{
مجيء الصَّباح ليسَ دائمًا
تجدُّد يومٍ آخرَ للجميع
فالبعضُ تساوى عندهُ
الإشراق و الغروب
}/ / /
خارجَ باب كوخ الطَّبيب يوجد كُرسيّ خشبيّ و منضدة ضئيلة بجانبه، أسفل المنضدَة -أي في جوفِها- ثمَّة صُندوقٌ يحتفظ فيه الطَّبيب مآمُورو بأدوات نحت الخشب. كانَ الجوُّ داكنًا بعض الشيء في الخارج، على غير المعتاد في بداية الصّباح، كما أنَّ أنسامًا باردة و أخرى دافئة تتدافع، كأنّما الصيف يتصارعُ مع هذا الجوّ الغازي لموسِمهِ و الذي تسبب في هطول نُدف ثلجٍ صغيرة خلال الليلة الماضية و ما يزال شيءٌ منها مُتكوِّما حول جذوع الأشجار. من المُلاحظ أنّ الأشجار في الغابة صارت مُرهقةً بسبب المناخ الثلجيّ الطارئ مما أفرغَ بعض الأغصان من أوراقها و أخذَ المكان عمومًا يكتسي بحُلَّة الشّتاء. خرج مَآمُورو و في نيّتهِ أن يصنع نِبالًا جديدة حتّى يستخدمها في صيد الغزلان أو الأرانب البريّة، فمخزونهُ منها يُوشك على النفاد. لكنّهُ في ذات الوقت لا يستطيع الابتعاد كثيرًا عن بيتهِ، احترازًا لمجيء أحدٍ أو أن يُفيقَ الفتى النَّائم في الداخل، فأخذ يتجوّل بالقُربِ من الكوخ جامعًا أغصان أشجارٍ مناسبةٍ ثمّ قفل راجعًا ليجلس على الكرسيّ و يستلّ الصندوق مُستخرِجًا منه الأدوات فيبدأ النَّحت. اشتغال يديهِ هكذا يُؤنِسُه و يُنسيهِ بعضًا ممّا قد يزعجهُ من الخواطِر.
- - -
في منزل العجوز، لم يحضُر الأستاذ يوشينُو وجبة الإفطار ممّا أثار تساؤُل الباقين عن كلٍّ من يوشينُو و كُوتآرُو و الّذي أجابت حولهُ إينمآ بأنَّهما سيكُونان بخيرٍ بلا شك، فقط، ثمَّ غيّرت الموضوع و قالت أنَّ عندها و يوكِي خبرًا يُريدان إطلاعهم عليهِ لاحقًا بعد إنهاء الإفطار. كانت إينمآ و يوكي قد قرّرتا الإفصاح عمّا تحدّثتا فيه عصر اليوم الفائت؛ فَتينكِي قال لِإينما أن لا درسَ في صباح هذا اليوم و سيكون هناك تمرينٌ وقت العصر في الخارج و عليها أن تتدبّر أمر الشُّبان و الفتيات خلال الصَّباح. جلسَوا جميعهُم على الممرّ الخشبيّ في المكان الذي يُمكّنهم من رؤية المدينة بعيدًا، فمنذ مجيئهم إلى هذا البيت و هم يجدون أنفسهم يجتمعون هناك و يتسامرون صباحًا أو مساءًا؛ إذ باتَ يمكن وصفهُ بمنطقةِ الأمَل و الرّجاء لهم. ابتدرت إينمآ الحديث بـ: "المرءُ تحدُث في حياته الكثير من المواقف التي لا يملُك حيالها إلا القول بجزعٍ أنَّه خسر كل شيء تمامًا. لكنّهُ إذا كانَ قويًّا و لم ييأس كلّيًا و ظلّ مُتشبّثًا بالتَّفاؤل في أيَّامٍ قادمة تحمِلُ له الخير، فسيُفاجَأ حتمًا بما يُمكن أن يحصُل معه من المسرّات و لو بعد حين." سكتت وقد شعرت أنّها أطالت في مقدّمتها تلك، لكنّها أيضًا حسبتها مهمَّة بالنَّظر إلى ما مَرّ به كلّ الحاضرين من أحداث، فلعلّها بكلماتها ستُسرِّي عنهم. ثمَّ استرسلتْ: "قبل عشرِ سنين، كانت عندي عائلة صغيرة أحببتُ كل أفرادها و كانت أيَّامي بهيجةً و دافئة و مشغولة بعنايتي بهم، زوجٌ و طفلة صغيرة، لم أُرزق بغيرها لظروفٍ خارجة عن إرادتي. لكنَّ تلك الصّغيرة ذاتَ الأعوام الخمس خُطِفت منّي بغتةً، زوجي بذل كُلّ طريقة ممكنة له ليُحاول إعادة ابنتنا و خلال ذلك... توفِّي." تحديقاتُ الشباب أُشيحت عن إينمآ، صحيحٌ أنّهم قد جرّبوا شيئًا من الفقدان لكن لا يرونهُ يوازي ما رُوِيَ للتّو و لذلك شعروا بشيءٍ من الخجل، فتلك المرأة كانت من اللُّطف لدرجة لا يُساور أحدٌ تصوُّر أنها غُصّت بمراراتٍ متتابعة هكذا. أمَّا كِيري فأخذت تتأمَّل نظرات يُوكِي السّاهِمة في إينمآ، يبدو أن حدسها كانَ يُشعرها بذلك و لكن لكون يُوكِي قد نَفَتْ معرفتها بالمرأة فلا تريد الإستعجال في إطلاق الأحكام. واصلتْ إينمآ: "ليس هناك داعٍ للشعور بالأسف حيالي،" قالت ذلك بابتسامةِ رِضىً، "فالإنسانُ صمَّمهُ الخالِق بمقدرةٍ على تجاوُز المآسي. أترك لكم تخيُّل الحِمل الذي كُنت أمشي به، في حين تتلاشى أمامي الخطوات التي يمكنها أن ترشدني إلى مكان ابنتي. و رغم ذلك الشّعور لم أترك نفسي للإستسلام التَّام فأضمرتُ في داخلي أنها حتمًا ستكونُ في مكانٍ ما تعيشُ جيّدًا و سأصِلُ لها، ما دُمنا أحياءً فيُمكن لنا أن نلتقي." كانت منذ بدايتها لِخطابها تُنقّل أحداقها بينَ الأربعة دونَ توقُّفٍ مديد، أمّا الآن فأخذت تُنعِم النظر إلى يُوكي، و تُكمل: "انظرُوا إليها، قد أصبحت يافعةً و فيها شيءٌ من النُّضج و البهاء." التفتَ الشَّابين نحو يُوكِي ليُدركُوا ما فاتهم فهمه في حين ابتسمت كِيري قليلًا لأنها كانت تعرف في دواخلها بذلك.
"رجعت إليّ بنفسها، و إلى بيتِ والدِها. فهل بعدَ ذلك ستكونُ هناك قصصٌ عمَّن اُخِذَ شيءٌ من حياتهم فظلموا أنفسهم بالإسراف في إيذاء قلوبهم بالحسرة و فقدان الأمل في الحياة كُلّها؟"
حينها نهضت يوكِي عن مجلسها و وقفت مواجهةً البقيّة: "كِيري كان لديها شكوكٌ في هذا، لكن لأني كنتُ أتذكّر الأمور بشكلٍ ضبابيّ ظننتُ أنّ ما تذكّرتهُ عن المكان و عن والدتي خطأ، فأنكرتُ ارتباطي. أعتذر لذلك، كِيري." قالت يُوكِي بنبرةٍ هادئة، بينما كِين كانَ مُستغربًا تمامًا من الموقف في حين رينزُو لم يُغادر صمتهُ و بقيَ منزويًا في زاوية نفسه يفكِّر في الكثير من الامور التي تخصُّهُ هو و كذلك سيّدهُ الشّاب الصغير الذي يقلقهُ غيابُه الفجائي و انقطاع خبره.
أنت تقرأ
صائِد مصّاصِي الدّماء، دَانتِيَآس | DANTIAS-THE VAMPIRE HUNTER
Vampireهنا نبدأ مَن هو دانتيَآس؟ و ما قصّتهُ؟ هل حكايتهُ تستحقّ أن تُقرأ؟ . . . مَن لا يُحب الخيال و قصص الخوارق لا يدخُل.