{
المشاعِر العميقة لابُدّ من عيشها
كي لا تتحوَّل إلى ندوبٍ لا تُشفَى
}/ / /
خَلُصَ الأستاذ إلى أن الفتى سيبقى هنا إلى أن يُفيق و يستعيدَ صحَّتهُ، فخرجَ ليصنعَ حاجزًا سحرِيًّا حول بيت الطبيب يقومُ بإخفاء هالة كُوتآرُو حتى لا يتعرّض للهجوم لمَّا لا يُوجد مِن حولهِ مَن يستطيع حمايتهُ من تلك المخلُوقات و ذلك قد تمَّ برسمِ حروفٍ خاصّة على الجدران الخارجيّة من كلّ جانب. كانت الشمس قد غربت قبل قليل. لمَّا فرَغ الأستاذ من ذلك عاد للمكتب، فوجد أن الطبيب قد أضاء المكان بقناديل الزَّيت و ما يزال مُنشغلًا لدى الفتى، فجلس ينتظره على المكتب.
- - -
في منزل تِينكي، حثَّتهم إينمآ على تناول الغداء في موعده، رغم أنَّ الجميع كان يبدو مضطربًا و شاردًا كُلّ منهم مأخُوذ بأفكارِه. فحتّى كِيري التي واجهت كُوتآرُو بالقول أنها تكرهُه؛ لم تستطِع التَّوقف عن التّفكير في السَّبب الذي قد يكون من أجلهِ طلب لقاءَ إينمآ، المرأة الغريبة على الجميع. أمّا كِين، فمنذ يومَين و هو مُحاصَرٌ بالشُّكوك بشأن من يكُون كُوتآرُو، فتعاظَمَ ذلك الآن، بل يودّ لو يَجِدُ دليلًا حاسِمًا يُثبت له أنّ ذلك الفتى ليسَ طبيعيًّا مثلهم! حينها سيترُك هذا المكان من فورِه و يختطِف شقيقتهُ إذا أضطرّ إلى ذلك. بعد الغداء، ذهبَ كلٌّ منهم إلى الغُرف المحدّدة لهم ليستريحوا.
وقفت إينمآ تتأمَّل المدينة السَّاكنة بعيدًا جدًا من خلف السّياج المنخفِض و تتذكَّر هِيَامها في طرقاتها للبحث عن ابنتها و ابنِ اُختها. كما ظلَّت تفتّش بناظريهَا في الغابة القريبة لعلّها تلمَح ذلك الفتى عائدًا مع أستاذه. الأقدار أحيانًا تلعبُ لعبتها فتجلِبُ هؤلاء الّذين افترقنا عنهم إلى ديارِنَا؛ لكن بعدَ أن عبثت السّنين بذاكرتهم و محتْ وجودنا فيها. بعد وهلة، كانت يُوكِي تقِفُ خلفَ إينمآ التي لم تنتبه لحضورها.
"هل يُمكننا الحديث؟" سألتها يُوكِي بنبرة هادئة.
وكأنَّما أفاقتْ من غفوَةٍ في اليقظة، استدارت إينمآ نحو الصَّوت تساورها رغبة عارمة في احتضان تلك الفتاة الصّغيرة التي تتظاهر بالصَّلابة دومًا.
"جيّد أنكِ أتيتِ."
أخذت إينمآ تُنعِم النَّظر في يُوكِي لمُدّة أربكَتِ الأخيرة حتّى كادت تستدير عائدةً فأحداق إينمآ تبدُو لها و كأنها تخترِقُها عنوةً و تعرِفُ ما بجوفها رغمًا عنها، وحدهُ الشعُور بحاجتها للمعرفة هو الذي يُقيّدها في مكانها.
"أنا.. في حَيرةٍ كيف أبدأ،" قالت إينمآ أخيرًا.
مشَتْ يُوكِي لتقِفَ عند السِّياج و تكون مُوازيةً لـ إينمآ فتتّخذ أعيُنُهما الغابة و المدينة مشهدًا بدلًا من وجوه بعضهما فيسهُل عليهما التّسامُر. تنهَّدتْ إينمآ بصوتٍ مسموع.
على الرّغم من حجب السُّحب لضوء الشّّمس و أنَّ الجوّ بات متقلّبًا جدًا بين البارد و الدافِئ، فقد مرَّ نسيمٌ مريحٌ كانَ يفترض به في أحوال مختلفة أن يكُون النّسيم المُنبئ بوشوكِ دخول الصَّيف، و كأنَّ الأرض تريد المشي على عهدها رغمًا عن كلِّ ما يجري.
بابتسامةِ رضى، استدارت إينمآ عائدةً إلى التّّحديق في الغابة و من خلفها المدينة ثمَّ استهلَّت حديثها: "الأمر صعبٌ جدًا يا عزيزتي يُوكِي. لا أعرف إذا ما كُنتِ تذكرين هذا المنزل، لكنَّكِ عِشتِ هُنا سالفًا، مع ذلك الفتى أيضًا."
سكتت لثوانٍ لعلّ يُوكِي تُجيب بشيء، لكنّ الأخرى لم تنطِق.
"يُوكِي. عندما كُنتِ في الرَّابعة من العُمر، تمّ اختطافُكِ من هنا. أنا و والدُكِ حاولنا إعادتكِ لأحضاننا لكنّ أبيكِ توُفّيَ قبل أن يستطيع تحقيق ذلك."
لم تُبدِ يُوكِي علائمَ صدمةٍ و لا تحرّك بها رِمش.
"بعد وفاتهِ بقيتُ أحاول وحيدةً البحث عنكما. لكنّ ذلك لم يُثمر شيئًا يُذكر. لكنّكما الآن عُدتما سويًّا تمامًا مثلما رحلتما. لقد بقيتُ على الأمل برؤيتكما ما دُمنا ثلاثتُنا أحياءً مهما طال بنا الزَّمن. يُوكِي، كُنتِ بعُمرٍ يُمكِّنُك من الحفظ، أيُعقل أنّكِ لم تُدركي مَن أنا منذ عودتكِ قبل يومَين؟" كانتْ إينمآ تتمهَّل في حديثها حتّى لا تذرِف المزيدَ من أوجاعها لهذا اليَوم، فتحاشتْ الإغراق في التفاصيل، و سؤالها الأخير أيضًا سَببٌ لاختصارها مُجريات السّنوات العشر الماضية في بضع كلمات.
"ماذا كان عليّ أن أفعل، برأيك؟" سألتها يُوكِي بأسىً. "مَن جِئتُ معهم غريبون عنّي تمامًا، و ليسَ بداخلي رغبة في تغيير ذلك. فقط كُوتآرُو، أعرِفُ يقينًا أنَّني التقيتهُ من قبل و لكنّ الصّور في ذهني ليست جليّة. و بدى لي أنَّ هذا شعُور من طرفٍ واحد، إذ ذلك الأحمَق يتجاهلُني بعجرفة مقيتة لا أفهمُ سببها. أمَّا أنتِ.." نكَسَتْ يُوكِي رأسها حتّى أخفَت خُصلاتها جانب وجهها عن أمِّها. "كُنتُ أشعُر بشيءٍ يرتعش في داخلي حين ألتقيكِ لكنّي اعتدتُ جعل وجهي صامتًا و أتحاشى إظهار شيءٍ من ذلك أمامَ أعيُن كِيري الفاحصة. ولكن لماذا.. لماذا تأخَّرتِ أنتِ؟ لقد شككتُ في شعوري لأنَّكِ لم تُظهرِي أيّ شيءٍ لي، حتّى أنّي نفيتُ معرفتي بكِ أمام كِيري!"
أدركت إينمآ أخيرًا ما فاتها فهمهُ، فمَدَّتْ ذراعها لتحتوي يُوكِي إليها. أرادت أن تُخبرها أنَّ تأخُّرها ليسَ إلّا لكونِها لم تُصدِّق أنَّ يُوكِي قد رجعت هي و كُوتآرُو برجليهِما إلى هنا، و ارتأتْ أن تترَوَّى و تتمهَّل في التَّأكُّد من ذلك خاصّةً و أنَّها لم تكُن تعرِف ما إذا كان الإثنَين يحتفظان بذاكرتِهما عن حياتهما في هذا البيت. الآن أدركَتْ أنّ أحدهُما ما يزال فاقدًا لذاكرته و يحتاجُ للرّعاية بينما الأخرى تتذكَّر و كانت على الأغلب تتعذّب في صَمتٍ بسبب ذلك. بعد كُلّ تلك السّنين، و مع التّغيّرات التي طرأتْ على مظهر و شخصيّة كُلّ من يُوكِي و والدتها إينمآ؛ حتمًا إنّ لديهما الكثير لتجاذب أطراف الحديث عنه على كوبِ شايٍ في غرفةٍ دافئة بعيدًا عن الواقع المشؤوم الذي باتت عليهِ هذه المدينة.
أنت تقرأ
صائِد مصّاصِي الدّماء، دَانتِيَآس | DANTIAS-THE VAMPIRE HUNTER
Vampireهنا نبدأ مَن هو دانتيَآس؟ و ما قصّتهُ؟ هل حكايتهُ تستحقّ أن تُقرأ؟ . . . مَن لا يُحب الخيال و قصص الخوارق لا يدخُل.