أفلح كيوني و جاك في الوصول إلى مدينة نافورا قبل فوات الأوان، و اتّجها مباشرة نحو قصر شاندو، و بمجرّد أن رأى وضع زيستو المحرِج، استدعى طبيبه الخاص و الذي يُعتبر أمهر طبيبٍ في المدينة، لكنّه فُوجئ من حالة زيستو، و أكّد أنّ سُمّاً فتّاكًا يسري في عروقِه، و امكانية نجاته ضئيلة جدًا، كما أن العلاج سيتطلّب وقتًا طويلاً.
شعر الجميع بالاحباط و اليأس، لأن تضحيات أولئك الشباب الذين قُتلوا قد تضيع هباءًا. و بينما كان زيستو يصارع من أجل البقاء، ظلّ كيوني غارقًا في بحرٍ من الأفكار، كان يبحث عن الكلمات التي سيتوجّب عليه قولها عندما يلتقي عائلات الذين ماتوا من أهل قريته، و بينما كان منهمكًا في تفكيره اقترب منه شاندو و قال:
"كيف وجدتُموه؟ و أين هم باقي الرّجال؟"لم يتفوّه كيوني بكلمة، و هزّ رأسه بدلاً من ذلك.
و كان ذلك كافيًا ليفهم شاندو ما جرى.
ثم استطرد قائلاً:
"حسنا، سيترتّب علينا جلب جثامينهم و اطلاع عائلاتهم بالأمر".أرسل شاندو العديد من أتباعه للقيام بالأمر، و بعد عودتهم استدعى عائلات الضحايا لاستلام جثث أبنائهم الذي سقطوا في ساحة المعركة.
تجمّعت العائلات في باحة القصر، رجال و نساء و أطفال و شيوخ، و خرج شاندو ليبلّغهم بالمأساة، أما كيوني فتوارى عن الأنظار، و حبس على نفسه في الغرفة.و فجأة، تحوّل القصر إلى مسرحٍ للحزن و البكاء و النحيب و الصراخ، اذ لم يكُن تلقّي هذا النّبأ المفزع يسيرًا على أهل القرية الذين لم يفطنوا من صدمة احتراق قريتهم بعد، و دفعت بهم الحسرة إلى تحميل كيوني مسؤولية فقدانهم لفلذات أكبادهم، و هذا أمر توقّعه كيوني، لأنّ الذين أُزهقت أرواحهم كانوا تحت قيادتِه.
عجز كيوني عن الخروج من عزلته و ملاقاة أهل قريتِه الذين لطالما اعتبر حمايتهم أولويّة قصوى.
لكنّه اليوم لا يملك الجُرأة الكافية للنّظر في وُجوههم، لأنّه أصبح بالنسبة لهم السّفاح الذي حصد أرواح أبنائهم.استلمت العائلات جثامين أبنائهم و لم يغادروا قصر شاندو فقط بل رحلوا عن مدينة نافورا التي اعتبروها مشؤومة، و رجعوا إلى أطلال قريتهم و عزموا التشمير عن ساعد الجِدّ و اعادة تشييدها.
انفطر قلبُ كيوني حُزنًا، لكنّه شخصٌ بارد المشاعر و ليس من النوع الذي ينغمس في الهمّ حتى يفقد عقله، و كان خبر تحسّن حالة زيستو كافيًا لاخراجه من دوّامة الكآبة، و اجتمع كيوني و جاك و شاندو عند زيستو ليطمئنّوا على حالتِه.
و في خضم الفرح همس أحد الرّجال في أُذن شاندو و غادرا الغرفة، و في الرّواق كان ينتظره ثلاث أشخاصٍ، و هُم الأخوان ويليس و فيليكس، و الرّجل العجوز.
التقت عينا الرجل العجوز و شاندو، و فجأةً تغيّرت ملامح وجه شاندو و سرَت القشعريرة في جسده و قال:
"أكاد لا أصدّق ما تراه عينايْ، أهذا أنت حقًا يا زارتو؟!"