كان كيوني يشقّ طريقه و النيران تحاصره من كلّ جهة، وكان من الصعب عليه تبيّن الطريق بسبب الدخان الكثيف. كان يتفقّد المنازل التي لم تحترق بالكامل، ويبحث عن ناجين من تلك الكارثة.
أخيرًا وصل إلى منزله، الذي لم تصله ألسنة النيران بعد. دخل كيوني وأخرج بعضًا من أغراضه وظلّ يقظًا في حالة وصول الحريق إلى عتبة الباب.
أثناء مروره بالقرية ، لم يلتقِ كيوني بأيّ شخص ، وفي مثل هذه الحالات ، من الواضح أن حالةً من الذّعر ستصيب الناس ، ولذا اعتقد كيوني أن كلّ من في القرية قد لقوا حتفهم.
مع مرور الوقت ، أدرك كيوني أن الحريق بدأ ينطفئ تدريجياً، و بعدها بقليل رأى مجموعة من الأشخاص يقتربون منه ، وبدوا له مألوفوين، إنّهم رجال من القرية.
ذُهل كيوني ، لكن قلبه اطمأنّ عندما علِم من أحد هؤلاء الرجال أن الجميع بخير وأن الخسائر ماديةٌ فقط. و بعد جهودٍ كبيرة تمكن رجال القرية من إخماد النيران ، وكان الجميع ممتنًا لأنهم لم يفقدوا أحدًا.
إلا أنّ الخسائر المادية كانت فادحة ، حيث احترقت بعض المنازل بالكامل ، فيما لم يعد العيش في بعض المنازل آمناً.وبينما كان شيوخ القرية يحاولون إيجاد مخرج من مأزقهم هذا، ارتفعت الصّيحات واعتقد الجميع أن حريقًا آخر قد اندلع، لكن سرعان ما اتّضح أن بعض الرجال المسلّحين قد وصلوا إلى القرية.
سار الرّجال الغرباء إلى الأمام على خيولهم، محاطين بالقرويّين المذهولين.
لم يتعرّف عليهم أحد وكان الجميع قلقين ، ثم سأل أحد شيوخ القرية أحد المسلّحين قائلًا:
"من أنتم؟ وهل أنتم من أضرَم هذه النيران؟"وقبل أن يجيب المسلحون ، صاح كيوني:
"أنتم رجال شاندو، أليس كذلك؟"نزل الرجال عن خيولهم، فقال أحدهم:
"نعم ، ونحن هنا للمساعدة".ودوى الحشد رافضًا المساعدة من الغرباء ، واتّهمهم البعض بإشعال النار. حاول رجال شاندو اقناع القرويّين بأنهم ليسوا وراء الحرائق التي التهمت القرية، لكن غضب القرويّين زاد تأجّجًا.
لم يرغب رجال شاندو في استخدام القوة، ولم يستطِع شيوخ القرية ايقاف موجة غضب الناس، وكان الوضع يزداد سوءًا.
مشى كيوني وقفز على ظهر حصانٍ وصرخ بصوت عالٍ قائلاً:
"هذا يكفي!".هدأ الشعب الغاضب وساد الصمتُ لوهلة، وكأنّ الملك نفسه نزل لتهدئة شعبه، لكنه لم يكن سوى قرويٍّ بسيط اسمه كيوني.
لم يعتقد كيوني أن صرخته تلك ستفي بالغرض وتخمِد غضب الناس. ثم تابع كيوني كلامه:
"أعرف هؤلاء الرّجال، لن أقول أنهم ليسوا حثالة ، لكنهم لن يفعلوا مثل هذا العمل المخزيّ. قالوا إنهم أتوا للمساعدة، لذلك دعونا على الأقل نسمع اقتراحهم".تضايق رجال شاندو من كلام كيوني و شعروا بالاحراج من اهانة كيوني لهم ، فقال أحدهم بغضب:
"لم نكن لنأتيَ إلى قريةٍ بائسة كهذه لولا أوامر سيّدنا. بعد أن علم ما طرأ لقريتكم قرّر دعمكم و هو يرحّب بكم في مدينتنا، اتبعُونا ان أردتم. لا أعرف لماذا يريد السيّد شاندو مساعدة أشخاصٍ مثلكم، حتى لو كنّا ضدّ هذه الفكرة لكنّنا لن نخالف أوامره".
غضب القرويون من هذه الكلمات واعتبروها مسيئة لسمعتهم، لكن غضبهم زاد عندما أسقط أحد رجال شاندو كيوني من على ظهر الحصان. لكن كيوني نهض بسرعة و منع رجال قريته من الاحتدام مع رجال شاندو.
وهكذا وافق القرويّون مغادرة قريتهم والتوجّه نحو مدينة نافورا التي أصبحت ملاذهم الوحيد. و في الطّريق، كان كيوني يبحث عن صديقه زيستو، ويسأل عنه، لكنه لم يحصل على الجواب.
كان كيوني قلقًا جدًا على صديقه الذي لم يره منذ شهر، وكان يتساءل عن مكان وجوده، أهو حيٌّ أم ميّت، ولماذا اختفى في هذا اليوم بالتّحديد؟