الفصل 27: ثمن الجثث

72 6 2
                                    

أفلح كيوني و جاك في الوصول إلى مدينة نافورا قبل فوات الأوان، و اتّجها مباشرة نحو قصر شاندو، و بمجرّد أن رأى وضع زيستو المحرِج، استدعى طبيبه الخاص و الذي يُعتبر أمهر طبيبٍ في المدينة، لكنّه فُوجئ من حالة زيستو، و أكّد أنّ سُمّاً فتّاكًا يسري في عروقِه، و امكانية نجاته ضئيلة جدًا، كما أن العلاج سيتطلّب وقتًا طويلاً.

شعر الجميع بالاحباط و اليأس، لأن تضحيات أولئك الشباب الذين قُتلوا قد تضيع هباءًا. و بينما كان زيستو يصارع من أجل البقاء، ظلّ كيوني غارقًا في بحرٍ من الأفكار، كان يبحث عن الكلمات التي سيتوجّب عليه قولها عندما يلتقي عائلات الذين ماتوا من أهل قريته، و بينما كان منهمكًا في تفكيره اقترب منه شاندو و قال:
"كيف وجدتُموه؟ و أين هم باقي الرّجال؟"

لم يتفوّه كيوني بكلمة، و هزّ رأسه بدلاً من ذلك.
و كان ذلك كافيًا ليفهم شاندو ما جرى.
ثم استطرد قائلاً:
"حسنا، سيترتّب علينا جلب جثامينهم و اطلاع عائلاتهم بالأمر".

أرسل شاندو العديد من أتباعه للقيام بالأمر، و بعد عودتهم استدعى عائلات الضحايا لاستلام جثث أبنائهم الذي سقطوا في ساحة المعركة.
تجمّعت العائلات في باحة القصر، رجال و نساء و أطفال و شيوخ، و خرج شاندو ليبلّغهم بالمأساة، أما كيوني فتوارى عن الأنظار، و حبس على نفسه في الغرفة.

و فجأة، تحوّل القصر إلى مسرحٍ للحزن و البكاء و النحيب و الصراخ، اذ لم يكُن تلقّي هذا النّبأ المفزع يسيرًا على أهل القرية الذين لم يفطنوا من صدمة احتراق قريتهم بعد، و دفعت بهم الحسرة إلى تحميل كيوني مسؤولية فقدانهم لفلذات أكبادهم، و هذا أمر توقّعه كيوني، لأنّ الذين أُزهقت أرواحهم كانوا تحت قيادتِه.

عجز كيوني عن الخروج من عزلته و ملاقاة أهل قريتِه الذين لطالما اعتبر حمايتهم أولويّة قصوى.
لكنّه اليوم لا يملك الجُرأة الكافية للنّظر في وُجوههم، لأنّه أصبح بالنسبة لهم السّفاح الذي حصد أرواح أبنائهم.

استلمت العائلات جثامين أبنائهم و لم يغادروا قصر شاندو فقط بل رحلوا عن مدينة نافورا التي اعتبروها مشؤومة، و رجعوا إلى أطلال قريتهم و عزموا التشمير عن ساعد الجِدّ و اعادة تشييدها.

انفطر قلبُ كيوني حُزنًا، لكنّه شخصٌ بارد المشاعر و ليس من النوع الذي ينغمس في الهمّ حتى يفقد عقله، و كان خبر تحسّن حالة زيستو كافيًا لاخراجه من دوّامة الكآبة، و اجتمع كيوني و جاك و شاندو عند زيستو ليطمئنّوا على حالتِه.

و في خضم الفرح همس أحد الرّجال في أُذن شاندو و غادرا الغرفة، و في الرّواق كان ينتظره ثلاث أشخاصٍ، و هُم الأخوان ويليس و فيليكس، و الرّجل العجوز.

التقت عينا الرجل العجوز و شاندو، و فجأةً تغيّرت ملامح وجه شاندو و سرَت القشعريرة في جسده و قال:
"أكاد لا أصدّق ما تراه عينايْ، أهذا أنت حقًا يا زارتو؟!"

الثلج الباردحيث تعيش القصص. اكتشف الآن