"سيموت في عينيك أشخاص أحياء .. وستندم على أشخاص أموات .. ستتبدل مقامات الناس في قلبك .. وستُدرك أن العبرة ليست بالكثرة .. وأن خلاصة البشر الأوفياء .. تكمن في البقاء بجوارك أينما كنت وكيفما كنت ..فلا تهب أحداً خيرك كُله .. ولا تُسرف في مشاعرك في آنٍ واحد دُفعةً واحدة."
꧁꧂
عادت زهرة من رحاب الجامعة، وسارعت لأداء صلاة المغرب والنافلة بخشوع وتضرع. ظلت تبتهل إلى الله بحرارة، داعية له أن يهدي ليلى ويعيدها إلى جادة الصواب.
***
في الوقت ذاته، كانت الهلوسات والأحلام المتكررة تطارد رفيق دون هوادة.
"لماذا لم يتحسن حالي بعد؟"،
كلمات انطلقت من أعماقه وهو يجول في أرجاء شقته كالمجنون، يضع يده على رأسه ويصرخ في يأس.
لم يجد من يواسيه أو يقف بجانبه، وظل بكاؤه يتواصل كل ليلة بلا انقطاع.
وفي كل مرة، يحلم بتلك الفتاة المحجبة التي عجز عن رؤية وجهها رغم محاولاته المتكررة.
وفي لحظة تنوير، قرر رفيق أن يخطو إلى المسجد لأول مرة بعد غياب طويل.
رغب في لقاء الإمام وإخباره عن منامه المتكرر، عسى أن يجد عنده التفسير الذي يبحث عنه.
وصل رفيق ليجد الإمام يلقي خطبة ونصائح على مسامع مجموعة من الأطفال الصغار.
جلس في المؤخرة منتظرًا حتى ينتهي ليتحدث معه.
كان الإمام يقول بحماس:
"تخيلوا لو قام هؤلاء الأعزاء بالبحث عن الفقراء والمساكين، وزيارتهم في منازلهم للتخفيف عنهم بالكلام الطيب والعطاء والابتسامة الصادقة، والدعاء لهم واستماع أدعيتهم النابعة من أعماق قلوبهم... ستكون لهذه الخطوة آثار عظيمة، فهي تلامس هموم تلك الفئة مباشرة وتتفقد أحوالهم، فضلًا عن الأجر الجزيل والمتعة والسعادة التي يشعر بها فاعل الخير... فلا تحرموا أنفسكم من هذه النعم".
حين انتهى الإمام وغادر الأطفال، اقترب منه رفيق وجلس بجواره. بادره الإمام بتحية الإسلام، فرد عليه رفيق وقال:
"جئتك اليوم بحلم أرجو أن تفسره لي، فقد أخبرني أحدهم أنك أفضل مفسر للأحلام هنا".
أنصت الإمام باهتمام وهو يسرد حلمه، يومئ برأسه كلما توقف رفيق ليلتقط أنفاسه. وحين انتهى، رد عليه الإمام بهدوء:
"يا بني، هذا الحلم خير بإذن الله".
فسأله رفيق باستغراب:
"وما تفسيره إذن؟ فهو يتكرر في كل مرة وقد أزعجني كثيرًا".
أجابه الإمام:
"يا بني، سيفسر هذا الحلم نفسه مع الأيام. لا يمكنني تفسيره الآن، بل أنت وحدك من سيصل لمغزاه، والله أعلم".
ثار رفيق غاضبًا:
"ماذا؟ ألن تفسره إذن؟ جئت من مسافة بعيدة وانتظرت ساعات حتى تنهي خطبتك، ثم تقول لي هذا! يبدو أنني كنت أحمق عندما أتيت إلى هنا، وستكون هذه آخر مرة أطأ فيها هذا المكان".
غادر رفيق المسجد وهو يغلي غضبًا، بينما ظل الإمام ينظر إليه مبتسمًا، ثم قال الإمام بثقة:
"ستُفرج بإذن الرحمن".
♡♡♡
في رحاب الجامعة، التقت ليلى بعمر وسألته بلهفة:
"هل أنت جاهز؟".
تردد عمر للحظة:
"جاهز... لكن ماذا لو انكشف أمري؟".
طمأنته ليلى:
"لن ينكشف شيء، أنا أراقب الوضع. هيا اذهب الآن وهي بمفردها، انطلق بسرعة!".
أومأ عمر برأسه:
"حسنًا".
توجه عمر إلى المكان الذي تدرس فيه زهرة عادةً بمفردها، وجلس في الكرسي الذي تفضله.
لكن زهرة أدركت أنه نفس الشخص الذي قتل قطتها، فنهضت لتغادر على الفور.
ناداها عمر بلهفة:
"يا آنسة، أنا آسف بشأن قطتك. أتمنى أن تسامحيني، لم أكن أعلم أنها تخصك. لو علمت أنها لصاحبة طيبة وخلوقة مثلك لما فعلت ذلك أبدًا. أرجوكِ سامحيني".
التفتت زهرة للجهة الأخرى، وأجابت دون أن تنظر إليه، والمسافة تفصل بينهما:
"حتى لو لم تكن قطتي، لم يكن ينبغي لك قتلها. ما ذنب ذلك المخلوق الصغير البريء حتى يلقى حتفه بأبشع طريقة؟".
تابع عمر باعتذار صادق:
"أنا آسف... آسف بشدة، وأعتذر أيضًا نيابةً عن ليلى. لقد أخطأنا في حقك ونتمنى أن تسامحينا".
ردت بصوت هادئ:
"لقد سامحتك... فمن أكون أنا حتى لا أقبل اعتذار الآخرين؟ ملك الملوك الله جلّ جلاله يقبل توبة الجميع، لذا اطلب العفو من الله أولًا، وليس مني".
وغادرت زهرة المكان مسرعةً، تاركةً عمر وراءها.
حالما لاحظت ليلى رحيل زهرة ، هرعت إلى عمر وسألته بفضول:
"كيف سارت الأمور؟ لقد رأيتها تتحدث معك، ماذا قالت؟".
أجابها عمر:
"المهم أنها قبلت اعتذاري. هل أنجزتِ المهمة؟".
ابتسمت ليلى بخبث:
"نعم... هاهاها، ستدفع الثمن غاليًا".
♡ تذكير: أستغفر الله العظيم واتوب إليه ♡
أنت تقرأ
الصباح المشرق
Short Story"هل تبحثون عن رواية تأخذكم في رحلة من الظلام إلى النور؟ تتحدث الرواية عن شاب عاصٍ لله، يعيش حياة بلا معنى ولا فائدة. كل شيء يتغير عندما يواجه حلماً غامضاً يغير مسار حياته بالكامل. "الصباح المشرق" ليست مجرد رواية ، إنها رحلة مليئة بالتحديات والاكتشا...