{
و الأيّام المُشرقة
تنجلي أسرعَ من تلك
التي تُغلّفها الكآبة
}/ / /
بقي الأستاذ مكانهُ بجانب كُوتآرُو يُقلّب الخواطِرَ في جوفِه. من الواضح أن جُرح الفتى عميق و لن يُشفى دون رعايةٍ طبّية صحيحة، إلّا أنّ لا أحد من المتواجدين في ذلك المنزل يستطيع تقديمها. بعد مدَّةٍ من الضّياع، توهَّجت عيناهُ بفكرةٍ ما لكنّها ستكون شيئًا مجنونًا حتمًا!
- - -
بعد انتهاء وقت الإفطار، جاءت الآنسة إينمآ لصالة الطعام و طلبت من الجميع أن يرافقوها. انقادوا كُلّهم رغم عدم إفصاحها عن السبب أو إلى أين. مَشوا في الرواق الخشبيّ يتأمّلون الحديقة الواسعة و الغرف المغلقة التي يمرّون بها، إلى أن بلفُوا بابًا فتحتهُ إينمآ و أشارت عليهم بالدّخول. كانت تلك صالة واسعة للغاية مخصّصة للتدريبات القتالية كما يبدو من مظهرها؛ إذ تُوجد عدّة أنواع من الاسلحة الخشبية إمَّا معلّقة على الجدار، أو موضوعة داخل حامِل خاص بها. تِينكي ذلك العجوز الفضّ كانَ مُتربّعًا على الأرض بسَكِينةٍ في جانبٍ من الصالة و خلفهُ توجد الخناجر و السيوف الحقيقية الوحيدة معلّقة على الجدار. أمرهم بالجلوس أمامهُ في صفٍّ واحد. وجد كِين في نفسه الرغبة في التمرّد اشمئزازًا من تجبُّر هذا الرَّجُل عليهم في حركاته و سكناته و كلماته، و لكنّه آثر أن يغُض الطّرف للآن ذلك أن الآخرين امتثلوا للأمر فاضطرَّ للتماشي معهم، و خلال تلك الاثناء أغلقت إينمآ باب الصالة و انصرَفتْ لشؤونها.
"على الرّغم من شكوكي في شأن صاحبكُم؛ لابُدّ من البدء أوَّلًا بدرسٍ تعريفيّ عن سبب وجودكم هنا."
زفَرَ كِين بانفعالٍ مُبالغ فيه: "و أخيرًا."
"اصمت!" جاءهُ النَّهر مُباغتًا دالًّا على أنّه ليسَ مسموحًا لأيٍَ منهم بالنُّطق وقت كلام تِينكي و هذا زاد من غيظ كِين.
انتبهَ الباقون لما جرى و تجمَّدُوا مكانهم و أطرقوا السَّمع. كانت كِيري على وشك سؤالِ العجوز عمَا يعنيهِ بما قاله للتَّو في شأن كُوتآرُو إلا أنها شكرتْ نفسها على تأنِّيها.
استهلّ تِينكِي: "لا يخفى على أيٍّ منكم ما جرى في مدينتكم. ثمَّة مخلوقاتٌ تجُوب هذه المدينة -و مُدنًا آخرى أيضًا- تسفك دِماء النّاس. الجوّ البارد في عِزّ الصيف قد تسبب فيه انطلاق طاقة شرٍّ هائلة ناتجةٍ عن مغادرة عدد من تلك المخلوقات من مكمنها. و قد كانَت بدايةُ خرُوجها قبل عشر سنين."
سكتَ و كأنَّهُ يريد تركَهم يهضمُون مَا قِيل. لقد بدأ الأمر -كما فهموا حتى الآن- منذ مدَّة لا يعرفونها و لكن الاحداث تصاعدت أسرَعَ مساء الأمس. يُخَيَل إليهم الآن و بعد كل تلك الساعات التي قضوها في طريقهم إلى هنا و ما جرى خلالها و إغفاءهم و تناولهم الإفطار، أنَّ الأمس رحَل وكأنَّهُ يومٌ بعيدٌ للغاية. كأنَّهُ ماضٍ حدَث لأُناسٍ ليسوُا هُم. بل يشعر بعضهم بالغُربة التامَّة. إنَّهم في مكانٍ معزول مجهول لهم عن المدينة التي عاشوا فيها غالب سنِيّ عُمرهم.
تابع العجوز: "إنّ القصَّة الاساسيّة حدثتْ قبل وِلادتكم على الاغلب، او أن بعضكم وِلد و لكنه كانَ صغيرًا. و قبل حواليّ الثلاثة عشرَ سنةً، وقعَت أحداثٌ مُشابهة لما يجري الآن. و الحلُّ كان بأن يُختم على العالم الذي تنتمي إليهِ تلك المخلوقات، و هو عالمٌ مُوازٍ لعالمنا. لقد تمَّ ذلك بفضل واحدٍ من أقوى مصاصي الدّماء في ذلك العالم.."
دُهش الحاضرون، فهذا أوَّل ذِكْرٍ لنوع تلك المخلوقات!
"كانَ نبيلًا لم يرضَ أن تُدنّس الحياة بهذهِ الفجاجة فأقامَ هُدنةً مع البشر و عَمِل على ختمِ عالمهم بحاجزٍ يمنع نفاذ مخلوقاتٍ كثيرة إلى هذا العالم. على كلِّ حال.." سعَل العجوز للحظة، "يجِب إعادة الختم. و إقفال البوّابة الرئيسيّة التي خرج من خلالها الكثير من أولئك العطشى."
ثمَّ صَمَت مجددًا ليستريح و يسمح لأذهان الشباب باستعياب ما قيل. هُو لم يُحِط بكافَّة التفاصيل عن قصد، فوضعُ هؤلاء الفتية الأغضّاء و غير الأكفّاء في نظرهِ لا يسمح بذلك، كما أنَّهُ لا يراهم بعدُ مناسبين للمهمّة التي في باله، و لا يعرف لماذا جلبهم الأستاذ إلى هنا مُصِرًّاعلى كونهم (رِفقة لابُدّ منها). قال لهم بعد وهلة: "اسألوا، و لكن بتعقُّل."
"هل كُوتآرُو منهم؟" قفزَ كِين للسؤال مباشرةً دون طلب إذن و هو ما أزعج تِينكي: "أنتَ فتىً يحتاج لتهذيب. أمّا سؤالك فيجِب أن يُجيب عليهِ هو بنفسه."
"هِه." أصدر كِين ذلك الصوت مُبديًا عدم اقتناعهِ و حُنقهُ ممّا سمع. بالطّبع هو لا يشعُر أنّهُ يحتاج لأيّ تهذيب، فهو يتصرّف على طبيعته التي يريد فرضَ تقبُّلها على الآخرين كما يفرِض العجوز الأخرق نفسهُ عليهم الآن. أراد تِينكي من الإستماع لأسئلتهم قياسَ مدى وعيهم بأنفسهم و ما حولهم، و ربّما معرفة مستويات ذكائهم.
رفعت يوكِي يدها أمامها طالبةً الإذن بالسؤال، فأومأ لها العجوز بالموافقة.
"كيف أُزِيل الختم و كيف يمكن إعادته؟"
"سؤالين معًا. الهُدنة كانت تحمِل اتّفاقًا بعدم اجتماع دم البشر مع دم مصّاصي الدّماء أو أيٍّ من مخلوقات العالم الآخر، فتمَّ خرق الهُدنة فارتفعَ الختم. طريقةُ إعادته تستدعِي التضحية بمَن تسبّب في زوال الختم."
تجرّعت كِيري ريقها، و دُهش رينزُو و يُوكي من خطورة الأمر. لم يكُن بإمكان أحدٍ من هؤلاء الثلاثة النّطق بسؤال آخر، لكن كِين بعد فترة من الصمت سأل: "و ما شأنُنا في هذا كُلّه؟"
زفرَ تِينكِي بنفاذ صبرٍ؛ فللتَّو أُعجِب بنباهة يُوكِي و بدأ يتوسّم فيهم خيرًا إلى أن قفزَ الشقيّ كِين و لوّث عليهِ نظرته، فقرّر أن يكون هذا آخر ما سيُجيب عنه: "الأستاذ لديه الجواب. بهذا ينتهي اجتماعُنا لليوم. عندما تتّضح الصورة أكثر سَنعقد جلسةً أخرى. انصرفوا."
أخذوا لحظةً لفهم الأمر الذي أصدرهُ للتّو لهم بالمغادرة فبعضهم كان يريد التّوسع في السُّؤال، ثمَّ نهضُوا بتتابعٍ و خرجوا من الصّالة.
أنت تقرأ
صائِد مصّاصِي الدّماء، دَانتِيَآس | DANTIAS-THE VAMPIRE HUNTER
Vampireهنا نبدأ مَن هو دانتيَآس؟ و ما قصّتهُ؟ هل حكايتهُ تستحقّ أن تُقرأ؟ . . . مَن لا يُحب الخيال و قصص الخوارق لا يدخُل.