نفس الأفكار تتوالى في كل يوم، صباح صامت يخلو من ضجيج الحياة، بينما لازال الظلام يسود و الناس نيام، حينها أستيقظ كارها للذهاب لمكان لا أنتمي إليه، أنهض كالذي يتخبطه الشيطان من المس، لعيش حياة لا تناسبني بتاتا، سببها اختيارات مراهق طائش متشبع الفكر باعتقادات مجتمعية بالية، "اجتهد في الدراسة حتى تحصل على منصب محترم، براتب مريح، و إذا أردت الغنى، فاجتهد في عملك. حتى تحصل على علاوات و ترقيات هي التي ستخولك لبلوغ حياة الرفاهية" بسبب هذا الفكر أنا الآن أدفع الثمن، الثمن باهظ جدا، الثمن وقت، الثمن حياة، الثمن صحة، الثمن إنسان هو مجرد جسد، يخلو في داخله من أي تعابير، مجرد أبيض على أسود، دون ألوان، أغير ملابسي المنزلية في الصباح استعدادا للخروج بينما مخيلتي تفكر في تلك اللحظة في المساء حينما أعود فأرتديهم ثانية، و أجد أنني في المساء أيضا أكرر نفس المشهد، بحيث مخيلتي تسرح في ذات الفعل الذي ينتظرني في صباح الغد، أخرج فأتوجه نحو نفس المكان الذي يستنزف مني أغلى ما أملك حاليا، وقت و جهد شاب يطمح للمزيد، نفس الوجوه أقابلها، نفس المشاعر تتكرر، فلهذا تحيته الخاصة، و لذاك نفس المعاملة، و لكل حوار يتعلق به فقط، يعيد نفسه بشكل كبير إلى حد ما في كل يوم، فضلا عن أولئك الذين يتجهون في المنحى الآخر من الطريق عكسي، كل ما يجمعنا هو تحية سلام لله و إن لم تكن دائمة، أنا لا أكرههم لشخصهم، بل أكره سلوكهم، الذي لا يتوافق مع مبادئي، لا أقول أن مبادئي على صواب لكنني مقتنع بها، و أهمها أن تتبنى مبادئا و تدافع عنها، أما إن كنت سهل التنازل فأنت تحط من قيمتك كإنسان كرمه الله و تحط من قدرك في أعين الناس فلا تتذمر بعدها من قلة الإحترام التي قد تتلقاها.
أتخيل لو كانت هناك كاميرا مراقبة تتابع تفاصيل حياتي، أكاد أجزم أن المراقب خلفها أصابه الضجر و الملل منذ مدة طويلة، فكيف لا و نفس النمط يعيد نفسه في كل يوم، لكن وسط هذا النمط المتكرر و المشاهد التي تعيد نفسها، هناك مشهد بالظبط أسعد برؤيته في كل يوم، و هو جمع السائرين في الظلمات تلبية لنداء "الصلاة خير من النوم"، فليس كل نمط كئيب، و ليس كل نمط سلبي بل هناك أفعال بتكرارها تزيد حلاوتها، فكيف لا و هي تقدم الخير كله، دنيويا كان قبل أخروي، لذلك اجعل لنفسك لحظات إيجابية يهف إليها قلبك وسط ذلك النمط السلبي، فلا تكون بذلك حبيس الكآبة، ستجد أن نفسك تحملك على تلك اللحظات الجميلة لتكون هي متنفسا لك، و مع مضي الوقت سيدفعك ذلك الشعور الذي تحس به أثناء القيام بها إلى أن تجعل تلك التي كانت مجرد لحظات، إلى ساعات طوال لن تستشعر مرورها.
