07

22 3 1
                                    


{
هَل ينجُو الإنسان ممّا
يسري داخِل عروقه
إن كان لا يستطيع
غسلها؟
}

/ / /

خرج كوتارُو مُسرِعًا، نزَل الدرجات الأماميّة للمنزل و ركض مُنهكًا، و قد اكتشف أن حرارة جسمهِ ليست كالمعتاد، متوجّهًا إلى المتاهة. كانَ الجوُّ الغائم قد بدأ يهطُل منهُ مطرٌ خفيف. هو لم يَدْرِ لماذا يلوذ بالفرار ممّا يعرف أنّهُ شبهُ مُحتّم أن يقع؛ لكنّها على الأرجح طبيعةٌ في الإنسان أن يسعى فيما يُنقذهُ حتى لو كانت نِسبةُ نجاحِهُ شبه معدومة. خلال المطاردة هذه لم يفُتْهُ التفكير في والدته، و بما أنه لم يلحظها في الصالة و لا في الفناء آنمَا يتلفّت بحثًا الآن، قد جعلهُ مُستغرِبًا و لكنه تمنّى لو أنها بمأمَن بعيدًا، فهذا أهم له من أي شيءٍ آخر في هذه اللحظة.
ما إن خطى أول خطوة إلى داخل المتاهة حتّى سمع باب المنزل يُفتح و يُغلق. كونهُ استطاع الوصول إلى هنا يعني أنها تمهّلت في مطاردته عن قصد، لتشعُر بمزيدٍ من الحماسة أو ربّما... ربّما حدث شيءٌ ما في داخل المنزل. توقّف يفكّر لثانية و لكنّهُ لم يرغب في النظر خلفهُ، قلبهُ يكاد يخترق قفصهُ، و يحاول الهدوء و التركيز إلا أن الخواطر تتقافز داخل جمجمته..
(مالّذي افعله حقًا؟)
و بالرّغم من جزعهِ قرّر المواصلة. جسمه بأكمله يرتعش ممّا يجول في باله و من برودة الجوّ مقارنةً بردائهِ العاديّ ، و هو يمشي بحذر داخل المتاهة حتّى لا ينسى نفسه و يتوه فيُحتجز كطريدة مشت برجليها إلى حتفها. عندما بلغ منتصف المسافة، توقّف حتّى يحاول الشعور بمكان تلك المرأة. لقد تولّد لديهِ حِسٌّ فائق يجعلهُ يتعرّف عليها من مسافةٍ جيّدة و هذا الأمر كان يُقلقه كذلك، فلرُبّما ما جرى بينه و بينها لم يُخزّن في ذاكرتهِ جيّدًا. ماذا لو أنها... لو أنها أعطتهُ من دمها! حينها سيبدو الأمر أكثر منطقيّة وفي نفس الوقت هو كارثة حقيقيّة، فذلك يعني انه لم يعُد بشرًا نقيًّا و لا طبيعيًّا!
عرَف أنها وصلت لمدخل المتاهة، و سمع صوتها يُنادي:
"ما هذه اللعبة الطفولية؟ انتَ تُدرك أنّك لستَ بناجٍ من هذا."
تابع مشيهُ هادئًا حتى لا يفضحهُ قلبهُ بسرعة نبضه التي بالتّأكيد لا تخفى على اسماع و أحاسيس تلك المرأة. خرجَ من المتاهة و توجّهَ ماشيًا مُتثاقلًا إلى الأشجار الضخمة الطويلة المُجانبة لسور المنزل الخارجيّ. أراد الإختباء هناك بعيدًا، ربّما يكون ذلك المكان الذي احبَّهُ كثيرًا فيما مضى، مرتعهُ الأخير. أمّا هي فلجهلها بالمتاهة مشت متردّدة، تدور حول نفسها، ثمَّ بعد أن ملَّتْ من الأمر سخرت من ذاتها داخليًّا و قفزت بسرعةٍ شديدة إلى أعلى المتاهة. لم يكن يفترض بالشّجيرات المُشذّبة هذه التي صُنعت منها المتاهة أن تحمل وزن جسم إنسانٍ بأريحيّة دونَ أن تُزعجهُ بانعدام التوازن. لكن مصّاصي الدّماء حالهم مختلفٌ حتمًا في شأن الوزن و الخفّة. لقد مَشتْ اعلى المتاهة بسرعة حتى هبطت عند نهايتها، و نظرت مُباشرةً إلى حيث يختبئ كُوتآرُو خلف إحدى جذوع الأشجار.
"كم هو أحمق." تمتمت لنفسها ثمَّ أخذت تتمشى بغنجها مُستأنسةً بفكرة المغامرة التي تخوضها لأول مرّة. كانَ حارس البوّابة قد غادر غرفته حاملًا البندقيّة في يديهِ كلتيهما و في طريقهِ إلى المنزل لاحظَ تلك المرأة التي تمشي متجهةً نحوَ الأشجار الجانبيّة. فأسرع في خطواتهِ لأنه عرف انها السبب في إيذاء زوجتهِ ماريّآ و أنها تطارد السيّد الصغير. بل ظنّ خلال مشيه أنها السبب في كل ما حدث خلال الأيّام الماضية من الأذى لـ كُوتآرُو. عندما أصبح أقربَ منها و قادرًا على التّصويب إليها أطلقَ طلقةً تحذيريّة مرّت قريبًا منها فأوقفتها عن المشي إلى وجهتها و استدارتْ نحوَه. سمع كُوتآرُو تلك الطلقة فحاول تبيّن الأمر. أطلق الحارس طلقةً أخرى مرّت بجانب عُنق المرأة مُطيّرةً شعرها في الهواء. لقد بدأت تنزعجُ منه!
مشتْ أسرعَ نحوَ الحارس في حين استمر هو بالإطلاق، لم يكن يُجيد التصويب كما أنّ رؤيتهُ شبه مشوّشة بسبب المطر الخفيف و ارتعاشة يديهِ عن عُمره الكبير. خلال ثوانٍ كانت المرأة واقفةً أمامه، تنظر لهُ بغضب.
"يا لك من مُزعج!"
كُوتآرُو الذي لاحظ حركتها السريعة خرجَ من مخبأه و صرخ: "لا!"
في غمضةٍ أغرزت أظافرها الطويلة في بطن الحارس و أخرجتها تاركةً إيّاه يتهاوى على الأرض و الدّم يتدفق منهُ ملوّنًا العشب الصغير أسفلهُ.
امتقع وجه كُوتآرُو، لقد أبصرَ بعينيهِ للتَّو و اللحظة شخصًا يعرفهُ يُبقر بطنهُ دون أدنى سببٍ إلا محاولة حمايته! تراجع وراءه مرتطمًا بجذع الشجرة و عيناه المصدومتان لا تفارقان جسد الحارس. في حين عادت المرأة للمشي نحوَه متمتمةً "يبدو أن هذا المنزل مليء بالحمقى و المغفّلين و السُّذّج." و ضحكتْ ضحكةً عالية كأنها أدركت فجأةً استفرادهَا بكوُتآرُو أعزلًا الآن. تجمّد مكانهُ و وثبتْ هيَ إليهِ في ثانية حتّى بات وجهها الباسم قريبًا من وجهه.
"انتهت اللعبة."
قالت ذلك و لأنَّهُ كانَ في حالة ذهول من التفكير أنَّ الحارس و ربّما زوجته أيضًا، قد ماتا للتّو بسبب رغبته في المقاومة، لم يتحرّك البتّة لمَّا غرزت أنيابها في جانب عنقه..
و بعد لحظة كانَ الدّوار و تغبُّش الرّؤية يكادان يُعميانه، لكنّه قال لها بصوتٍ مختنق:
"أكرهك... يجب أن."
توقّفت عن فعلها و ابتعدت عنه قليلًا: "مالّذي كنت تدغدغني به؟"
كانَ كوتآرُو قد أخرجَ خِنجرًا علّقهُ سلفًا في حزام خصرِه عند ظهره مخفيًّا إيّاه أسفل القميص الذي يرتديه من غمدهِ، و أخذ يطعنها به منذ بدأت امتصاص دمه. كأنّها لم تشعُر به إطلاقًا، أو ربّما كانت محض دغدغة لها كما وصفتها. ما فعله الآن هو آخر محاولةٍ له للمقاومة. سحبتْ يدهُ التي تُمسك الخنجر المغروز في جسمها و ضربتها إلى جذع الشجرة بقسوةٍ حتّى صرخ كُوتآرُو متأوّهًا و حَسِب أنّها كسرتْ معصمه. و مع ذلك عادت نظراتُه لتكون ثابتةً تخترقُ عينيها: "يجب أن تموتي."
ابتسامةُ غبطةٍ شقّت شفاهها للحظة و ما لبثت أن تحوّلت إلى عبوسٍ و وجهٍ مرعوب!
"مالّلذي فعلتهُ تبًا لك!؟"
عيناها جحظت و اخذت تتلوّى. في تلك الأثناء دخلت سيّارة العائلة و رأت السيّدة كآيو مكان كُوتآرُو و المرأة فطلبت من السائق التوقف حالًا لتنزِل عن المركبة و تركض باتّجاهه، و ايضًا ترجّل السائق من بعدها. سقطت المرأة أرضًا و تحوّلت إلى رمادٍ تطاير بعضهُ مع نسيم هواءٍ عابر، في حين أن المطر الخفيف كان قد توقّف عن الهطول.
لمَّا وصلت السيّدة كآيُو إلى مكان كُوتآرُو، كان شبه ممدّد على العشب و جرحهُ ينزِف ببطء.
"كُوتآرو!"
"جيّد أنَّكِ لم تكوني هنا، أمي."
عانقتهُ و رفعتهُ من مكانهِ إلى صدرها.
"خِفتُ أن تُؤذيكِ." همَس لها.
"لم تكُن لتتركها تفعل ذلك." تمتمت السيّدة كآيو بينما عينا كُوتآرُو تنطفِئ. نظرت السيّدة كآيو بألمٍ نحوَ ما تبقّى من كومة الرماد بجانبهما، و كذلك إلى جسد الحارس المُلقى بعيدًا، كان السائق يقترب منهما و هو يتحدّث في الهاتف. ثمَّ انتبهت السيّدة كآيو إلى أنها يجب أن تحاول ايقاف النزيف، فمدّدت كُوتآرُو في حِجرها و نزعتْ شالًا كانت ترتديه من عنقها و ربطتهُ مكان الجرح مع الضغط عليه بيدها.
"اتّصلت بالسيّد آدم. سيأتي بأسرع ما يمكنه.. رغم كل العقبات الحاليّة في المدينة." زفرَ السائق: "يبدو أنّ الكثير حدث هنا في غيابنا. آمل أن ينجو السيّد الصغير."
"سيفعل،" قالت ذلك و هي تعانقهُ بشدّة.
(فهوَ قويّ.)

- - -

كانَت كِيري جالسةً في غرفتها و بجانبها الرّاديو تستمع بقلقٍ للبث الذي يتحدّث عمّا يجري في المدينة. ثمَّ نهضت من كرسيّها الوثير و اقتربت من نافذةٍ عريضة تتوسّط غرفتها و أخذت تُحدِّق في شرُودٍ باتّجاه منزل عائلة إيشيدا. الأشجار العالية التي تُجانب أسوار منزل كِيري، و التي تُحيط بالمنزل كاملًا، تمنعها من رؤية ما خلفها و أسفلها كذلك. بعكس الأشجار التي في منزل كُوتآرو فهي لا تُحيط بكامل الفناء، و إنّما تكون في النصف الأماميّ منه فقط و تسمح له برُؤية من يمشي في الخارج.
سمعتْ طرقًا على الباب. كانَ ذلك كِين، دخلَ بعدما أذِنت له.
"والدينا قلقان علينا. قبل قليلٍ تحدّثتُ معهما."
التفتت نحوَهُ :"ألا يستحسن لو يعودا؟"
"لقد تمّ تعطيل الرحلات في المدينة المجاورة بسبب سوء الأجواء و انعدام الرّؤية."
زفرت كِيري، و عادت للنظر إلى خارج النافذة. يبدو أنّ عليهما أن يواجها كل هذا لوحدهما. لكن هذا ايضًا يعني أن والد كُوتآرُو لن يستطيع أن يكون مع عائلته!
"لقد اقترحا.. أن نذهب للمبيت عند عائلة إيشيدا."
تفاجأت كِيري من قوله و عادت للنظر نحوَه مستفهمةً.
"لأنّهم كما تعلمين، الأقرب لنا موقعًا. و أيضًا العلاقة الطويلة بين عائلتَينا."
المبيت في منزل كُوتآرُو.. شيءٌ لم تتوقّع كِيري أن يحدُث على الإطلاق.
"على الرغم من أني لا أود ذلك، لكن لا يبدو أن ثمَّة خيارًا أفضل. لقد صرفتُ الخدم، اتّصلتُ بالسيّدة كآيُو و كانت في الطريق إلى منزلها، قالت أنه لا مانع من لديها، بل ربّما يكون من أفضل لنا جميعًا البقاء سويًّا. فلتأخذي ما تشعرين بأنك ستحتاجينهُ في حقيبة، و سأكون بانتظاركِ بالاسفل. استعجلي رجاءًا."
استدار و غادر غرفتها بوجهٍ دون ملامح. بقِيت كِيري حائرةً، هل سيسُرّها ذلك أم أنَّهُ لن يكون أمرًا لطيفًا في ظلّ هذه الأجواء المُضطربة.

- - -

لقد بدأت الصورة تتشكّل أكثر فأكثر.

/ / /

صائِد مصّاصِي الدّماء، دَانتِيَآس | ‏DANTIAS-THE VAMPIRE HUNTERحيث تعيش القصص. اكتشف الآن