{
إنْ كانت السّماء تُمطر
سيستَترُ الكثير وراء صوت و غبَش القطرات
و معهُ نحيبٌ خلفَ نافذة محطّمة
}/ / /
خرَج الأستاذ و كُوتآرُو و تينكي إلى خارج أسوار المنزل قاصدين مكانًا يبعُد عن هنا بضع كِيلومترات حتّى يُجنّبوا أنفسهم مشاكلَ إضافيّة. كانَ كوتآرُو يشعُر بالحاجز المُحيط بالمنزل، و بعد الإبتعاد عنه قليلًا إلتفتَ ليرى كيف اختفى المنزل بأكمَلهِ خَلْفَ الصورة التي يُظهرها الحاجز للنَّاظر من الخارج، و التي تُهّيء له أنَّ مكان المنزل محض امتداد لهذه الغابة. العجوز تِينكي هو الذي كان يقود الباقين لأنّهُ أكثر معرفةً بالمنطقة. بعد حوالي العشر دقائق سيرًا بين الأشجار و الشُّجيرات، وصلوا إلى شلَّالٍ ضِمن نهرٍ يقطع الغابة. المكان الذي وقفوا عنده مرتفِع حيث لا يُدرِكون نهاية الشلال إلا بعيونهم. أمر تينكي كوتآرُو بالنزول إلى الأسفل و تنفيذ ما اتُفِقَ عليها سلفًا. كوتآرُو كان فعليًّا يُقاد معهم فاقدًا الرغبة، ممتلئًا بالكُره لذلك العجوز، بعد إلقاءهِ نظرةً مطوّلة على العجوز و الأستاذ، استدار عنهم ليبحث عن طريقة لا تُرديه قتيلًا ينزل بها إلى حيث مجرى النهر.
بعد إذ تعثّر و تدحرج قليلًا بلغَ المكان الملائم الذي يُمكن لهما رؤيتهُ فيه و لكن هُما سيبقيَان شبهَ مخفيّين عن الإنتباه.
صوتُ الماء المُنهمِر بقوّةٍ على الصّّخرِ في أسفل الشّلّال جعل كُوتآرو يهيمُ للحظة فيه و يسهُو عن مهمّته. فصفَّر له الأستاذ ليُوقظهُ و يُشير عليه بالتحرُّك. أخرجَ كُوتآرو خِنجرهُ من غمدهِ الذي كانَ موضوعًا أسفلَ قميصهِ خلفَ ظهرهِ، و تمعَّن فيهِ متذكّرًا أوّل مرَّةٍ يستخدمهُ إذ كانَ يطعنُ مصّاصة الدّماء دفاعًا عن نفسه. رفعَ يدهُ اليسرى عن استراحتها و بسَطَ كفَّهُ أمامَهُ ثمَّ حفرَ بالخنجر جُرحًا يسيرًا في باطن يدِه، على تألُّمٍ مكتُوم، ثمَّ أغمدَ خِنجرَهُ و وقفَ بثباتٍ ينتظِر. كانت مهمّتهُ استدراجُ أحدٍ ليُري العجوز المتعنِّت ما يبحث عنه، و القليل من الدم سيفي بالغرض. بعد وهلةٍ خلالها تخدّرت اُذن كُوتآرُو من صوت الشّلال، احسَّ بأن ثمَّة بوّابة أو خللًا في مكانٍ ليس ببعيد يُسهِّل خروج تلك المخلوقات عبره. مع هذا ظلّ واقفًا مكانهُ و الاحساس بهيئةٍ غامضة تقترب منهُ يُزاحم هلوساتهِ التي استيقظت تُعيد إليه احداث ذلك المساء اللعين الذي قُتل فيهِ ثلاثة أُناسٍ مقرّبين منه حتّى بلغَ ذلك الرَّجُل مكانًا مواجِهًا لـكُوتآرُو في الضفّة الأخرى من النهر. وقفَ رجُلٌ طويلٌ ذو بُنية جسميّة عظيمة بعض الشّيء مقارنةً بحجم كُوتآرُو الذي ثبّت نظراتهِ إلى الرَّجُل محاولًا التّركيز فيما هو آتٍ. و لكن أنّى له ذلك و قد أخذَت دواخلهُ تئِنّ مُسترجعةً ألمهُ و شوقه و أسفهُ و حنينهُ و الشعور بالذنب و المسؤولية!
"صَيدٌ لذيذ!" كشّر الرجل عن أسنانهِ مستبشرًا بما عثر عليهِ دون أدنى شكٍّ في أن تكون هناكَ مكيدة حِيكتْ لاصطياده.
كُوتآرُو المشوّش أظهرَت ملامحهُ شيئًا من الخوف فقد هالَهُ حجم ذلك الرّجل، في حين قفز الأخير من موقعهِ و إذا به امامَ وجه كُوتآرُو!
تراجع الفتى إلى الوراء لكنّ يد الرّجل كانت أسرع إذ اختطفت عُنُق كُوتآرُو و رفعتهُ عاليًا دونَ أن تضغَط على عنقه خانقةً إيّاه لكنّ ما جرى أرعبَ الفتى و غمرهُ الجزَع. راقب الأستاذ المُجريات بصبرٍ نافد تُشقيهِ رغبة داخليّة في القفز للأسفل بأسرع سبيلٍ لإنقاذ كُوتآرُو لكن كانَ يشعُر بأن تينكي لن يسمح له بالإتيان بأيّ حركة فَسَكنَ مكانه مترقّبًا و الاضطراب يتفجّر في وجهه.
لدى الرّجل رغبةٌ عنيفة في التغذّي على دمٍ دافئٍ من جسمٍ حيّ، و لذلك لم يكسِر عُنق الفتى و لكن أخذ برسغهِ الذي غشاهُ بعض الدم من جرحهِ السالف، و اعتبرَ هذا الموضع تَحلِيةً له.
غرس الأنياب، و سحب الدّم أوجع كُوتآرُو لكنّه لم يخرجه بالكامِل من حالة الخدَر و الهذيان التي دخل فيها سالفًا، تكالبت عليه ذاكرتهُ و تعبُهُ و شعورهُ بانعدام رغبتهِ في العيش و هذا الحال الذي سقَطَ فيه الآن مُرغمًا، و قد نسي ما الهدف من جعلهِ يستدعي هذا الرجل. تناهى إلى مسمعهِ صوت بعيدٌ يبدو و كأنّهُ ينادي باِسمه، لم يكن قادرًا على التركيز فيهِ و مع ذلك أخذ الصوت يقترب و يتّضح أكثر. كان ذلك الأستاذ يوشينُو الذي انفلتَ من موقعهِ فجأةً و راحَ ينزل من على الجُرف و ينادي كُوتآرُو حتى يحُثّهُ على إنهاء المهمة أو أن يُحاول الوصول إليه و يُحرّرهُ من هذا الرّجل على الأقل. انتبهَ الرّجل للصّوت و توقف عن فعلتهِ و اتّجه ببصرهِ إلى الأستاذ، لحظتها رجعَ لـكُوتآرُو احساسهُ بالواقع و بعد بضع شهقاتٍ تمتمَ و أحداقهُ متسمّرةً على وجه الرّجل: "فلتمُت!"
سمعَ الرّجل الكلمة و ألقى على كُوتآرُو نظرةَ المُتفاجئ، لقد أدرك أنه اُقتيد إلى فخّ و وقع فيهِ بسفاهة و غياب حِكمة. شعرَ باضطرام نارٍ استعَرَت في جوفِه فأفلتَ عُنق كُوتآرُو و تأوَّهَ لثوانٍ مترنّحًا ثمَّ تحجَّرَ و تفتَّت جسدهُ العملاق إلى أشلاء تناثرت مع الهواء العابر.
كوتآرُو الذي وقع على الأرض جلسَ مكانهُ يلهَثُ محاولًا استعادة هدوءهِ و سكينتهِ المعهودة، و بعد دقيقة وصل الأستاذ إليه.
"أأنت بخير؟" سأله الأستاذ فرفعَ كوتآرُو رأسهُ إليه بملامح باردة و اجاب: "آمل أن العرضَ قد أمتع ناظرَيه." كانَ يقصِدُ العجوز المتعنّت الذي وصل هو الآخر إلى موضع بالقُرب من مكانهما عند ضفّة النهر. أمسكَ الأستاذ يد كوتآرُو المُصابة و قال بضرورة علاجها سريعًا لكنّ الفتى سحبها منه و وقفَ على قدميه على مهلٍ ثمّ قال: "نحن محاصرون."
كانَ يشعُر بوجود أشخاصٍ آخرين قد شَهِدُوا ما حدث لذلك الرَّجل، و على الاغلب هُم يكيدون الآن طريقةً يُهاجمون بها.
"الفتى مُحقّ." قال تينكي بعد صمتٍ و دون ابداء أيّ رأيٍ فيما قد جرى. "لا بُد أنّهم يريدون إنهاء الأمر هنا."
الأستاذ الذي هبّ واقفًا هو الآخر استلّ خنجرَين من أغمدتهما المُعلّقة في حزام بنطاله، فكلام الإثنين أعلمهُ أنّ هناك خطرًا آتيًا و يجب فعل شيء لحماية كُوتآرُو خاصةً.
"أنتَ ضعيف، فابقَ في الخلف." خاطب تينكي كُوتآرُو بلهجةٍ قاسية فحدَّق فيه كُوتآرُو بعينَين حاقدتَيْن للحظة و خلال تلك الثواني ظهرت امرأة و معها رجلٌ شاب و امرأة شابّة اُخرى خلفها في الضفّة المقابلة من النهر. كان أولئك الثلاثة قد رأوا ما جرى آنفًا، و الآخرون الذين أحاطوا بالمكان فجأةً مُختفين عن الأنظار كانوا تابعين لتلك المرأة التي تتقدّم الإثنين الآخرين على الأرجح.
استهلَّتْ حديثها: "ظهرتَ أخيرًا."
الأستاذ و تينكي يعرِفان ماذا تعني، وحدهُ كُوتإرُو لم يفهم كلامها و مع ذلك حملق نحوها و تصوّر أنه سيكون بمثابة الطَُعم دومًا ما بقيَ برفقة أستاذهِ و تينكي. كان يود الفرار من هذا المكان و من كل شيء.. حتى من نفسه، اذا كان يُمكن ذلك!
اشارت المرأة على رفيقيها بالهجوم فانطلقَ كُلٌّ منهما ليواجهَ الرجل الأستاذ و المرأة تينكِي، في حين بقيت هي مكانها و عيناها لا تترُكان كُوتآرُو. القتال بين كلا الفريقين كانَ حاميًا، تينكي كان يستخدم عصًا صلبةً كأنها سيف و بسبب قوّتهِ و مهارتهِ العالية لم تكن مصّاصة الدماء قادرةً على إحداث إصاباتٍ له، في حين تعرّض الأستاذ لبضع رضوضٍ بفضل قوّة الرجل الشّاب الذي يواجهه. كُوتآرُو يُناقل ناظريه بين كل اتّجاه، كانَ الجميع في سُرعة و عزمٍ يُسبب القلق لمن يتأمَّل في الوضع من بعيد. ملاحقتهُ لهم بأحداقهِ جعلته يرتبك و يُدرك أنّ الأمر جدّي للغاية، أكثر ممّا هو مستعدٌّ له، و أكثر ممّا يعرفهُ هو عمَّا يجري؛ فلم يتم تنويرُه بكل شيءٍ بعد، لقد تُرك في ظلام بعض الظّنون لأنَّهُ في نظر العجوز ليسَ مؤهّلًا بعد. استغلّت المرأة انشغال رفاقها بقتال حُماة كُوتآرُو و انطلقت نحوَهُ مُباغتةً إيّاه إذ وجدها أمامهُ على حين غرّة، و لأنَّهُ اكتسب شيئًا من السرعة في الحركة هرب منها مبتعدًا مُتواريًا عن الانظار كما لو كان مصاص دماءٍ مثلها!
انتبه العجوز للأمر فتركَ الشابة التي تواجهه و أسرعَ يلحق بكُوتآرُو الذي تحاول قائدتهم الإمساك به و هو يراوغها. لم يكن باستطاعته القتال، لأنه لم يسبق له التدرّب على ذلك، فكانَ الهربُ سبيلهُ الوحيد الآن، و لكن لماذا يفِرّ؟
لماذا يشعُر أن عليه إنقاذ نفسه مجددًا؟
بغتةً اعتراهُ وهنٌ شديد و تنميلٌ في أطرافه أدى إلى توقّفه عن الحركة، كانَ أحد تابعي تلك المرأة قد حضّر سُمَّا عصبيًا يسبب شللًا حركيًا مؤقتًا في ابرةٍ صغيرة، رمى كُوتآرُو بها فأخذ السم يسري في جسمهِ و ها هوَ يهوي على الأرض على ظهره عاجزًا عن تحريك أي عضوٍ حتى رِمش عينيهِ و لقي نفسه مذهولًا و مصدومًا من الصَّمتِ التامّ الذي أُحيط به إذ فقدَ حواسّهُ كلّها كما يبدو، إلّا النظر. لم يُدرك كُوتآرُو ما حصل له لكنه رأى أحدًا ما يحاول النَّيل منه هاويًا من على شجرةٍ و في يدهِ خنجرٌ غريب الشكل كان ينوي غرسهُ في صدر كُوتآرُو لولا أنّ ذراعهُ قُطِعَتْ بنصلِ سيفٍ قصيرٍ و سقطت اليد الممسكة بالخنجر تتدحرج جانبًا و قطرات دم تناثرت على وجه كُوتآرُو في حين جسم الرجل وقعَ على جسد كُوتآرُو المتيبّس و أخذ يتلوّى ألمًا فأكمَل تينكي عملهُ و قطع رأس الرجل ليتحجَّرَ لثوانٍ ثمّ يتلاشى كغُبار.
كانَ ذلك السيف القصير مخبوءًا داخل العصى الخشبيّ الذي قاتل به الشّابة، و أبرزهُ عند حاجته له الآن ثمّ أعاده لغمده و انحنى على ركبتهِ ليواجه وجههُ وجهَ كُوتآرُو و يهمس له: "ما تزال ضعيفًا."
أدركت القائدة ممّا رأتهُ من المقاومة و قوّة العجوز خصيصًا أنهم ليسوا قادرين على الوصول للفتى، فقد قتل تينكي ثلاثةً من تابعيها قبل أن يختم عملهُ بقتل ذلك الذي استطاعَ شلّ حركةَ كُوتآرُو، فأمرت البقية بالإنسحاب.
وصل الأستاذ لاهثًا و مُرهقًا إلى حيث كُوتآرُو و العجوز. كانَ كُوتآرُو لا يستطيع سماع كلامهما لكنّ حركة الشفاه تبدو مألوفةً عنده لبعض الكلمات، اتّفقا على العودة بسرعة إلى المنزل و الوقوف على علاج كُوتآرو. فحملهُ الأستاذ على ظهرهِ و أسرعَ في خُطاهُ بالقدر المستطاع.لكن لماذا يجب أن يحدُث كل ذلك؟
كُلّ ما جرى منذ ذلك المساء يُجترُّ مجدّدًا حتى يُموّه الرُّؤية و يتصيّر إلى السّواد./ / /
أنت تقرأ
صائِد مصّاصِي الدّماء، دَانتِيَآس | DANTIAS-THE VAMPIRE HUNTER
Vampireهنا نبدأ مَن هو دانتيَآس؟ و ما قصّتهُ؟ هل حكايتهُ تستحقّ أن تُقرأ؟ . . . مَن لا يُحب الخيال و قصص الخوارق لا يدخُل.