09

15 3 0
                                    


{
يحِنُّ المرء دائمًا
إلى أيَّام الطُّمأنينة و السكينة
و الاستيقاظ في عالمٍ
لا يعرف الألم
}

/ / /

غُطِّيَ جسد السيّدة كآيُو بمُلاءة خفيفة نظرًا لعدم مقدرتهم على دفنها في هذا الوقت، فلا أحد يدري ماذا قد يهجُم تاليًا. وقفَ كِين خلفَ نافذة الصّالة الأولى المُطلّة على الشرفة الأماميّة للمنزل، و وَقفَ رينزُو عند النافذة الأخرى، كانَ ثمَّة ثلاثة ظِلالٌ تتحرَّك في الفناء الأماميّ للمنزل، و الظَلام يمنع تبيُّنها و يصعِّب الدِّقة في التصويب إليها، و ليسَ من الحكمة تضييع الذخيرة في وضعٍ كهذا؛ لذلك قرّرا بالاتّفاق بنظرات الأعيُن أن ينتظرا اقتراب هذه المخلوقات حتّى يُردُوها قتيلة بأسرع ما يمكنهم.

كِيري هدَأت، و جلست في أحد الكراسي المجاورة لحيثُ يرقد كُوتآرُو. لا يُمكن لأحدٍ أن يستوعِبَ ما كان قد شعرَ به كُوتآرُو قبل غرقِهِ في الإغفاء، و لن يلُومه أحدٌ لو لم يرغب في الإستيقاظ. عالمهُ باتَ شِبهَ خاوٍ.

خلال انتظارهِما لوصول المخلوقات، ظهرتْ أضواء سيّارة تدخلُ عبر البوّابة الخارجيّة. فتعجّبا للأمر نظرًا لأنهم لم يكونوا يتوقّعون وصول أحد البتّة في هذا الحال. خلال عبورها الطريق المؤدّي للباب الرئيسي، أحدٌ ما من داخل السيّارة أطلق النار على الوحوش المتواجدة في الفناء و اختفت جميعها في ثوانٍ. ظلَّ الإثنان يُراقبان حركة السيّارة بيقظَة حتّى وقفت قُبالةَ درج الباب الرئيسيّ فتبيَّنا أنها سيّارة دفع رباعيّ كبيرة. ترجَّل منها رجلٌ و فتاة، هذا ما دلَّلَتْ عليه ظلالهما المغبشة بظُلمة الليل المُبلَّل و الطقس الكثيف. صعدا السلالم بخِفَّة و مباشرةً دخلا ليجدا سلاحَ رينزُو مصوّبًا نحوهما مع أمرٍ صارمٍ منه بالتوقّف مكانهما!
كان ذلك هو الأستاذ شينزُو، تُرافقهُ فتاة ذات شعرٍ أشقر يصلُ لكتِفها و عينين خضراوين، لم يتعرّف إليها أيّ أحدٍ من الموجودين.
"أرخِ سلاحك،" قال الأستاذ يوشينُو بهدوء، و أومأ كِين لرينزُو أن يفعل ذلك "إنَّه أستاذ في مدرستنا،" أخبرهُ لكي يكون على بيّنة.
تأمَّلت كِيري مُطوَّلًا في الفتاة الغريبة، و كذلك فعل كِين.
"هذه يوكِي، ستكون معنا،" قال الأستاذ.
"معنا؟" استفهمَ كِين و لم يجِد أيَّ ردّ.
مشى الاستاذ نحو مكان كُوتآرُو مارًّا بجانب جسد السيّدة كآيُو المغطّى. "ما به؟"
"هذا اليوم كان عصيبًا جدًا عليه" رَدَّ رينزُو، "أظنه سيحتاج استراحةً.. إذا استطاع الحصول عليها. آخر الحوادث أنَّ والدتهُ قد قُتلت أمامه. لم نستطع دفنها بعد،" و أومَأ براسِهِ إلى مكانِ جسدها على الأرض.
نظرَ الأستاذ نحو الغِطاء بتفهُّم، لقد رأى تلك المرأة حيَّةً قبل مدّة قصيرة. لكن هكذا هو الموت، يختطف النّاس فجأةً و في لحظة يختفي وجُودهم من بيننا، و تبقى ذكرياتُهم في الأذهان فقط.
انحنى إلى كُوتآرُو و حاول ايقاظه، استغرب الجميع من ذلك، أنهضهُ و أجلسهُ على الكرسيّ و ناداه مرارًا و بغتةً بدى و كأنّ كُوتآرُو يُصارعه محاولًا إبعادهُ عنه كما لو أنه يحلُم بالمقاومة في عراكٍ قاسٍ عليه مُردّدًا: "دعني، اتركني!"
"إهدأ!" صاح الأستاذ مُمسكًا إيّاه من على أكتافه و هازًّا جسمهُ بشِدّة حتّى فتح كُوتآرُو عينيه عن اتّساعهما و حملق في الأستاذ.
"لن تترُكني و شأني،" تمتم كُوتآرُو، "سترجع لتقتلني."
"مَن تقصِد؟" سأله الأستاذ.
أغلق كُوتآرُو عينيهِ كمَن يُحاول إبعاد كآبوسٍ عن ذهنه، لم يُجِب سؤال الأستاذ و لكنّه فتح عينيهِ مجدّدًا و ظهر على ملامحه الهدوء و الوَعي.
"أخبرني بالّذي حدث معك؟" طلب منه الأستاذ بينما أبعد يديهِ عنه و جلس بجانبه. مع أنَّ الضوضاء في الخارج قد قلّت لاختفاء المخلوقات، إلا أن كلًّا من رينزو و كِين عادَا لمواقعهما خلف النوافذ، مُتأهِّبين لأي حركة.
"لقد حاولتُ طعنها لتموت، لكنّها.." أجاب كُوتآرُو، "لم تشعُر بذلك."
"كيف تركتك إذًا؟" سألتْ يُوكي هذه المرَّة و كان ذلك مُفاجئًا للجميع، فهو الشيء الوحيد الذي نطقت به منذ دخولها.
استغربَ كُوتآرُو من الصَّوت و استدار ليعرف صاحبته.
كانت يُوكِي تنظُر بحِدَّة إليه، "لم تُجِب على سؤال الأستاذ كما ينبغي!"
أعاد كُوتآرُو ناظريه إلى ما هو امامه، المدفئة و النار المشتعلة و الحطب المُحترق داخلها. راح يتأمَّل فيها و يتذكَّر الجثث التي تساقطت.
(ماذا ينفع الموتى أن نسرُد نهاياتهم؟) تسائل في داخله.
لم يكُن يريد النظر نحو مكان جُثمان والدته و لذلك فضَّل البقاء مُركّزًا على المدفئة فقط.
"كنتُ أعرف انها ستعود،" أجاب، "لذلك خبَّأتُ الخنجر الخاص بي أسفَل قميصي استعدادًا لمواجهتها. لكنّي بدئًا حاولت الهروب منها. فَلحقت بي.. إلى أن وجدتُ نفسي مُحاصرًا، فأخرجتُ خِنجرِي من غمدهِ و طعنتُها مرَّاتٍ بقدر ما استطعتُه بينما كانت ترتشف دمِي."
اقشعرّ جسد كِيري من تخيُّل مقدار الرُّعب الذي عاشهُ كُوتآرُو خلال ظهيرة هذا اليوم، من أنه أصبح كالصّيد الهارب من صائده. ملامح يُوكي مع هذا لم تتبدَّل، كما لو أنَّها تستمع لشيءٍ معتاد. الرّجال بقَوا صامتين منتظرين التتمَّة.
"ثمَّ ربَّما أرادت استفزازي فتوقّفت و أخبرتني أن ما فعَلتُهُ كان يدغدغها فقط. أيّ مخلوقاتٍ هذه!" قال ذلك بصوت متهدِّج ناتِج عن الحُرقة الّتي استدعاها استرجاعهُ لذكرياتٍ يريد لها أن تًطمَس بأسرع ما يُمكن، "يجِب أن تموتي. كان ذلك ما قلته، و خلال لحظةٍ تحوَّلت إلى رماد."
لمعت عينا الأستاذ و كأنَّهُ عثر أخيرًا على إجابةٍ كانَ يبحث عنها طويلًا.
"إذًا هي لن تعود،" أخبرهُ الأستاذ.
"لكنّي ما أزال أشعُر بها.." قال كُوتآرُو ثمَّ سكَتَ لوهلةٍ تبدَّى فيها و كأنَّه سينهار مجددًا فَرَبَّت الأستاذ على كتفهِ بشدَّة حتَّى يوقِظَه. ثمَّ نهض من مكانهِ و قال: "يجب أن نُكرم جسد سيّدة المنزل. ثمَّ سنذهب معًا من هنا إلى مكانٍ أكثر أمنًا."
استمرّ كُوتآرُو في التحديق نحو النّار، لعلَّ لهيبها يحرق الذكريات تلك، و توعَّد نفسه بعدم سرد أيٍّ من هذا لأيّ شخص آخر بعد الآن، في حين أخذ الآخرون يتحرَّكون من حوله، و لم يعرِف أيُّ أحدٍ منهم أنَّ كُوتآرُو قد غرق في حُلمٍ ما بعيدًا عن واقعهم.

صائِد مصّاصِي الدّماء، دَانتِيَآس | ‏DANTIAS-THE VAMPIRE HUNTERحيث تعيش القصص. اكتشف الآن