الكوميديا البيضاء

3 1 0
                                    

نحن شعب يحب من يدغدغ مشاعره، نحب من يطبطب على أكتافنا، أكثر الكلام الذي نقتنع به هو الذي نرغب في سماعه منذ الأول،

لا داعي لأي أدلة علمية، كما ليس هناك أي حاجة لبناء بنية حجاجية ومنهج عقلي للمناقشة، يكفي أن تغلف كلامك بالعاطفة وتعزف على أوتار الأحاسيس حتى تجد أن معظم الناس انسابوا لرأيك،

ما الذي استفدناه من البرامج التي تحكي واقعنا، نسمع تلك الكلمات، ثم نتأثر قليلا، وننبهر كيف لهذا الفنان أو ذاك أن يقدر على قول هذا الكلام بشكل علني،

ألا يخاف على نفسه من تلك القبضة الخفية التي لطالما أرعبونا بوجودها، أتذكر في صغري وأنا أشاهد في جلسة عائلية مسرحية ما، حتى ينطق أحد الممثلين ويعبر عن ما في داخله من غضب تجاه موضوع معين،

أو أن يرسل رسالة مبهمة نوعا ما لحدث مضى،  أو لشخص معين، ثم أجد بعدها تصفيقا من الجماهير، هل هي كتشجيع له على ما قال، أم للتعبير على موافقتهم على كلامه،

المهم يحسب له أنه تحسس موضع الجرح الذي يؤلم كل مستمع، لكن ماذا بعد؟ هل سنظل نلمس هذا الجرح فقط؟ هل ذلك كاف لالتئامه،

لا أبدا، لن يشفى ولن يندمل ما لم يعالج، كذلك المشاكل، الحديث عنها لا يغير من الواقع شيء، والخوض فيها ليس فيه أي ضرر على من يتحدث عنه، بالعكس بل سيزيده شهرة وسط الجمهور،

على اعتبار أنه ذلك الفارس المغوار الذي تجرأ ودخل جحر الثعابين دون أن يرتعد، والسؤال الذي في ذهني الآن،

هل التحدث عن مشاكل المجتمع، طريقة خبيثة لجلب المشاهدات، أم هو الوسيلة التي يستطيع أن يشارك بها ذلك الفنان في التغيير على اعتبار أن ذلك ما يبرع به أن يقدمه،

يبقى مجرد تساؤل إلى الآن، لأنني لا أطعن في نوايا البشر بغير علم، لكن من جانب آخر أتحسر،

أتحسر أننا في كل مرة تنطلي علينا نفس الخدعة، ليس لغبائنا بل هو لطيبتنا، وظننا بالآخرين حسنا، ففي كل مرة يظهر لنا وجه جديد، نظن به خيرا، خصوصا إذا أسمعنا ما نريد عوض ما نحتاج.

نشاهد عملا فنيا سواء كان أغنية، فيلما، مسرحية إلخ... يهيج مشاعرنا تجاه آفة ما، نتعاطف مع الموضوع قليلا، ثم نسكت ضميرنا بجملة "ليس في مقدورنا عمل أي شيء" بل لدينا كل القدرة على التغيير، التغيير يبدأ من كل شخص، لا نحتاج أن ننتظر حتى نكون مجموعات، يكفي أن نبدأ بأنفسنا.

متناثراتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن