4 / أَمْـرٌ غَـرِيـبْ ❓ :

255 31 6
                                    

~كانت نهايتنا مُمُزقة ومَجروحه
‏وكأننا قطّعنا جميع خيوط الوصال بعدها~








꧁꧂







بينما كان رفيق غارقًا في بحر الذكريات المؤلمة، والدموع تنساب على خديه بغزارة، تذكر نصائح أمه المخلصة وتوسلاتها له أن يترك طريق الضلال ويعود إلى جادة الصواب.

استحضر في ذهنه صورة وجهها الشاحب وهي تبكي بحرقة عليه كلما رفع صوته بوجهها متمردًا على توجيهاتها.

ثم ارتسمت أمامه ملامح أخته الكبرى إكرام، وهي تبتسم له بحنان قائلة:

"أخي الحبيب، أطع الله ووالديك، فهذه الدنيا فانية لا تدوم لأحد. لا تدع إبليس يغويك ويدمر مستقبلك"، فشعر بالخزي يعتصر قلبه لتذكر عصيانه لنصحها الصادق.

وكالبرق الخاطف، مرت به ذكرى موت والده العزيز، وكيف ظل يبكي بمرارة على فراقه، يندب حظه ويلوم نفسه على تقصيره في حقه. ثم تذكر لحظة هروبه المشؤوم من بيت أسرته، تاركًا إياهم يغرقون في بحر من الحزن والأسى بسبب تمرده وطيشه.

وبينما كان رفيق شاردًا في عالم الذكريات الأليمة، أنهت زهرة تلاوتها المؤثرة، فرفعت بصرها فإذا بها ترى الجميع من حولها يذرفون الدموع بتأثر وخشوع،

فقالت صديقاتها والأستاذة في صوت واحد:

"بارك الله فيكِ يا زهرة"، ثم انصرفن من المكان وهن يحمدن الله على نعمة الإيمان.

أفاق رفيق من سرحانه فجأة، ومسح دموعه الحارة بكفه في دهشة، وهو يتساءل في نفسه:

"كيف لقلب متحجر مثلي أن ينفطر بالبكاء بهذا الشكل؟".

التفت حوله يبحث عن مصدر ذلك الصوت الملائكي الذي هز كيانه، لكنه لم يجد أحدًا، فأخذ يحدث نفسه بصوت مرتبك:

"ما الذي حدث لي للتو؟ أنا أذرف الدموع؟ كيف لي أن أبكي وقد عاهدت نفسي على طمس كل تلك الذكريات المؤلمة؟ لابد أن السبب يكمن في تلك التلاوة الساحرة التي لم تمر على مسامعي مثلها من قبل، يا لها من مفارقة عجيبة!".

وفي تلك الأثناء، كانت ليلى تبحث عن رفيق في أرجاء الجامعة، حتى وجدته أخيرًا جالسًا شاردًا تحت الشجرة.

فأسرعت نحوه بخطوات متبخترة، وقد لفتت الأنظار إليها بكعب حذائها العالي وثيابها الضيقة الفاضحة، وشعرها الأسود الطويل الناعم الذي تلتمسه بتكبر، فيما كانت تبتسم ابتسامة ماكرة لا تفارق شفتيها المطليتين بأحمر صارخ، وتعبق من حولها رائحة عطرها النفاذ.

اقتربت ليلى من رفيق وهي تقول بدلال مصطنع:

" أوه يا إلهي، رفيق  ها أنت ذا! أخيرًا وجدتك بعد طول بحث. صباح الخير يا عسل! لكن ما بالك؟ لِمَ عيناك محمرتان هكذا، هل كنت تبكي يا قطتي؟".

نظر إليها رفيق بسخرية وهو يمسح بقايا الدموع عن عينيه، ثم أجابها ببرود:

"أنا أبكي؟ هراء، كيف لي أن أبكي دون سبب! لا تهذي يا فتاة، إنه مجرد غبار دخل في عيني لا أكثر. ياسمين"

ردت ليلى بحنق:

"رفيق، أنا ليلى! لما تناديني دومًا بأسماء فتيات أخريات؟ من هن هؤلاء البنات اللواتي تذكرهن باستمرار؟ هيا أخبرني ولا تتهرب!".

تنهد رفيق بضيق وهو يقول:

"اسمعي يا ليلى، أنا لست في مزاج للنقاش معك الآن. سأعود الى منزلي، فأرجو ألا تضايقيني أكثر".

صاحت ليلى بدهشة:

"ماذا؟ ستعود لمنزلك؟ لكنني لم ألتقِ بك إلا للتو! انتظر سأذهب معك إذن".

قاطعها رفيق بحدة:

"لا داعي لذلك، أفضّل الذهاب بمفردي هذه المرة".

احتدم غضب ليلى وهي ترد:

"أه يا ذكي، لابد أن هناك من تنتظرك هناك، أليس كذلك؟ من تكون يا ترى؟ ياسمين أم سلوى؟ هيا اعترف!".

نهض رفيق من مكانه بتوتر شديد وهو يقول:

"سلوى؟ رجاءً توقفي عن هذا الهراء، أنا ذاهب الآن ولن أطيل".

ثم غادر المكان مسرعًا كأنما تطارده الشياطين، تاركًا ليلى تصيح خلفه بحنق:

"ماذا؟ سلوى أيضًا؟ لا أصدق كم عدد الفتيات في حياتك أيها الوغد! انتظر يا رفيق، إلى أين تذهب؟ عد إلى هنا حالًا أيها الأحمق!".

وهكذا انطلق رفيق هاربًا من ماضيه المظلم.
















♡تذكير: قراءة سورة الملك قبل النوم جزاكم الله خيرا ♡

الصباح المشرق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن