16

7 2 0
                                    


{
أيَّام و ليالٍ حالكة
تمتدّ طويلًا
حتى لا يُعلم متى
موعد الفجر الآتي
}

/ / /

وصَلَتْ إينمآ إلى مكتبة هذا المنزل العتيق يتبعُها كُوتآرُو، و أغلَقت الباب بعد دخولِهما. تناولتْ دفتر مُذكَّراتٍ كان على طاولة صغيرة خفيضة و فتحتهُ عند صفحةٍ محدّدة ثمَّ مَدّتهُ إلى كُوتآرُو ليقرأ. كانت هناكَ تلك القصيدة القديمة..:

{لقد خُتم الباب باتّحاد دَمٍ و دَمٍ آخر
يُحرَم أن يولد من يجمَعُ الدَّمين معًا
سيكونُ ملعونًا
و بسببهِ ستطال الأُمَّتين فظائعُ لا ترحَم
إن جاء ذلك اليَوم
فإمَّا أن يُضحَّى به عند ذلك الباب
أو لا يعُود بينَ العالَمين أيُّ حاجز.}

بعد أن قرأها الفتى أغلقَ المفكّرة دون الاطّلاع على أيّ شيءٍ آخر و ألقاها إلى نفس الطاولة التي كانت عليها. و بملامحهِ الجامدة التي لم تتبدّل، خاطبها بحَزم: "مَن أنتِ؟"
تملّكها اضطرابٌ ناتِج عن ملاحظتها الحِدَّة البالِغة في تعامُل كُوتآرُو مع ما يجري، فبأيِّ كَلِمةٍ سيهدأ و يُصغِي إلى ما عندها؟ و من أين تبدأ هيَ؟
أخَذتْ نفسًا عميقًا ثمَّ استَهلَّت الحديث بـ: "أوَّلًا، يجب أن تعلم أنَّني آسفة جدًا على ما سأُخبرك به." و أخذت وهلةً لتُركّز أحداقها متأمِّلةً في وجهِ الفتى، لم يبدُ عليهِ الإهتمام بما قالته، فَتابعت: "حسنًا... أنتَ عِشت هنا فيما مضى، لكنّك لم تكُن واعيًا حينها، و لا أحسبُك تذكُر شيئًا من هذا. ما حدث هو كالتّالي: بإحدى ليالي الشتاء المُثلجة قبل نحو عشر سنين، كان زوجِي عائدًا من رحلةٍ بالخَيل مع عدد من رفاقه و الجوُّ عاصفٌ زمهرير. في طريقهم عثروا على جسد امرأة مُلقىً تُحيطُه هالة من الثَّلج المُحمرّ، و بجانبهِ جسم طفلٌ صغير، فنزل عن راحتلهِ ليتحسَّس المرأة أوّلاً فعرف أنها فارقت الحياة منذ ساعات، فنهضَ واقفًا و خلال مراقبتهِ للمشهد بحُزن تحرَّكت يد الطفل تبحثُ في الثَّلج فهَبَّ ليلتقِط الطّفل و يُسرع بإحاطته بما يُدفّئُه. كان يريد دفن جُثّة المرأة لكنّ العاصفة لن تجعل الأمر يسيرًا و مع وجود طفلٍ يحتاج للرّعاية قرّر الإسراع في العودة للمنزل." زفرتْ إينمآ بعُمقٍ و استراحت لثوانٍ. "ذلك الطِّفل كان أنت. والدتُك على الاغلب.. أو رُبّما هو ما أظنُّه أنا.. أحسبُها قُتلت أمامك.." قالت ذلك و بدت عليها علائِمُ الألمْ، بينما لم يُحدث أي من ذلك تبدُّلًا في ملامح كُوتآرُو، و كأنَّهُ كان يتوقَّع شيئًا كهذا. بقيَ مُسمّرًا مكانهُ وكأنَّ ما يُروى لا علاقةَ لهُ به، بل كما لو أنَّها حكايةٌ عن شخصٍ لا يعرفُه، و لن يعرفه.
"لقد كُنتَ مريضًا، و بقيتَ كذلك طوال مُدَّة مكُوثِك هنا رغم محاولاتي للعناية بك. لم تتفاعل مع أيّ أحد، كانت عندي طفلة، هي فقط التي جعلتك تلعب بعض الأحيان معها. بقيتَ هُنا لما يُقارب الستّة أشهُر ثمّ حدثتْ واقعة أبعدتكَ عنّا. لقد اختُطفت مع طفلتي من قبل عصابةٍ كانت تعمل على أخذ فِديةٍ عن خطفِ الأطفال، و اتّضح لي لاحقًا أنّ الأمر أعمق من ذلك، فهُم قد يصلُون إلى المُتاجرة بمن يُختطف و لا يستطيع ذووه تحريره منهم. قاموا بطلب التسوية بإرسال مبلغ هائل من المال لهُم مقابل تركِكُما سويًّا، لكن لبساطة عمل زوجي كانَ جمعُ ذلك المقدار بطيئًا و قد.. توفّي فجأة خلال عمله قبل اكتمال المبلغ.." استدارت إينمآ لتُواري دموعها و تُحاول التَّماسُك، فالخساراتُ مُوجِعة حتّى لو بعد حِين. واصلت حديثها دونَ العودة لمواجهة كُوتآرو: "بعدها كان عليّ العمل لوحدي في محاولة إعادتكمُا إليّ و علِمتُ أن السُّلطات الأمنية كانت تُجري تحقيقات عن هذه العصابة منذ فترة سبقتْ هذه الحادثة، و لأن العصابة قطعت التّواصل معي بسبب موت زوجي، كانَ صعبًا أن أعرف ما جرى لكما. بقيت شهورًا أبحث عن أيّ تفاصيل مهما كانت صغيرة لتقودني إلى العصابة، ثمَّ عرفتُ أنّ السّلطات قد استطاعت تحديد مكانهم و الإمساك بعدد منهم."
زفرتْ إينمآ ثمَّ واجهَت الفتى لتُواصل الحديث له، فليس من نيّتها تجاهُلهُ و هي تعلم بأهمّية ما تقولهُ له. و لدهشتها كانَ كوتآرُو يبدو حاضرًا جسمًا فقط، و عيناهُ كانت على المفكِّرة ثمّ وكأنّهُ استعاد انتباههُ نظرَ إليها إلا أنّه لم ينطق بشيء. استنتجت أنَّهُ ربّما لن يسمع كل شيءٍ في النهاية، حتمًا ثمَّة ما يشوّش فكرهُ وحضورُهُ ليس كاملًا. و مع هذا قرّرت المواصلة: "لم يُعثر عليكما في مخبئهم، و لا أطفال أُخَر كانوا قد اختطفوهم أيضًا. وضعت في بالي احتمال أنّهم رموكم في مكانٍ ما بالمدينة فكُنت أبحث في دور الأيتام و في المستشفيات و غيرها من المؤسسات، و امتد ذلك لمدّة طويلة، فالنَّاس في المدينة غرباء بالنسبة لي، و التعامل معهم ليس سهلًا كما أن الشّرطة بعد ملاحقتها أفراد العصابة الفارّين، لم تُبدِ اهتمامًا بمعرفة مصير الأطفال، لذلك.. لقد تُركتُ وحدي تمامًا."
سكتت إينمآ للحظة. و أدركتْ خلالها أنها لم تُجِب سؤالهُ حتى الآن.. فاقتربت نحوَهُ قليلًا و همست: "كُوتآرُو.. والدتُك تزوّجت من مصَّاص دماء و عاشتْ بعيدًا عن هنا. هناكَ ما حدث لينتهي بها الأمر مقتولةً في منطقة ليست ببعيدة عن البلدة الجبلية و أظن.. أنّها ماتت تُدافع عنك على الأغلب. و أنا... أنا أكون الأُخت الصغرى الوحيدة لها."
أخذَ كُوتآرُو ثوانٍ لاستيعاب ما سمعهُ ثمّ تغيّرَ شيءٌ في وجههِ إلى بعضٍ من العبُوس و كثيرٍ من المرارة لكنّه ظلّ صامتًا. أرادت إينمآ احتضانهُ لتُخفّف عنه لكنّها لم تجد في نفسها القوّة لذلك، فبمعرفتهِ كل هذا سيُدرك أنّ الفرد الوحيد الذي عرف ما حدث له و كان باستطاعته انقاذه، قد تركه لمصيره سنينًا كثيرة.

صائِد مصّاصِي الدّماء، دَانتِيَآس | ‏DANTIAS-THE VAMPIRE HUNTERحيث تعيش القصص. اكتشف الآن