني؟ لكن ذنوبي كثيرة لا تُحصى، ولا أظن أنها تُغفر أبدًا، فمصيري محتوم في الجحيم".

ردت  بحكمة:

"لست أدري ماهية أخطائك، لكنني أعلم يقينًا أننا جميعًا نخطئ ونزل. المهم أن نتوب ونتقرب من الله عز وجل بصدق وإخلاص. فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، والله يحب التوابين ويفرح بتوبة عبده. لا تيأس مهما عظمت أوزارك، ولا تقنط مهما كثرت خطاياك. فما جُعلت التوبة إلا للخطائين، وما أُرسل الأنبياء إلا لهداية الضالين، وما أُتيحت المغفرة إلا للمذنبين. وما سمّى الله نفسه الغفار التواب العفو الكريم إلا لأنك تخطئ فيصفح عنك برحمته".

الصباح المشرق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن