كانت الثلوج الكثيفة تُعيق تقدّم كيوني و رجاله، و استغرق منهم الوصول إلى مدينة فالتس عدّة ساعات، و بعد أن وصلوا أخيرًا فُوجِئ كيوني و الجميع برؤيتهم نساءًا و أطفالاً و شيوخاً يسُدّون البوابة المؤدّية إلى المدينة، و طالبهم كيوني بالتنحّي عن الطريق لكنّهم رفضوا و قالوا اِن تجاوز رجلٌ واحد البوابة فإن فالتيس سيضطرّ لقتل أبنائهم الذين احتجزهم في قصره.
استشاط كيوني غضبًا من مدى دنائة فالتيس، الذي جعل سكان مدينته دروعًا بشريّة لحمايته، و تملّكه اليأس و الاحباط، لكنّ ذلك لم يدُم طويلاً، فقد كان هناك مدخلٌ آخر يؤدي مباشرة إلى قصر فالتيس، لا يعلم بأمره سوى أفراد الأسرة الحاكمة، و بما أن ويليس و فيليكس كانا في صفّ كيوني فقد أخبراه بوجود ذلك المدخل.
دخل كيوني و معه العشرات من الرّجال و كان قصر فالتيس شبه خالٍ، فمعظم أتباعِه استسلمُوا، اذ كانت تلك فرصتهم الوحيدة للتحرّر من قبضة فالتيس.
كان كيوني و زارتو و جاك يمشُون خلف الأخوان ويليس و فيليكس و كانوا متّجهين إلى غرفة فالتيس، و عند وصولهم كان ماثيو واقفًا عند الباب و تعرّف عليه جاك و قال للبقيّة:
"دعوا هذا الخائن لي، سأتكفّل بأمره".حطّم كيوني الباب و دخل على فالتيس الذي كان جالسًا على كرسيّه الفخم و جثث رجالٍ قُطعت رؤوسهم محيطةٌ به من كلّ جهة.
شعر كيوني و البقيّة بالاشمئزاز من قُبح المنظر، ثم قام فالتيس من مكانه و استلّ سيفه من غمده وقال:
"ها نحن ذا نلتقي أخيرًا، أبنائي الخونة و صديقي العزيز زارتو و ابنه كيوني الذي سمعتُ عنه الكثير، أتظنّون أنكم أندادٌ لي؟ إنقضّوا عليّ اذن".لم يفكّر كيوني طويلاً في الأمر، و أخرج سيفه بدوره و هجم على فالتيس، كان كلاهما ماهرًا في القتال، و لكنّ عامل الخبرة لعب دوره في حسم النتيجة، و فجأة سقط كيوني أرضًا و الدماء تسيلُ من مواضع عديدة من جسمه، و لم يعُد بامكانه الحركة و وقف فالتيس أمامه و رفع سيفه لينهيَ أمره، و ظنّ كيوني أنها النهاية و لكن زارتو هجم على فالتيس و أسقطه على الأرض و فقَدَ سيفه و التقطه ويليس، أما فيليكس فذهب لمساعدة كيوني على النهوض.
استشاط فالتيس غضباً و كان يبتسم و يضحك بجنون، و اضطرّ للقتال بيدَيه العاريتَين، و كان زارتو متفوّقاً عليه في القتال بالأيدي، و قام باسقاطه و وجّه عدّة لكماتٍ على وجه فالتيس، و لم يتوقّف حتى سمع صوت تحطّم أنفه و أسنانه، ثم جلس زارتو بجانب كيوني ليطمئنّ على حالته، و لمّا ظنّ الجميع أن المعركة انتهت، أخرج فالتيس خنجرًا كان قد خبّأهُ في جيبه و تسلّل خلف زارتو و غرزَه في ظهره.
شعر كيوني بقواه تخور، و كاد يفقد وعيه من شدّة الصّدمة، و نهض و التقط سيفه، بينما قبض ويليس و فيليكس على فالتيس الذي كان واهنًا للغاية و كانت تلك فرصةً لن تعوّض لينتقم كيوني منه أخيرًا، و لما كان على وشك قطع رأسه أوقفه والده و قال له:
"لا تلطّخ يديْك بدمّ حقيرٍ مثله".تأمّل كيوني في عينا أبيه، و ألقى بسيفه، و قرر عدم عصيانه، و جلس بقربه بينما كان يلفظ أنفاسه الأخيرة، و قال زارتو:
"كنتُ آمُل أن نمضي المزيد من الوقت معًا، لكن يبدو أنني لن أحظى بذلك، لقد استمتعتُ كثيرًا بالفترة التي أمضيناها معًا".كان كيوني يذرف الدموع بشدّة و تأثر كلّ الحاضرين بذلك، ثم قال:
"لا تتحدّث كثيرًا، أنتَ لن تموت هنا".ثم قال زارتو:
"يمكنني الشعور بأنّ نهايتي قد حانَت، أريد منك أن تسامحني لكي أرحل عن هذه الحياة مرتاحًا".مسح كيوني دموعه و قال:
"لقد سامحتُك على كل شيءٍ يا أبي".
ابتسم زارتو و قال:
"شكرًا لك يا بُنيّ".و كانت تلك آخر كلمات قالها زارتو، ذلك الرّجل الذي فقد كلّ شيء و عاش حياة العبيد فقط من أجل ابعاد الخطر عن ابنه.
و هكذا انتهى حُكم فالتيس الذي تمّ اعدامه و بعضٌ من أتباعه و من بينهم الجاسوس ماثيو أمام أعين سكّان المدينة، الذين تحرّروا أخيرا من سيطرته، أما ويليس و فيليكس فلم يشعرا بذرّة ندم بعد خيانتهما لوالدهما، و أصبحا يحظَيان باحترام الجميع و تولّيا ادارة شؤون مدينة فالتس التي تحسّنت أمورها بعد اعدام الطاغية فالتيس.
أما في مدينة نافورا فقد تمّ تعيين جاك حاكمًا جديدًا نظرًا لنزاهته و انضباطه، و ذلك بعد رفض كيوني لتولّيه الحكم رغم وثوق الجميع فيه و اصرارهم على تسليمه زمام الحكم، لكن موت والده بين يديه أثر كثيرا فيه و أراد فقط البقاء وحيدا بعيدا عن الناس.
بعد مرور خمسِ سنوات، كان قد أمضاها كيوني منعزلاّ في منزل والده في الغابة، قرّر أخيرًا العودة إلى قريته التي ترعرع فيها، و كان يظنّ أن الناس سينزعجون من رؤيته، لكنه اندهش من الاستقبال الذي حظي به، و اجتمع أخيرًا بصديقه المقرّب زيستو، و عاد كيوني لحياته العاديّة و طوى صفحة الماضي و عزم على المضيّ قدمًا في حياته.