مرّت خمس سنوات، و بلغ كيوني الخامسة والعشرين من العمر، وطوال هذا الوقت كان يعمل مع صديقه زيستو دون كللٍ أو ملل.
لكن خلال الأشهر الماضية، شعرَ كيوني بالضجر من طريقة عيشه، وبدأ يفكّر في ضرورة مغادرة القرية، و الاستقرار في مدينة "نافورا" ، التي تبعد بضعة أميال عن قريته.
لكن في الوقت نفسه انتابه الحزن من فكرة ابتعاده عن رفيقه زيستو، خاصة بعد كل تلك السنوات التي قضوها معًا في السرّاء و الضرّاء.
و في إحدى اللّيالي ، بعد أن فرغ الشابان من عملِهما، قرّر كيوني الكشف عن الحقيقة وإخبار زيستو برغبته في مغادرة القرية.
في البداية ، فكّر كيوني في دعوته لتناول العشاء معه، ولكن دعوته قُوبلت بالرفض، و كانت حجّة زيستو أنه يرغب تناول العشاء مع أسرته كالمعتاد.ودّع زيستو صديقه ، و بينما كان في طريقه نحو المنزل، أوقفه كيوني قائلا:
"مهلاً زيستو ، يجب أن نتحدّث بخصوص مسألة مهمّة".توقف زيستو مستغرباً و قال:
"ألا نستطيع تأجيل المحادثة إلى الغد؟"قال كيوني:
"ذلك غير ممكن، لذلك قلتُ أن المسألة مهمّة، أريد التحدث الآن".ثم سأله زيستو:
"حسنًا اذن، ما الأمر؟"أجابه كيوني:
"وضّبت أغراضي، سأغادر القرية غدًا".تغيّرت ملامح وجه زيستو وبدا مندهشًا، ثم قال:
"حقا؟! أهذه مزحة من نوع ما؟"أجابه كيوني قائلاً:
"أنت تعرف أنني شخص يكره المزاح. لقد سئمتُ العيش في هذه القرية البائسة، لقد عانيتُ هنا ولديّ العديد من الذكريات السيئة في هذا المكان، أريد فقط المغادرة وبدء حياة جديدة في مدينة نافورا".ثم استطرد قائلاً:
"أنتَ ستأتي معي، أليس كذلك؟"
ردّ عليه زيستو:
"ما مشكلتك يا كيوني؟! أنت تعلم أنني أملك عائلة تعتمد عليّ، لا يمكنني قطع جذوري هكذا من دون سبب وجيه".حاول كيوني اقناعه قائلاً:
"مدينة نافورا ليست ببعيدة من هنا ، يمكنك زيارة عائلتك مرة واحدة على الأقل في الأسبوع. تعالَ معي يا رجل ، أعِد أنّك لن تندم ، سنجد وظيفة تُمكّننا من كسب ضِعف ما نكسبه في هذه القرية".قال زيستو:
"أنا آسف، لا يمكنني خوض هذه المغامرة معك، و أنا أعلم أنك ستندم على ذلك، و ستعود أدراجك إلى هنا".ثم قال كيوني:
"حسنًا، لقد توقعتُ هذا، لستَ مجبرًا على القدوم معي، و أنا أدري أن ظروفك تمنعك من القيام بذلك".إنه الوداع. بعد ثمانِ سنوات قضاها الاثنان معًا، قرر كيوني المغادرة فجأة دون سابق انذار.
كانت النظرة على وجه كيوني حزينة للغاية لكنّه عجز عن البكاء ، فهو لم يبكِ منذ وفاة جدّه قبل عشر سنوات.كان كيوني يأمل في إقناع زيستو بالمغادرة معه ، لكنه في نفس الوقت لم يرِد إجباره على ذلك.
كانت الدموع تنهمر من عيني زيستو. ثم قال:
"أنا آسف كيوني، لقد خذلتُك، أنا جبان، أليس كذلك؟"ردّ عليه كيوني قائلاً:
"لا ، لستَ كذلك بتاتًا، لقد اخترتَ الخيار الأنسب. أنت تقوم بعمل بطولي، مساعدة عائلتك الفقيرة أهم من أي شيء آخر. أنت لم تخذلني بل جعلتني فخوراً بك أكثر من قبل".بعدها جلس كيوني بجانب زيستو وعانقه، و قال مازحًا:
"امسح دموعك يا رجل، أنت في الخامسة عشر الآن".ابتسم زيستو وقال:
"سوف نلتقي مرة أخرى، أليس كذلك؟"أجابه كيوني:
"بالطبع سنفعل".